غوغل .. من شركة معلوماتية إلى عملاق اقتصادي وسياسي

غوغل .. من شركة معلوماتية إلى عملاق اقتصادي وسياسي
Spread the love

مراجعة: محمد يسري أبو هدور — في هذا الكتاب، الذي اشترك في تأليفه تورستن فريكه وأولريش نوفاك، يتم إلقاء الضوء على شركة غوغل، التي تُعتبر واحدة من أهم الكيانات المعلوماتية الكبرى في العالم، وذلك عبر تناول عدد من الموضوعات التي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع والشأن الثقافي بشكل عام.

ماذا يميّز غوغل؟
في بداية الكتاب، يؤكد مؤلفاه أن شركة غوغل، وبرغم تشابهها مع العديد من الشركات المعلوماتية الأخرى القائمة، إلا أنها تتميز عن كيانات مثل آبل وشل وول مارت، بميزة فريدة، ألا وهي (احتكارها لمصدر مالي تتدقق منه الأرباح بشكل متزايد من عام إلى آخر، وهيمنته تكاد تكون تامة على وسيلة تترسخ أهميتها من يوم إلى أخر).
فبحسب الإحصائيات التي يقدمها الكتاب، فإن الملايين من البشر حول العالم، يستخدمون الخدمات المقدمة من غوغل عبر شبكة المعلومات الدولية. كل تلك المميزات جعلت من غوغل، سواء عبر استخدام الهاتف المحمول العامل بنظام أندرويد، أو من خلال مقاطع الفيديو التي يقدمها موقع يوتيوب، أو غيرها من البرامج التي تكاد تغطي شتى قطاعات المعلومات المقدمة عبر الشبكة الدولية، كياناً ضخماً يتوسع بشكل يومي، ليفرض سيطرته على المزيد من الشركات والمؤسسات ويُدخلها ضمن نطاق سلطته وهيمنته.
يتأكد ذلك من خلال دراسة التصنيفات الخاصة لأكثر شركات العالم قيمة في الأسواق، حيث يلاحظ المؤلفان، أن شركة غوغل، تحتل المرتبة الثانية في تلك التصنيفات بعد شركة آبل، متفوقة على الكثير من الكيانات القديمة الناجحة، مثل شركات كوكاكولا وبيبسي ومايكروسوفت وأي بي إم وإكسون موبيل، وهو ما جعل المؤلفَين يرون أن عالم البيانات الذي تعمل فيه غوغل حالياً، قد صار أكثر قيمة وفائدة من عالم النفط والمحروقات الذي كان حتى وقت قريب هو المجال الأكثر اجتذاباً للاستثمارات في العالم.
تأثير غوغل امتد إلى الأفراد والمجتمعات ولم يقتصر على الأسواق المالية، فبحسب تعبير مؤلفَي الكتاب، فإن غوغل قد غيّرت “ولا تزال تغيّر نمط حياتنا … فبالنسبة إلى المستهلكين تتفوق الإيجابيات على السلبيات، تتفوق المنافع على الأضرار، ولكن في الوقت ذاته فإن استخدام البيانات الشخصية في سياق تطبيق أنظمة التشغيل الآلي، يؤدي إلى تحولات اقتصادية وهيكلية تُرعب العديد من القطاعات الاقتصادية”.

كيف كانت البداية؟
في ولاية كاليفورنيا، التي يزيد عدد سكانها عن 37 مليون نسمة كانت البدايات الأولى لحلم غوغل. بالتحديد في جامعة ستانفورد، التي تخرج منها العديد من الشخصيات العلمية والسياسة المهمة، حدث اللقاء الأول ما بين لاري بيج وسيرغي برين، واللذين أصبحا فيما بعد مؤسسي شركة غوغل.
يذكر المؤلف أن كلاً من الشابين كانا يتمتعان بمواهب خارقة في المسائل الرياضية والتقنية، وأن بيج كان بعد حصوله على درجة البكالوريوس، واجتيازه امتحان القبول لنيل درجة الماجستير في الهندسة قد بدأ دراسته العليا في بناية مُخصصة لكلية نظم المعلومات. هذه البناية تحديداً، كان بيل غيتس رئيس شركة مايكروسوفت قد تبرع بستة ملايين دولار لتمويل تجهيزاتها.
