مبادرة الحزام والطريق عربياً.. فرص واعدةومخاطر محتملة

مبادرة الحزام والطريق عربياً.. فرص واعدةومخاطر محتملة
Spread the love

خاص مركز الدراسات الآسيوية والصينية – بقلم حسن صعب* \

كان أمراً متوقعاً أن يتوسع ويتعمّق الانخراط الصيني في المنطقة العربية مع اقتراب الصين من تصدّر مرتبة الاقتصاد العالمي الأوّل، وسعيها لرفع مستوى علاقاتها مع العالم ، ومن ضمنه دول غرب آسيا، أو المنطقة المسمّاة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى مستويات استراتيجية ، تعود بفوائد كبرى على كلّ الأطراف المعنيّة، على قاعدة (رابح-رابح)، حسبما تعلن الدوائر الصينية، السياسية والاقتصادية والإعلامية ، في كلّ مناسبة.
وقد ترجمت الصين رؤيتها هذه من خلال طرحها لمبادرة “الحزام والطريق”، في العام 2013 ، والتي تستهدف ربط الصين بأغلب دول العالم، عبر شبكة واسعة ومتكاملة من الطرق البريّة والبحريّة ، التي ستتيح تطوير التبادلات التجارية بين الصين والدول الأخرى ، بموازاة تفعيل العلاقات الثنائية على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية والثقافية، فيما بينها.
مبادرة الحزام والطريق.. عربياً
لقد برزت الصين، الدولة التي یتجاوز عدد سكانها الـ 1.4 مليار نسمة، على مدى السنوات الماضية، قوّةً اقتصادية عالمية لا يمكن تجاهلها. فاقتصادها يُعدّ حالیًّا أكبر اقتصاد في العالم من ناحیة القوّة الشرائیة، والثاني بعد الولایات المتحدة من حیث القیمة السوقیّة. ومن المتوقع أن يصبح الأول مع نهاية العقد الحالي.
في إطار هذه الخلفية الاستراتيجية، تطوّرت العلاقات العربية- الصينية تطوّراً مطًّردًا خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبحت الصين الآن المشتري الرئيسي للنفط العربي والشريك الاقتصادي الرئيسي للدول العربية، وأكبر مستثمر في المنطقة. ومع إطلاق بكين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، طوّرت الصين شراكات استراتيجية شاملة مع السعودية، ومصر، والإمارات، والجزائر، في حين زاد نفوذها في إيران بعد توقيعها خطة تعاون مدّتها 25 عامًا مع طهران.
ويمكن القول إن هذا التحوّل حدث نتيجة عاملين رئيسيين؛ الأول هو أن الصعود الاقتصادي المذهل للصين على مدى العقود الثلاثة الماضية أدّى إلى زيادة حادّة في طلب البلاد على الطاقة. في غضون ذلك، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي، وهي أكبر مُصدّر للنفط والغاز الطبيعي المسال، مركز ثقل النشاط الاقتصادي الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ في حين يعكس العامل الثاني حالة عدم اليقين المتزايدة للدول العربية بشأن مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة، والانطباع السائد، لا سيما في دول الخليج، أن واشنطن في طريقها إلى تقليص وجودها في المنطقة للتفرّغ لمشكلاتها الداخلية ومواجهة الصعود الصيني(1).
ويمكن القول كذلك إن الصين تسعى إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع الأطراف الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتعزيز أهداف سياستها الخارجية، بدلاً من التركيز على المنطقة بشكل عام أو جماعي. وفي هذا السياق، أقامت الصين “شراكة استراتيجية شاملة” مع الجزائر (2014)، ومصر (2014)، والسعودية (2016)، وإيران (2016)، والإمارات (2018).
السعودية، تمتلك مكانة دينية لدى جميع مسلمي العالم، وتُعدّ أكبر مُصدّر للنفط في العالم، والمورد النفطي الأوّل للصين ؛ فضلاً عن أنها أكبر اقتصاد في المنطقة، وعضو في مجموعة العشرين. هذا بالإضافة إلى أن موقعها الاستراتيجي بين البحر الأحمر والخليج العربي يجعلها دولة مهمة في مبادرة الحزام والطريق.
الإمارات، نتيجة موقعها الجغرافي ودورها المحوري في مبادرة الحزام والطريق، تحوّلت إلى بوّابة عبور للشركات الصينية نحو الشرق الأوسط، وإفريقيا، وأوروبا، حيث تعمل حاليًّا أكثر من 6000 شركة صينية في الأراضي الإمارتية. وبالمحصّلة، تحوّلت الإمارات إلى أكبر سوق تصدير للصين، وثاني أكبر شريك تجاري (بعد السعودية) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مصر، دولة قوية عسكريًّا، وتملك نفوذًا سياسيًّا معتبرًا، خاصةً في إفريقيا، ومنطقة شرق المتوسط، كما أنها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وسوق اقتصادية واعدة للمنتجات الصينية، بالإضافة إلى أهميتها التجارية في سياق مبادرة الحزام والطريق نتيجة سيطرتها على قناة السويس.
وفي المقابل، بلغ عدد البلدان العربية التي انضمّت إلى مبادرة الحزام والطريق (حتى يناير/ كانون الثاني 2021)، من خلال توقيع مذكّرة تفاهم مع الصين، 18 دولة (من بينها سورية ولبنان والعراق والكويت وغيرها ).
تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مركزًا بالغ الأهمية لتطوير مبادرة الحزام والطريق، نتيجة موقعها الاستراتيجي الواصل بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، والمشرف على أهم الممرّات البحرية (مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس)، التي تُعدّ حيوية لتدفّق موارد الطاقة والتجارة العالمية(2).
كما أكّد الخبير الأردني المتخصّص في شؤون الصين والعلاقات العربية-الصينية، سامر أحمد، أن مبادرة الحزام والطريق باتت موضوعاً رئيسياً في إحداث التقارب والتعاون بين الصين والدول الأخرى، بما فيها الدول العربية.
وقال أحمد في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) إن مبادرة الحزام والطريق سيكون لها نتائج إيجابية عظيمة في المستقبل، تستفيد منها الدول التي تتعاون مع الصين، مُعرباً عن أمله في أن تقود هذه المبادرة إلى تمكين الدول العربية من تطوير الصناعات العربية ونقل التكنولوجيا الحديثة من الصين، بحيث يمكن تطوير الإمكانيات العربية في مجالات الإنتاج الصناعي والابتكار.
وأكد أن الحلم العربي بالنهوض الحضاري يمكن أن يتحقق من خلال الشراكة والتعاون العميق مع الصين، معتقداً أنه كلّما اقترب العرب من الصين، أصبحوا أقرب للنهوض، وذلك لأن لدى الصين تجربة نهضوية مهمة يمكن التعلّم منها، قوامها الموازنة بين المصالح العليا للأمّة الصينية، والحفاظ على الأصول الأيديولوجية والأخلاقية للأمّة، وهو الأمر الذي يحتاجه العرب اليوم؛ أي الموازنة بين جذورهم التاريخية ومعتقداتهم الدينية، وبين مصالحهم النهضوية بدون أن يعطّل أحدهما الآخر”(3).
قمّة صينية – عربية في العام 2022
طرحت الصين منذ بداية العام (2021) عدداً من المبادرات والمقترحات والأفكار الجديدة حول القضايا العربية. كما من المتوقع أن تُعقد أوّل قمّة صينية – عربية في العام 2022.
فقد اقترحت الصين مبادرة من خمس نقاط بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط في مارس/آذار من هذا العام. وفي الشهر الحالي، قدّمت الصين أيضاً مقترحاً من أربع نقاط لحلّ القضية السورية؛ وكذلك اقترحت ثلاثة مسارات لتنفيذ “حلّ الدولتين” بشأن القضية الفلسطينية.
وفي نفس الوقت، قام عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة منطقة الشرق الأوسط مرّتين في غضون أربعة أشهر هذا العام.
وتعليقاً على ذلك، قال وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق إلى الشرق الأوسط، في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) إن هذه المبادرات والمقترحات الجديدة التي طرحتها الصين تعكس مدى اهتمام الصين الكبير بتنمية علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنها لا تشكّل فقط مجملاً للسياسات الصينية تجاه الشرق الأوسط على مرّ السنين، وإنما تُعدّ أيضاً تفكيراً استراتيجياً لتعزيز العلاقات بين الصين وهذه الدول ارتكازاً على هذا الأساس. وذكر ما شياو لين، البروفيسور بجامعة شينجيانغ الصينية للدراسات الدولية ومدير معهد دراسات حوض البحر الأبيض المتوسط، أنها تُبرز موقفاً إيجابياً ، يتمثل في أن الصين كدولة كبرى مسؤولة يجب أن تلعب دوراً بنّاءً مهماً ومؤثّراً في الشرق الأوسط، مؤكداً في الوقت ذاته على أنها تأخذ الاعتبارات الاستراتيجية في الحسبان، وتدلّ على أن الصين تولي اهتماماً كبيراً بالعالم العربي.
لقد اتفقت الصين والدول العربية على إقامة شراكة استراتيجية بين الجانبين في عام 2018. وثمّة يقين بأن العلاقات الصينية- العربية سترتقي في عام 2022 إلى مستوىً جديد لتقف عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة، بفضل القمّة الصينية- العربية الأولى المرتقبة.
كما لفت إلى أن انعقاد قمّة صينية عربية “يدلّ على أن الصين تتعامل مع الدول العربية الـ22 وشعوبها البالغ تعدادها حوالي 400 مليون نسمة، ككيان واحد…ومن ثمّ، فإنه يُعدّ من الخطوات الدبلوماسية الكبيرة للصين في السنوات الأخيرة”.
وألمح إلى أنه “من خلال عقد القمّة الصينية- العربية يمكن الوصول إلى إطار تنموي استراتيجي بين الحضارتين الصينية والعربية- الإسلامية، لضمان مضيّ هذه الثقة المتبادلة والتنمية الوديّة والمساعدة المتبادلة بين الجانبين قدُماً، بصورة أكثر استقراراً وتنظيماً”(4).
فيما شدّد وو سي كه على أنه في ظل الوضع الحالي الجديد، ومع نقطة الانطلاق التاريخية الجديدة، أصبحت كلاً من الصين والدول العربية في حاجة ملحّة إلى تعزيز تطوير العلاقات بينهما. كما أن هناك درجة عالية من التوافق بين الجانبين، قائلاً: “أعتقد في هذا الصدد أن العلاقة بين الجانبين هي علاقة مصير مشترك، وينبغي أن يكون الجانبان أكثر التزاماً بتعزيز بناء مجتمعات مشتركة”.
ورأي وو سي كه أن هذه المجتمعات يمكن أن تشمل عدة جوانب:
يتمثل أوّلها في بناء مجتمع تنموي مشترك، أي تعزيز التعاون بين الجانبين من خلال البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” بشكل عالي الجودة؛ وثانيها في خلق مجتمع أمني مشترك، فهناك أفكار جديدة بين الجانبين، لا سيما في المكافحة المشتركة للإرهاب ومنع القوى الإرهابية داخل البلاد وخارجها من إثارة القلاقل؛ وثالثها في بناء مجتمع صحيّ مشترك، خاصة في ظل التفشّي الحالي لجائحة كوفيد-19؛ ورابعها في العمل معاً لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، وخاصة لتعزيز التواصل بشأن القضايا الدولية والإقليمية، وبناء نظام دولي تشكّل الأمم المتحدة نواته، والدفاع عن التعددية، ومعارضة الأحاديّة والتنمّر(5).
فرص واعدة لمبادرة الحزام والطريق .. ومخاطر محتملة
مثل أي مشروع أو خطة استراتيجية ، محليّة كانت أم خارجية، فإن مبادرة الحزام والطريق الصينية تحمل في طيّاتها فرصاً واعدة لجميع الدول المنخرطة فيها، لتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بالدرجة الأولى ، والصين ، صاحبة المبادرة الكبرى ، في طليعتها.
لكن هناك مخاطر أو عقبات مقابل الفوائد أو العوائد الهائلة التي ستنتج عن الالتزام (المتوقّع ) بمتطلبات ومقتضيات المبادرة الصينية من قِبل الأطراف أو الدول المعنيّة.
وتالياً أهم الفرص والمخاطر المحتملة بالنسبة للدول العربية تحديدًا* ، على قاعدة أن الصين قد تتمكن من “هضم” أو استيعاب أي تأثيرات أو تداعيات جرّاء الالتزام ببنود وقيود المبادرة، مع الأخذ بعين الاعتبار قوّة الاقتصاد الصيني والإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الصين في مختلف المجالات. والكلام هنا يخصّ الدول العربية النفطية تحديدًا، كونها الدول الأغنى والأقوى في المنطقة ، ومن بعدها الدول الأخرى الفاعلة، في الأطر السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، مثل مصر والعراق والجزائر.
فرص المبادرة
• من أبرز الفرص التي توفّرها مبادرة الحزام والطريق الصينية أمام الدول العربية، فرصة فتح باب الاستثمارات الصينية في المنطقة على مصراعيه، سواء من خلال المشاريع الضخمة التي ستسبق وتلي تنفيذ المراحل التمهيدية للمبادرة ، أو عبر تدفّق الأموال الصينية مباشرة (على شكل قروض ضخمة أو مساعدات ومنح نقدية )، أو ضمن مشروعات حكومية ( مثل تطوير الصناعات النفطية والغازية والصناعات التحويلية والطاقة المتجدّدة وعلوم وتطبيقات التكنولوجيا الفائقة – الهاي تك)، أو مشتركة مع القطاع الخاص في الدول العربية المعنيّة.
• ستتيح المبادرة تحسين وتطوير الخدمات التي تقدّمها الدولة في المجالات الاجتماعية والصحيّة والإنمائية والأمنية ، وبما ينعكس استقرارًا اجتماعياً، وحتى سياسياً في الدول العربية ؛ وهذه معادلة واقعية أثبتتها تجارب دول عديدة في العالم ، حيث تركن الشعوب للسكينة عادة في حال تأمّنت ضروريات الحياة والخدمات الأساسية لها.
• ستوفّر مبادرة الحزام والطريق فرص عمل أمام عشرات آلاف الشباب العرب في مشاريع البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية التي ستنطلق وتستمر لسنوات طويلة ، في إطار خطط مدروسة وتمويل ثابت لها من قِبل الصين والدول العربية ، وبما يحدّ كثيراً من نسب البطالة المرتفعة، ومن تداعياتها المعروفة.
• ستُحسّن مبادرة الحزام والطريق خدمات النقل الداخلي والخارجي للدول العربية، سواء فيما بينها أو مع الدول المشاركة في المبادرة، ومن بينها الصين والدول الغربية والإفريقية ودول أميركا اللاتينية. وهذا يشمل البنى التحتية للدولة ، مثل المطارات والمرافئ والجسور والأوتوسترادات وخطوط سكك الحديد وغيرها.
• هذا التطوير (المفترض) لشبكات النقل الداخلية والخارجية سيُفعّل حكماً الارتباط بشبكات الإنتاج الخارجية، بمختلف صنوفها ومستوياتها ، الأمر الذي سيُحسّن الأداء الاقتصادي للدول العربية مقارنة بأداء اقتصادات الصين والدول الأخرى القوية، اقتصادياً وتجارياً ومالياً.

مخاطر المبادرة
• ارتهان محتمل للدولة الدائنة أو المستثمرة في الدول العربية (الصين)، بسبب القروض أو الاستثمارات الضخمة التي قد يؤدّي فشل أو تباطؤ بعضها (بسبب الفساد أو البيروقراطية ) إلى مترتّبات مالية واقتصادية وسياسية على الدول المعنيّة ، والملزمة بذلك حسب الاتفاقات التي وقّعتها مع الصين، وهي الدائن الأكبر للدول حالياً على مستوى العالم (Biggest Foreign Creditor ).
• تأثير تغيّر مكانة الاقتصاد الصيني الدولية، إن لناحية إيفاء الدول ديونها للصين، أو لناحية تراجع وضع الاقتصاد الصيني نفسه، لسببٍ أو لآخر، على ضعف هذا الاحتمال، والذي يبقى وارداً بعد مرارات التجربة الصينية والعالمية الأخيرة مع جائحة كورونا ، والتي كادت أن تدمّر الاقتصاد العالمي برمّته.
• احتمال منافسة البضائع والمنتجات الصينية، والتي تطوّرت خلال العقدين الأخيرين بشكل مذهل، وبمختلف صنوفها وأنواعها، للبضائع المنتجة محلياً أو المستوردة من الدول الغربية، من قِبل الدول العربية المنخرطة في مبادرة الحزام والطريق ؛ والأمر نفسه ينطبق على العمالة الصينية، الماهرة خاصة، والتي ستفِد إلى دول المنطقة لتنفيذ المشاريع المقرّرة ؛ وهذه قضية مهمة ولا يمكن تجاهلها، أو الحدّ من مضاعفاتها ، إلاّ من خلال دراسات وحوارات مسبقة وتفصيلية بين الأطراف المعنيّة.
• قد تُهمّش الترجمة العملية لمقتضيات المبادرة بعض الدول العربية وتقوّي دولاً عربية أخرى، صديقة أو منافسة ، وخاصة فيما يرتبط بالمرافئ والمطارات (المسارات البحرية والجويّة)، كما بالقضايا المتعلقة بالعمالة المحلية والأجنبية ، وحجم الاستثمارات الصينية في هذه الدولة أو تلك ، والتنافس العربي على السوق الصينية الضخمة، وصولاً إلى الأبعاد السياسية والأمنية والاستراتيجية التي ربما تمثّل الجانب المخفي والأخطر في مبادرة الحزام والطريق.
وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال تأثير التناقضات أو الاختلافات الإيديولوجية والفكرية والسياسية والاجتماعية بين شعوب الصين المتنوّعة (عِرقياً وإثنياً ودينياً) والشعوب العربية ، سواء فيما يرتبط بالدين الإسلامي، بأبعاده الروحية والسياسية (الإسلام هو طريقة تعبديّة أو عقيدة ونظام حكم، وعلاقة الإسلام بالإرهاب والجماعات التكفيرية)، أو ما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي ، حيث لا يخفى وجود استياء شعبي عربي (ممزوج بالأمل) من الموقف الصيني شبه الحيادي حيال سياسات إسرائيل العدوانية في فلسطين وضد الدول أو الشعوب العربية، بموازاة التفعيل المستمر للعلاقات الصينية – الإسرائيلية على كلّ الصعد؛ وهذه مسائل لا يمكن الاستهانة بتأثيرها البالغ في السياقات الاستراتيجية العامة للمنطقة، كما كشفت أحداث وتحوّلات العقود الماضية ، من دون نفي إمكانية تحويل هذه الاختلافات إلى توافقات تاريخية و”حضارية” ، كما دعا أو أمل خبراء أو مختصّون في الشؤون الصينية آنفاً.
وأخيراً ، يجدر عدم إغفال تأثير الانخراط الصيني الواسع والعميق في المنطقة ، من خلال مبادرة الحزام والطريق ، في موقعية وسياسات الدول العربية المتشاركة مع الصين في مبادرتها ، والمرتبطة في الوقت عينه بعلاقات أو تحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص؛ وهي كانت وستبقى المنافس أو الخصم الأوّل للصين الصاعدة ، ولعقود قادمة ربما !

*حسن صعب باحث لبناني.
الهوامش
(1) الحاضر وآفاق المستقبل: العلاقات العربية- الصينية ، ناصر التميمي، مجلة الشؤون العربية الأوراسية ، العدد الأول ، 31 أغسطس 2021.
(2) المرجع السابق.
(3) مقابلة : خبير أردني: مبادرة الحزام والطريق باتت موضوعاً رئيسياً في إحداث التقارب والتعاون بين الصين والدول العربية ، cnArabic news .2021/12/27
(4) مقالة خاصة: خبراء: العلاقات الصينية -العربية تتطوّر إلى مستوىً أعلى جديد، شبكة الصين،30/7/2021. (وكالة شينخوا).
(5) المرجع السابق.
*راجع تقارير للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأسكوا).

Optimized by Optimole