الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا

Spread the love

قراءة: علي مطر — تكتسب أفريقيا أهمية خاصة بالنسبة للكيان الصهيوني، فهي منبع الثروات والاستثمارات والأموال، ومشروع دائم لبوابة خلفية لـ”إسرائيل” على الدول العربية. تلعب “إسرائيل” خلال هذه العلاقة الجدلية على وتر حقوق الإنسان والاضطهاد وتجارة الرقيق والمحرقة لكي تدخل إلى قلوب الأفارقة لتبعدهم عن فلسطين بعد أن كان موقفهم موحداً تجاهها.
وعلى الرغم من عودة الروح للعلاقات الإسرائيلية – الأفريقية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة إلا ان مكانة أفريقيا شهدت تراجعاً في أولويات التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي. بيد أن ظهور بعض التهديدات الأمنية على الساحة الأفريقية ولا سيما في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر 2011، وحدوث نوع من التكالب الاستعماري الجديد على موارد وثروات أفريقيا الطبيعية، ما دفع بالقيادة الإسرائيلية إلى إعادة التأكيد مرة أخرى على محورية أفريقيا في عملية صياغة السياسة الخارجية الإسرائيلية.
ومن الواضح أن الخطاب السياسي والإعلامي الصهيوني الموجه لأفريقيا، قد استخدم منذ بداية نشأة إسرائيل المصطنعة قضية تجارة العبيد والمحرقة كإحدى أدوات الاختراق الإسرائيلي لكسب عقول وقلوب الأفارقة. وتعطي علاقات إسرائيل ورواندا مثالاً على محورية التوظيف السياسي لخبرات الإبادة الجماعية المشتركة. ومن اللافت أن ثمة جهوداً يمارسها المجتمع المدني الإسرائيلي لدعم الروابط الثقافية المشتركة بين الكيان الإسرائيلي وأفريقيا.
كل ذلك ينبع بالنسبة لإسرائيل من موقف الأفارقة من القضية الفلسطينية، هذا ما يؤكده الدكتور حمدي عبد الرحمن في كتابه “الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا”، حيث يرى أن المواقف الأفريقية من القضية الفلسطينية بحسبانها حركة تحرر وطني قد اتسمت بالتعقد والتغير وعدم التجانس، وهو الأمر الذي يدفع إلى أكثر من سؤال حول الدوافع التي تفسر موقف الأفارقة إزاء الكيان الصهيوني، وهنا يشير الكاتب إلى متغيرات ثلاثة:

– إن فرض الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط أدى إلى نظام إقليمي صراعي، بحيث أضحى سمة لأزمة للتفاعلات العربية الإسرائيلية.
– ارتباط وتأثر العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بالعلاقات العربية الأفريقية قد أدى الى اعتبار القارة ساحة صراع بين إسرائيل والعرب.
– ارتباط كل من إسرائيل والعرب والأفارقة بمتغيرات النظام الدولي، حيث تأثرات العلاقات بين هذه المجموعات بإرادة وتوجهات النظام الدولي سواء منه القديم أو الجديد.

وقد شهدت مواقف الدول الأفريقية تحولات حيال القضية الفلسطينية، وربما تعزى تلك التحولات إلى تغير الاهتمامات الأفريقية فضلاً عن تطور ديناميات النظام الدولي.
يحاول الدكتور حمدي من خلال فصول كتابه كشف التغلغل والوجود الإسرائيلي في أفريقيا، لذلك يتحدث في عن أهداف ومحددات السياسة الإسرائيلية تجاهها، ثم يركز على تطور العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية منذ بداية التغلغل في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، مروراً بالقطيعة الأفريقية لإسرائيل في السبعينيات، كما يتناول التغير والثابت في قضايا العلاقات الإسرائيلية الأفريقية.