في عام 1990، اقترح بيج وزميله برين على أستاذهما تيري وينوغراد، المساهمة في مشروع مشترك يرمي إلى إنشاء نظام لتقويم وترتيب صفحات الويب، وفق أهمية كل صفحة، وكان الهدف الرئيس من ذلك المشروع، هو أن يكون موضوع لنيل درجة الدكتوراه.
كانت الفكرة الأساسية التي بنى عليها بيج مشروعه، هو أن يتعامل مع الروابط والوصلات الخارجية، باعتبارها هوامش واقتباسات مثل التي توجد في أي بحث علمي أو كتاب، وكانت درجة تحديد أهمية الموقع تكمن في قوة ارتباطه وعلاقته بموضوع البحث.
بهذه الطريقة نجح كل من بيج وبرين، في تطوير محرك بحث يحلل صفحات ويب مختلفة، وكان من الطبيعي أن الباحثين قد تعاملا مع قدر من المعلومات لا يمكن تخيّل ضخامتها. وقد تقاسما مهام تنفيذ مشروعهما، ففي حين كان سيرغي برين يهوى الرياضيات والبرمجة، فقد كان بيج مسؤولاً بشكل كامل عن عمليات البناء والتشييد.
بعد فترة قصيرة من العمل، استطاع محرك البحث الجديد أن يحلل من 30 إلى 50 صفحة في الثانية الواحدة، وبدأ بيج وبرين في البحث عن اسم مناسب له، فعرفوه ب (What Box) ولكنهما تراجعا عن تلك التسمية سريعاً، وفي عام 1997 اختارا له اسم “غوغل”.
وغوغل هو اسم مشتق من لفظة googol وهو مصطلح رياضي يشير إلى الرقم واحد يليه مائة صفر، أو 10 أس 10، وهو ما يشير إلى أن الهدف الذي تطلع الاثنان إلى تحقيقه، كان يتمثل في (تنظيم الكم اللانهائي من المعلومات المتاحة في الويب).
وبسرعة فائقة تزايدت شهرة غوغل وذاع صيتها من خلال الدعاية الشفوية بين الطلبة والأساتذة في الحي الجامعي في ستانفورد، وبدأ بعض الأساتذة في تقديم المساعدة لبيج وبرين، حتى يحصلا على فرصة لتحويل مشروعهما الوليد إلى كيان مادي تجاري قائم بذاته.
ومن خلال أستاذ علوم الحاسوب في جامعة ستانفورد ديفيد شيرتون، تعرف بيج وبرين على عدد من المستثمرين الذين قدموا مبالغ مالية بهدف الاستثمار في هذا الحقل المعرفي البكر. وفي عام 1998 تم تسجيل شركة غوغل كشركة خاصة، وتم إدراج الشركة كواحدة من أهم وأكبر مائة موقع ويب ومحرك بحث.
النمو والتوسع
في مدينة بالو ألتو، كان المقر الجديد لشركة غوغل، حيث تم تعيين الكثير من الموظفين الذين تعددت تخصصاتهم ومجالات عملهم واهتماماتهم، واستطاع بيج وبرين في إغراء بضعة أفراد يتمتعون بمهارات وكفاءات عالية لترك عملهم في شركات أخرى والانتقال للعمل في غوغل.
وفي ذلك الوقت تحديداً، ارتفعت عمليات البحث على المحرك الجديد لتصل إلى ما يقرب من 500 ألف عملية في اليوم الواحد، وهو ما كان يعني أن عدد مرات الدخول على الموقع سوف تنمو وتزيد باطراد.
وفي محاولة للبحث عن موارد مالية جديدة، قام مؤسسا غوغل بإعطاء بعض التراخيص لعدد من الشركات، مثل شركة ريد هات، حيث تم السماح لها باستخدام تقنية البحث الجديدة، كما أنه وفي منتصف 1999 حصل بيج وبرين على مبلغ 25 مليون دولار من بعض كبار المستثمرين في وادي السيليكون لتمويل الخطط التوسعية للشركة.
دخول تلك الاستثمارات الضخمة، كان يعني بالتأكيد استهداف تحقيق أرباح ومكاسب. ولما كان من المتعارف عليه، أن المكاسب والأرباح لا تأتي إلا من خلال الإعلانات فإن أصحاب الشركة ومديريها قد عملوا على تقديم إعلانات ترويج ودعاية تؤثر في مشاعر الزبائن بفاعلية وبقوة.
ولكن غوغل، وعلى العكس من باقي الشركات المتنافسة، لم تقم بتقديم الإعلانات بالشكل التقليدي، بل كانت لها فلسفة معينة في ذلك الأمر.
يشرح مؤلفا الكتاب تلك الفلسفة بقولهم: “صفحة البدء الخاصة بغوغل صُممت، عن وعي وقصد، بنحو يتصف بالبساطة والاختصار، أدى هذا التصميم إلى تصعيد سرعة الدخول إلى الموقع”.
فقد ظهرت الدعاية في حيز ضيق المساحة، ومقصور عليها فقط، وأدى هذا النهج إلى تقوية الإحاطة بالصفحة، فوميض الإعلانات المتكرر لدى المواقع المنافسة، كان يثير الأعصاب، ويُستخدم بنحو يتعدى المعقول، وربما كان ذلك كله سبباً فيما ذهب اليه النقاد والباحثون من كون “أغلب مستخدمي غوغل لا يستطيعون التمييز بين الإعلانات من ناحية ونتائج البحث من ناحية أخرى”.
ويشير مؤلفا الكتاب إلى نقطة أخرى مهمة ساعدت في تفوق غوغل على منافسيه في تلك المرحلة الحرجة من تطوره، وهي نقطة بساطة العرض. فقد حرص المصممون على أن يكون شكل واجهة المستخدم في غاية البساطة وكانت واضحة المعالم وسهلة الاستخدام، حيث تم خفض مكوناتها إلى الحد الأدنى وبالقدر الذي يناسب حاجة المستخدم، بحيث لم تزد عدد مفردات الصفحة عن 28 كلمة.
وفي عام 2000، وقعت تحولات مفصلية مكّنت غوغل من إحراز تقدم كبير، حيث أصبح محرك البحث يصلح للاستخدام بخمس عشرة لغة مختلفة، وعقدت ياهو تحالفاً مع غوغل، بالإضافة إلى أن سياسات الشركة نجحت في استقطاب العديد من المُعلنين والزبائن، حيث كانت الشركات تستطيع أن تستفيد من خدمات غوغل عن طريق إظهار علامتها التجارية في مواقع متقدمة من نتائج البحث.
وفي عام 2000، وصلت عدد الزيارات اليومية لموقع غوغل إلى 15 مليون زيارة، واستطاعت الشركة أن تربح الكثير من الأموال والأرباح عن طريق الاهتمام بصغار العملاء والزبائن، واستفادت كثيراً من إصدار المحكمة الاتحادية أحكاماً ضد احتكار شركة مايكروسوفت لعدد من البرامج من بينها برنامج التصفح الشهير “إنترنت إكسبلورر”.
في عام 2001، حدث تغيّر مهم في السلك الإداري في غوغل، وذلك عندما تولى إريك شميت منصب رئيس مجلس الإدارة. وبحسب الكتاب، فإنه “ومنذ انضوائه تحت سقف غوغل، يتصرف شميت كأنه القوة المضادة في مواجهة الثنائي المؤسس … فقد منح شميت غوغل الهيكل المناسب لشركة عصرية وكرّس بهذا الإنجاز الشروط التنظيمية الضرورية لمنح المؤسسين وبقية العاملين في غوغل الفرصة المناسبة لأن يصولوا ويجولوا”، وكان ذلك الحدث إيذاناً بانطلاق الشركة بكل قوتها.
ففي أغسطس آب من عام 2004، تم إدخال شركة غوغل في بورصة نازداك الأميركية، وفي عام 2005 تم تقديم برنامج “غوغل إرث” Google earthالذي يعتمد على تقديم خرائط مستقاة من صور ترسلها الأقمار الصناعية، وفي عام 2006 أعلنت غوغل عن شرائها لموقع يوتيوب.

غوغل اليوم… وفي المستقبل
يؤكد الكتاب على أن مستقبل شركة غوغل يبدو مزدهراً بشكل لا يمكن تخيّله، فبحسب ما تنبأ به كولين غيليس المحلل في شركة الاستثمار المالي الأميركية، فإن في مستطاع شركة غوغل أن تصبح مستقبلاً أول شركة مسجلة في بورصة أميركية يزيد رأس مالها السوقي عن تريليون دولار أميركي، وهو ما يعني بالتبعية أن لاري بيج وسيرغي برين اللذين يمتلكان معاً نحو 60% من الأسهم الحالية للشركة، سوف يمتلكان وقتها ثروة تبلغ 300 مليار دولار لكل منهما، وهي ثروة تبلغ أربعة أضعاف ثروة بيل غيتس الحالية.
