نظرية السياسة الخارجية والمفاهيم المرتبطة بها

Spread the love

د.صقر الدروع

باحث في العلوم السياسية

خاص بمجلة “شجون عربية” – في 24 كانون الثاني – يناير 2019

يتميز مفهوم السياسة الخارجية كبقية الكثير من المفاهيم المطروحة في حقل العلوم السياسية، بعدم وجود تعريف محدد ومتفق عليه من قبل الباحثين والمختصين في علم السياسة بشكل عام، وفي حقل العلاقات الدولية بشكل خاص، على الرغم من المحاولات العديدة والمبذولة من طرف المهتمين بموضوع السياسة الخارجية للتعريف بها، وهذا بطبيعة الحال راجع لتعدد الزوايا المختلفة للمفكرين، إضافة إلى ما تأخذه هذه الظاهرة من تشعبات وأنماط وتعدد تجلياتها من وحدة دولية إلى أخرى، وتنوع القضايا والمجالات التي تواجهها، الأمر الذي يعكس تعقيد هذه الظاهرة وصعوبة التوصل إلى مجموعة الأبعاد التي تندرج في إطارها والعلاقة فيما بينها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال محاولة عرض مجموعة التعاريف المتداولة للسياسة الخارجية[1]، التي عرفتها بتعاريف متعددة ومختلفة تعكس رؤية كل صاحب تعريف ومدرسته الفكرية ونظرته للسياسة الخارجية، وأطرافها.

وعليه أمكن لنا من خلال الاطلاع على مجمل تعاريف السياسة الخارجية، تقديم تعريف إجرائي للسياسة الخارجية على أنها “عبارة عن مجموعة الأفعال وردود الأفعال التي تقوم بها الوحدة الدولية في البيئة الخارجية بمستوياتها المختلفة سعياً لتحقيق أهدافها والتكيف مع متغيرات هذه البيئية”، ونلاحظ أن هذا التعريف يشتمل على أنماط السلوك الخارجي المختلفة التي يمكن أن تمارسها الوحدة الدولية من خلال سياستها الخارجية كما أننا نفرق في هذا التعريف بين المستويات المختلفة للبيئة الدولية، والتي عادة ما تشتمل على  كثير من المتغيرات التي يتعين على صناع السياسة الخارجية اخذها في الاعتبار عند وضع هذه السياسة.

وعليه فإن السياسة الخارجية ما هي إلا الخطة العلنية التي تحكم عمل الدولة مع العالم الخارجي وبما تملكه من مبدأ السيادة والإمكانيات المادية، والعسكرية، وهي ليست مقتصرة على الدول بل تشمل الفواعل الأخرى من غير الدول بما تملكه من شخصية اعتبارية لها سياستها الخارجية الخاصة.

خصائص السياسة الخارجية:

تمتاز السياسة الخارجية بالعديد من الخصائص والصفات وهي:[2]

  • الطابع الرسمي.
  • الطابع الخارجي.
  • الطابع الاختياري.
  • الطابع الهادف.

المفاهيم المرتبطة بالسياسة الخارجية:

  • علاقة السياسة الخارجية بالسياسة الدولية والعلاقات الدولية:

من خلال التعريف المسبق للسياسة الدولية، فإنه يتبين أن مفهوم السياسة الدولية يشير إلى الجوانب السياسية للعلاقات بين الدول، فالسياسة الخارجية حينما تخرج وراء حدود الدولة فإنها تلتقي بغيرها من السياسات للدول الأخرى، وهي تسعى للبحث عن إنجاز أهدافها وقيمها، والتفاعل الناجم عن ذلك يطلق عليه مصطلح السياسة الدولية[3].

ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا بأن السياسة الدولية أشمل وأوسع من السياسة الخارجية، فالسياسة الدولية معنية بالتفاعلات التي تحدث بين مختلف وحدات ومكونات المجتمع الدولي، بالإضافة إلى شمولها فواعل من غير الدول، بينما السياسة الخارجية تعنى بالأفعال وردود الأفعال الناتجة عنها، وبذلك تشمل السياسة الدولية مجمل التفاعلات السياسية الدولية، غير أن التفاعلات التي تجري على الصعيد الدولي ليست سياسية فقط، إنما هناك أيضاً تفاعلات تشمل الجوانب الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها من أنواع التفاعلات التي تكون في مجملها ظاهرة العلاقات الدولية[4]، حيث تعرف الأخيرة بأنها ذلك العلم الذي يدرس العلاقات بين الدول[5] من خلال العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية[6]، ومن هنا يصبح واضحاً أن ظاهرة السياسة الدولية هي جزء من العلاقات الدولية، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن العلاقات الدولية هي محصلة لتفاعل مجموع السياسات الخارجية لمختلف الوحدات الدولية، لكن لا تقتصر العلاقات الدولية على مجرد المجموع الكمي للسياسة الخارجية للدول المتفاعلة، كما أن السياسة الخارجية تحصر داخل إقليم الدولة لتحقيق أهداف خارجية محددة، وعادة ما يكون صانع القرار على علم واطلاع بمختلف بدائلها واختياراتها، أما العلاقات الدولية فهي تقع خارج إقليم الدولة ولتحقيق أهداف عامة وشاملة، وهي نتيجة تفاعلات متعددة صراعية وتعاونية لمختلف الفواعل في النظام الدولي.

وعليه فإن العلاقات الدولية أوسع وأشمل من السياسة الخارجية للدول، فإذا كانت السياسة الخارجية تمثل جزءاً لا يستهان به من العلاقات الدولية فإن الأخيرة تتكون من التفاعلات التي تحدثها القوى الأخرى في العلاقات الدولية (منظمات دولية حكومية وغير حكومية، شركات متعددة الجنسيات، أفراد…. الخ)، وهذه الأطراف مجتمعة تفرز متغيرات وظواهر دولية تخرج عن نطاق سيطرة الدولة واهتماماتها القومية، كما يمكن القول أن علم العلاقات الدولية يعني بما هو كائن وفقاً للمنظور الواقعي أما السياسة الخارجية فتعنى بما يجب أن يكون وفقاً للمنظور المثالي.

  • علاقة السياسة الخارجية بالاستراتيجية والدبلوماسية:

تعتبر السياسة الخارجية إحدى أهم الركائز التي تعتمد عليها الدولة من أجل تحقيق أهدافها عبر مختلف الأدوات والوسائل وذلك من خلال ما تملكه الدولة من إمكانيات وقدرات على التأثير، وتعد كلاً من الدبلوماسية والاستراتيجية أدوات تلجأ إليها الدول لتنفيذ سياستها الخارجية، إذ تعتمد الأولى على الإقناع بينما ينطوي عمل الثانية على استخدام وسائل اخرى قد تكون عسكرية، وكلاهما يسعى لتحقيق أهداف السياسة الخارجية بأقل تكلفة ممكنة. لقد قام الباحث الفرنسي ريمون أرون ( Aron Raymond) بإرساء بناء فكري ناقش من خلاله كلاً من متغيري الاستراتيجية والدبلوماسية باعتبارهما دالة لوحدة السياسة الخارجية إنهما وجهان متكاملان لفن السياسة، وفن السياسة هو إدارة التعامل مع الدول الأخرى على مقتضى المصالح الوطنية، ومن الثابت أن الدبلوماسية هي الأداة الأولى في السياسة الخارجية للدول لا سيما في وقت السلم، أما الاستراتيجية فهي تعني فن إدارة العمليات العسكرية أثناء الحرب[7]، واستخدام المعارك للوصول إلى الهدف السياسي[8]، لذلك ينصرف التمييز المعتاد بين السياسة الخارجية والدبلوماسية باعتبار الأولى تهتم بما يجب فعله. أما الثانية فهي تهتم بكيفية عمله، وهذا بطبيعة الحال يعني أن كلا من الاستراتيجية والدبلوماسية يخضعان للسياسة الخارجية والقادة الدبلوماسيون والعسكريون ليسو إلا عمالاً لقادة السياسة الخارجية لحساب تحقيق المصلحة الوطنية. أن الاستراتيجية تعني فن الإكراه، اما الدبلوماسية فتعني فن الإقناع (مثلما ورد في تعريف ريمون أرون للدبلوماسية)[9] ، وهما وسيلتان لهدف واحد هو إخضاع الآخرين لإرادتنا، وبالتالي فنجاعتهما تنعكس بشكل إيجابي على السياسة الخارجية وقصورهما يؤدي إلى ضعف السياسة الخارجية وتبعيتها.

