هآرتس: لن يعود سكان مستوطنات الشمال إلا بضمان واقع جديد

Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل
ويانيف كوفوفيتس- كاتبان إسرائيليان/

لا توجد مركبات على الطريق الذي يربط “مسغاف – عام” بـ”مرغليت” و”منارة”، فالمرور من هُناك خطِر جداً، وحركة المركبات القليلة بين “مرغليت” و”منارة” جنوباً تمر خلال طريق داخلي، يُعد أكثر أماناً، لكن توجد فيه أيضاً نقطة ضعف واحدة؛ توجد مسافة منه طولها بضعة أمتار مكشوفة على القرية اللبنانية الحولا، ومن هذا المكان الذي تتواجد فيه مساحة رؤية متواصلة بين الطرف اللبناني والإسرائيلي تصل الصواريخ المضادة للدروع. إذاً، فإن مَن يسير في هذه الطرقات يراهن على أن صواريخ حزب الله تواجه صعوبة في التعامل مع أهداف تسير بسرعة عالية، فتزيد المركبات سرعتها، وتتأمل خيراً.
أمس كان أحد أكثر الأيام توتراً على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية منذ بدء حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ فباستثناء أسبوع وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في غزة خلال تشرين الثاني/نوفمبر، فإنه لم يتوقف القتال في الشمال. صحيح أن “المذبحة” في الغلاف والضربة الإسرائيلية ضد “حماس” حوّلتا الأنظار جنوباً، لكن لا يوجد يوم لا يتم فيه إطلاق صواريخ مضادة للدروع، وقذائف ومسيّرات من لبنان في اتجاه إسرائيل، ولا يوجد يوم لا يضرب فيه سلاح الجو داخل لبنان بقوة.
وبعد قتل 9 عناصر من حزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني في ضربة نفذها الجيش في لبنان منذ يومَين، أطلق حزب الله عدداً من القذائف على صفد صباح أمس، وأدى سقوط إحداها على موقع عسكري في الشمال إلى مقتل جندية وإصابة 8 أشخاص، وردّ الجيش بقصف عنيف على أهداف تابعة لحزب الله.
هذا التبادل للضربات، الذي يَبْعُد مسافة قصيرة من اشتعال حرب شاملة، فرض واقعاً مجنوناً داخل إسرائيل. ومنذ اليوم الأول “للمذبحة”، بدأت المبادرة إلى إجلاء السكان بالقرب من المنطقة الحدودية. وفي الأيام اللاحقة، تم إجلاء عشرات آلاف السكان، بتوجيه الدولة، من قطاع عمقه 5 كيلومترات داخل الأراضي الإسرائيلية، وتضمّن هذا الإجلاء أيضاً كريات شمونة التي باتت خالية تقريباً من سكانها (أول أمس، أُصيبت أم وابنها بصاروخَين مضادَين للدروع).
أمّا في نهاريا، فقرّرت البلدية الامتناع من إجلاء السكان.
وبذلك، نجح حزب الله عبْر إطلاق النار في إنشاء منطقة عازلة داخل إسرائيل (وأيضاً تم إجلاء نحو 100,000 من سكان قرى جنوب لبنان لأسباب مشابهة)، فالمنطقة التي تُعد الأجمل في البلد بعيون كثيرين، وفي الموسم الأكثر خضرة، فارغة؛ وهكذا، تبدو “مسغاف – عام” و”منارة”، خلال زيارتنا يوم الاثنين الماضي، كيبوتسات أشباح.
والأشخاص الوحيدون الموجودن هناك، إلى جانب جنود الاحتياط، هم ضباط الأمن والمقاتلون في صفوف التأهُب من سكان الكيبوتس. وتتواجد غرفة العمليات التابعة لكيبوتس “مسغاف – عام” عميقاً تحت الأرض في ملجأ بُني في السبعينيات. كما أن أحد المتطوعين في صفوف التأهُب متقدم في السن إلى درجة أنه كان قد شارك في تحرير الرهائن عندما اقتحم “مخربون” حضانة في “مسغاف – عام” سنة 1980، حيث قُتل سكرتير الكيبوتس ورضيع وجندي من الجيش.
إن صور الدمار واضحة في البلدات وفي الطرق المؤدية إليها، وأغلبية هذا الدمار حدث بسبب حزب الله، وبسبب الصواريخ المضادة للدروع التي أصابت عشرات المنازل، بالإضافة إلى القذائف وصواريخ الكاتيوشا، كما خلّف الجيش أيضاً كثيراً من الدمار داخل الكيبوتسات والبلدات الموازية للجدار، بعد أن تحولتْ هذه البلدات خلال 4 أشهر من القتال إلى مواقع عسكرية؛ إذ ألحقت الدبابات والمدرعات ضرراً بالطرقات والمداخل وأيضاً البنى التحتية، والجنود يتصرفون أحياناً في المنازل كما يحلو لهم، ويتركون خلفهم أضراراً، فدخول المنازل يجري من دون رقابة، ومن دون أن تتحمل أي جهة عسكرية المسؤولية عن الأملاك، ومعالجة الأضرار تجري بصورة بطيئة، وهو ما يؤدي إلى إحباط كبير لدى السكان بسبب اللامبالاة الموجودة لدى الجيش.
وتتركز جهود حزب الله حالياً في إلحاق الضرر بالمواقع العسكرية والجنود، لكن عندما يمر النهار، ولا يوجد هدف عسكري متوفر، فإن الخلايا التابعة للحزب تكتفي بإصابة المدنيين. إن موت أكثر من 200 عضو من حزب الله، والأحزاب “الإرهابية” الفلسطينية، يدفع إلى الإحباط، كما يبدو لدى زعماء هذه التنظيمات، ويزيد من الضغوط على الضباط الميدانيين من أجل مزيد من النتائج.
وفي المواجهة الحالية، قدّم حزب الله أدوات قتال جديدة، منها صواريخ مضادة للدروع إيرانية، من نموذج “ألماس”، تصل إلى مسافة 10 كيلومترات (في مقابل مسافة 6 كيلومترات لصواريخ الكورنيت الأقدم صناعةً الروسية). إن إجلاء سكان الحدود الشمالية، عقب مظاهر “المذبحة” الصعبة في بلدات غلاف غزة، حدث نتيجة التخوُف من قوة الرضوان، إذ إن أعضاءها مدربون أكثر من “مخربي” “حماس”، فمن رأى في التلفاز كيف تم خرق البوابة الصفراء في الجنوب على يد “المخربين”، لن يكون صعباً عليه تخيُّل كيف ستبدو الأمور في بلدات الشمال.
لكن حالياً، وبسبب الضربات المستمرة للجيش وهدم مواقع قوة الرضوان، فقد تراجع عناصر القوة عن الجدار، وأغلبية مواقعهم تم تدميرها، وعلى الرغم من ذلك، عملياً، فإن السكان الذين تخوفوا من الاقتحامات، لا يعودون بسبب الصواريخ المضادة للدروع التي تصيب من 10 كيلومترات من الحدود، ويطالب رؤساء المجالس المحلية بإنشاء واقع جديد، وبالقوة إذا لزم الأمر، من أجل العودة الآمنة إلى البلدات.

