رؤية غربية لصلاحية التصوّف منهجاً لمداواة علل الشرق

رؤية غربية لصلاحية التصوّف منهجاً لمداواة علل الشرق
Spread the love

بقلم: هشام منوّر — في عالم مادي انتفت منه أوجه الروحانية والتأمل والصفاء الروحي، يميل الغربيون بوجه عام، ممن ما عادوا يؤمنون بانتهازية الرأسمالية والنظام المادي الذي اكتنف حياتهم في مختلف جنباتها، إلى البحث عن مسحة روحية تغني روحهم الباحثة عن السكينة في عالم متغير وقاس.
لطالما شكلت الصوفية أو الأسمال التصوفية بالنسبة إلى كثير من الباحثين الغربيين «ملجأ» من هذا العالم، ولطالما أعجبوا بقدرة أدبيات التصوف على اختراق حجب المادية في عالمهم والنزوع إلى روحانية قد يجدون فيها بعض الطمأنينة والاستقرار لنفوسهم المتوثبة.
من هذا المنطلق، يرى بعض الباحثين الغربيين أن «الصوفية» أو «التصوف» كمنهج روحي وحياتي يحمل في طياته إمكانية شفاء أولئك الذين سبب لهم الإرهاب انحرافاً في عقولهم وتفكيرهم. وتضم قائمة الصوفيين من الأجيال السابقة أسماء كبيرة كجلال الدين الرومي، وعمر الخيام، وفريد الدين العطار الذي استخدم الشاعر الإنكليزي جيفري تشوسر قصصه لاحقاً، والفيلسوف الأندلسي، ابن رشد، المعلق (الشارح) على الفيلسوف أرسطو. وقد وصلت العديد من أفكارهم إلى أوروبا عن طريق الاتصال بين العالمين الإسلامي والمسيحي في العصور الوسطى ومملكة صقلية النورمانية وشبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس).
منذ بدايتها، اهتمت الصوفية ببناء الجسور وتعزيز التواصل بين المجتمعات، وتركت الصوفية تأثيراً على شخصيات عدة في الغرب، منها الأمين العام السابق للأمم المتحدة داغ همرشولد، ومؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية فرنسيس الأسيزي، ومترجم حكايات ألف ليلة وليلة السير ريتشارد برتون، وكاتب رواية دونكيشوت الروائي الإسباني ميغيل دي ثيربانتس، ورئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل.
يُعتبر التفسير الصوفي للإسلام معتدلاً من وجهة نظر الغرب، فبدلاً من التركيز على الدولة، تركز الصوفية على الأبعاد الداخلية للإسلام وعلى تنقية الروح. غير أن العقود الأخيرة شهدت تركيز المدارس الصوفية على تقديم تفسير للإسلام أكثر تسيساً في برامجها التعليمية، متبعة بذلك خطى غيرها. ترتكز كل التنظيمات الإسلامية المتشددة اليوم على التفسير السياسي للإسلام. فهم يشعرون أن نوع القيم والأفكار وسبل العيش المنبثقة من الغرب والتي بدأت بخرق مجتمعاتهم والتأثير على الشباب على وجه الخصوص، تحمل الضرر للمسلمين. ويُنظر إلى بعض أكثر الأمثلة وضوحاً كالموسيقى والرقص والأفلام وغيرها على أنها تتلف مجتمعاتهم وهويتهم. ونتيجة لذلك ظهرت نزعتان رئيسيتان: الهيمنة والخضوع. تحمل الهيمنة دلالاتٍ سلبية. طوّر المسلمون وعياً حاداً بالهيمنة وهم حساسون بشكل كبير اتجاهها، وأحياناً يكون رد فعلهم عدوانياً. يمكن تفهم الظروف التاريخية التي أفرزت مثل تلك النزعات، غير أن هذا المبرر لم يعد صالحاً اليوم، لا من منظور إسلامي، ولا من منظور العلاقات العابرة للثقافات.
في الوقت الحالي، فإن نزعة الخضوع، بمعنى الاستسلام لله، ضعيفة جداً. يعتقد بعض المسلمين أنه، وفي عصر العولمة، لا بد من إعادة تأكيد جوهر الإسلام: الكونية والشمولية والموقف المستوعب للآخر والقدرة على التغير والتكيف، ولكن لا بد من الحفاظ على جوهر الإيمان.
تدعو المقاربة الصوفية للدين إلى التفكير في نزع السلاح عن الإنسانية. ويتم ذلك فقط عن طريق الانخراط الفعال في نزع فتيل كل الأسلحة التي تقع تحت تصرف الإرهابيين. يرى مفكرون غربيون أن الوقت حان كي يتخذ كل المسلمين حول العالم موقفاً موحداً ضد التفسير السياسي للإسلام ويطلقوا عملية إصلاح للإسلام. وبالمثل أيضاً، يحتاج نظام التعليم الديني إلى إصلاح شامل، لأنه يوفر الأرضية الخصبة التي تغذي معظم التنظيمات المتشددة.
النقاش الغربي الجاري حالياً حول الرد على الإرهاب المتطرف القادم من الجماعات الإسلامية المتشددة، يركز بشكل قليل على المخزون العميق للفلسفة الصوفية وعلى الطقوس وحتى على الأعمال الفنية التي صاحبت أكثر القرون تنويراً في الحضارة الإسلامية. فالجهود الأولية من جانب التيار العريض لرجال الدين المسلمين للرد على التفسير الحَرْفِيّ للقرآن قبلت ضمنياً إصرار المتطرفين على اختصار الموروث الديني إلى مجموعة من النصوص.
إن قوة التصوف ربما تتمثل في قدرته على تذكير المسلمين (وغير المسلمين) بأن الإسلام أكبر من مجرد كلام حرفي لكتاب مقدس؛ فالإسلام كان على مدار خمسة عشر قرناً تجربة مُعاشة بكل الاختلافات الثقافية والفكرية لهذه التجربة.
سياسات مواجهة الإرهاب والتطرف الذي تعاني منه بعض المجتمعات العربية والإسلامية مهمة، لكن لا يمكننا تجاهل حقيقة أن هذا صراع على الأفكار التي ترتكز على تحريف الدين. في هذه المعركة فإن الحل الدائم هو أن نفهم بشكل تام هذه الأفكار، ونتوجه بخطابنا لمعتنقيها، ونجتث هذه الأفكار نفسها. ولا بد أن نطبق الإصلاح الآن بحيث يكون لدى الجيل القادم الفهم والمهارات والصلابة لمقاومة الأفكار المتطرفة.
هناك حاجة ماسة لتحديث نظم التعليم الغربية والإسلامية معاً بعقيدة «الإسلام الصوفي»، التي تدعو إلى تعاليم كونية للإنسانية، من وجهة نظر العديد من الباحثين الغربيين، وهذه المهمة هي مهمة مجتمعية تقع على عاتق صناع القرار وأصحاب الكاريزمات الاجتماعية لمنع سيولة التطرف وانتشاره شرقاً وغرباً، فكل فعل شرقي متطرف، يقابله تطرف غربي مساو له بالقوة… وربما أشد وقعاً في بعض الأحيان!

المصدر: صحيفة الحياة

Optimized by Optimole