دبلوماسية “الذئاب المحاربة”.. الاستراتيجية الصينية التي أغضبت أوروبا

Spread the love

شؤون آسيوية- أثارت تصريحات السفير الصيني بباريس لو شاي، امتعاضاً كبيراً في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه دول البلطيق الثلاثة. فيما أرجعت وسائل إعلام غربية هذه الواقعة إلى استراتيجية أصبحت تنهجها الصين مؤخراً تدعى دبلوماسية “الذئاب المحاربة”.
نفت بكين أن تكون تصريحات سفيرها في باريس، التي شككت في سيادة دول البلطيق وأثارت امتعاضاً واسعاً في الأوساط الأوروبية، تعبيراً عن موقف سياسي تتبناه البلاد. وقالت سفارة الصين في باريس في بيان يوم الاثنين، إن تصريحات السفير لو “تمثّل تصريحات شخصية ولا تعبّر عن أي موقف سياسي (للبلاد)”.

كما أكدت الخارجية الصينية، على لسان المتحدثة باسمها وفي مؤتمر صحفي للناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ للصحافيين، أكدت أن بلادها “تحترم وضع دولة ذات سيادة في كل الجمهوريات المنبثقة عن تفكك الاتحاد السوفييتي”.

مع هذا ربطت وسائل الإعلام الغربية تصرف السفير لو شاي، بعقيدة دبلوماسية قالت إن الصين تتبعها خلال السنوات الأخيرة في سياستها الخارجية، وتطلق عليها اسم “الذئاب المحاربة”. وتعتمد هذه الاستراتيجية على الرد العنيف على كل ما يهدد المصالح الخارجية لبكين، وتستهدف بشكل رئيس خصوم البلاد في الغرب.

ذئب محارب في باريس

في مقابلة أجرتها معه قناة “LCI” الفرنسية الجمعة، قال السفير الصيني لدى باريس إنه “حتى دول الاتحاد السوفيتي السابق ليس لديها وضع فعال، كما نقول، بموجب القانون الدولي، لأنه لا يوجد اتفاق دولي لإضفاء طابع ملموس على وضعها كدولة ذات سيادة”، وذلك في معرض حديثه عن موقف بلاده من ضمّ روسيا إلى شبه جزيرة القرم.

وهو ما أثار امتعاضاً واسعاً في أوساط دول البلطيق وأوساط دبلوماسية الاتحاد الأوروبي. وردّ وزير خارجية لاتفيا إدغار رينكوفيس، بالقول إن تصريحات السفير الصيني “غير مقبولة على الإطلاق”، متوعداً بـ”رد (أوروبي) قوي وموحَّد” على هذه الادعاءات.

من جانبها وصفت الخارجية الفرنسية تصريحات السفير الصيني بـ”المقلقة”، وقالت في بيان إنها “أُبلغَت بصدمة” تصريحات السفير الصيني، داعية بكين إلى “توضيح ما إذا كانت تعكس موقفها”. مضيفة أن السفير لو شاي أُبلغَ بأن “من غير المقبول التشكيك في احترام السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية لجميع الدول، والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة الملزمة للجميع”.

بالمقابل، ربطت قناة “TF1” الفرنسية، بين تصريحات السفير ودبلوماسية “الذئاب المحاربة” التي تنهجها الصين. وقال تقرير القناة: “في الواقع تتماشى (تصريحات السفير) تماماً مع استراتيجية “الذئاب المحاربة” للحرس الدبلوماسي الصيني الجديد. هذه “المجموعة” من الدبلوماسيين الذين أصبحوا لا يترددون في التكشير عن أنيابهم”.

ونقل التقرير عن السفير ذات نفسه، في حوار سابق له، في يونيو/تموز 2021، حين افتخر بهذا اللقب، قائلاً: “يشرفني جداً أن أكون ذئباً محارباً، لأن كثيراً من الضباع المجنونة تهاجم الصين”.

مَن “الذئاب المحاربة”؟

يجمع محللون في معهد “المكتب الوطني للدراسات الأسيوية” الأميركي، على أن الدبلوماسية الصينية عرفت تحولاً جذرياً خلال السنوات الأخيرة من استراتيجية “عدم الظهور” التي شهدتها تحت حكم الرئيس السابق دنغ شياو بينغ، إلى استراتيجية الظهور العنيف التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ، على الأقل منذ الأزمة الصحية عام 2019.

وتستند هذه الاستراتيجية الأخيرة على طبقة من الدبلوماسيين الذين أطلق عليهم “الذئاب المحاربة”، ويعود هذا الاصطلاح إلى عنوان سلسلة أفلام أكشن صينية جرى إنتاجها بين عامَي 2015 و2017، والتي تحكي قصة عميل سري صيني يحارب أشراراً غربيين” يسعون لتدمير البلاد.

وحسب مؤلف كتاب “الجيش المدني الصيني: صنع دبلوماسية الذئب المحارب”، بيتر مارتن، فإن “دبلوماسية الذئب المحارب أصبحت التعبير المختصر لعلامة تجارية جديدة حازمة للدبلوماسية الصينية”، حيث “كان الدبلوماسيون الصينيون يميلون إلى الحذر والاعتدال في طريقة تفاعلهم مع العالم الخارجي”، فيما “أصبحوا مؤخراً أكثر حدة وحزماً، بسلوكيات تتراوح ما بين الانسحاب من اجتماع دولي إلى الصراخ في وجه نظرائهم الأجانب وحتى إهانة القادة الأجانب”.

وفي مقال سابق لصحيفة “لوموند” الفرنسية، عام 2020، رصدت هذا التحول بالنهج الدبلوماسي الصيني، عقب تفشِّي كورونا وربطها مباشرة بالبلاد، لأن يصبح أكثر عدائية وغير متردد بالرد العنيف.

ودللت الصحيفة الفرنسية على هذا التحول بتصريحات المتحدث باسم الخارجية الصينية وقتها، تشاو ليجيان، التي اتهم بها الجيش الأمريكي بجلب الفيروس إلى البلاد، في أثناء مشاركتهم بالألعاب العسكرية التي أقيمت عامها في ووهان. كما هاجم السفير الصيني في البرازيل نجل الرئيس جايير بولسونارو، عقب انتقاده الغموض السائد في الصين، بأنه أصيب “بفيروس عقلي”.

ويؤصل بيتر مارتن لهذا النهج بأنه “في عهد شي جين بينغ يجري التركيز بشكل أكبر على فكرة نجاح النظام الصيني، وأنه لا ينبغي للحزب الشيوعي أن يعتذر عن الطريقة التي تعمل بها البلاد. وعندما لا تحظى الصين بالاحترام الذي يعتقد المسؤولون الصينيون وكبار الدبلوماسيين أنه يجب أن تحظى به، فسيكون رد فعل عنيف”.

ويضيف الكاتب أن الدبلوماسيين الصينيين “يعتقدون بأنهم تعرضوا لضغط كبير لسنوات عديدة، وقد تلقوا باستمرار محاضرات من الولايات المتحدة وحلفائها حول حقوق الإنسان وأخطاء النظام الشيوعي، وقد نظر إليهم العالم الغربي بازدراء تاريخياً”، وهو ما يجعلهم يؤمنون بأن ردودهم العنيفة رد فعل لهذا “الإذلال التاريخي” على حد وصف الكاتب.

وعقب تصريحات السفير لو تشاي الأخيرة استدعت خارجيات دول البلطيق الثلاث، لتوانيا وإستونيا ولاتفيا، يوم الاثنين سفراء الصين لديها لإبلاغهم امتعاضها من التصريحات التي أدلى بها شاي لوسائل الإعلام الفرنسية، والتي اعتبرت أنها تشكك في سيادتها ووضعها القانوني كدول معترف بها لدى الأمم المتحدة، ولتفسير الموقف الرسمي لبكين من تلك التصريحات.
المصدر:TRT

Optimized by Optimole