مذكرة موجزة الى قمة عمان العربية

مذكرة موجزة الى قمة عمان العربية
Spread the love

بقلم: د. جورج جبور — أخاطبكم ، بل اكتب اليكم ، صباح الأحد 26/2/2017، وانا، المواطن في الدولة السورية، غارق في القلق، لأنني، وقد راهنت على كوة أمل استشففتها من خلال جنبف 4 ، أشعر بخسارة رهاني نتيجة الجريمة الارهابية التي شهدتها حمص يوم أمس السبت. أكتب، وقد نفت كلا الجهتين –أو الجهات كما يقول البعض – المتحادثتين أو المتفاوضتين هناك ، مسؤوليتها عن الجريمة. أحاول زرع بذرة اتفاق. احاول استنبات تفاؤل . بما أن الجهتين بريئتان من الجريمة، فلماذا لا تصدران بيانا واحدا يدينها ؟ ثم ينطلقان بعدها الى احكام ما جرى التوصل اليه في استانا من وقف لاطلاق النار ، ومن تبني آلية لذلك؟ فلتكن الجريمة حافزا ، لا معوقا. وليكن للسوريين في جنيف ، ولمن يمارس عليهم سلطته ، قدوة في رئيسي دولتين اتفقا، غداة جريمة اغتيال سفير، على اعتبار الأمر عارضا لا يؤثر على نية الوصول الى اتفا ق . أطلقت الفكرة السابقة قبل ظهر هذا اليوم الأحد عبر وسيلتي اعلام مصريتين هما الاذاعة المصرية وقناة النيل للأخبار ، ولا أدري ان كان صوتي من القوة بحيث يصل الى المسؤولين من أصحاب القرار في الدولة السورية ، وفي الدول العربية والاقليمية والكبرى المؤثرة .
لكن هذا الامر لا يعنيكم. سورية خارجة عن نطاق قمتكم. لها ديمستورها. وكفاكم الله شر الانشغال.
أعود الى مخاطبتكم ، أو بالأحرى، الكتابة لكم ، في الشأن الأهم. في شأن حان قطافه وعمره قرن من الزمان . واعلم انه ليس من السهل تقديم رأي في شأن سياسي يتطور يوميا. قد تتحول خطة استراتيجية لدولة ما الى موقف تكتيكي . قد ينتصر التكتيك على الاستراتيجية . الا انه لا بد من رأي، فالانسان ، في قمة انسانيته، رأي .
بين قمة نواكشوط والقمة الحالية بضعة أشهر شهدت أحداثا كثيرة . يتعبكم ويتعبني الخوض في التفاصيل. لن اتحذلق كما تفعل مراكز الابحاث في تنافسياتها المهنية. أرى بوضوح خطي تطور يهمانكم. أولهما أهم ، وثانيهما هام.
التطور الاهم هو تصاعد الانتصارات السياسية الفلسطينية في الضمير العالمي وفي القرارات الدولية . من اليونسكو والأقصى الى قرار مجلس الامن 2334مرورا بحملة البي دي سي وقرارات مؤتمر باريس . حتى ترامب نفسه نصح اسرائيل بالاعتدال في الاستيطان. قد يقال بان أمريكا لم تؤيد القرار 2334 بل استنكفت. والرد سهل. كانت أمريكا آخر دولة في العالم تسحب الشرعية من نظام خلفاء رودس في جنوب افريقيا. لحقوق الشعب الفلسطيني مسيرة ابتدأت من تحت الصفر ، حين حرم صك الانتداب على فلسطين ذلك الشعب من حقوقه السياسية ، لتصبح تلك الحقوق اليوم قضية الانسانية الاولى. في أساس المسيرة المظفرة مقاومة الشعب الفلسطيني على الأرض ، وفيها أيضا تثمير تلك المقاومة البطلة في المحافل الدولية. لفت الرئيس عباس انتباهكم الى مئوية وعد بلفور في نواكشوط، وتابع استدعاءه التاريخ ، وبمزيد من الحماسة النافعة ، في دورة الامم المتحدة الخريف الماضي . كانت اثارة موضوع الوعد، لا ريب، عاملا مساعدا في بلورة الانتصارات السياسية . الم اقل في مناسبات سابقة ان قراءة نص الوعد، في ضوء ثقافة العالم عام 2017 ، تجعل من القاريء نصيرا طبيعيا لحقوق الفلسطينيين؟
بمقابل التطور الاهم ثمة تطور هام معاكس مدجج بالسلاح الهجومي. جوهر التطور الهام تصاعد الاتجاهات اليمينية في اسرائيل وامريكا وفي الغرب بعامة. يتصاعد الاستيطان ، وتضفي الحكومة الاسرائيلية الشرعية على ما كانت هي نفسها تعتبره استيطانا غير شرعي. يتوضح تحالف امريكي – اسرائيلي موجه ضد ايران بحجة برنامجها النووي . تقلق في هذا التحالف قدرته على توليد تعاطف معه لدى دول عربية لا تخشى من ايران قدرتها النووية فقط ، بل تخشى منها شيعيتها ايضا. بل وتتذمر من قابلية التمدد الايراني في دول عربية ، تمددا مستمدا من تأييد ثايت لقضية فلسطين. كما يقلق في هذا التحالف احتقاره للامم المتحدة ، رغم ان حصته في السيطرة عليها تتفوق على حصة غيره.فاذا اضفنا الى التحالف الامريكي — الاسرائيلي ما توضح مؤخرا من خلال استانا الثالث الا وهو تناقص حماسة تركيا لتفاهماتها مع روسيا بشأن سورية ، وعودة منها الى المرتكز الاطلسي ، بدا لنا المشهد مهيئا للاخلال عنفيا بتوازن روسي – اقليمي بني بحرص وتصميم في الآونة الاخيرة ، اخلالا تشكل فيه سورية خط الصدع الاخطر.
وبين الاهم الفلسطيني والهام المعاكس يتضح دور عقلاني لروسيا ودور غامض لامريكا ولاسيما بعد تولي الرئيس ترامب السلطة.
لم يكن الامر بمثل هذه الدرجة من الاستقطاب ايام استانا 1 واستانا 2. تفاءل العالم بما تم من اتفاقات بشأن وقف اطلاق النار في سورية وبشأن آلية المراقبة . تفاءل العالم برعاية ثلاثية ، روسية تركية ايرانية، لها القدرة على ضبط القوى المسلحة الفاعلة في سورية . لم يستمر التفاؤل. اجتذبت الرئيس ترامب ، المهووس بالخوف من اللاجئين، فكرة تركية هي اقامة مناطق آمنة في سورية، فتبعثرت الرعاية الثلاثية .
أين تقف قمة عمان من استقطاب قد يتطور فيصبح أعنف مما هو عليه الآن؟
ما يزال الراي العام العربي ، بالمجمل، غير متصالح مع اسرائيل، وغير متسامح معها في الظلم الذي توقعه يوميا بالفلسطينيين. وتتصاعد قوة الراي العام العربي في موقفه من اسرائيل تصاعدا يدعمه ما يراه من تصاعد شجب الراي العام العالمي للسياسات الاسرائيلية ،ولاسيما لجهة الاستيطان. صحيح ان اسرائيل نجحت في بناء نظام حكم ذي اسس ثابتة في وقت تجابه معظم الدول العربية مشكلات حكم ، الا ان من الصحيح ايضا ان الاغتيال الذي كان نصيب رابين حدد لاسرائيل مسارا يمينيا من يتخطاه من نخبها السياسية لا يضمن لنفسه السلامة . ضمن التوجه الاسرائيلي اليميني المتصاعد في يمينيته، والمتصاعد استنكار العالم له، لا اتوقع لكثير من الدول العربية ، بل لا اتوقع لاي منها ، ان تخطو ادنى خطوة معلنة باتجاه اسرائيل ، حتى لو كان الهدف المعلن وقف التمدد الايراني. لن يكون مريحا لأي نظام حكم عربي اقترابه من اسرائيل. ويضاعف من صعوبة اتخاذ اية دولة عربية خطوة باتجاه اسرائيل ان عامنا هذا هو عام مئوية الوعد الذي ما يزال يدعى مشؤوما من قبل العرب كافة .