يرى مؤلفا الكتاب أن تحكم غوغل في العديد من مفاصل شبكة المعلومات الدولية، قد أسفر عن تحقيق سلطان عظيم لهذه الشركة وتمخض عن كنوز مالية كبرى، حتى صار في مقدور تلك الشركة أن توسّع من نفوذها التجاري بالنحو الذي يحلو لها. فقد صارت هذه الشركة تستحوذ على مئات الشركات وأصبحت تساهم في رؤوس أموال عشرات الشركات، ففي خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2002 و2014، استحوذت غوغل على 170 شركة. كما أن محرك البحث الخاص بها قد سيطر على ما يقرب من 70% من إجمالي عمليات البحث في الشبكة العنكبوتية.
واحد من المواقع المهمة، التي استحوذت عليها غوغل في سباقها المتواصل نحو الهيمنة والريادة، كان هو موقع اليوتيوب الذي يُعتبر أكثر مواقع الفيديو حظوة عند الجمهور على مستوى العالم.
ففي عام 2006، استحوذت غوغل على موقع يوتيوب، وصار هذا الموقع هو محرك البحث الأكثر شهرة بعد غوغل، فوفقاً للبيانات التي أذاعتها الشركة في أيار مايو من عام 2012، تم استخدام الموقع أربعة مليارات مرة في اليوم الواحد. كما جرى تحميل 100 ساعة من مواد الفيديو المرفوعة عليه في الدقيقة الواحدة، ووفقاً لما توصلت إليه مؤسسة إي ماركيز المتخصصة في دراسة اتجاهات التسوق الرقمي، فقد جنى يوتيوب في عام 2013، نحو ملياري دولار من حصيلة الإعلانات التي تم نشرها عليه.
من جهة أخرى، فإن نظام التشغيل المتطور (أندرويد)، صار واحداً من أهم المنتجات التي تميّز الشركة، فبحسب البيانات التي يعرضها الكتاب، يستحوذ أندرويد على 80% من أنظمة التشغيل التي تعمل بها الهواتف النقالة في كل مناطق العالم، وفى الوقت نفسه فإن مخططات الشركة تستهدف أن يمتد استخدام هذا النظام إلى أجهزة التلفاز وألعاب الفيديو وآلات التصوير والكاميرات والسيارات والحواسب المحمولة أيضاً.
ولكن مع كل تلك الإنجازات الكبرى، فإن هناك عدداً من المشكلات المستقبلية التي يتخوف منها قادة شركة غوغل. من بين تلك المشكلات، الارتفاع المتسارع في مجال استخدام الأجهزة المحمولة، فبينما لا يزال أغلب مستخدمي الحاسوب يستخدمون محرك البحث غوغل عند تصفحهم الويب، فإن الوضع يختلف بشكل كبير في حالة الأجهزة المحمولة، حيث يلجأ مستخدمو تلك الأجهزة إلى استخدام بعض التطبيقات التي توصلهم مباشرة إلى الصفحة المنشودة من دون اللجوء لصفحة غوغل، مما ينتج عنه انخفاض أرباح الشركة.
كما يخشى قادة غوغل من تزايد عدد الدول التي قد تتعالى فيها مستقبلاً نداءات تطالب بضرورة تقليص الاحتكار، لأن ذلك من شأنه أن يعرّض مصالح الشركة العملاقة للخطر، وأن يقلّص من مساحة الأسواق المتاحة أمامها، ويجعلها عُرضة للملاحقات القضائية.

غوغل والخصوصية
أحد أهم النقاط التي يحاول مؤلفا الكتاب أن يشيروا إليها، هي الطريقة المعوجة التي تستخدمها غوغل في التجسس على بيانات ومعلومات خاصة بالأفراد حول العالم.