أهداف السياسة الإسرائيلية في أفريقيا
انطلاقاً من نشأتها المصطنعة في المنطقة ومحاولاتها تقويض أسس ودعائم الأمن القومي العربي، حاولت إسرائيل تحقيق جملة من الأهداف في بناء علاقاتها الأفريقية، يمكن تلخصيها بخمسة أهداف كالتالي:

1- كسر حدة العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومن سار في فلكها، بالإضافة إلى محاولة كسب نوع من الشرعية السياسية في الساحة الدولية، وبالتالي فإن أي علاقة مع دولة أفريقية يعني تحييد أي مصدر محتمل لتأييد الدول العربية.
2- كسب تأييد الدول الأفريقية من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي حيث تم النظر إلى الدول الأفريقية باعتبارها بعيدة عن أي انحيازات مسبقة لصالح أي من الطرفين.
3- العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم إسرائيل على أنها نموذج لشعب الله المختار.
4- السعي لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي من حيث تأمين كيان إسرائيل وضمان هجرة اليهود الأفارقة إلى إسرائيل، والحيلولة دون أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية.
5- بناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية لإسرائيل، وذلك من خلال ما يمكن تسميته شد الأطراف حيث تعتمد إسرائيل على النيل من أطراف نظام الأمن العربي باعتباره المستهدف في الاستراتيجية الإسرائيلية.
محددات السياسية الإسرائيلية في أفريقيا

نتنياهو خلال جولة أفريقية
نتنياهو خلال جولة أفريقية
كما أن ثمة أهدافاً لإسرائيل لتغلغلها في أفريقيا، فإن هناك محددات يتحدث عنها الدكتور حمدي عبد الرحمن يمكن الإشارة إليها كالتالي:

1- محورية الصراع العربي الإسرائيلي في تحديد هذه العلاقات، ويأتي ذلك نتيجة انعكاسات الحرب الباردة على النظامين الاقليمي والأفريقي فضلاً عن النظام الدولي، والإدراك الإسرائيلي لأهمية أفريقيا بحسبانها ساحة من ساحات إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، فضلاً عن أن حركة المد والجزر في العلاقات الأفريقية الإسرائيلية ارتبطت بتطور الصراع العربي الإسرائيلي، وقد ارتبطت قطع هذه العلاقة وعودتها بحرب أكتوبر 1973، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وقد نظرت إسرائيل منذ البداية، إلى أفريقيا باعتبارها قادرة على القيام بدور محوري في تسوية محتملة للصراع العربي الإسرائيلي استناداً إلى عدد من الحقائق أبرزها:

– الصداقة المتبادلة بينها وبين كل من العرب والإسرائيليين.
– تحررها من الأبعاد النفسية والأخلاقية الخاصة بطبيعة الصراع في الشرق الأوسط.

2- المكانة الأفريقية في المنظومة الدولية، فعلى الرغم من أن أفريقيا قارة مجهولة بالنسبة للعاملين في وزارة الخارجية الإسرائيلية في أعوام الخمسينيات من القرن الماضي، إلا انها لم تكن كذلك على مستوى التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي وذلك مقارنة بقارات العالم الأخرى.

3- الجاليات اليهودية في أفريقيا، حيث معلوم أن أفريقيا تحتضن بين ظهرانيها جاليات يهودية متفاوتة الأحجام ومتباينة القوة والتأثير. ففي شمال أفريقيا جماعات من اليهود السيفارديم الذين قدموا بالأساس من إسبانيا والبرتغال خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
4- المصالح الاقتصادية والتجارية، حيث من المعلوم أن القارة الأفريقية غنية بثرواتها المعدنية والطبيعية فهي تمتلك العديد من المعادن والمواد الخام المهمة مثل الماس والذهب والخشب والكاكاو والبن والزيت.

5- العامل الخامس من المحددات هي المصالح الاستراتيجية، حيث تمثل منطقة القرن الافريقي ولا سيما إثيوبيا وأرتيريا أهمية استراتيجية خاصةً لإسرائيل حيث إنها قريبة من باب المندب الذي يتحكم في مدخل البحر الأحمر الجنوبي فضلاً عن أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للمرات البحرية والجوية المتجهة إلى الشرق وجنوب أفريقيا.

6- العامل الإسلامي، فأفريقيا تعد قارة الإسلام، حيث أن معتنقي الإسلام فيها يمثلون الأغلبية العددية مقارنة بأصحاب الديانات السماوية والتقليدية الأخرى.

7- طبيعية الدولة والنظام الحاكم في أفريقيا، حيث ارتبطت العلاقات الإسرائيلية ـ الأفريقية ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الدولة والنظم السائدة فيها.