فاذا ابتعد الشريك العربي المفترض عن التحالف الامريكي الاسرائيلي التركي الموجه ضد ايران، فقد التحالف احد عناصر قوته. وفي حالة الابتعاد ، يمكن رسم عدة مشاهد لعمل عربي اكثر وثوقا بنفسه في معالجة مشكلات المنطقة.
أمام قمة عمان فرصة نادرة لتصوغ للعرب دورا بقدر ما هو مفتقد فهو ضروري لامن المنطقة وسلمها. قدر كبير من الندرة النافعة الصالحة لكي يبنى عليها هي مئوية وعد بلفور. تستطيع ان تساهم في صياغة السياسات مناسبات التذكر التاريخي. بنى وحدة سورية احتفال دمشق المهيب باربعين الزعيم ابراهيم هنانو، بطل ثورة الشمال السوري ضد الاحتلال الفرنسي. كذلك يقال ان توقيت دخول القوات التركية الى سورية انما اختير له يوم يذكر بانتصار العثمانيين على الصفويين، في استثمار قبيح لمدركات عميقة كامنة.
لن استسلم لاغراء رسم المشاهد المتعددة لعمل عربي اكثر وثوقا بنفسه تستطيعه قمة عمان. اكتفي برسم مشهد واحد هو في اساس تفكيري المستمر بالقمم العربية منذ احتفى معلمي الاول بقمة انشاص. ولن أنسى انني ما أزال مكلفا بدراسة مؤتمرات القمة منذ كنت أستاذا ورئيسا لقسم السياسة في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، قبل نحو من اربعة عقود.أبني مشهدي على مئوية الوعد المشؤوم.
تستطيع قمة عمان مخاطبة الامم المتحدة لكي تناقش تلك الاسطر القليلة التي خطها قلم اصولي ديني فكان من نتائجها ليس فقط اهدار حقوق شعب فلسطين، بل ايقاف مسيرة تطور المنطقة الطبيعي باتجاه روح العصر و ثقافة التنوير. ليس في علمي ان ابناء المنطقة ناقشوا في منظمة دولية ، وعلى قدم المساواة مع غيرهم، كلمات وعد بلفور. تستطيع قمة عمان ان تعلن بنفسها ان الوعد ، رغم ما انتج من حقائق على الارض، باطل بمقتضى القانون الدولي كما يتجلى خاصة في شرعة حقوق الانسان. وتستطيع بعد ذلك ان تأخذ قناعتها الى الامم المتحدة . وسيكون من واجب الامم المتحدة النظر في قانونية صك انتداب جعل من عصبة الامم شركة استعمار استيطاني، مماثلة في عملياتها على ارض فلسطين ، لعمليات قامت بها في افريقيا شركة جنوب افريقيا البريطانية ورأسها سيسيل رودس ، عميد الاستعماريين. . ذات يوم وقف هرتزل مريدا على باب رودس. الا ان تماثيل رودس تقتلع حاليا ليس في جنوب افريقيا فقط، بل في اوكسفورد، جامعة ومدينة، وهي التي منها كان انطلاقه لغزواته في افريقيا . لماذا الاقتلاع؟ هويته اليوم : عنصري استعماري ذميم .هكذا يوصف اليوم شيخ طريقة كان هرتزل مريدا على عتبتها.
أيها القادة:
تستخلصون العبرة من سيرورة التاريخ ، فتشعر ون بالقدرة. يناديكم الواقع العربي المؤلم ، فتختارون لقمتكم ان يكون لها دور واثق بنفسه في معالجة مشكلات المنطقة ، انطلاقا من المشكلة الاولى التي ما تزال على جدول اعمال العالم منذ مائة عام. تتفقون على علاج للمشكلة الاولى، فتسهل عليكم معالجة المشاكل اللاحقة، وهي ثانوية بالمقارنة، رغم ضخامة حجمها، وفداحة ما ولدته و تولد ه من خسائر. أرجو لكم الاستبصار، ولكم الاحترام المناسب.

*جورج جبور رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة، رئيس الجمعية السورية للعلوم السياسية( قيد التأسيس).

Optimized by Optimole