في الحرب على سورية.. الرسائل والخطوط الحمر

في الحرب على سورية.. الرسائل والخطوط الحمر
Spread the love

بقلم عبدالله أحمد* — لم تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية الهجوم الجيوسياسي الخطير من تونس إلى سورية تحت عنوان “الربيع العربي” لكي تسعى إلى تسوية تنهي الحرب على سورية وتؤدي إلى عودة سورية دولة محورية في المنطقة، فالأهداف الإستراتيجية الأمريكية التي تسعى لتحقيقها لم تتغير، ومنها وضع الدول تحت الهيمنة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. إلا أن تعثر وفشل هذا المشروع نتيجة صمود الجيش السوري وحلفائه، قد أربك واشنطن ما دفعها إلى استخدام أساليب قد تبدو متناقضة فمن الحوار مع موسكو وإطلاق المبادرات من اجل التسوية إلى التضليل والتدخل المباشر وخلط الأوراق من اجل كسب الوقت وإطالة أمد الحرب. إنها لعبة الامبريالية الأمريكية التي تعتمد في جوهرها على التضليل والخداع وصولاً إلى إضعاف الخصم وتحقيق الأهداف.
إنها الحرب الكبرى على الأرض السورية تستخدم فيها واشنطن كافة الأدوات، التضليل والخداع والحرب الإعلامية من أهم هذه الأدوات في محاولة لإعادة رسم المسارات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي والدولي، وهذا ما يفسّر اشتداد الصراع في هذه الحرب المركبة.
أما الإحداث الجانبية أو تلك التي تتم قراءتها بشكل منفصل من تصريحات ومواقف ومبادرات فقد تخدع البعض من الكتاب والباحثين والإعلاميين، فنرى المقاربات الخاطئة، لأنها بنيت على تصريحات أو أحداث وتفاهمات افتراضية، فنرى البعض يراهن على تفاهمات روسية أمريكية وهدن وخارطة طريق ومحاربة الإرهاب ..الخ ، والآخر يراهن على استدارة تركية وغيرها من المقاربات التي تفسّر الأداء الأمريكي المتقلب كمقولة “تبادل الاداور”كنتيجة لصراع ما بين الخارجية والاستخبارات والبنتاغون وغيرها من المقاربات التي لا تمت إلى الواقع بصلة، بل إنها تساهم في تعميم التضليل الذي يستخدمه الغرب كأداة الأساسية في الحرب على سورية والمنطقة.
الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت الجيش السوري في جبل ثردة في دير الزور لدعم تنظيم داعش ، لم تأتِ من فراغ أو عن طريق الخطأ وإنما هي جزء من خطة واشنطن لعزل المناطق الشرقية وإحكام السيطرة عليها بحسب خطة الجنرال ديمسي رئيس الأركان السابق، فالمطلوب بحسب هذه الخطة السيطرة على المناطق الشرقية وصولا إلى الموصل من خلال دفع داعش إلى تلك المناطق واستبدال داعش لاحقاً بمجموعات أخرى تحت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية.
الحراك الدبلوماسي الروسي الأمريكي واجتماعات ما يسمى مجموعة دعم سورية، وخطاب اوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة والرسائل التي بثها في كل الاتجاهات، من التركيز على المبادئ والقيم وضرورة الحل السلمي والقلق من تصاعد قوة روسيا، ما هي إلا مشاهد جانبية لاستكمال الإستراتيجية المرسومة مسبقاً والتي تسعى واشنطن من خلالها إلى تمديد الأزمة واستنزاف سورية وروسيا وإيران وحزب الله.
إنها إستراتيجية كسب الوقت وتمديد الصراع إلى عقد قادم، والمشاريع الأمريكية التي أطلقت مؤخراً، من إعادة التفكير الاستراتيجي ومواجهة روسيا والصين في الشرق والغرب هو عنوان المرحلة القادمة من الصراع الشامل والتي تعتمد في جوهرها على إعادة رسم الاستراتيجيات الأمريكية على كافة الجبهات وتمديد أمد الصراع في سورية، هي تفسّر الأداء الأمريكي في هذه المرحلة.
تعثر المشروع الأمريكي في سورية وقدرة الجيش السوري وحلفائه على تغيير الميزان الاستراتيجي للحرب دفع واشنطن إلى التصعيد، وبالأخص بعد فشل خديعة الهدنة والمساعدات الإنسانية في حلب، فكانت الضربات الإرهابية لمواقع الجيش السوري في دير الزور. وقد تشهد الأسابيع القادمة تصعيداً كبيراً على مختلف الجبهات وبتدخل أمريكي إسرائيلي، إلا أن الرسالة الروسية من خلال تسريب خبر ضرب غرفة عمليات في دارة عزة تضم إسرائيليين وأميركيين وأتراك وسعوديين وقطرين وغيرهم يحمل في طياته أكثر من رسالة إلى جميع الأطراف. فلا حدود للمواجهة ولا خطوط حمر.. فموقع سورية الجيوسياسي سيبقى كما هو ولن يسمح بنقله إلى موضع آخر. وهذا يعني أيضاً إصرار محور سورية وحلفائها على هزيمة المشروع الأمريكي في سورية، ويؤشر أيضاً إلى أنه لا توجد ضمانات بألا يتوسع الصراع ليكون إقليمياً أو حرباً كبرى… هذه الحرب المؤجلة التي لا يريدها أحد قد تكون واقعاً حتمياً على المدى المتوسط.
صحيح أنه لا يوجد خطة “ب” لدى واشنطن وإنما هي نفسها الخطة “أ” التي يتم تنفيذها حالياً، أي محاولة الهيمنة على سورية من خلال فرض تسوية تقوم على أساس المحاصصة، كما في العراق ولبنان، أو جعل الصراع يستمر بلا نهاية على مدى العشر سنوات قادمة واستنزاف سورية وحلفائها من خلال الاعتماد على المجموعات الإرهابية “داعش والنصرة وجيش الفتح وجيش الإسلام وأحرار الشام وغيرها”، التي أنشئت ودربت لهذا الغرض. كما لا يخفى دور تركيا الأساسي في هذه الخطة فالتوغل التركي في الأرض السورية بإيعاز أمريكي يصب في جوهر هذه الخطة ولا يمكن هنا الحديث عن استدارة تركية أو تغير في الموقف التركي برغم محاولات التضليل الإعلامي المرافق لعودة العلاقات التركية الروسية إلى سابق عهدها.
المرحلة حساسة ومعقدة والصراع قد يشتد ليس في سورية فقط وإنما قد يمتد إلى البلقان وآسيا الوسطى من أجل الضغط على روسيا بالأخص بعد التغييرات التي حدثت في أوزبكستان ووضع رئيس قرغيزستان الصحي الصعب، إضافة إلى الإضرابات التي قد تفتعلها واشنطن حتى في الدول الوكيلة مثل السعودية ودول الخليج لمحاربة الاقتصاد الصيني الذي يعتمد على النفط والغاز من الشرق الأوسط. فدور داعش لم ينتهِ بعد، وعقيدة اوباما التي تعتمد على القوة الناعمة والذكية قد تتغير تبعاً لتطورات الحرب على مختلف الجبهات.
ولم يكن أحد يتصور أن يستطيع الجيش السوري وحلفاؤه تغيير المعادلات وإفشال المشاريع الأمريكية ، وهذا ما يفسّر ازدياد القلق الأمريكي والتهور في استخدام أدواته وتدخله المباشر، برغم محاولاته الالتفاف على تلك الإنجازات من خلال حملات العلاقات العامة والتضليل والخداع ووهم التسويات.
فالمشاريع الأمريكية ليست قدراً وهاهي تفشل في سورية والمنطقة، ولا خيار أمام سورية وحلفائها إلا النصر الحاسم بهزيمة الإرهاب عسكرياً وفكرياً، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى بسهولة عن داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من المجموعات الإرهابية التي أنشأتها وتستخدمها كأداة أساسية من اجل تحقيق غايات جيوسياسية، لكن الرهان على يقظة وقوة سورية وحلفائها والتحولات الإستراتيجية على الأرض التي تمكّن من خلالها الجيش السوري وحلفاؤه من ضبط إيقاع العمليات العسكرية على الأرض السورية، إضافة إلى المكاسب السياسية، فذلك يؤسس إلى حتمية انتصار سورية وحلفائها وان طالت هذه الحرب…

• باحث سوري في الشؤون الاستراتيجية له عدد من الدراسات والمقالات ونشر كتاب “الحرب القذرة” بالاشتراك مع الدكتور بسام عبدالله.

المقالة تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

Optimized by Optimole