أهداف “داعش” من إعلان الجهاد ضد الصين

أهداف “داعش” من إعلان الجهاد ضد الصين
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — أصدر تنظيم “داعش” في العراق الإثنين الماضي شريط فيديو بعنوان (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ظهر فيه مقاتلون من عرقية الأويغور التركية الذين يقيمون في إقليم شينغيانغ، غرب الصين، حيث توعدوا الصين بقرب وصول “جنود الخلافة” إلى أراضيها للثأر من الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون هناك وبسفك “الدماء كالأنهار” فيها.
الميادين نت راجعت الفيديو الذي نشر على اليوتيوب ومدته نصف ساعة. ويظهر في الفيديو مقاتلون كبار وأشبال صغار من الأويغور في صفوف “داعش” وهم يتدربون على الكاراتيه واستخدام الأسلحة، وكذلك يعرض بعض الصور من داخل شينغيانغ تظهر عمليات قمع للشرطة الصينية للمسلمين الأويغور في الشوارع.

ويظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ في إحدى اللقطات تليه صورة لعلم الصين وهو يحترق.

يتحدث الشريط في البداية عن الظلم الذي يتعرض له المسلمون في تركستان الشرقية(شينغيانغ) والشيشان وبورما ويقول إن رفع الذل والهوان والاستعباد عن المسلمين من الكفار يكون فقط بالجهاد.

ثم يضيف صوت المتحدث في الفيديو: “بعد نشوب الثورة في بلاد الشام تعددت الغايات خلف ألوان الرايات الكثيرة وكان هذا من الأسباب التي أدت الى استمالة قلوب المهاجرين واستقطابهم ليقاتلوا مع نلك الرايات تحت مظلة الجهاد في سبيل الله. ولكن المهاجرين إلى أرض الشام والمقاتلين مع تلك الرايات لم يعلموا أنهم أصبحوا كالمستغيث من الرمضاء بالنار، فذاب الكثير منهم وتلاشى بين جيوش علمانية تقاتل من أجل الوطنية والحمية وتموت الميتة الجاهلية، فيما انضم الكثيرون منهم إلى صف الجماعة والتحقوا بقافلة الخلافة(أي دولة داعش)، ملبّين نداء أمير المؤمنين(أي أبو بكر البغدادي)، مبتغين رضا الله من خلف ذلك”.

في هذه الأثناء عرض الفيديو صوراً لأعلام “الجيش السوري الحر” والحزب الإسلامي التركستاني”، وهو أيضاً من عرقية الأويغور، وصورة زعيم “جيش الإسلام” المقتول زهران علوش، في إشارة إلى الرايات التي قاتل معها المقاتلون الأجانب قبل أن يلتحق البعض منهم بتنظيم “داعش”، الذي أعلن الخلافة الإسلامية المزعومة في صيف 2014 في العراق وسوريا.

ثم يعرض الفيديو مقطعاً صغيراً من خطبة البغدادي الشهيرة في مسجد الموصل.

ثم يقرأ أحمد المقاتلين الإيغور باللغتين العربية والأويغورية (وهي لغة تركية قديمة)، الآيةٌ (39) من سورة الأنفال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير).

ثم يوجه أحد المقاتلين الإيغور رسالة بالأويغورية إلى الخليفة البغدادي يقول فيها: “يا أبا بكر البغدادي لقد منّ الله عليك بالهمة، فكنت رحيماً على المؤمنين شديداً على الكفار. أنت أمير المؤمنين أيها البغدادي القريشي. أيقظت المؤمنين بدعوتك من فوق المنبر وأبكيت الطواغيت في المعركة بالظفر.سددك ربي بالحق في كل مكان وزمان وحفظك الله. نسأل الله أن يرزقك كعمر بن الخطاب. ونحن لك صادقون كصدق ابي عبيدة الجراح. ونصرك الله كنصره للمؤمنين يوم الأحزاب. نسأل الله أن يثبتك ونسأل الله أن يرزقك العزة في الدنيا والآخرة، وهيبة الإيمان التي ترعب الكفار. ونسأل الله التمكين للخلافة يا خليفة المسلمين يا أبا بكر البغدادي.