أحد الحوادث المهمة المرتبطة بذلك الأمر، كان في عام 2010، والتي عُرفت وقتها باسم (صور غوغل ستريت)، حيث قامت الشركة بإطلاق العديد من السيارات في مناطق شتى، وقامت تلك السيارات بتصوير جميع الأبنية والمنازل والشوارع، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من الأفراد الذين استهجنوا قيام الشركة بالتلصص على ما اعتبروه حرية شخصية وحقاً خاصاً بهم. المشكلة سرعان ما تفاقمت بعد فترة قصيرة، عندما تم اكتشاف قيام تلك السيارات باختراق الشبكات اللاسلكية غير المؤمنة، والحصول على الكثير من البيانات الخاصة لمستخدميها. ورغم أن الشركة قامت بنفي هذه القصة في البداية، إلا أنها اعترفت في النهاية بوقوع ذلك الأمر، ووصفته “بالخطأ العفوي الذي لم يلحظه أحد فترة طويلة من الزمن”. وبعد تحقيقات ومرافعات استمرت لنحو عامين، تصالح محامو الدفاع مع الشركة بعدما دفعت سبعة ملايين دولار، مع العلم أنها في تلك الفترة قد حققت أرباحاً وصلت إلى ما يقرب من 13 مليار دولار، وهو ما يعني أن غوغل ما كانت تحتاج إلى أكثر من تخصيص بضع ساعات من عملها، لتسديد هذه الغرامة.
في تشرين الثاني نوفمبر من عام 2013، عادت الأخبار السلبية الخاصة بغوغل إلى الظهور في الواجهة مرة أخرى، حيث تم اتهام الشركة العملاقة، بأنها قد راقبت ـــ بنحو غير شرعي ـــ سلوك ملايين الأفراد وهم يدخلون على الشبكة العنكبوتية من خلال متصفح سفاري التابع لشركة آبل، وأنها قد خزّنت ما جمعته من معلومات عن هؤلاء الأفراد، وقد استطاعت غوغل أن تتوصل إلى تسوية مع المدعي العام بعدما دفعت غرامة مالية بلغت 17 مليون دولار، أي ما يعادل بضعة دولارات عن كل ضحية.
ولكن لماذا تفعل غوغل ذلك؟
قد يكون من الغريب على القارئ أن يعرف أن شركة معلوماتية كبرى كغوغل، تقوم بتلك المعلومات الاحتيالية السابقة، وقد تُثار هنا بضعة تساؤلات حول المغزى والهدف من تلك العمليات سيئة السمعة.
هنا، يقدم الكتاب، إجابة قد تبدو شافية، فهو يذكر قولاً مشهوراً عن إريك شميت، يحدد فيه هدف غوغل وهو “أن يكون في مقدور مستخدمي غوغل، أن يطرحوا أسئلة من قبيل، ما الذي ينبغي لي أن أفعله في الغد؟ أو أي مهنة يجب عليّ أن أمارسها؟”.
المعرفة المطلقة إذاً هي الهدف المنشود، وجمع البيانات والمعطيات المختلفة هو السبيل الأمثل لتحقيق ذلك الهدف.
من الأسئلة التي يوردها الكتاب، والتي تتضح من خلالها قيمة البيانات والمعلومات في السياسات التي تتخذها الشركة، أنه في خلال أحد الاجتماعات، سأل بعض الحاضرين إريك شميت عن السبب الذي جعل غوغل تؤيد باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فأجاب حينها: “لأننا لاحظنا، من خلال ما تجمع عندنا من بيانات، أنه هو الذي سيكون الرئيس فعلاً، وعلى خلفية ذلك، اتخذنا كل الترتيبات الضرورية لأن يتبوأ هذا المنصب”.
ومن هنا، فإن من الواضح أن غوغل قد اخترقت المجال السياسي وصارت تلعب دوراً مؤثراً في توجيه الرأي العام، وقد تم ذلك مراراً عبر تضليل الناخبين أو دفعهم في اتجاه بعينه، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في نتائج دراسة أجراها خبير العلوم السيكولوجية الدكتور روبرت إبشتاين في سياق دراسة تم نشرها في عام 2014.
التدخل في العمليات السياسية، ليس هو الأثر السلبي الوحيد لأنشطة غوغل، بل إن هناك آثاراً ونتائج سلبية أخرى، منها تراجع قيمة المعرفة والبحث العلمي؛ فقريباً، لن يكون من اللازم قراءة الكتب أو المقالات التي يكتبها أحد المؤلفَين، بل ستتلخص المعرفة في مجرد المرور على النصوص مرور الكرام فقط، وعدم الوقوف عندها طويلاً، والاكتفاء بمراجعة مفردات رئيسة، شديدة الاختصار ومستهدفة بحد ذاتها، وهو ما يعني إمكانية الفتك الكامل بظاهرة الكتاب، والتي كانت دائماً الوعاء الرئيس والأساس للمعرفة البشرية.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole