تزايد قوة دحلان يمكن أن يغيّر العلاقات بين غزة وإسرائيل

تزايد قوة دحلان يمكن أن يغيّر العلاقات بين غزة وإسرائيل
Spread the love

آساف جبور – محلل سياسي

•ما بدأ وكأنه خطة من أبو مازن للسيطرة على غزة بمساعدة ضغط اقتصادي على “حماس”، انتهى بتقارب بين حركة “حماس” ومحمد دحلان، وبإضعاف رئيس السلطة الفلسطينية. بالنسبة إلى إسرائيل عودة محتملة لأحد كبار حركة “فتح” السابقين إلى السياسة الفلسطينية يمكن أن تفيد.
•لقد كانت خطة أبو مازن واضحة، ضغط شديد جداً على “حماس” من أجل استعادة السيطرة على قطاع غزة. بدأ ذلك بخطوة اقتصادية هدفها المس بالموارد المالية لـ”حماس”. خفّض أبو مازن رواتب الموظفين في قطاع غزة وأُخرج آخرون إلى التقاعد.
•وأبلغ أبو مازن إسرائيل أنه سيشتري منها كميات أقل من السولار المخصص لشركة الكهرباء في غزة، وبذلك غشي الظلام القطاع. وألغى التغطية لنقل المرضى من غزة للمعالجة الطبية في الخارج، وأوقف تحويل الرواتب إلى عائلات شهداء “حماس” وأسراها. في إسرائيل حذروا من أن ضغط أبو مازن سيدفع “حماس” إلى تصعيد الوضع في القطاع على الرغم من أنها ليست معنية بذلك. لكن أبو مازن لم يتأثر من احتمالات سقوط صواريخ في مستوطنات غلاف غزة، وخطط لزيادة الضغط على التنظيم الغزاوي. بيد أن مصر ضاقت ذرعاً.
•لقد فهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن فوضى في القطاع يمكن أن تمتد أيضاً باتجاه الجنوب، ومن أجل تحقيق المصلحة المصرية العليا، إحلال الهدوء في القطاع وفصل غزة عن جهات إرهابية في سيناء، أومأ السيسي إلى كبار المسؤولين في “حماس” فسارع هؤلاء في المجيء إلى القاهرة. وفي اللقاءات التي جرت بين وفد “حماس” ورؤساء الاستخبارات المصرية جرى وضع خطة هدفها إحباط مؤامرة أبو مازن. و”حماس” التي عارضت بشدة في أيام حكم مبارك الخطة المصرية لإقامة جدار فصل بين مصر وغزة، وافقت حالياً على إقامة الجدار وبدأت فوراً في الأعمال. واتخذت القاهرة في المقابل قراراً بتأمين السولار لتوليد الكهرباء في غزة، وفتح معبر رفح أمام الأفراد والبضائع.
•لكن الخطوة التي آلمت أبو مازن أكثر كانت تلك المتعلقة بخصمه السياسي الكبير محمد دحلان، المسؤول الكبير في “فتح” الذي اتُهم بمحاولة التآمر على أبو مازن، وفرّ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كي لا يعاقب على التهم التي وُجهت له. ومن هناك دحلان يشدّ خيوطاً ويمول خلايا موالية لزعامته تعارض السلطة الفلسطينية. وبهذه الطريقة حافظ دحلان على علاقاته في انتظارعودته إلى الساحة السياسية الفلسطينية. وهو اليوم يحظى بدعم حقيقي من مصر ومن “حماس”.
•ووفقاً لمصادر فلسطينية، خلال وجود مسؤولي “حماس” في القاهرة التقى يحيى السنوار دحلان مرتين، واتفق معه على خطوات من أجل تحسين الوضع الاقتصادي في القطاع. وبالاستناد إلى صحيفة “الحياة” كان هدف اللقاء مصالحة “حماس” مع دحلان، وعودة هذا الأخير إلى منصب سياسي رسمي في القطاع للمرة الأولى منذ عشر سنوات. وكان أبو مازن على علم بهذه اللقاءات وحاول عرقلتها.
•ووفقاً لمصادر مختلفة، أجرى مقربون من أبو مازن محادثات غير مباشرة مع “حماس” من أجل إلغاء التفاهمات بينها وبين دحلان. وكشفت مصادر فلسطينية أن رئيس السلطة أرسل اقتراحات إلى “حماس” بواسطة ثلاث جهات مختلفة، اقترح فيها على “حماس” إجراء انتخابات عامة في قطاع غزة والضفة، وتأليف حكومة وحدة وطنية، مقابل قطع العلاقات مع محمد دحلان وإلغاء لجنة العمل التابعة لـ”حماس” في غزة.
•لكنهم في “حماس” رفضوا مقترحات أبو مازن، وقالوا إن الخطوات التي جرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة كانت غير مقبولة. ونتيجة خيبات الأمل التي خبروها في الماضي مع أبو مازن، طالبوا بضمانات دولية للاتفاقات، وأضافوا أنهم لن يقطعوا العلاقات مع محمد دحلان التي هي برأيهم تشجع الحوار الداخلي الفلسطيني والمصالحة الفلسطينية العامة، وهذا الأمر يقوي احتمالات عودة دحلان إلى غزة.
•وقيل أيضاً في “حماس” أن وفد الحركة الذي زار القاهرة أوضح أن الحركة تنوي رفض شروط رئيس السلطة، لكنها لن تغلق الباب في وجه المفاوضات، في هذه الأثناء أعلنت أن سمير المشهراوي وسليمان أبو متلك، من المقربين من دحلان، من المتوقع وصولهما إلى قطاع غزة في الأسبوع المقبل من أجل إعداد الأرضية استعداداً لعودة دحلان إلى القطاع.
•ما هي أهمية هذه التغيرات المحتملة في السياسة الفلسطينية بالنسبة إلى إسرائيل؟ لقد عمل دحلان سابقاً رئيساً للأمن الوقائي في غزة، وكان في إطار مهماته مسؤولاً عن التنسيق مع إسرائيل خلال فترة الانفصال عن غزة. بالإضافة إلى ذلك، فهو يتحدث اللغة العبرية بصورة جيدة، ومع مرور السنوات أقام علاقات جيدة مع أطراف إسرائيلية. دخوله إلى غزة بموافقة حركة “حماس”، يمكن بالتأكيد أن يشكل عاملاً مهماً في تغيير العلاقات بين إسرائيل وغزة.

“هآرتس”، 3/7/2017
للعلاقات مع السعودية ثمن
دان شابيرو – سفير سابق للولايات المتحدة في إسرائيل خلال إدارة أوباما، وزميل ضيف في معهد دراسات الأمن القومي

•توقيت الإعلان السعودي لم يكن متوقعاً، لكن مضمونه لم يكن مفاجئاً: ابن الملك سلمان، محمد بن سلمان، رُقّي إلى منصب ولي العهد محل ابن عمه الأكبر سناً منه، محمد بن نايف. وكما في العائلات المالكة الأخرى، يفضل الملوك في السعودية انتقال العرش إلى ذريتهم المباشرة، مع الأخذ في الحسبان العمر الشاب لولي العهد (31 عاماً) والعمر المتقدم لوالده، فإن ولي العهد الشاب يمكن أن يحكم طوال عشرات السنوات. بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة ينطوي هذا الاختيار على ضمانة إلى جانب مخاطرة معينة. وسوف تضطر الدولتان إلى تبني دبلوماسية حكيمة والتمسك بمصالحهما المهمة من أجل تحقيق الحد الأقصى من الفائدة وتقليل المخاطر.
•لقد ذاع صيت محمد بن سلمان بأنه من أنصار الإصلاح والتحديث، ويمتلك جرأة كبيرة لم يمتلكها أي زعيم سعودي سابق. من المعروف عن ابن عمه، محمد بن نايف، أنه شريك دائم وأمين للولايات المتحدة، خاصة في محاربة الإرهاب، لكنه ينتمي إلى جيل أكثر محافظة، ومن الصعب تخيله مقدماً على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي يدعمها ولي العهد: خصخصة شركة النفط، تقليص الدعم الذي تقدمه الدولة من أجل اجبار المزيد من السعوديين على الخروج إلى العمل، تحسين المستوى المهني لقوات الأمن وتوسيع الفرص أمام النساء. إن انفتاح بن سلمان على الأفكار الجديدة يمكن أن يُبشر بتغير في المجتمع السعودي وفي علاقات السعودية بالعالم.
•من الناحية الاستراتيجية، يميل بن سلمان نحو التحالفات مع الدول العربية السنية المعتدلة: لقد أقام صلة مع ولي العهد الشاب في اتحاد الإمارات، محمد بن زايد، وهو يؤيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. والقاسم المشترك بين الزعماء الثلاثة هو كراهية إيران والمحور الشيعي الراديكالي والحركات الإسلامية السنية، بدءاً من الإخوان المسلمين وصولاً إلى القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. إن صعود زعماء مسلمين أقوياء يعتبرون أعداء الولايات المتحدة وإسرائيل أعداء لهم، يمكن أن يشجع على بلورة تكتل من الدول يضم الولايات المتحدة ودولاً سنية وإسرائيل، لديها مصلحة استراتيجية مشتركة في الشرق الأوسط، ومستعدة لمواجهة اللاعبين المتطرفين في المنطقة.
•بالنسبة إلى إسرائيل وجود زعيم سعودي ديناميكي يشاركها نظرتها الاستراتيجية ويعترف بأن هذا يضعها في المعسكر نفسه، هو تحقق حلم. لكن في الوقت عينه، أظهر ولي العهد ميلاً نحو المواجهة، بخلاف سلفه، ونحو عدم التنسيق دائماً مع الولايات المتحدة. فالمعركة العسكرية التي تخوضها السعودية في اليمن، والتي تهدف إلى اخضاع المتمردين الحوثيين الذين يتحركون بدعم من إيران، تُدار بصورة سيئة. وقد ألحق القصف العشوائي أضراراً كبيرة بالسكان المدنيين، وأدى إلى انتشار الجوع والأمراض. وقد تجاهل بن سلمان نصائح الولايات المتحدة من أجل تحسين مستوى التصويب واطلاق النارعلى أهداف عسكرية، وطالب بدعم أميركي كامل للسعودية.
•والمعركة الأخيرة التي تخوضها السعودية من أجل عزل جارتها، قطر، على خلفية دعمها لتنظيمات سنية متطرفة، هي نموذج لسلوك متهور له نتائج مؤذية لمصالح الولايات المتحدة. وباستثناء تغريدات التأييد الأولى من جانب الرئيس دونالد ترامب، اضطرت الولايات المتحدة إلى محاولة اصلاح الخلاف الذي يجعل من الصعب عليها القيام بعملياتها العسكرية الجوية من قاعدتها الكبيرة في قطر. وإذا تبنى بن سلمان مقاربة مشابهة حيال إيران، فإنه يمكن أن يشعل مواجهة قد تتدهور بسرعة. وفي مثل هذه الظروف سيطلب من الولايات المتحدة التدخل، وقد تنجر إلى معركة عسكرية اشكالية لم تخترها. السعودية هي مَن قد يُشعل المواجهة، لكن الولايات المتحدة هي التي ستتحمل النتائج.
•بناء على ذلك، في مقابل دعم السعودية، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون حازمة مع ولي العهد وأن توضح له أنها تنتظر منه عدم القيام بخطوات يمكن أن تضر بمصالح الولايات المتحدة من دون اجراء استشارات مسبقة. وحتى الإسرائيليون الذين يمكن ان يعلقوا أملهم على مواجهة ضد إيران بقيادة الولايات المتحدة أو ضرب منشآتها النووية، يدركون أن مثل هذا القرار يجب أن يُتخذ في واشنطن، وليس في الرياض.
•ختاماً، في الولايات المتحدة وفي إسرائيل يأملون ان يكون ولي العهد بن سلمان منفتحاً على تحسين العلاقات مع إسرائيل، وصولاً إلى عملية تطبيع. وعلى الرغم من ضرورة تشجيع مثل هذه الخطوات، فمن الأفضل الامتناع عن الشعور بسرور لم يحن أوانه. فمن المؤكد تقريباً أن مقاربة ولي العهد الجديد لن تخرج كثيراً عن مبادرة السلام العربية، التي تشتمل على إمكانية تطبيع كامل مع إسرائيل، لكن فقط ضمن إطار حل الدولتين، الذي يضع نهاية للنزاع مع الفلسطينيين. وحتى بعد أن يرسخ مكانته، ليس من المعقول أن يقدم بن سلمان على مخاطرات سياسية وأن يبتعد عن المشكلات الإقليمية المطروحة على رأس أولوياته، من أجل تسخين العلاقات مع إسرائيل علناً، وبالتأكيد ليس قبل حدوث انعطافة مهمة في المشكلة الفلسطينية.
•وبينما يواصل جاريد كوشنير وجايمس غرينبلات تحركهما الدبلوماسي في المنطقة، فإنه يتعين عليهما أن يقولا بوضوح للعرب إن الولايات المتحدة تشجع عملية تطبيع العلاقات، وأن يقولا أيضاً بوضوح لإسرائيل ما هو المطلوب من أجل تحقيق ذلك.

Optimized by Optimole