ثم يقول الشريط إن الكثير من المجاهدين من أرض تركستان(الأويغور) قد عاينوا الهوى فخالفوه وأقبلوا على الله بقلوب رضية نقية فهاجروا إلى دار الإسلام مع أهلهم وذويهم، تاركاً خلفهم تيه الرايات العامية وضلال القومية فكان لهم نصيب وافر في عجلة ازدهار الخلافة ورفعتها وسموها وإقامة دين الله على أرضه.

ثم يتحدث مقاتل أويغوري من “حسبة” داعش التي تقوم بتطبيق الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بينما يظهر الفيديو مقاتلاً أويغورياً آخر وهو يقوم بجلد أحد المرتكبين لمخالفة ما.

يقول المتحدث: “نحن المهاجرون(أي المقاتلون الأجانب) نقوم بتطبيق شرع الله مع الأنصار(أي العراقيين والسوريين من أبناء الأرض التي تحتلها “داعش”).

ثم يظهر الشريط نحو 20 مقاتلاً أويغورياً ثم يعرض صور ثلاثة انتحاريين من الأويغور قتلوا مع “داعش”.

ثم يقول أحدهم إن هدفنا هو رفع راية الجهاد في كل بقاع الأرض.

كما يقوم البعض بإنشاد بعض الأناشيد باللغة الأويغورية.

أشبال الخلافة الأويغور
يعرض شريط الفيديو كذلك صوراً لصبية يتدربون على القتال. يقول أحد الصبية الأويغور من “أشبال الخلافة” والذي ارتدى لباساً عسكرياً مرقطاً وحمل سلاحاً رشاشاً، بلغة عربية سليمة لفظاً ولغة دون أي لكنة أجنبية: “لقد منّ الله علينا بإقامة شرع الله على هذه الأرض”.
يقول صبي أويغوري آخر بالعربية الفصحى: “إننا لم نهاجر من بلادنا طمعاً في الدنيا والمال، بل هاجرنا من دنيا كنا نعيش فيهم منعمين وأقدمنا لا نريد سوى رضا الله سبحانه وتعالى”.

يسأل المدرس الأويغوري أشبال الخلافة الأويغور عن حكم من يؤيد الكفار والمرتدين، فيجيب أحد الصبية: الردة عن دين الله، ثم يقرأ آية كدليل على الحكم، بآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، الآية (51) من سورة المائدة.

ثم يقرأ الأية (120) من سورة البقرة التي تفيد المعنى نفسه وهي: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ).

يقول صبي إيغوري آخر مرتدياً لباساً عسكرياً ويحمل بندقية كلاشينكوف بلغة عربية فصيحة: “الحمدلله نحن الآن في أرض الخلافة. أبي ذهب إلى الرباط وتركني هنا في معهد الشريعة لتعلّم القرآن. سأحفظ القرآن وأكون انغماسياً بإذن الله”.

يقول أحد المقاتلين الأويغور في الفيديو، وهو يلبس قناعاً يغطي وجهه، باللغة الأويغورية: “أيها الإخوة إعلموا أننا اليوم نقاتل كل أمم الكفر، فأوصيكم بالثبات على هذا الطريق. فقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الأحزاب بفتح روما وفارس واليمن. ونحن اليوم بإذن الله تعالى عازمون على رفع راية التوحيد في أميركا وروسيا والصين. أولئك الذين يحكمون حكم الطاغوت، فسترفع فيها راية التوحيد بإذن الله”.

ثم يعرض الفيديو لبعض المقاتلين الإيغور وهم يعلنون بيعتهم للبغدادي، الذي وصفوه بأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي القريشي الحسيني. وبعدها يتم عرض صورة شاب عراقي اتهم بالردة وحكم عليه بالإعدام.

