الإستدامة في سوريا: القصة من الداخل

Spread the love

تأليف: إبراهيم عبدالله العلو/
لا شك أن الكتابة عن الإستدامة في سوريا أمر بالغ الغرابة. إذ لا تزال البلاد تئن من وطأة حرب أهلية بدأت عام 2011 لا يزال أوارها متقداً في بعض جنباتها إلى يومنا هذا.
مررنا بأوقات عصيبة ومكابدة رهيبة وشاءت الأقدار أن تأخذني على حين غرة في أعطافها دون سابق إنذار أو تحضير مسبق.
أضطررت ومعي كثيرون للإلتجاء إلى طرق ووسائل مغرقة في القدم من أجل البقاء وسأحاول في هذه العجالة شرح البعض منها.
دعونا نبدأ بالكهرباء. ما الذي تفعله عندما لا تتوفر أو تصللك لسويعات قليلة على مدار الليل والنهار؟
يكثر فساد الأطعمة وخاصة أثناء الحر الشديد. حاولت مع الكثير من أبناء جلدتي تجفيف الأغذية وإضافة الملح لإطالة أمد بقاءها وصلاحيتها للإستهلاك البشري. وتتلائم كثير من الخضار المتوافرة في الأسواق المحلية مع طريقة الحفظ تلك كالبندورة والباذنجان والبامية والقرع والكوسا من بين خضار عدة.
يمكن عبر هذه الطريقة حفظ تلك الخضار بحيث تطبخ في أوقات تالية ودون الحاجة للتبريد.
كما أن الحبوب والبقوليات تصلح للتجفيف في الأوقات كافة.

توفر هذه الأقراص المجففة والمصنوعة من القمح المقشور والمجروش واللبن مؤونة طيبة لأيام الشتاء. تصنع وجبة شهية من الكشك عبر نقعها وطبخها في الصباح التالي وإضافة السمن البلدي إليها وتؤكل بالطبع مع الخبز المحلي. (الصورة تقدمة من المؤلف)

وتزخربلادنا بوصفات محلية تستخدم القمح مثل الكشك الذي يصنع عبر مزج أحد أشكال القمح وأقصد القمح المقشور مع اللبن الكامل الدسم أو اللبن المقشود والملح وتجفيفه إلى أن يتحول إلى قطع صلبة يمكن تخزينها لأشهر تالية دون أن تتلف أو تفسد. وعندما يحين أوان إستخدامها تنقع قبل ليلة بالماء وتطبخ في الصباح التالي وتؤكل مع الخبز الشهي لتنال وجبة صحية متكاملة تبعث الدف في جسمك والحيوية في بدنك.
يصنع معجون البندورة من خلال عصر البندورة وإضافة القليل من الملح وتجفيفها تحت أشعة الشمس بحيث نحصل على معجون يمكن تخزينه لأشهر عديدة قادمة.

تميز هذا العام الخير بوفرة الكمأة. ولكن الخوف من انقطاع الكهرباء وفساد الطعام المجمد دفعني لتجربة تجفيف الكمأة(وهي طريقة تقليدية قديمة) بحيث تحفظ دون تبريد لفترة طويلة. فالحرب لن تكون عائقاً عندما تعزم على العيش بغض النظر عن فظاعاتها. (الصورة تقدمة من المؤلف).

تصلح الفليفلة الحمراء بأنواعها الحريفة والمتوسطة للتجفيف الشمسي ونحصل على معجون يؤكل مع النعناع المجفف والخبز وزيت الزيتون.
يضطر الأفراد في سنوات الحرب لإستخدام كل ما يتوفر لديهم وغالباً ما تكون الخيارات شحيحة.
فكر لوهلة بتبريد المياه في جو لاهب.رجع الناس للطريقة التقليدية القديمة أي استخدام الجرار الفخارية لتصفية وتبريد الماء. وبدون الحاجة لأجهزة تبريد أو كهرباء.
استخدمت الطرق القديمة لصنع المربيات من الفواكه بحيث تحفظ وتتوفر للإطعام فيما بعد ودون كهرباءأيضاً.
يعتبر تجفيف الفاكهة عادة قديمة في سوريا والشرق الأوسط ويمكن صنع لذائذ عديدة منها حتى في سنون الحرب الأليمة.
خذ على سبيل المثال تجفيف المشمش لصنع “قمر الدين” وتجفيف الخوخ والأجاص والتفاح وكلها ثمار محلية تزرع في هذا الوطن المبارك وتثري النظام الغذائي للسكان المحليين خاصة في فصل الشتاء حيث تندر الفواكه الطازجة.
وإذا التفتنا إلى المنتجات الحيوانية نجد السمن البلدي وهوطريقة قديمة قدم التاريخ لحفظ الزبدة لمدة تزيد عن عام في معظم الأحيان. يصنع السمن عبر تحويل الحليب إلى لبن ثم يرج اللبن لاستخلاص الزبدة البلدية ومن ثم تذويب تلك الزبدة وإضافة القليل من الملح وطبخها على نار هادئة لفترة وجيزة وتركها لتترسب ونحصل بالتالي على منتج نهائي هو السمن البلدي أو المحلي والذي يحفظ في أوان فخارية لمدة ربما تزيد عن العام.
يقوم مربو الماشية باستخدام هذه الطريقة في فصل الربيع عندما تزدهر المراعي وتدر الضروع ويفيض الحليب عن الحاجة.
حيث يتم استخدام هذا الحليب لأخر قطرة فناتج الخضيض أي اللبن المقشود الناتج عن اللبن يضاف إلى القمح المقشور لصنع الكشك الآنف الذكر وتجفيفه.
وأرى أن هذه الطرق مجتمعة تضرب أمثلة على الإستدامة من نواح عديدة. فهي تخفض من الهدر الغذائي إلى حدود دنيا تكاد تقترب من الصفر وهو أمر عسير المنال حتى في البلدان المترفة التي ترفل بالأمن والسلام. كما أنها تمنح السكان وسائل للبقاء والمقاومة في ظروف بالغة السوء وندرة تكاد تقضي على الأخضر واليابس و توفر مثالاً يحتذى للإستدامة لمجتمعات أخرى في ظروف أكثر مثالية.

*المقالة فازت في المركز الثاني في مسابقة مجلة “شجون عربية” لأفضل مقالة في التنمية المستدامة.

Optimized by Optimole