التحولات السورية ما بعد معركة جرابلس

Spread the love

turkey-Jarables

بقلم: نشوة مريش* – خاص “شجون عربية” — تتسارع الأحداث في الشمال السوري على نحو دراماتيكي. فينما كانت حلب قبلة الأنظار في الفترة السابقة من خلال المعارك العنيفة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة و”جيش الفتح” من جهة أخرى، وكان الحديث عن أن حلب هي بيضة القبان التي سترجّح كفة المنتصر في الحرب السورية، فجأة انتقلت الأحداث شرقاً عندما فتحت القوات الكردية بجميع فصائلها اشتباكاً كان الى فترة فريبة معلقاً مع الجيش السوري وقوات “الدفاع الوطني” في مدينة الحسكة. اعتبر هذا الاشتباك حجر أساس للإقليم الكردي المنشود لتأتي معركة جرابلس ودخول الجيش التركي بأسلحته الثقيلة الى الأراضي السورية فتخلط الأوراق وتقلب الصورة.
كثيرة هي التحليلات والتسريبات حول هذه الخطوة. لكن المؤكد أنها لم تتم لولا موافقة واضحة أو ضمنية من معظم الدول الفاعلة في الحرب السورية. وهذا ما جاء على لسان وزير الداخلية التركية آفكان آلا حينما علّق على عملية “درع الفرات” بالقول إنها جاءت بتنسيق مع طهران وموسكو وبعلم واشنطن ودول أخرى.
تعبير دول أخرى قد يحمل في طياته بأن دمشق هي أيضاً على علم بذلك وإن كان بوساطة الحلفاء. صحيح أن وزارة الخارجية السورية قد نددت بالدخول العسكري التركي الى أراضيها. لكن التنديد بقي ضمن هذا الإطار الدبلوماسي ورفضت التقدم بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي. فاتفاقية اضنة التي تم التوقيع عليها عام 1997 بين تركيا وسوريا، تشرع هذا التوغل العسكري التركي داخل الأراضي السورية طالما هناك ما يهدد الأمن القومي التركي.
أما الترسيبات حول عملية “درع الفرات” فتقول إنه تم التشاور حولها خلال لقاء بوتين – اردوغان في موسكو على إثر طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لخطة آب السورية والتي لم يعترض عليها الجانب التركي، ليستكمل بلقاءات عدة بين اللجان الأمنية والعسكرية.
طهران بدورها دخلت على خط التشاور، مرحبة بأي جهد لمحاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم “داعش”، ولكن مع وجوب التنسيق مع الدولة الوطنية السورية.

دبابة تابعة للجيش التركي وحافلة مدرعة بالقرب من الحدود التركية السورية في بلدة قرقميش يوم الثلاثاء. صورة لرويترز. ملحوظة: حصلت رويترز على هذه الصورة من طرف ثالث. تستخدم الصورة للأغراض التحريرية فقط ويحظر إعادة بيعها أو الاحتفاظ بها في الأرشيف. يحظر استخدام الصورة داخل تركيا ويحظر بيعها للحملات التسويقية أو الدعائية داخل تركيا.
دبابة تابعة للجيش التركي وحافلة مدرعة بالقرب من الحدود التركية السورية في بلدة قرقميش يوم الثلاثاء. صورة لرويترز. ملحوظة: حصلت رويترز على هذه الصورة من طرف ثالث. تستخدم الصورة للأغراض التحريرية فقط ويحظر إعادة بيعها أو الاحتفاظ بها في الأرشيف. يحظر استخدام الصورة داخل تركيا ويحظر بيعها للحملات التسويقية أو الدعائية داخل تركيا.

ملامح التفاهم التركي الروسي الإيراني الجديد تجلت في عملية جرابلس والتي وضعت حداً نهائياً لحلم الأكراد بالانفصال. فهذه هي كلمة السر التي جمعت الأطراف الثلاثة إضافة الى دمشق.. وما ترداد تعابير الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم التي بتنا نسمعها على لسان أرفع المسؤولين الأتراك إلا تمهيد لما كان يُحضّر له في الغرف العسكرية.
لكن ما أعلنه الأتراك عن أهدافهم من التوغل العسكري ودخول جرابلس لطرد “داعش” وإيقاف التمدد الكردي ودعم المعارضة السورية المسلحة لا يقف عند هذا الحد. إذ يعتبر بعض المراقبين أن الهدف الاستراتيجي التركي هو تكريس منطقة عازلة في الشمال السوري بطريقة غير مباشرة، تكون تحت سيطرة “الجيش الحر” الموالي لتركيا، والذي بدأ يعمل على استرجاع دوره وتبييض صورته كطرف مسلح “معتدل” ومفاوض على أولوية الحل السياسي. ومن ثم يعود اللاجئون السوريون المتواجدون حالياً في المخيمات في مرحلة لاحقة إلى هذه المنطقة الآمنة أو العازلة.
ويبدو جلياً من تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي زار انقرة قبل يومين بأنه لا مانع أميركي من بقاء القوات التركية داخل الأراضي السورية حتى إنجاز المهمة. ولا شك أن برغماتية واشنطن تدفعها لإعادة ضخ الحياة بعلاقاتها مع تركيا الشريك الأطلسي التي بدأت باستعادة دورها الإقليمي والتضحية بشكل جزئي بالأكراد، الذراع العسكري الأميركي في الشمال السوري.
في المقابل لا بد من ثمن وافق اردوغان على دفعه في مقابل حصوله على تفويض إنهاء التواجد الكردي على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، فتغيير اللهجة حيال الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد والقبول بهما على طاولة التفاوض يوحي بذلك. هذا بالعلن، أما من تحت الطاولة فتقول بعض المصادر المطلعة إن وزير الدفاع الروسي طلب من الرئيس بوتين مهلة حتى منتصف شهر أيلول سبتمبر المقبل تكون بموجبها صفقة مدينة حلب قد وصلت الى خواتيمها إما عسكرياً أو سياسياً.
ومن المعلوم بأن معارك مدينة حلب، والتي تقاس إنجازاتها بالساعات وليس بالأيام، اليد الطولى فيها هي لأنقرة ولا بد من تعاون تركي فاعل لإخراج المدينة من دائرة الصراع السوري، وبالتالي التحضير لجولة جديدة من مفاوضات جنيف. فهل تكون عملية “درع الفرات” مقدمة لتحرير مدينة حلب من الإرهاب، علماً بأن قراراً مركزياً على مستوى دمشق وحلفائها قد تم اتخاذه بحسم معركة حلب بحلول نهاية العام.
في المحصلة يبدو المشهد السوري مقبلاً على مرحلة من التفاهمات والترتيبات لا يمكن اعتبارها نهائية، ولكن قد يُبنى عليها. فالمفاجآت لا يمكن استبعادها خصوصاً في ظل غياب السعودية وغرقها في مستنقع اليمن الذي طار من أجله وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل أيام إلى الرياض لبحث استئناف محادثات السلام التي يجب أن تضع حداً لحرب عبثية أهدرت الكثير من الدماء، كما وصفها وزير الخارجية الأميركي.
السعودية التي لا تزال تدعم “جيش الفتح” و”جيش الإسلام” لا تزال ترفض أي تسوية لا تخرج الرئيس السوري من المشهد. ولكن تعقيدات الوضع على حدودها واستنزاف الجيش السعودي في اليمن هل يدفعان أصحاب القرار فيها الى إجراء مراجعة على غرار ما فعله الأتراك؟ أم أنهم سيستمرون في نهجهم، عاقدين الأمل على قيادة أميركية جديدة تفتح لهم مجدداً أبواب البيت الأبيض؟
*كاتبة سورية.

Optimized by Optimole