قراءة في أعصاب حزب الله

Spread the love

بقلم: نبيه البرجي/

مأزق نتنياهو أم مأزق اسرائيل؟ حتى لو دمروا غزة حجراً فوق حجر , وقد دمروها حجراً فوق حجر , هل باستطاعتهم تدمير جثث الأطفال التي ستلاحقهم في مضاجعهم , وفي قبورهم , الى الأبد . خذوا علماً بأن اليوم التالي سيكون أيضاً , مثل كل الأيام الأخرى , يوم النار . الفلسطيني لا يزال منتصب القامة , ولا تزال فلسطين فلسطين . هل قضت قنبلة هيروشيما على الساموراي ؟ وهل قضت الـ ” B ـ 52 ” على الفيتكونغ في فيتنام ؟
كل التجارب أظهرت أن الانتصار في الميدان ليس بعدد المباني التي تحولت الى ركام , ولا بعدد الذين سقطوا , أكانوا يحملون البنادق أم يحملون الحليب لأطفالهم . الانتصار , تبعاً لكلاوزفيتس , بأن “تسقط روح الآخر” ما لم يحصل , ولن يحصل , لو بقي فلسطيني واحد في هذه الأرض , وفي كل أصقاع الأرض .
هل تناهىت اليكم قهقهات جوبيتر حين ادّعت اسرائيل أنها ضربت مواقع لمنظومة الدفاع الجوي التابعة للمقاومة في سهل بعلبك ؟ هكذا تتحول علب الحليب , ومستحضرات التنظيف , المكدسة في ذلك المستودع , في نظر أفيخاي أدرعي , الى صواريخ مضادة للطائرات !!
حكومة بنيامين نتنياهو ذاهبة الى أقصى حدود الجنون لأنها لا تستطيع أن تقول للاسرائيليين “لقد أزلنا كل أثر للفلسطينيين من غزة” . اسرائيل هي التي تزعزعت , وهي التي تزلزلت , بعدما اكتشفت , بعد تلك السنوات من القتل , والتنكيل , والاقتلاع , أن الفلسطيني لا يزال اياه , وهو يغرز أظافره في الفولاذ . اسألوا … السيدة الميركافا .
ما يزيد في حدة المأزق أن الأميركيين , وان ضاق ذرعهم بمن يرفضون أن يكونوا قهرمانات الهيكل , يريدون للنار أن تتوقف ليس حماية للفلسطينيين وانما لأن في كل يوم يمر (جدعون ليفي) يزداد تقهقر اسرائيل على ألأرض وفي العالم . وكان يوآف غالانت قد تعهد , في أول جلسة لمجلس الحرب أعقبت عملية “طوفان الأقصى” , بأن تبيد القاذفات المقاتلين الفلسطينيين , لتقتصر مهمة الدبابات على ترحيل الآخرين الى العريش .
لا فارق بين بنيامين نتنياهو وبني غانتس , ولا بين ايتامار بن غفير ويائير لابيد . الكل يعتبرون أن الخروج من المأزق (وهو المأزق الوجودي) , ولو كان الخروج الانتحاري , في توسيع نطاق الحرب , ما يستدعي التدخل الأميركي الحنمي , كما لو أن أركان الائتلاف لم يقرأوا ما قاله أركان الادارة لتبرير الهروب , تحت جنح الظلام , من أفغانستان عن “ذلك الجحيم الذي أطبق علينا” . أي جحيم آخر ينتظرهم في الشرق الأوسط , ولطالما اشتكوا من تضاريسه التاريخية , والايديولوجية , المعقدة ؟
قيادة “حزب الله” تدرك جيداً ما يدور في رأس بنيامين نتنياهو , وما يدور في رأس جو بايدن , كما تدرك مدى التشققات البنيوية في الوضع اللبناني , وقابلية هذا الوضع للتفجير المبرمج . لكن القيادة اياها تتقن لعبة الأعصاب . لن تنزلق , أياً كانت الأسباب , في أي صدام داخلي , لتصل الى الاسرائيليين هذه العبارة “اذا كان باستطاعتكم ازالة جبال لبنان , يمكنكم ازالة المقاومة في لبنان” .
بالتأكيد لعبة الأعصاب في ذروتها . قيادة الحزب على بيّنة من الظروف الاقليمية , والظروف الدولية , ناهيك عن الظروف المحلية . كل خطوة , في أي اتجاه , محسوبة بمنتهى الدقة . الأوروبيون يقولون أن الحرب ستكون حتمية ضد لبنان . هل يستطيع “حزب الله” الحيلولة دون اتساعها لتبقى في اطارها الراهن ؟
لا ريب ان الاسرائيليين في حالة من الهذيان . لم يتوقعوا يوما أن يهدم جدار في مستوطنات الجليل , كيف لهم أن يتوقعوا سقوط مئات , بل آلاف , المباني في تل أبيب ومحيطها , القلب الاقتصادي لللدولة العبرية ؟
المقاومة في لبنان قاتلتهم على مدى 18 عاماً . لم تكن تمتلك يومها سوى البنادق , ومدافع الهاون , والقاذفات الصاروخية التقليدية , وقد أرغمتهم على الخروج المذلّ . هذا ما حدث أيضاً في حرب عام 2006 . المعلقون الاسرائيليون يدركون ما هي حال الجندي الاسرائيلي بعد أحداث غزة . هم يقولون أنه بحاجة الى سنة أو سنتين من التأهيل السيكولوجي والعملاني .
أي حرب ضد لبنان لن تكون لأشهر , بل لسنوات . هذه هي تقديرات الأميركيين , وهي دقيقة , ليعترفوا بأن المقاتل اللبناني مؤهل , وأكثر بمرات , من الجندي الاسرائيلي . هل يأخذ الائتلاف , في هذه الحال , بتحذير واشنطن “لستم ببراعتهم في اللعب على حافة الهاوية”. بالنسبة الى الاسرائيليين… حافة النهاية!!

المصدر: صحيفة الديار

Optimized by Optimole