مواقف المماليك والعثمانيين وتبخر حلم الأندلس

Spread the love

 

بقلم عبداللطيف مشرف* –

 

ساهمت أوضاع المسلمين في بقية العالم الإسلامي في زيادة تدهور وضعية مسلمي الأندلس، ويمكن عرض أهم مواقف القوى الإسلامية حين ذاك، وموقفهم من قضية الأندلس ودعمهم للقضية، إلي أن سقطت أخر معاقل المسلمين في الأندلس غرناطة عام 1492م: ومن هذه المواقف ما يلي:

موقف دولة المماليك في مصر: كان موقف المماليك سلبيًّا، وإن اعتبر البعض أن السبب في ذلك يعود إلى بُعد الأندلس، بالإضافة إلى أن المماليك لم يكن لهم أسطول قوي يستطيع مواجهة البحرية القشتالية، لأنهم أصحاب خيل وقوتهم برية وليست بحرية، كما أن المماليك كانوا قد رسموا سياستهم الخارجية على أساس الاتجاه نحو الشرق لدفع خطر المغول، ثم للتصدي بعد ذلك لمشاريع الدولة العثمانية التي كانت تهدف لتقويض دولة المماليك. وهكذا فرغم وصول أصوات الإغاثة إليهم، إلا أنهم تشاغلوا عن نجدة إخوانهم في الأندلس([1]).

ونلاحظ أن أوضاع الأندلس لم يكن لها أدنى تأثير على العلاقات الودية التي كانت تربط المماليك بإسبانيا. ففي 2 يناير 1477م طلب فرناندو من البابا أن يأذن له ببيع القمح للسلطان قايتباي في مصر، وضرب بذلك عصفورين بحجر واحد؛ فقد تمكن عن طريق ثمن هذا القمح من الاستمرار في حربه ضد مسلمي الأندلس، كما اعتقد أنه بذلك يقوي مركز المماليك ضد الأتراك العثمانيين الذين كان ظهورهم خطرًا على دول أوربا([2]).

وسط هذه الأوضاع راسل سلاطين المغرب السلطان قانصوة الغوري (1501– 1516م) يلتمسون منه العون ضد الخطر الإسباني، وأن يقوم بطرد التجار الأوربيين المقيمين في بلاده وغلق كنيسة القيامة في وجه حجاجهم، لكن المحاولة باءت بالفشل، وسرعان ما علم فرناندو بهذه الأنباء وأرسل”ليدو مازكيردي إنجيرا” سفيراً إلى الغوري، ونجح هذا السفير في تحسين العلاقات بين مصر المملوكية وإسبانيا([3]). لقد اتجه الأندلسيون شرقًا إلى دولة المماليك بمصر،والتي كانت على دراية بأوضاعهم.على أن أهل الأندلس لم يحاولوا الحصول على دعم عسكري، بل كان همهم الوحيد هو توسط المماليك دبلوماسيًّا لدى الإسبان والتهديد بمعاملة المسيحيين في بيت المقدس- الخاضع لهم – بنفس المعاملة التي يعامل بها الإسبان المسلمين في الأندلس([4]).

ونتيجة لزيادة الاتصالات بين الأندلسيين وقوى إسلامية، ولتفادي حدوث أي تعاون بين الجانبين، قامت إسبانيا من جهتها بإرسال مبعوثها الخاص “بدرو مارتر” للحيلولة دون إلحاق أي أذى بالمسيحيين، وقد حاول هذا المبعوث إضفاء طابع الشرعية على الأعمال التي تقوم بها إسبانيا في حق الموريسكيين([5]) بإعطاء مبررات واهية من قبيل أن للإسبان الحق في استعادة أرضهم التي كانت ذات يوم مسيحية بيد القوط، أو القول بأن الموريسكيين اختاروا التنصير بمحض إرادتهم، فاستطاع بذلك إقناع المماليك بعدم جعل المسيحيين بالمشرق رهائن لمسلمي إسبانيا، بل تمكن من إقناع المماليك بإسقاط المغارم والفروض عليهم، بأسلوب الترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى([6]).

موقف الدولة العثمانية: أرسل أهل غرناطة في منتصف سنة 1477 -أي قبل سقوط غرناطة بأربعة عشر عاماً- سفارة إلى إستانبول، وجهوا فيه نظر السلطان محمد الفاتح إلى تدهور أوضاع المسلمين في الأندلس، وناشدوه التدخل لإنقاذهم. لكن كان في حكم المستحيل أن يستجيب السلطان الفاتح لهذه الاستغاثة، لأنه كان هو الآخر مضطراً إلى مواجهة تحالف صليبي ضم البابا سكست الرابع TX. Sixte (1471-1484)، وجنوة، ونابولي، والمجر، وترانسلفانيا، وفرسان القديس يوحنا في جزيرة رودس، وعدداً من الزعماء الألبان الذين كانوا يضمرون عداء شديداً للدولة العثمانية. ثم استنجد الأندلسيون مرة أخرى بعد وفاة محمد الفاتح بابنه السلطان بايزيد الثاني (14801511م)، إلا أن بايزيد كانت قد تزاحمت عليها أزمات داخلية وخارجية كثيرة منعته من إغاثة مسلمي الأندلس منها : صراعه مع أخيه جم (14811495)، وحربه مع المماليك في أدنة سنة 14851491،بالإضافةإلى الحرب مع ترانسلفانيا والمجر والبندقية. ثم تكوين تحالف صليبي آخر ضد الدولة العثمانية من طرف البابا يوليوس الثاني، وجمهورية البندقية والمجروفرنسا، وما أسفر عن هذا التحالف من حرب أدت لتنازل العثمانيين عن بعض ممتلكاتهم. ولقد انتهى حكم السلطان بايزيد بصراع بين أبنائه، أدى إلى تنحيته عن العرش، ثم موته في ظروف مشبوهة([7]).

ورغم الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية في تلك الفترة من تاريخها، فإن السلطان بايزيد لم يهمل استغاثة أهل الأندلس، بل حاول أن يقدم لهم ما يستطيعه من أوجه الدعم والمساندة، فأرسل إلى البابا رسولاً يعلمه بأنه سيعامل المسيحيين في إستانبول وسائر مملكته بنفس المعاملة إذا أصر ملك قشتالة على الاستمرار في محاصرة المسلمين في غرناطة والتضييق عليهم. وبالفعل أرسل أسطولاً بحرياً بقيادة كمال ريس إلى الشواطئ الإسبانية سنة 1486م، فقام بتخريب السواحل الإسبانية والإيطالية ومالطا ونقل أولى قوافل المهاجرين المسلمين واليهود إلى أراضي الدولة العثمانية.

وبحسب رواية أخرى غير مؤكدة، فإن السلطان الحفصي عبد المؤمن، بعد نجاح وساطته في عقد صلح بين الدولتين العثمانية والمملوكية، سعى إلى عقد اتفاق تحالف آخر بين الحفصيين والعثمانيين والمماليك لدعم مسلمي الأندلس. وكان الاتفاق يقضي بأن يرسل العثمانيون أسطولاً إلى سواحل إيطاليا تكون مهمته إلهاء الإسبان؛ بينما يستغل الفرصة ويقوم المماليك بإرسال قوات تنطلق من شمال إفريقيا إلى الأندلس لنجدة مسلميها.

وهكذا، وبسبب المشاكل الداخلية والخارجية التي كانت تعيشها الدولة العثمانية، لم يتمكن العثمانيون في عصر بايزيد، وقبل ذلك في عصر الفاتح من إغاثة مسلمي الأندلس، كما أن التهديدات، والغارات التي شنّها كمال ريس على السواحل الإسبانية لم تثنِ الملكين الإسبانيين عن قرار إنهاء الوجود الإسلامي من إسبانيا المسيحية.

وبهذه المواقف يتضح أن سقوط غرناطة ارتبط بعدد من الأسباب التي كان يمر بها العالم الإسلامي وقتها. وضياع غرناطة، وما تبعه من طرد المسلمين كان نتيجة متوقعة في ضوء الأحداث التي مرت بها الأمة([8]).

وبعدها عقد الموريسكيون آمالهم على العثمانيين، خاصة بعد النجاح الذي حققوه في شمال أفريقيا وانتصاراتهم على الإسبان بقيادة خير الدين الذي لقي استحساناً كبيرًا من لدن مسلمي الأندلس، كما جاء في رسالة بعث بها أهالي غرناطة إلى السلطان سليمان القانوني سنة 948هـ/1514م، ومما جاء فيها: “وقد كان يُجَوِّز لنا الوزير المجاهد في سبيل الله خير الدين وناصر الدين، سيف الله على الكافرين علم بأحوالنا وما نجده من عظيم أهوالنا لما كان بالجزائر، واجتمع أهل الإسلام على طاعة مولانا ومحبته بالخواطر والضمائر، وانتظم الشرع والأمان في البادي والحاضر، فاستغثنا به فأغاثنا، وكان سبب خلاص كثير من المسلمين من أيدي الكفرة المتمردين، ونقلهم إلى أرض الإسلام وتحت إيالة طاعة مولانا السلطان ولعمارة مدينة برشك وشرشال ونواحي تلمسان…”([9]).

استمرت آمال الأندلسيين متعلقة بالسلطنة العثمانية، فتواصلت المراسلات بين الطرفين، خاصة من الجانب الأندلسي، وتضمنت هذه الرسائل قصائد([10]) تصف أوضاعهم المزرية والاضطهاد الذي لاقوه من قبل الإسبان. من جهتها قدمت الحكومة العثمانية بعض المساعدات للأندلس. وتذكر بعض الدراسات أنه، وفي عام 977هـ/1569م، وصل إلى غشت 4000 رجل تركي وبربري من بين 25000 مقاتل ضمن مساعدة أخرى وصلت في حزيران -يونيو، حيث تم ضبطها وكشفها في الوقت المناسب([11]).

ورغم ذلك ظلت هذه المساعدات غير كافية؛ ويرجع هذا إلى كون العثمانيين كانوا منشغلين بفتح قبرص، ثم بالمناوشات الواقعة بينهم وبين روسيا المجاورة. وقد زاد الطين بلة هزيمة الأسطول العثماني في معركة ليبانتو أمام البحرية الإسبانية في عام 987هـ/1571م، مما جعل الدولة العثمانية تدخل في هدنة غير معلنة مع فيليب الثاني، وبالتالي تتخلى عن الجهة الغربية للبحر المتوسط([12]) فتبخر حلم الأندلسيين.

*باحث مصري.

 

[1]عبدالقادر الميلق: تأثير ثورات الموريسكيين الأندلسيين على العلاقات الجزائرية الإسبانية، رسالة ماجستير، جامعة غرداية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجزائر 2013، ص28.

[2]دومنيغيث- برنارد فينست: تاريخ الموريسكيين مأساة أقلية، ترجمة: عبد العال صالح، مراجعة: جمال عبد الرحمن، المجلس الأعلى للثقافة، ط1،القاهرة2007، ص18.

[3]أحمد محمد الطوخى: المماليك والأندلس، مؤسسة شباب الجامعة، القاهرة1996، ص33.

[4]ليونارد باتريك هارفى: تاريخ المورسكيين السياسى والاجتماعى والثقافى، ضمن أعمال الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس، ترجمة عبدالواحد لؤلؤة، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998، ج1، ص114.

[5]عبد العزيز سالم: علاقة مصر المملوكية بغرناطة قبيل وعقب سقوطها، منشورات زغوان 1993، ج2، ص114.

[6]ليونارد باتريك، المرجع السابق، 324.

[7]– نسيبة عبدالعزيز الحاج- رابحة محمد خضير: موقف الدولة العثمانية من محنة الأندلس: مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، المجلد 7، العدد3، لسنة 2012، ص5.

2-عبدالجليل التميمى: الدولة العثمانية وقضية الموريسكيين، بحث منشور في المجلة التاريخية المغربية، العددان 23-24، ص53-62.

[9]محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرن 16-17، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1991، ص85، 86.

[10] المقري: أزهار الرياض، ج1، المصدر السابق، ص109 – 115.

[11]دومنيغيث أورتيث – برنارد فينسينت:المرجع السابق، ص60.

[12]– F. Braudel، La Mediterranee et le monde mediterraneen a l،époque de philippe ll: ، 4Ed Armand. Colin, Paris 1979، T.ll،p 394 – 395.

Optimized by Optimole