خطاب كارثة القمر

Spread the love

بقلم : أحمد صلاح المهدي | كانت مهمة أبولو 11 واحدة من أكبر التطلعات البشرية طموحًا؛ أن يخطو الإنسان على سطح القمر، في ظل صراع شرس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي لإثبات تفوقهما في مجال الفضاء. كان العالم كان يتابع بشغف أخبار تلك الرحلة، وما حدث في تلك الرحلة يعد الآن تاريخًا قديمًا بالنسبة لنا، لكن بالنسبة للبشرية في حينها كان مستقبلًا غامضًا، ومثيرًا، وبالنسبة لبعضهم كان … مخيفًا.

كانت الرحلة مكونة من ثلاثة أفراد، نيل آرمسترونج، وباز ألدرن، ومايكل كولينز؛ وكان من المخطط أن يهبط إثنان منهم على سطح القمر، وهما آرمسترونج وألدرن، ولكن كان هناك احتمال مخيف؛ وهو ألا تستطيع مركبة الهبوط الإقلاع مجددًا من على سطح القمر والعودة إلى السفينة الأم، وفي حالة حدوث ذلك لم يكن هناك شيء تستطيع ناسا فعله من على بعد 384403 كيلومترًا وهي المسافة بين الأرض والقمر.

في حالة حدوث هذا الاحتمال “المرعب” سيكون على ناسا قطع الاتصال مع رائديّ الفضاء بعد فقد كل أمل في عودتها، وسيكون أمام الرجلين احتمالين لا ثالث لهما، الموت جوعًا وعطشًا أو الانتحار. ولكن على الأرض ستكون هناك تجهيزات أخرى لإبلاغ العالم بهذا الخبر؛ ففي حالة حدوث “كارثة القمر” سيكون على الرئيس ريتشارد نيكسون التواصل مع من سيفترض أن يكونا “الأرملتين” لتعزيتهما، وستقام جنازة عسكرية مهيبة للرائدين، وأهم شيء هو خطاب الرئيس نيكسون للعالم، والذي يحمل عنوان “خطاب كارثة القمر”.

هذا الخطاب كتبه الصحفي الامريكي الشهير “ويليام سافاير” ليلقيه الرئيس الأمريكي في حالة حدوث الكارثة، سأنقل الخطاب لكم بالعربية، وسأترك في التعليقات رابط به صورة الخطاب لمن يود قراءته بالإنجليزية.

“لقد قضى القدر أن الرجلين اللذان ذهبا إلى القمر ليستكشفا في سلام، سوف يبقيان على القمر ليرقدا في سلام.
هذان الرجلان الشجاعان، نيل آرمسترونج وإدوين آلدرين، يعرفان أنه لا أمل في استرجاعهما؛ ولكنهما يعرفان أيضًا أن هناك أملًا للبشرية في تضحيتهما.

هذان الرجلان يضحيان بحياتهما في سبيل أسمى هدف للبشرية، البحث عن الحقيقة والفهم.

سيحزن عليهما عائلتيهما وأصدقائهما، سيحزن عليهما وطنهما، سيحزن عليهما كل البشر في العالم، ستحزن عليهما الأرض الأم التي جرؤت على أن ترسل اثنين من أبنائها إلى المجهول.

في استكشافهما، حركا مشاعر البشر ليصبحوا على قلب رجلٍ واحد، وفي تضحيتهما، وطدا أواصر الأخوية بين البشر.
في العصور القديمة، كان البشر ينظرون إلى النجوم ويرون أبطالهم في الكوكبات النجمية. في عصرنا الحاضر سنفعل المثل؛ ولكن بطلينا نحن من لحمٍ ودم.

سيتبعهما آخرون، وبالتأكيد سيجدون طريقهما إلى الوطن. لن يتوقف سعي البشرية الحثيث؛ ولكن هذين الرجلين كانا السابقين، وسيبقيان الأسمى في قلوبنا.

فكل إنسان سينظر لأعلى نحو القمر في الليالي القادمة سيعرف أن هناك ركنًا في عالمٍ آخرٍ قد صار بشريًا للأبد.”

لحسن الحظ أن الرئيس نيكسون لم يضطر إلى إلقاء هذا الخطاب فقد عاد الأبطال إلى الأرض بسلام، ولكن مجرد التفكير في مصير رجلين عالقين على سطح القمر يثير للقشعريرة في الجسد، وتجعلنا نشعر كم أن الإنسان ضئيل أمام هذا الكون الشاسع، وأنه ما يزال أمامنا أركانًا عديدة من عوالم أخرى كي نزورها، وكي نستطيع أن نقول عليها… بشرية.

Optimized by Optimole