ثم يتحدث صبي مقاتل من الأويغور فيقول:

“هنا نحيا بين أهلنا وإخواننا من الأنصار الذين تجمعنا بهم رابطة الدين التي هي أقوى من رابطة الدم”. ثم يجيب الفتى في مشهد آخر ضمن درس ديني جهادي على سؤال المدرس عن الغاية من الجهاد، فيقول الفتى إن الغاية منه “هو إزالة كل مظاهر الشرك من الأرض وتحكيم شرع الله تعالى”. ثم يقرأ الفتى آية من القرآن تقول: “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة في الأرض”.

ثم يتحدث أحدهم عن دور المهاجرين الأويغور في الجهاد بعد هجرتهم إلى “أرض الخلافة” وبيعتهم لأبي بكر البغدادي، مثنياً على البغدادي وداعياً له بالنصر والسداد.

أهداف “داعش” من الفيديو
الخبير الأسترالي في شؤون شينغيانغ، مايكل كلارك، من كلية الأمن الوطني للجامعة الوطنية الاسترالية قال لوكالة فرانس برس: يبدو أنه التهديد المباشر الأول لتنظيم داعش ضد الصين، وأنها المرة الأولى التي أعلن فيها متشددون من الأويغور البيعة لدولة داعش.
لكن المتابعين لملف المقاتلين الأويغور في سوريا والعراق يعلمون بوجود آلاف المقاتلين منهم في صفوف الحزب الإسلامي التركستاني منذ عام 2013 والمئات منهم في صفوف “داعش” منذ عام 2015.

وثمة انقسام بين مقاتلي الأويغور، حيث ينتمي قسم منهم إلى “داعش” بينما ينتمي معظمهم إلى الحزب الإسلامي التركستاني، القريب من تنظيم القاعدة وفرعها في سوريا المتمثل بجبهة النصرة، التي تم تغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام” ثم لاحقاً إلى “هيئة تحرير الشام” بزعامة أبي محمد الجولاني.

لكن أغلبية المهاجرين الأويغور الذين أتوا من أفغانستان وباكستان وشينغيانغ عبر تركيا إلى سوريا والعراق، قد انضموا إلى الحزب الإسلامي التركستاني وشاركوا في معارك مهمة حيث كان لهم الفضل في تحقيق إنجازات عسكرية لـ”جيش الفتح” الذي كان يضم فصائل جهادية وإسلامية في شمال سوريا، في سقوط مدينتي إدلب وجسر الشغور، ومطار أبو الظهور، عام 2015 حيش اشتهر هؤلاء المقاتلون بأنهم انتحاريون انغماسيون.

وتشعر الصين بالقلق من أن يكون مواطنوها من المسلمين الأويغور، الذين يقاتلون مع جماعات “سلفية جهادية” في سوريا والعراق واكتسبوا خبرات قتالية عالية، يعتزمون العودة إلى إقليم شينغيانغ لإعلان الجهاد ضد الصين لتحرير “تركستان الشرقية”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ إنه لا يعلم بأمر الفيديو الذي أصدره “داعش” ولم يشاهده. وأضاف: “لكن من الواضح تماماً أننا ضد أي شكل من أشكال الإرهاب ونشارك بنشاط في التعاون الدولي للقضاء على الإرهاب.. نقول منذ وقت طويل إن قوات تركستان الشرقية تهديد خطير لأمن الصين ونحن مستعدون للعمل مع المجتمع الدولي للقضاء معاً على القوى الانفصالية والإرهابية لتركستان الشرقية.”

وكان تنظيم “داعش” قد أعلن مسؤوليته عن قتل رهينة صيني في العراق عام 2015، فيما نفذ الحزب الإسلامي التركستاني، المعروف سابقاً بحركة تركستان الشرقية، عمليات تفجير داخل مدن عدة في الصين واستهدف سفارة الصين في قرغيزستان في عام 2016.

كما قُتل المئات في شينغيانغ خلال السنوات القليلة الماضية في اضطرابات بين أقلية الأويغور المسلمة وأغلبية الهان الصينية.

