الطاقة البديلة وإعادة الإعمار في سوريا

الطاقة البديلة وإعادة الإعمار في سوريا
Spread the love

بقلم: رنا عمران /
يعتبر الهم البيئي هو الشاغل الأهم على الكوكب الأزرق وخاصة بعد اتفاقية (كيوتو) التي انبرى العالم بعدها إلى تحسين هذا الواقع الحيوي في سباق محموم نحو حل مشكلاته وإيجاد حلول طاقية جديدة ناجعة وجدية والقفز باضطراد نحو حياة بيئية أنقى وأنظف.
بطبيعة الحال لا يمكننا اعتبار الحلول المبتكرة في المجال البيئي كأهداف تسعى العديد من دول العالم لتحقيق غاياتها المرجوة من أجل تحسين واقعها البيئي وحسب، بل هي أيضاً وسائل للتصدي للتحديات البيئية ونهج مستدام من الواجب اعتماده لتلافي المشاكل والأزمات البيئية التي باتت تلقي بظلالها على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. فالتدهور البيئي وعدم الاستقرار المجتمعي أمران مترابطان، ومن الصعب بمكان أن نحل مشاكل أحدهما بمعزل عن الآخر.
ولعل أهم ما يتم اعتماده من حلول حديثة نسبياً هي مشاريع توليد طاقة نظيفة عبر ما يسمى اصطلاحاً بالطاقة البديلة، حيث تعتمد السبل الفعالة لتوليد الطاقة الكهربائية من دون الاعتماد على الوقود الأحفوري باعتباره السبب الرئيس لمشاكل التلوث البيئي. فقد اعتمدت طرق عدة كالمحطات الكهرو- ذرية ومحطات التوليد المعتمدة على مصادر الطاقة المتجددة والمديدة مثل طاقة الشمس والرياح والأمواج وغيرها مما تكتنزه الطبيعة من مصادر لا تنضب، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الواقع البيئي حول العالم.
وعلى مستوى الواقع السوري يمكننا القول إننا أصبحنا بحاجة ماسة إلى المضي قدماً في هذا المجال الحيوي والاستراتيجي كحال دول العالم لتحقيق واقع متطور وحاسم بما يتلاءم مع طموحات بلدنا للوصول إلى الأفضل دائماً.
وللوقوف على واقع الطاقة البديلة في سوريا وتعريفاتها والإمكانات المتاحةلإنشاء طاقة بديلة على الصعد كافة وكيفية الاستفادة منها التقينا د. سنجار طعمة معاون المدير العام للمركز الوطني لبحوث الطاقة، حيث قال: “الطاقة البديلة هي الطاقة التي تتجدد مصادرها باستمرار وهي غير قابلة للنضوب وليس لها عمر افتراضي من الناحية العملية، وهي مصادر طاقة دائمة بخلاف المصادر التقليدية كالطاقة الأحفورية، التي تتصف بالنضوب بسبب الاستخدام، كما تعد الطاقات المتجددة صديقة للبيئة حتى أصبح يطلق عليها الطاقة الخضراء ومن أنواعها الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، طاقة الكتلة الحيوية”.

مصادر الطاقة البديلة
وأشار سنجار إلى “أن بلدنا يتميز بمستويات عالية من السطوع الشمسي على مدار العام إذ تسطع الشمس بنحو 3000 ساعة سنوياً بمعدل إشعاع شمسي عال يصل إلى 5 ك. و. ساعي لكل متر مربع بشكل يومي، وذلك بشكل وسطي على مدار العام يمكن الاستفادة منها لتسخين المياه والتدفئة والتكييف (تطبيقات حرارية) أو لإنتاج الطاقة الكهربائية (تطبيقات كهربائية). كما تتمتع سوريا بـ (كمون ريحي) واقعي فعلي صالح لإنتاج الطاقة الكهربائية يقدر بحوالي /12000/ ميغا واط.
أما طاقة الكتلة الحيوية فيمكن الاستفادة منها بمعالجة مخلفات النباتات والأشجار والحيوانات بطرق مختلفة عدة للحصول على الطاقة الحرارية من الحرق بمحارق خاصة أو عن طريق التخمير اللاهوائي باستخدام الهواضم الحيوية التي تنتج الغاز الحيوي، وهو قابل للاحتراق ويمكن توليد الطاقة الكهربائية منه، إذا كان بكميات كبيرة. ونشير إلى أنه تم تركيب عدد من هذه الهواضم في سوريا، وهذه الهواضم رخيصة الثمن وتلبّي حاجات مربي الأبقار والدواجن لمصادر الطاقة.
التحديات التي واجهت قطاع الكهرباء خلال الحرب
في ظل الحرب التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من ثمان سنوات انخفضت كمية الطاقة الكهربائية المتوافرة إلى أقل من 19 مليار ك.و.س بالمقارنة مع الكمية التي كانت متوافرة قبل الحرب، والبالغة 50 مليار ك.و.س، مع الأخذ بالحسبان أن كمية الطاقة التي كان مخطط إنتاجها في عام 2015 هي 63.44 مليار ك.و.س. فنسبة نمو الطلب على الطاقة قبل الحرب كانت حوالي 7% في العام (حسب المخطط المبين بالشكل)، أي أن ما كان متوافراً خلال فترة الحرب كان أقل من ثلث الكمية التي كان من المتوقع توفيرها. لذلك نحن بأمسّ الحاجة إلى إدارة الطلب على الطاقة بشكل عقلاني بحيث نحافظ على عجلة الحياة في مختلف المجالات، وتأمين الطاقة اللازمة لإعادة الإعمار مستقبلاً.
وبخصوص التحدّيات التي واجهت قطاع الكهرباء خلال الحرب، أشار الدكتور علاء الدين حسام الدين رئيس لجنة الكهرباء في فرع نقابة مهندسي اللاذقية أستاذ في جامعة المنارة إلى أنها تتلخّص فيما يلي:
أولاً- نقص الوقود اللازم لعملية التوليد من الفيول والغاز، الأمر الذي أدى إلى:
أ‌- انخفاض كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية.
ب‌- توقف حوالي /35/ من أصل /54/ عنفة جاهزة للعمل في حال توافر الوقود اللازم لتشغيلها.
ثانياً- الاعتداءات على مكونات الشبكة الكهربائية، وصعوبة صيانة الأعطال.
ثالثاً- العقوبات الاقتصادية الخارجية أحادية الجانب على قطاع الكهرباء وإعاقة مشاريع التطوير والصيانة.

تحديات الطاقة الكهـربائية في مرحلة إعادة الإعمار
أولاً- إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية وإصلاح الأضرار الناجمة عن الحرب وإعادة بناء الشبكة وفق المعايير الفنية الصحيحة.
ثانياً- تأمين الاستثمارات لقطاع الكهرباء بما يشكل خطوة استراتيجية مهمة باتجاه عملية تطوير مشاريع التوليد والتوزيع في ظل الطلب المتزايد على الطاقة.

أهم الحلول لسد الفجوة الطاقية
عن أهم هذه الحلول قال د. هيثم حسن، دكتوراه في الهندسة الميكانيكية – اختصاص حرارة: محلياً بالتوافق مع التوجه العالمي لحل أزمة الطاقة تبذل جهود وطنية حثيثة لوضع وتنفيذ استراتيجية محلية حول استخدام الطاقات البديلة في سوريا، تشارك فيها جميع الهيئات والمراكز البحثية والأكاديمية السورية بهدف توسيع استخدام الطاقات البديلة في بلدنا، حيث يشكل النفط والغاز الطبيعي في سوريا المصدرين الأساسيين للطاقة، إذ يعتبر قطاع الطاقة في سوريا قطاعاً استراتيجياً بامتياز. فهو العامل الأهم في تحقيق معدل النمو المطلوب لتكوين الناتج المحلي لجميع قطاعات الاقتصاد السوري، رغم أن الاحتياطيات النفطية السورية أخذت بالتراجع من عام إلى آخر، لاسيما خلال الحرب وبشكل كبير جداً، والتي أثرت بشكل دراماتيكي على الاقتصاد السوري، وتحديداً قطاع النفط والكهرباء اللذين يعانيان من العقوبات الاقتصادية، مما سبب نقصاً حاداً في مختلف حوامل الطاقة، وبالأخص الوقود اللازم لمحطات توليد الكهرباء، بالإضافة الى الاعتداءات الإرهابية على مكونات المنظومة الطاقية (النفطية والكهربائية)، إذ تعتبر إقامة مشاريع الطاقات البديلة أهم الحلول المقترحة لسد الفجوة الطاقية حتى عام 2030.
تعتبر الطاقة الشمسية أهم مصادر الطاقات البديلة، إذ يكافئ الإشعاع الشمسي السنوي الساقط على أي متر مربع من سطح الأرض محتوى 90 إلى 230 ليتر نفط من الطاقة، وقد أكدت الدراسة المستفيضة للبارومترات الشمسية في بلدنا أن عدد أيام ظهور الشمس قد تصل إلى 330 يوماً سنوياً أي أن الشمس تنحجب جزئياً أو كلياً خلال العام بكامله حوالي 30 يوماً فقط، هذا يؤكد ضرورة استخدام تطبيقات الطاقة الشمسية في سوريا، كما يلائم البارومترات الشمسية في بلدنا من حيث شدة الإشعاع الشمسي الساقط والذي يعادل 1000 واط /م2 ويعتبر تسخين المياه للاستخدامات المنزلية، التي تعتمد تقليدياً في بلدنا على النفط والكهرباء، من التطبيقات الحرارية المهمة للطاقة .
كما تعتبر طاقة الرياح أحد أنواع الطاقات المتجددة التي يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً في سوريا ضمن مكونات منابع الطاقة المتاحة، اعتماداً على بيانات الرياح المتوفرة، حيث يمكن تحديد المناطق الصالحة لإقامة مزارع ريحية، وقد تكون بعض المناطق الجبلية الساحلية ملائمة لاستخدام العنفات الريحية لتوليد الكهرباء، التي يجب دراستها بعناية لتلائم البيئة الطبيعية المحيطة.
خلاصة القول، وبناء على المؤشرات المعطاة، فإن المشاكل البيئية والمجتمعية الراهنة مترابطة وغير مستدامة. وهناك مبادرات واعدة كثيرة في بلدنا تحاول مواجهة القضايا البيئية مباشرة من خلال استغلال أفضل للموارد. وعلينا أن نعمل معاً للارتقاء بهذه المبادرات وتعميمها لكي يكون لها أثر قوي ودائم. في ظل الحاجة الماسة إلى أفضل الأفكار كماً ونوعاً أثناء مرحلة إعادة الإعمار.

*صحافية سورية.
**المقالة فازت مشاركة في المركز الأول في مسابقة مجلة “شجون عربية” لأفضل مقالة في التنمية المستدامة.

Optimized by Optimole