أزمة ثقة

قال رئيس مجلس الجليل الأعلى، غيورا زالتس، لـ”هآرتس”: “الدولة غير موجودة معنا في هذه الحرب”، وأضاف: “كثير من المؤسسات التعليمية الخاصة بنا غير محمية. لقد حوّلنا مئات الملاجئ في مناطق المجلس إلى مدارس وروضات.” وتابع أنه “حتّى اللحظة، فإن حكومة إسرائيل غائبة، وليس لدى أي جهة نتحدّث معها أي صلاحيات لاتخاذ قرارات وميزانيات. ونحن، كمجلس، ببساطة ليست لدينا اليوم أي جهة تعرف ما يحدث ولديها صلاحيات.”
وبحسب أقواله: “إذا طلبوا الآن من السكان العودة إلى بلداتهم، فأنا أعتقد أن أغلبيتهم سيعودون خلال 3 أشهر، لكن الجيش برمته يتواجد في البلدات، فكيف سيحدث هذا؟ ففي كريات شمونة، على سبيل المثال، وهي البلدة المركزية في المنطقة، لا توجد بنوك تعمل أو صناديق مرضى أو تجارة. لا توجد أي قدرة على إعادة السكان في هذا الوضع، وإدارة روتين الحياة، فالشركات والتجارة انتقلوا إلى وسط البلد بمصادقة الدولة وتمويلها، ونحن لا نعلم من سيعود منهم عندما ينتهي القتال.”
وقال آرثور غبريئيلوف، وهو ضابط أمن في “مسغاف – عام”، إن “القوة الأولى التي وصلت إلى المكان كانت من جنود الجيش النظامي الذين ليسوا حساسين إلى الحياة التي كانت هنا، والسكان تركوا منازلهم في لحظة، وتركوا كل شيء من دون أن يغلقوا الباب حتى.” وأضاف: “نحن نشعر براحة أكبر مع جنود الاحتياط الذين وصلوا بدلاً من النظاميين.” …
الأمل بتفاهمات

لدى الحديث مع د. شمعون شابيرا، المختص بدراسة حزب الله، قال إن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، وضع استراتيجيا تربط، بصورة مباشرة، الحرب في غزة بالقتال في الشمال. وبحسب أقواله، فإن “إسرائيل تريد فصل الربط بين الجبهات، لكن نصر الله يقول بوضوح إنه طالما الحرب مستمرة في غزة، فإنها ستستمر في لبنان. وإذا استمرت إسرائيل في إطلاق النار بعد وقف إطلاق النار في غزة، فإن حزب الله سيرد، وسيحافظ على الردع مع إسرائيل، إذ يرى نصر الله بذلك مصلحة قومية لبنانية.”
ويقول شابيرا إن حزب الله يتخوف من أن تحاول إسرائيل المبادرة إلى ضربة جوية جنوبي نهر الليطاني، ويهدد بالرد في المناطق الإسرائيلية. كما يضيف: “لقد بدأوا تحديد الأبراج في تل أبيب الكبرى كأهداف ملائمة للرد على ضربات إسرائيلية في بيروت. وحالياً، فإن حزب الله لا يزال يحقق إصابات دقيقة في المواقع العسكرية لدى قيادة الشمال ووحدات المراقبة الجوية في جبل ’ميرون‘. وفي الوقت الذي تدير إسرائيل فيه مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية حوارات بشأن ترتيبات سياسية محدّثة تضمن تنفيذ القرار رقم 1701 لمجلس الأمن، فإنه يبدو أن لدى حزب الله أيضاً مطالب.” ويشير إلى أنهم “يشدّدون على الخروقات الإسرائيلية للقرار، وعلى رأسها، الطلعات الجوية لسلاح الجو في سماء لبنان.”
وفي هذا الأسبوع، تم نشر مبادرة تسوية فرنسية، تتحدث عن إبعاد قوة الرضوان إلى مسافة 10 كيلومترات شمال الحدود، وتعيين لجنة مراقبة تشارك فيها دول غربية، وتعمل بصورة مستقلة عن الأمم المتحدة. وأيضاً، يتم بحث أفكار لنشر آلاف الجنود اللبنانيين جنوباً إلى جانب قوات اليونيفيل. وعلى الرغم من التهديدات التي سُمعت أمس، فإنه يبدو أن إسرائيل تفضّل المسار السياسي للتهدئة، وإذا كانت الأمور تعود إليها، فهي لن تلجأ إلى الحرب إلاّ بعد استنفاد البدائل السياسية كافة.
هناك آمال لدى المؤسسة الأمنية بالتوصل إلى تفاهمات تتضمن ضمانات أجنبية، وانتشاراً دائماً لقوات الجيش الإسرائيلي على طول الحدود، وإبعاد حزب الله عن الجدار. وفي نهاية الأمر، فإن الحرب تجعل الطرفَين يدفعان أثماناً كبيرة، وفي نهايتها، سيصل الطرفان إلى التفاهمات نفسها تقريباً. لكن السؤال سيكون ما إذا كان هذا الحل سيمنح سكان الحدود في الشمال الأمان بسبب ما مر بهم، وعقب التخوُف مما يمكن أن يحدث على الحدود.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole