معاريف”: على إسرائيل أن تختار طرفاً في الصراع بين الصين والولايات المتحدة

على إسرائيل أن تختار بين الصين والولايات المتحدة
Spread the love

 

 

بقلم: زلمان شوفال – سفير سابق

الاختيار بين الأكل الصيني وبين الهمبرغر ليس سهلاً، وخصوصاً إذا كنا نحب النوعين. هذا في عالم الطبخ، وهو أكثر صعوبة في عالم السياسة. العلاقات الاقتصادية وغير الاقتصادية، بما فيها على صعيد التصدير الأمني بين الصين وإسرائيل بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، تطورت بسرعة. وفي الأعوام الأخيرة تراوح حجم التجارة بين البلدين ما بين 12 و15 مليار دولار سنوياً، وتحولت الصين إلى الشريكة التجارية الثالثة من حيث الحجم بالنسبة إلى إسرائيل، بعد أوروبا والولايات المتحدة.

ونظراً إلى حساسيتها، لايعرف كثيرون كل تفاصيل التعاون الأمني بين البلدين، والذي شهد صعوداً وهبوطاً نتيجة التدخل الأميركي. في سنة 2000 أدى الضغط الأميركي إلى إلغاء صفقة تزويد الصين بالطائرات ووقعت حوادث أُخرى. حرصت إسرائيل على الدوام على منع تسرّب معلومات أو تفاصيل أميركية إلى الصينيين، لكن هذا لم يمنع أطرافاً أميركية معنية وغيرها من نشر أخبار كاذبة في هذا الشأن.

في كتابي “دبلوماسي” (إصدار “يديعوت أحرونوت”) رويتُ كيف نشرت “الواشنطن تايمز” في سنة 1992 خبراً ادعت فيه أن إسرائيل، بعكس التزامها الواضح للولايات المتحدة، نقلت إلى الصين تكنولوجيا حساسة تتعلق بصاروخ “باتريوت”، وحتى أنها نقلت صاروخاً كاملاً. الخبر استند إلى “مصادر استخباراتية أميركية”. وعندما طُلب من موظفين في وزارة الخارجية وفي البنتاغون الرد، قالوا إن الاتهامات “جدية”. حتى مجلة “الوول ستريت” الرصينة اتهمت إسرائيل بنقل تكنولوجيا عسكرية أميركية إلى الصين ودول أُخرى. والأكثر خطورة أن الكونغرس تدخّل وطلب من مراقب الدولة الأميركي (GAO) التحقيق في الموضوع.

الجهات الرسمية في إسرائيل أعلنت أن الاتهامات باطلة، لكن الناطقين بلسان الإدارة رفضوا تكذيب الاتهامات بصورة مطلقة على الرغم من علمهم بأنها غير صحيحة. فقط بعد أن طلبت من نائب وزير الخارجية لورانس أيغلبرغر إصدار تكذيب رسمي لم يعد الموضوع مطروحاً.

على الرغم من ذلك استمرت العلاقات الاقتصادية وغير الاقتصادية بين إسرائيل والصين في التطور، إذ استثمرت شركات صينية في مجال البنى التحتية والتكنولوجيا المختلفة، وهي تؤدي دوراً مهماً في توسيع وإدارة المرافىء الإسرائيلية.

لا يقتصر التسلل الصيني على أهداف مادية فقط، ويمكن أن نستدل على ذلك من إعلان فتح فرع للجامعة الصينية في إسرائيل بدءاً من تشرين الأول/أكتوبر برئاسة سفير إسرائيل السابق في الصين اللواء في الاحتياط متان فيلنائي. وسيعلّم الفرع اللغة الصينية وينظّم زيارات تعليمية للطلاب إلى الصين. قد يبدو هذا بريئاً، لكن مؤسسات من هذا النوع في نظام توتاليتاري هدفها نشر دعاية خفية ونفوذ سياسي وثقافي.

بالنسبة إلى الصين، تشكل هذه النشاطات والاستثمارات جزءاً من مشروع “طريق الحرير الجديد”، الذي يمزج بين أهداف اقتصادية وجيو-استراتيجية. وإذا كان التقارب بين الصين وإسرائيل يثير استياء واشنطن في الماضي، فقد أصبح الموضوع الآن حساساً أكثر في ضوء التوترات العامة التي تزداد حدة بين البلدين.

لقد سبق لإدارة ترامب أن حذّرت إسرائيل من مغبة تعميق العلاقات مع الصين، لكن في إدارة بايدن تحولت المواجهة المتعددة الأبعاد مع الصين إلى الموضوع المركزي في سياستها الخارجية. ففي تموز/يوليو من هذا العام اتهمت الإدارة الأميركية رسمياً وزارة الأمن الداخلي الصينية بشن هجوم سيبراني على شركة “مايكروسوفت”، ووصفت العمل الصيني بأنه يشكل “تهديداً حقيقياً لأمن أميركا وحلفائها”. وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أصدر توجيهاً اعتبر فيه بيجين “أكبر تحدٍّ تواجهه الولايات المتحدة”، والرئيس الأميركي نفسه دعا خلال اجتماعه بزعماء أوروبا إلى قيام جبهة موحدة في مواجهة الصين.

في كتاب جديد بعنوان “لعبة للمدى البعيد” كتبه الخبير في الشؤون الصينية راش دوشي وهو أحد المستشارين السياسيين للرئيس بايدن، قال إن هدف الصين تحقيق تفوق عالمي مطلق على أميركا خلال الـ30 عاماً المقبلة. لا يشارك الجميع في هذا التقدير، لكن هذا هو الخط الذي يوجه السياسة الخارجية الأميركية، وإسرائيل على الرغم من علاقاتها المهمة مع الصين، إلّا إنها لا تستطيع تجاهُل ذلك. باعتبار أن الولايات المتحدة هي الحليفة الاستراتيجية الأولى ونصف الشعب اليهودي يعيش هناك. إذا كان على إسرائيل أن تختار طرفاً في المواجهة الدائرة بين الصين وأميركا فهي على الأرجح ستختار الولايات المتحدة.

المصدر: صحيفة معاريف الإسرائيلية

Optimized by Optimole