  • السياسة الخارجية والسياسة الداخلية:

يقصد بالسياسة الداخلية في أي دولة مجموعة من المتغيرات والقوى الداخلية التي تؤثر في سلوكية السياسة الخارجية كالنظام وطبيعة الحكم فيها ودور الأحزاب السياسية وجماعات الضغط. أن السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية، وبالتالي عندما تكون هذه الأخيرة مستقرة ومنسجمة فإن ذلك ينعكس مباشرة على استقرار وانسجام السياسة الخارجية، كما أن التأثير متبادل بين السياستين فقضايا السياسة الداخلية لها قابلية الانتشار والتوسع حتى خارج إقليم الدولة كظاهرة الإرهاب، ثم أن وضعية النظام الدولي تؤثر بشكل مباشر على الوضع الداخلي إما سلبياً أو إيجابياً، كامتداد الأزمات الاقتصادية الدولية إلى المجتمع الداخلي، وذلك بفعل عولمة الاقتصاديات، وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وظاهرة الاعتماد المتبادل، كما يظهر التداخل بينهما في أن وضع أهداف ومعالم السياسة الخارجية لا يخرج عن دراسة فاحصة ومعمقة للإمكانات والأوضاع الداخلية[10].

وبالتالي يمكن القول بأن العلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية هي علاقة تكامل وامتداد عكس الرأي التقليدي القائل بالفصل التام بين السياستين إلى درجة اعتبار أن السياسة الخارجية تبدأ أين تنتهي السياسة الداخلية[11].

 

الهوامش:

[1]- كمفهوم عام تشتمل السياسة الخارجية على جميع صور النشاط الخارجي حتى وإن لم يكن ذلك النشاط صادر عن الدولة كحقيقة نظامية. فنشاط الجماعة – كما يرى الدكتور حامد ربيع – كوجود حضاري أو التعبيرات الذاتية كصور فردية للحركة الخارجية تنطوي وتندرج تحت هذا الباب الواسع الذي نطلق عليه اسم السياسة الخارجية. للمزيد انظر: لويد جنسن , تفسير السياسة الخارجية،  ترجمة محمد بن احمد مغني ومحمد السيد سليم , عماده شوؤن المكتبات، الرياض، 1989، إلا أنه وكمفهوم أكثر تحديداً فإن تشارلز هيرمان يرى بأن السياسة الخارجية “تتألف من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم والتي يقصدون بها التأثير في سلوك الوحدات الدولية الخارجية”. انظر: محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1998، ص7. ويعرفها نورمان هيل بأنها “نشاط الدولة قبل الدول الأخرى سواء أتخذ هذا النشاط مفهوماً سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً على أساس الفلسفة التي يتمسك بها صانع القرار. انظر:

Norman Hill, “International Politics” Harper & Row, New York, 1962, p.73.

أما رزوناو فيري بأن السياسة الخارجية هي “منهج للعمل يتبعه الممثلون الرسميون للمجتمع القومي بوعي من أجل إقرار أو تغيير موقف معين في النسق الدولي بشكل يتفق والأهداف المحددة سلفاً، انظر:

James Rosenau, Moral fervor, systematic analysis, and scientific consciousness in foreign policy research, Markham, Chicago, 1968, Pp.221–222.

[2]- محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية..القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1998، ص15.

[3]- للمزيد من التفصيلات عن الموضوع: انظر سعد حقي توفيق،  مبادىء العلاقات الدولية، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان , 2006، ص 18-21

[4]- محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص13.

[5]-The American Heritage Dictionary of English Language. Third Edition, New York: Houghton Mifflin Company, 1992, p.711.

[6]- Chris Brown and Kirsten Ainely, Understanding International Relations. Third edition, New York: palgrave MacMillan, 2005, p.3.

[7]- فتحية النبراوي ومحمد نصر مهنا، أصول العلاقات السياسية الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1985، ص: 465-466.

-[8]Carl Von Clausewitz, on War, Translated by Michael Howard and Peter Paret, London: Oxford University Press, 2007, p.123.

[9]-هشام محمد الأقداحي، السياسة الخارجية والمؤتمرات الدولية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2012، ص: 98.

[10]-Chris Brown, Understanding International Relations, Second Edition, London: Palgrave Publishers, 2001, P.75.

[11]-Henry A.Kissinger, Domestic Politics and Foreign Policy, in: James N Rosenau, International Politics and Foreign Policy, New York: the free press, 1969, P.261.

https://arabiyaa.com/wp-content/uploads/2019/01/نظرية-السياسة-الخارجية-والمفاهيم-المرتبطة-بها..pdf

Optimized by Optimole