ويطالب قسم من الناشطين الأويغور بالانفصال عن الصين ويشكون من اضطهاد ديني وعرقي تمارسه السلطات الصينية التي تتهم تنظيمات أصولية متشددة كالقاعدة وطالبان وداعش بتحريض الأويغور على الانفصال وتنفيذ عمليات إرهابية، مشيرة إلى دور تركي في دعم مطالب الانفصاليين وتسهيل وصول المهاجرين من شينغيانغ إلى تركيا ومن ثم سوريا عبر جنوب شرق آسيا.

وتحاول الحكومة الصينية إلقاء اللائمة على المتشددين الأجانب والانفصاليين الأويغور بأنهم يثيرون التوتر في إقليم شينغيانغ. لكن جماعات حقوقية كثيرة ومنفيين أويغور يشككون في وجود جماعة متشددة متماسكة في الإقليم ويقولون إن غضب المسلمين من سياسات بكين القمعية هو الدافع الأقوى للتوتر، بينما تنفي الصين قيامها بأي في قمع في شينغيانغ.

دوافع “داعش” في إعلان الجهاد ضد الصين

لكن السؤال المطروح اليوم هو ما هي دوافع تنظيم “داعش” لإعلان الجهاد ضد الصين، بينما هو يتعرض لهجمات قاسية على مواقعه الأساسية في العراق وسوريا، من قبل الجيش العراقي والحشد الشعبي، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، ومن الجيش السوري وحلفائها والقوات الروسية من جهة أخرى. فلماذا يفتح جبهة أخرى هو في غنى عنها بينما يخسر مدناً ومناطق مهمة من الموصل إلى الباب وتدمر؟

يذهب بعض الخبراء في شؤون التنظيم الإرهابي إلى أن “داعش” يريد من الفيديو الدعائي ضد الصين تحقيق أهداف عدة هي:

1-تحريض وتعبئة المسلمين الأويغور داخل إقليم شينغيانغ واستقطاب المزيد من الأفراد منهم لتجنيدهم في خلايا سرية للتنظيم وجلب بعضهم للقتال معه في سوريا أو العراق أو أفغانستان.

2-محاولة البروز كـ”دولة الخلافة” الحريصة على المسلمين في كل أنحاء العالم، والساعية لرد الظلم عنهم من قبل الدول الكافرة والظالمة، وذلك يجلب لها أنصاراً ومؤيدين في كل مكان.

3-المنافسة مع تنظيم “القاعدة” وحركة طالبان في استقطاب المقاتلين الأويغور، حيث يبايع الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا وفرعه الرئيس “حركة تركستان الشرقية” في أفغانستان وباكستان، قيادة “القاعدة” وأمير حركة “طالبان”، خصوصاً أن للإقليم حدود مع افغانستان والهند وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان، حيث توجد شعوب مسلمة كبيرة.

4-قد يتخلى “داعش” قريباً عن القيادة المركزية ويتحول إلى اللامركزية في مناطق تواجده في العالم، في حال السقوط الكامل لمدينة الموصل وعاصمته الرقة. ويأتي شريط الفيديو ضد الصين كمؤشر على توسيع نطاق الجهاد العالمي والتخلي عن المركزية.

إقليم شينغيانغ(تركستان الشرقية)

إقليم شينغيانغ ذو الحكم الذاتي وهو ذو أغلبية مسلمة كانت تسمى تركستان الشرقية أي أرض الترك الشرقية مقابل تركستان الغربية التي تشمل جمهوريات كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان. وخلال الحرب الداخلية الصينية نالت تركستان الشرقية استقلالها عام 1944 ولكن عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949 ضمها الصينيون إلى الصين فصارت مقاطعة صينية.

تبلغ مساحة الإقليم 1,660,000 كلم² وعاصمته أورومتشي ويبلغ عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة. وهي منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي وخامات اليورانيوم. يحد الإقليم من الشمال الغربي كل من طاجيكستان، قيرغيزستان وكازاخستان، ومن الشمال الشرقي جمهورية منغوليا، من الشرق مقاطعتا قانسو وتشينغهاي، وجنوباً منطقة تبت، ومن الجنوب الغربي الهند وأفغانستان.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole