سلطانة الهند رضية بنت إلتُمِش ​في مرآة التاريخ

Spread the love

بقلم: د. محمد حسن الباشا — هي المرأة الوحيدة في التاريخ التي تم تتويجها بسلطنة دلهي وأول حاكمة مسلمة أيضا في جنوب آسيا، وهي من سلالة المسلمين ذوي الأصول التركية الذين فتحوا الهند في القرن الحادي عشر، هي “رضية سلطانة”، الإمبراطورة الرابعة من سلالة الرقيق التي حكمت دلهي في القرن الثالث عشر.

اشتهرت باسم “رضية سلطانة”، وهي سلطانة من مماليك دلهي في بلاد الهند، تولت عرشها في القرن الثالث عشر الميلادي -السابع الهجري- خلفًا لأخيها ركن الدين فيروز، وهي ابنه السلطان شمس الدين إلتتمش، وقد كانت تدربت في حياة والدها على تنظيم الدولة وتولي شئون الجيوش، وكان أبوها يسند إليها بعض المهام، حتى إنه فكّر في أن يجعلها “وليّة للعهد” دون إخوانها الذكور الذين انشغلوا باللهو والملذات، وقد تحقق ما كان يراه أبوها ولا يراه سواه ممن كانوا يعترضون عليه إيثاره لها.

في أعقاب وفاة السلطان، خلفه ابنه ركن الدين فيروز، غير أنه كان منشغلًا عن مسئولية الحكم وتبعاته باللهو واللعب، تاركًا تصريف أمور دولته إلى أمّه، والتي استبدّت بالأمر، وهو ما جعل الأحوال تزاد سوء، وتشتعل المعارضة ضده، وانتهت الأزمة بأن بايع كثير من الأمراء أخته رضية الدين، وأجلسوها على عرش السلطنة، وكانت تتمتع بصفات طيبة من رجاحة العقل، وشجاعة النفس، وعلى حظ كبير من الذكاء، تحفظ القرآن الكريم، وتلم بالفقه الإسلامي؛ فما إن آلت إليها السلطنة حتى دلّت على ما تتمتع به من صفات، حتى إن مؤرخي الهند، أطلقوا عليها اسم “ملكة دوران بلقيس جهان”، أي فتنة العالم.

جلست رضية الدين على عرش سلطنة دلهي نحو أربع سنوات، وبذلت ما في وسعها من طاقة لتنهض بالبلاد التي خوت خزائنها من المال لإسراف أخيها، وسارت على خطا أبيها في سياسته الحكيمة العادلة، لكنها في الوقت نفسه اصطدمت بكبار أمراء الملوك الذين يشكلون جماعة الأربعين، ويستأثرون بالسلطة والنفوذ، وحاولت الملكة جاهدة أن تسوسهم، وتحتال على تفريق كلمتهم، وتعقُّب المتمردين والثائرين عليها، وكانت تظهر بمظهر الرجال، وتجلس على العرش والعباءة عليها، والقلنسوة على رأسها وتقود جيشها وهي تمتطي ظهر فيلها؛ ولما استقرت أحوال مملكتها انصرفت إلى تنظيم شئونها، فعينت وزيرًا جديدًا للبلاد، وفوضت أمر الجيش إلى واحد من أكفأ قادتها هو سيف الدين أيبك، ونجحت جيوشها في مهاجمة قلعة رنتهبور وإنقاذ المسلمين المحاصرين بها، وكان الهنود يحاصرون القلعة بعد وفاة أبيها السلطان التتمش؛ غير أن هذه السياسة لم تلق ترحيبا من مماليك سلطنتها الذين أنفوا أن تحكمهم امرأة، وزاد من بغضهم لهذا الأمر أن السلطانة قرّبت إليها رجلا فارسيًا يُدعى جمال الدين ياقوت، كان يشغل منصب قائد الفرسان، ولم تستطع السلطانة أن تُسكت حركات التمرد التي تقوم ضدها، كما كانت تفعل في كل مرة، فاجتمع عليها المماليك وأشعلوا الثورة ضدها، وحاولت أن تقمعها بكل شجاعة، لكنها هُزمت، وانتهى الأمر بقتلها في 25 ربيع الأول عام 637 هجرية، وتولَّي أخيها السلطان “معز الدين” عرش البلاد.

وكان موقع القبر في القرن الثالث عشر عبارة عن غابة، ولا يعلم أحد كيف انتهى جثمان رضية إلى حيث ترقد اليوم، ورغم أن هناك قبرا آخر بجوار قبر رضية، فإنه لا يعرف أحد هوية صاحب هذا القبر. وقام بعض السكان المحليين بتحويل هذا القبر إلى مكان للعبادة، تقام فيه الصلوات الخمس كل يوم.

الباحث الآن يجد قبر رضية البسيط بين الأزقة الضيقة في مدينة دلهي القديمة شمالي الهند، والآن هو متهدم ومغطى بالغبار، وتحيط مجموعة من المباني السكنية غير الجذابة بالقبر من جميع الجهات. وضع بعض الأشخاص، الذين تعدوا على المكان، قطعا بلاستيكية حول القبر وبدءوا يعيشون فيه، محولين القبر إلى حي حضري.

Optimized by Optimole