عن التجاذبات بين الاستخبارات الألمانية والتركية

عن التجاذبات بين الاستخبارات الألمانية والتركية
Spread the love

خاص “شجون عربية” — بقلم: جاسم محمد* — شهدت العلاقات الألمانية التركية الكثير من التجاذبات في أعقاب الحرب في سوريا عام 2011، وربما كانت الحرب السورية وتداعيات عودة المقاتلين الأجانب على أمن المانيا وأوروبا، نقطة تحول في العلاقات ما بين البلدين، ما جعل المانيا تحتاج الى التعاون الاستخباراتي مع تركيا.
وتحسنت هذه العلاقة في أعقاب موجات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعين التي ضربت أوروبا عامي 2015 و2016. هذه العلاقة ربما جعلت المانيا ودول أوروبية أخرى بحاجة الى التعاون مع تركيا لوقف موجات تدفق اللاجئين والمهاجرين ومتابعة المقاتلين الأجانب ما بين سوريا وأوروبا عبر الأراضي التركية.
دعت لجنة الرقابة في البرلمان الألماني “يوندستاغ” يوم 21 آب – أغسطس 2016 إلى الكشف عن معلومات بشأن الأنشطة التي تقوم بها الاستخبارات التركية داخل ألمانيا. ويعتزم “هانز كريستيان شتروبله”، عضو اللجنة المعنية بمراقبة الأجهزة الاستخباراتية، التحقق من الأنشطة الاستخباراتية التركية في ألمانيا ومراجعة تعاون ألمانيا الاستخباراتي مع تركيا.
وقال شتروبله، المنتمي إلى حزب الخضر الألماني، إن هناك أنشطة سرية لا تصدق للاستخبارات التركية.
ونقلت الصحيفة الألمانية عن سياسي أمني لم يتم ذكر اسمه، قوله إن الاستخبارات التركية لديها شبكة واسعة مكونة من ستة آلاف مخبر على مستوى ألمانيا إلى جانب عدد كبير من عملاء أساسيين، وفقاً لتقرير صحيفة “دي فيلت” الألمانية.
ووفقاً لتقارير الاستخبارات الألمانية، فإن شبهة الاستخبارات التركية ونشاط تجسسها الخارجي في ألمانيا، جزء منه يتخذ من “الاتحاد الإسلامي- التركي للشؤون الدينية في ألمانيا ديتيب”، وفرع حزب العدالة والتنمية في ألمانيا، وهو اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، واجهات لأنشطتها الاستخبارية.
وتدير تركيا شبكة جاسوسية ضخمة في ألمانيا تضم آلاف المخبرين الذين قال خبراء إنهم يراقبون أشخاصًا أكثر مما كان جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية “شتازي” يراقبهم في ألمانيا الغربية خلال الحرب الباردة.

اتفاقية امنية مشتركة بين المانيا وتركيا
أبرمت المانيا خلال شهر يناير – كانون الثاني من عام 2015، اتفاقية تعاون استخباراتية مع تركيا لوقف تدفق المقاتلين الألمان عبر الأراضي التركية لتنظيم داعش، وبالعكس أي عودتهم الى أورويا. وتهدف الاتفاقية إلى تحسين التعاون في مكافحة الإرهاب بين هيئة حماية الدستور وجهاز الاستخبارات الخارجية في ألمانيا مع الاستخبارات التركية. ودفعت هجمات تنظيم داعش في أوروبا وألمانيا إلى إيجاد تعاون استخباراتي بين تركيا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية التي باتت مضطرة للوثوق في الاستخبارات التركية والتعاون معها، بعد أن كانت أنقرة تشكو من عدم وجود تنسيق أمني واستخباراتي أوروبي وتعاون معها في شأن خلايا تنظيم داعش.

ألمانيا وتركيا علاقات متداخلة معقدة
زاد مشهد العلاقات التركية – الألمانية تعقيداً في أعقاب كشف تقرير الاستخبارات الألمانية منتصف شهر آب – أغسطس 2016، يقول فيه: “تركيا أصبحت مركزاً للجماعات الإسلامية المتشددة” وأردوغان لديه “تقارب فكري” مع حماس في غزة و”جماعة الإخوان المسلمين” المحظورة في مصر وجماعات المعارضة الإسلاموية المسلحة في سوريا”.
وقالت الشبكة التلفزيونية الألمانية (إيه.آر.دي) أن التقرير سري وتم إعداده بتفويض من وزارة الداخلية، بناء على طلب برلماني من حزب اليسار المعارض، عن التقييم الحساس الذي صدر من وزارة الداخلية الألمانية بأن تركيا تعد “منصة عمل مركزية” للإسلاميين.
وفي هذا السياق طالب وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير تركيا بوقف الحملة العسكرية ضد الشعب الكردي، وأشار إلى أنه في حال إستمرار الجيش التركي في قصف مواقع حزب العمال الكردستاني، فإن على أنقرة أن تواجه موقفاً معارضاً لسياستها العسكرية من قبل دول الإتحاد الأوروبي.
وكشف مصدر رسمي لصحيفة “زمان” التركية الموالية لفتح الله غولن خلال فبراير – شباط 2015 عن أن السلطات الألمانية قامت بتعليق صفقة تسليم المعدات والبرمجيات الاستخباراتية التي طلبتها الحكومة التركية بسبب التراجع الواضح في الديمقراطية والإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها في الآونة الأخيرة.

الأكراد في ألمانيا، هاجس تركيا
يوجد في ألمانيا وفقاً لإحصائيات نحو 100 الف كردي ما يجعلهم أكبر تجمع كردي في أوروبا، وجزء كبير منهم ينحدر من تركيا. وهنالك تواجد واسع لحزب العمال الكردستاني في ألمانيا. وهناك أيضا أكثر من 300 جمعية في ألمانيا تعمل لمصلحة حزب العمال الكردستاني. ويذكر أن هذا الحزب مدرج منذ عام 1993 في قائمة المنظمات الإرهابية في ألمانيا وأوروبا، إلا أن هناك نشاطاً اعلامياً ودعماً للحزب من داخل ألمانيا وأوروبا. وكثيراً ما تنتقد الاستخبارات التركية نظيرتها الألمانية، وتتهمها بالقصور في التعاون في ملاحقة أنصار حزب العمال الكردستاني في ألمانيا.

وكشفت تقارير صحافية في ألمانيا يوم 15 آب – أغسطس 2016 أن الاستخبارات التركية طلبت من نظيرتها الألمانية دعم حكومة أنقرة في مكافحة حركة الداعية التركي المعارض فتح الله كولن. وجاء ذلك في تقرير لمجلة “شبيغل” الألمانية التي أفادت بأنها تمكنت من الاطّلاع على وثائق سرية بهذا الشأن، حيث طالب الجانب التركي جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني “بي إن دي” بالتأثير على صانعي القرار والمشرّعين في ألمانيا من أجل التصدي لأنصار غولن وتسليمهم.
ألمانيا: تجسس وتنصت على تركيا
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة ” Frankfurter Allgemeine Zeitung” “فرانكفورتر اليماني زيتونغ” الألمانية أن “مصادر حكومية أكدت تكليف دائرة الاستخبارات الإتحادية الألمانية “BND” بالقيام بنشاطات استخباراتية وتنصت إزاء تركيا”، مشيرة إلى أن “الحكومة الألمانية تنظر إلى تركيا على نحو مختلف قياساً بباقي حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ووفقاً للتقارير الاستخبارية، فإن ألمانيا تتجسس على تركيا منذ عقود، حسبما كشفت مجلة فوكوس الألمانية. وذكرت المجلة أن القرار أصدرته الحكومة الألمانية بخصوص مراقبة الهيئات والمؤسسات الحكومية في تركيا، وصدر عن مجموعة عمل أنشأتها الحكومة الألمانية، تضم ممثلين عن رئاسة الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد. وبسبب هذه الاتهامات استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الألماني لدى أنقرة، وطالبته بضرورة إصدار السلطات الألمانية توضيحات حول حقيقة تجسسها ععلى المؤسسات التركية.

النتائج

• تشكّل الجماعات الكردية، وخاصة جماعة حزب العمال الكردستاني، هاجساً للاستخبارات الخارجية التركية، الى جانب بقية الجماعات السياسية الكردية في أوروبا. وكثيرا ما عبّرت حكومة اردوغان عن غضبها إزاء نشاط جماعات كردية سلمية في أوروبا، منها تنظيم الاعتصامات أو الاحتجاجات في عواصم أوروبية وبرلين

• هناك علاقات مشتركة ومصالح متبادلة ما بين البلدين، لكن يبدو أن ألمانيا ودول أوروبا في هذه المرحلة بحاجة الى التعاون الاستخباراتي التركي، لمواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها الى اليونان. وتعتبر ألمانيا قضية تهريب البشر عبر بحر إيجة ومنافذ أخرى خطراً يهدد أمنها القومي. ويبقى موضوع تهديدات تنظيم داعش وتسرّب خلايا التنظيم الى أوروبا، واحدة من أبرز الاهتمامات التي تعمل عليها الاستخبارات الألمانية بالتعاون مع دول أوروبية ووكالات أوروبية أبرزها “اليوروبول” ووكالة “فرونتيكس”.

• المشكلة التي تواجهها ألمانيا هي أنه لا يزال لديها هاجس بشأن تعاون جهاز الاستخبارات الخارجية والاستخبارات الداخلية الالماني مع نظيراتها من الدول ومنها تركيا. هذا التعاون يثير الكثير من التساؤلات، خوفاً من وجود تسرّب للمعلومات إلى نظيرتها التركية، تتعارض مع الدستور الألماني، وتحديداً ما تخشاه اللجنة الأمنية في البرلمان، هو احتمال تزويد الاستخبارات الألمانية نظيرتها التركية أية معلومات حول الأكراد في تركيا أو مؤسسات معارضة مثل جمعية الزعيم التركي المعارض فتح الله غولن.

• تشهد العلاقات الألمانية – التركية تدهوراً سريعاً على مستوى سياسي واستخباراتي وحتى في مجال الدفاع داخل “الناتو”. فسبق لألمانيا أن سحبت بطاريات باتريوت من تركيا عام 2015، والآن تدرس سحب طائرات الاستطلاع من قاعدة انجرليك، الى جانب اتهام الاستخبارات الألمانية لتركيا بأنها منصة للجماعات الإرهابية. في مقابل ذلك، منعت الحكومة التركية قيام أعضاء في البرلمان الألماني بزيارة جنود ألمان في قاعدة انجرليك التركية، خلال شهر تموز – يوليو 2016، في أعقاب إدانة ألمانيا لتركيا بشأن الاتهامات حول مجزرة إبادة الأرمن. ويذكر أنّ الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، يصرّ على سحب ألمانيا طائراتها وقواتها من قاعدة أنجرليك.

• يبدو أن خلافات حكومة اردوغان مع المعارضة، ومنها الأحزاب الكردية، تنتقل تماماً الى الداخل الألماني، بسبب حجم الجالية التركية في ألمانيا والتي تصل الى ثلاثة مليون نسمة.
• يبدو أن تركيا تمارس ضغوطات على الاستخبارات الألمانية، للحصول على بيانات ومعلومات، وربما الطلب من برلين إيقاف نشاطات المعارضة أو ترحيلهم الى أنقرة، وهذا ما يمثّل انتهاكاً للدستور الألماني، إن حصل ذلك فعلاً.

ما تعمل عليه ألمانيا الآن وبعض الدول الأوروبية هو إيجاد خطة بديلة لسد النقص بالتعاون الاستخباراتي مع تركيا، وذلك من خلال الإمساك بالحدود الداخلية والخارجية، وتنشيط التعاون الاستخباراتي مع دول المنطقة. وتدرك ألمانيا جيداً بأن تركيا بدأت تتجه نحو الدولة الشمولية في أعقاب الانقلاب العسكري، وأنها بدأت تبتعد عن معاير انضمامها الى دول الاتحاد الأوروبي. لكن ما تعلنه وزارة الخارجية الألمانية، ربما يتناقض مع ما تملكه الاستخبارات الألمانية من حقائق ضد تركيا وتورطها في علاقات مع جماعات متطرفة.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات

Optimized by Optimole