توتر العلاقات الإسرائيلية الأفريقية وعودتها مجدداً

أضحت لأفريقيا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي أولوية قصوى في أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية، وقد اتضح ذلك بجلاء من قيام إسرائيل بتأسيس علاقات دبلوماسية مع نحو 33 دولة إفريقية خلال عقد الستينيات، وذلك من أجل أن تكسر إسرائيل العزلة التي فرضت عليها من قبل الدول العربية وأن تحصل على صك الشرعية الدولية من خلال الحصول على الدعم السياسي من الدول الأفريقية في المحافل الدولية ولا سيما في ما بتعلق بمشكلة الشرق الأوسط.

ويشير الكاتب إلى الدوافع التي ساهمت في دفع الكيان الإسرائيلي دفعاً إلى الساحة الأفريقية ومنها:
1- مؤتمر باندوج لعدم الانحياز عام 1955، حيث شارك في هذا التجمع الأفروآسيوي 29 دولة و14 دولة عربية وإسلامية، وقد شارك القادة الفلسطينيون في أعمال هذا المؤتمر من خلال بعض الوفود العربية، فيما فشلت إسرائيل في المشاركة من خلال بعض الوفود الآسيوية. ويعد هذا المؤتمر نقطة تحول فارقة في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي حيث جعل الإسرائيليون منذ ذلك اليوم نصب أعينهم هدف الحصول على الشرعية الدولية والخروج من طوق العزلة العربية عليهم، وكان من الدوافع أيضاً مؤتمر الدار البيضاء عام 1961.

2- الاتجاهات الأفريقية المبكرة تجاه إسرائيل، حيث لم تكن للتحركات الإسرائيلية أن تجد آذاناً صاغية لو لم تجد أيدي ممدودة في العديد من الدول الأفريقية. فقد رأى الكثير من القادة الأفارقة في النموذج الإسرائيلي للتنمية ولا سيما الزراعة مجالاً للتعاون.
ويوضح الكاتب أن الصهاينة استطاعوا التغلغل في أفريقيا بعد موجة الاستقلال التي حصلت في دولها في الستينيات هو ما يعني زيادة قدرتها التصويتية في الأمم المتحدة، وكذلك بعد إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963.
ولم يقتصر النشاط الإسرائيلي في أفريقيا على المجال السياسي والدبلوماسي وإنما امتد ليشمل، في المقام الأول، التعاون الفني والتقني، ولا سيما في مجالات التدريب والري والزراعة وتنمية المناطق القاحلة وخدمة المجتمع والحركات الشبابية. وقامت إسرائيل بتصدير المنتجات الغذائية والملابس والأدوية والآلات الزراعية والمعدات الالكترونية واللوازم المكتبية إلى أفريقيا، في حين قامت باستيراد المواد الأولية بما في ذلك الماس الصناعي من جمهورية أفريقيا الوسطى وزائير واليورانيوم من الغابون وزائير، وهذه كانت إحدى طرق التغلغل وأهمها.
ومن الجدير بالذكر أن هذا التغلغل وصل إلى كرة القدم أيضاً، ففي مونديال ألمانيا لكرة القدم عام 2006 وأثناء مباراة غانا والتشيك، فاجأ المدافع الغاني جون بتسيل الجميع أثناء احتفال فريقه بإحراز هدف في مرمى التشيك برفع علم إسرائيل وراح يطوف به أرجاء الملعب، ومع أن الاتحاد الغاني اعتذر عن ذلك إلا أن الحادثة تبيّن كيفية هذا التغلغل.
وعلى الرغم من أن السنوات الواقعة بين عامي 1967 – 1973 اتسمت بتدهور تدريجي وملحوظ في العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية حيث نجحت الجهود العربية في منظمة الوحدة الأفريقية وفي الأمم المتحدة في استصدار قرارات بإدانة إسرائيل وسياساتها التوسعية، وحيث تقلصت العلاقات الإسرائيلية مع 25 دول إفريقية إلى علاقات مع خمس دول فقط هي (جنوب أفريقيا، ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس)، إلا أن إسرائيل تمكنت من إعادة هذه العلاقات التي سارت بخطى حثيثة طوال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حيث أخذت العلاقة تبنى على معيار المصلحة المتبادلة، كما أنها اعتمدت على المعيار الثنائي عوضاً عن المنظور الجماعي.
وقد أضحى رجال الأعمال والخبراء الإسرائيليون في كل مكان داخل أفريقيا بل تولى بعض هؤلاء مناصب رفيعة بشكل غير رسمي لدى صانعي القرار في عدد من العواصم الأفريقية.
ويشير الكاتب إلى أن 33% من يهود إسرائيل (السود) الذين يزيدون اليوم على المائة ألف قد ولدوا داخل “إسرائيل”، وهذا يعني إحداث تغيير هيكلي في طبيعة المجتمع الإسرائيلي. ويلفت إلى أنه قد تمكن نحو عشرة آلاف لاجئ إفريقي من دخول الكيان الإسرائيلي عبر صحراء سيناء المصرية، خلال السنوات القليلة الماضية، وقد حصل المئات منهم على تصاريح إقامة مؤقتة.
لقد شهدت مرحلة التسعينيات وبين عامي 2000 و2011، إعادة تأسيس العلاقات بين إسرائيل وأفريقيا مرة أخرى، وقد أثّر توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تأثيراً جزرياً على تطور هذه العلاقة، وكذلك فإن توقيع اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين عام 1993 واتفاق السلام مع الأردن 1994 أسهما بدورهما في استئناف العلاقات الأفريقية مع إسرائيل.
وهناك اعتبارات عدة لدى إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع أفريقيا، ومنها الاعتبارات الأمنية، والاعتبارات الاقتصادية والتجارية، فضلاً عن أهمية أفريقيا الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، والسعي الدولي للحصول على الموارد الطبيعية في القارة السوداء.
لقد كانت خطورة البحر الأحمر ولا تزال ماثلة في ذهن القيادات الإسرائيلية المتعاقبة، ويذكر الكاتب أن رئيس وزراء إسرائيل الأول ديفيد بن غوريون قد أصدر في حرب 1948 تعليماته لموشي ديان بأن يضحي بأي شيء في سبيل موطئ قدم على شاطئ البحر الأحمر. كما أنه ليس بخافٍ أن إسرائيل ترغب في التواجد في دول حوض النيل للحصول على مياه النهر.

الربيع العربي واعادة اختراق دول حوض النيل

آمن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي ومنذ البداية بأن طبيعة العلاقات الجيوستراتيجية بين العرب وإسرائيل لن تمكن أياً من الطرفين من تحقيق النصر الحاسم على الطرف الآخر. وعليه، فإن على إسرائيل أن تسعى لتحقيق الشرعية الإقليمية من خلال الاعتراف التدريجي بوجودها في المنطقة.
ولا يخفى بحسب الكاتب أن الاختراق الإسرائيلي الناعم لدول حوض النيل في أعقاب “الربيع العربي” قد تم التعبير عنه في أشكال عدة لعل أبرزها:

1- الترويج للخيار الإسرائيلي في مواجهة حركات الإرهاب في كل من شرق وغرب أفريقيا. وعليه فإن هناك تغلغلاً واضحاً في دول حوض النيل ولاسيما كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا.
2- تدشين أول لوبي إسرائيلي في الكنسيت لتعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول الأفريقية.

3- استخدام إسرائيل لقوتها الناعمة لتقديم العون للدول الأفريقية في مجالات الزراعة والمياه والطب ومكافحة الإرهاب، وذلك عبر شراكات مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية أو الدول الأوروبية.

ويختم الباحث كتابه بالدعوة إلى إعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس المخزون الثقافي والحضاري المتعلق بالعروبة والإسلام، والأفريقيانية وإزالة أي إمكانية متصورة للصدام مع الأفارقة، وذلك من أجل تجاوز إشكاليات الهيمنة الأميركية والإسرائيلية في القارة الأفريقية. كما يدعو الى عدم اختزال العلاقات مع دول المنطقة في مجال واحد من المقايضات السياسية والمقابل التجاري، إذ تجب إقامة شراكة حقيقية. كما يدعو الى إقامة أسس جديدة للتعاون في العالمين العربي والأفريقي بما يحقق المنفعة المتبادلة لكل طرف.
ويؤكد الكاتب على ضرورة التركيز على المدخل غير الحكومي من خلال مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، واستخدام وسائل القوة الناعمة لبعض الدول مثل مصر والجزائر والسعودية وليبيا.

علي مطر كاتب لبناني.

الكتاب: الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا
المؤلف: د. حمدي عبد الرحمن
الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية – الدوحة – 2015.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole