هل يجوز استعمال النصّ القرآنيّ في الأدب؟

هل يجوز استعمال النصّ القرآنيّ في الأدب؟
Spread the love

علاء كيالي* — “رفع الالتباس عن منكر الاقتباس” رسالةٌ إفتائيّة للمفتي الشافعي شمس الدين محمد بن أبي اللّطف (ت ٩٩٢/١٥٨٤)، يردُّ فيها على من أنكر عليه الاقتباس من النص القرآني. تقع الرسالة في بابين: (١) في بيان جواز الاقتباس بلاغة وشرعًا، (٢) في بيان الأدلة على الجواز. يحقّق الدكتور بلال الأرفه لي الرسالة ويقدّم لها بدراسة للاقتباس عمومًا أدبيًّا وشرعيًّا، ثمّ يعرضُ خطّة ابن أبي اللّطف في الدّفاع عن منهج الاقتباس القرآني. وقد صدر الكتاب عن دار المشرق بيروت.
يعرض الدكتور الأرفه لي للاقتباس القرآني في الأدب العربي والنقد الأدبي؛ شارحًا بعض المصطلحات التي تتعلّق بموضوعة الاقتباس القرآني كالسرقة والانتزاع والاقتباس الشِّعري. تتعدَّد دوافع الاقتباس عن الأوائل بين التَّبرُّك أو الزَّخرفة أو الاقتداء والتقليد وحتى الهجوم على المفاهيم القرآنية مثلما نجد عند بشار بن برد (ت ١٦٨/٧٨٤) وأبي نواس (ت ٢٠٠/٨١٥). كما ويردُ الاقتباسُ في سياقات هزليّة ساخرة كأخبار الطفيليين والبخلاء لسهولة التعرّف على الآيات القرآنية وغرابة استعمالها في هذا الموضع وبالتالي مساهمتها في إضحاك القارئ. وينوِّهُ الدكتور الأرفه لي إلى أثر مفهوم “الإعجاز” بعد النّظّام (ت ٢٢٠/٨٣٥) في جعل الأدباء أكثر حذرًا في التعامل مع النص القرآني، وإلى أنَّ الثعالبي (ت ٤٢٩/١٠٣٨)، وهو من أشد مناصري الاقتباس، هو أوّل من أطلق مصطلح “الاقتباس” على محاكاة النص القرآني في كتابه “الاقتباس من القرآن الكريم”.
واجه “الاقتباس” معارضة العلماء ومنهم الحسن البصري (ت ١١٠/ ٧٢٨). وفرَّق آخرون مثل السيوطي (ت ٩١١/١٥٠٥) بين الاستشهاد الحرفي من القرآن وبين الإشارة إلى المعنى القرآني عبر عادة صياغته؛ فأجاز الاستشهاد الحرفي ورفض إعادة صياغة النص. في حين دافع البعض ومنهم ابن أبي اللطف عن معظم أنواع الاقتباس.
يعرضُ ابن أبي اللّطف حجج خصومه ويردُّ عليها بصيغة الحوار حينا: “فإن قُلْتَ، قُلْتُ”، وحينًا بالتقريع: “فلو عقل هذا الجهول الذي لا يعرف والنكرة الذي لا تتعرّف”. ويوردُ نماذج من الاقتباس من كلام النبي والصحابة والعلماء كأبي بكر الصديق ومالك بن أنس وابن الجوزي (ت ٥٩٧/١٢٠١) وغيرهم.
تظهر شواهدُ الرسالة ملامح عدّة تسم الاقتباس القرآني وتظهر أنّه كان شائعًا في الأدب العربي القديم. ويلاحظ في بعض الاقتباسات، النثرية منها والشعرية، أخذ النص القرآني على معنًى مجازي بعيدًا عن معناه القرآني الظاهر، فيكتب ابن أبي اللّطف على سبيل المثال: “واضربوا حجارة القلوب بعصا الاستغفار، فإنَّ من الحجارة لما يتشقّقُ منه الأنهار” (البقرة: ٧٤). فيأخذ ابن أبي اللّطف المجاز القرآني ليلبسه سياقًا ومعنًى جديدين كما يُناسب غرضه البلاغي أو الوعظي؛ فصارت حجارة الآية قلوبًا وصارت أنهارها استغفارًا. على أنّ الاقتباسات التي يستشهد بها المؤلِّف تحافظ في معظمها على المعنى القرآني.
يعرض الدكتور الأرفه لي لمخطوطات الرسالة وهي أربع مخطوطات أهمُّها نسخة هارفرد كونها الأقدم والأدق، وهي المعتمدة في التحقيق. ويلحق الدكتور الأرفه لي التحقيق بفهارس الآيات والأعلام والأماكن. تستمد الرسالة أهميتها من احتوائها على مادة أدبيّة جديدة وغنية، ومن صفتها التشريعية كرسالة إفتائية يعرض فيها المفتي لمسألة يتداخل فيها النصية القرآني والأدبي، الإلهي والإنساني.

*باحث سوري.

Optimized by Optimole