ما بعد انتخاب ميشال عون

Spread the love

nasrallah-berri-aoun

خاص “شجون عربية” — بقلم: د. هيثم مزاحم* — وأخيراً، انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، بأكثرية 83 صوتاً من أصل 127 صوتاً هم عدد النواب بعد استقالة نائب روبير فاضل قبل أشهر. وبذلك ينهي انتخاب ميشال عون عامين ونصف العام من الشغور الرئاسي، ليكون الرئيس الثالث عشر في لبنان منذ نيله استقلاله عام 1943.
لم يفز عون من الدورة الأولى حيث نال 84 صوتاً بينما كان يحتاج إلى أكثرية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي(128)، أي 86 نائباً، هو عدد النصاب المطلوب لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وذلك بحسب المادة 49 من الدستور اللبناني.
وقد فاز عون في الدورة الثانية بأكثرية 83 صوتاً بينما كان يحتاج فقط إلى أغلبية النصف زائد واحداً للفوز، أي 65 صوتاً، بحسب المادة نفسها.
ماذا يعني ذلك سياسياً؟
يعني عدم فوز عون من الدورة الأولى وعدم حصوله في الدورتين على أغلبية الثلثين المطلوبة لاكتمال نصاب انتخاب الرئيس، هو أن القوى المعارضة والمعترضة على انتخاب ميشال عون، كان بإمكانها تعطيل انتخابه، بتعطيل النصاب.
ويأتي على رأس هذه القوى، رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلته، كتلة التنمية والتحرير(13 صوتاً)، وكتلة حزب الكتائب(5 نواب)، والمستقلون(7 أصوات)، وكتلة المردة(3 أصوات)، وغيرهم من النواب المعترضين من داخل كتلة “المستقبل”(35 صوتاً) بزعامة سعد الحريري وكتلة اللقاء الديموقراطي(13 صوتاً) برئاسة وليد جنبلاط.
وقد أثبت رئيس المجلس النيابي نبيه بري مقولته السابقة أن نصاب الجلسة في جيبه، وبذلك يكون قد أرسل رسالة حسن نية إلى عون، بأنه سهّل انتخابه من دون أن يصوت له.
كما بدا من خلال عدد الأوراق البيضاء والأصوات الملغاة والتي بلغت 44 صوتاً أن عدداً من أعضاء كتلة المستقبل وكتلة جنبلاط وربما بعض أعضاء كتلة “القوات اللبنانية”، لم يلتزموا بالتصويت للعماد ميشال عون، إضافة إلى بعض المستقلين وكتل الأحزاب الصغيرة الذين كانوا يؤيدون ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.
وبذلك يمكن القول إن فرنجيه لو بقي على ترشيحه منافساً لعون، لنال هذه الأصوات الـ44 وربما أكثر من ذلك بقليل دون أن يتجاوز حافة الخمسين صوتاً، بعدما تراجعت كتلة جنبلاط(13 صوتاً) عن دعمه.
وتظهر نتائج التصويت اليوم التزام زعيم تيار “المستقبل” رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري ومعظم كتلته بالتصويت لميشال عون، ولولا أصوات هذه الكتلة(33 صوتاً) لما فاز عون بالرئاسة، ولو جيّرت هذه الأصوات لفرنجية، لكان فاز الأخير بالرئاسة.
كذلك يعود الفضل الأول في انتخاب عون إلى حزب الله، الذي رفض انتخاب أي مرشح آخر غيره إلى الرئاسة، وعطّل الانتخابات السابقة من خلال تعطيل النصاب، حتى اقتنع الحريري بأن انتخاب عون ممر إجباري لإنهاء الشغور الرئاسي، وبالتالي لعودته إلى رئاسة الحكومة، بعد إخراجه منها عام 2009.
لكن انتخاب عون لا يعني انتهاء مشكلته مع بري، ولا تشكيل سعد الحريري لرئاسة الحكومة من دون الاتفاق مع بري وتطييب خاطره. فلا شك أن الحريري سينال أغلبية الأصوات في تسمية النواب لرئيس الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة التي يقوم بها رئيس الجمهورية. لكن ذلك لن يسعفه في تشكيل الحكومة من دون التفاهم مع الثنائي الشيعي، أي حزب الله وحركة أمل، حيث لا يمكن للحريري تشكيل حكومة من دون وجود مكوّن طائفي أساسي في لبنان، وإلا فقدت الحكومة ميثاقيتها.
كما أن حزب الله الذي ضغط على حلفائه وخصومه للقبول بانتخاب عون، تصويتاً وتأميناً للنصاب، سيترك لحليفه بري حرية التفاوض خلال تشكيل الحكومة لإرضاء بري وحفظ حقوق الشيعة.
وكان بري قد امتعض سابقاً عما سرّب من تفاهم رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، وهو وزير للخارجية وصهر للرئيس ميشال عون، مع نادر الحريري، مستشار سعد الحريري في باريس في أيلول الماضي، حيث قال قريبون من بري إن اللقاء بين الرجلين أنتج سلسلة تفاهمات حول مرحلة ما بعد الرئاسة، في حال دعم الحريري عون لرئاسة الجمهورية.
وذكرت أوساط بري في حينه إن التفاهم جرى حول قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وتوزيع حصص الوزارات على القوى السياسية، وحول وزارتي الداخلية والمالية خصوصاً، فضلاً عن اتفاقات حول ملفّ النفط. وفي ما خصّ ملفّ قيادتي الجيش وحاكمية مصرف لبنان، تقول المصادر إنه جرى الاتفاق على تعيين بديل للحاكم الحالي رياض سلامة، والتفاهم على البحث المشترك في اسم قائد جديد للجيش.
من هنا فإن الثنائي الشيعي لن يقبل بأي تفاهمات سابقة لانتخاب عون على المحاصصة في الحكم والحكومة، وأي عودة لثنائية مارونية – سنّية كالتي حكمت لبنان منذ استقلاله عام 1943 وحتى البدء في تنفيذ اتفاق الطائف عام 1990. فبعد اتفاق الطائف، تقلّصت صلاحيات رئيس الجمهورية وانتقلت هذه الصلاحيات إلى رئيس مجلس الوزراء مجتمعاً، وليس إلى رئيس الحكومة.
من جهة أخرى، سيرفض حزب الله أي تسهيل لتشكيل حكومة الحريري المرتقبة قبل التفاهم على البيان الوزاري للحكومة، والذي يجب أن يتضمن إشارة إلى شرعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ضمن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة.
كذلك، سيرفض حزب الله أي توجّه للحكومة المقبلة سواء في بيانها أو سلوكها لنزع الشرعية عن سلاحه أو لإدانة تدخله في حربه ضد الجماعات التكفيرية في سوريا.
على أي حال، هناك تحديات كبيرة وملفات كثيرة أمام الرئيس العتيد والحكومة المرتقبة في حال نجح الحريري بتشكيلها في وقت قصير، علماً أن الرئيس بري توقع أن يأخذ التشكيل بين خمسة وستة أشهر، مع التذكير أن الرئيس تمام سلام قد شكّل حكومته بعد تسعة أشهر من تكليفه بسبب الخلاف حول الثلث المعطل الذي كانت تطالب به قوى 8 آذار بقيادة حزب الله.

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط

Optimized by Optimole