نزاع “الصحراء الغربية” يعود إلى الواجهة

Spread the love

مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط — بقلم: د. هيثم مزاحم* —

العيون – الصحراء الغربية — عادت قضية “الصحراء الغربية” إلى الواجهة مؤخراً بعدما قررت محكمة العدل الأوروبية، في 11 ديسمبر – كانون الأول 2015، إلغاء اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وذلك نتيجة دعوى رفعتها إلى المحكمة جبهة “البوليساريو”، التي تطالب باستقلال “الصحراء”، بشأن الاتفاق الذي قد يشمل منتجات زراعية من أراضيها، وذلك بسبب الوضع “غير القانوني” لهذه المنطقة المتنازع عليها.

و”جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” المعروفة باختصارها الاسباني “بوليساريو”، تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية منذ جلاء الاستعمار الإسباني منها في 26 فبراير / شباط 1976 بعدما سيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء بعد “المسيرة الخضراء”، في تشرين الثاني/نوفمبر 1975 وهو حشد شعبي سلمي ضم نحو 350 ألف نسمة، دعا إليه الملك المغربي الراحل الحسن الثاني للضغط على إسبانيا لمغادرة “الصحراء”. لكن الصحراويين المطالبين بالاستقلال رفضوا هذه “المسيرة” واعتبروها تهدف إلى “تكريس احتلال” المغرب للصحراء، التي تحدّها الجزائر من الشرق وموريتانيا من الجنوب وباقي المغرب من الشمال، والمحيط الأطلسي من الغرب.

وكان كل من المغرب وموريتانيا يطالب بالصحراء الغربية في ظل الاستعمار الإسباني، وأحال المغرب القضية إلى محكمة العدل الدولية التي أقرت بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لسلطان المغرب، لكنها أقرت في المقابل بأن هذه الروابط لا تدل على السيادة بين “الصحراء” وبين المغرب أو موريتانيا وقت الاستعمار الإسباني، وأن الروابط المذكورة لا تكفي لمطالبة المغرب أو موريتانيا بضم “الصحراء” إلى أراضيها.

وقد نجح المغرب عبر “المسيرة الخضراء” في دفع إسبانيا إلى الانسحاب من “الصحراء” ودخلت السلطات المغربية مع عشرات الآلاف من السكان المغاربة من مختلف الأقاليم، لتكريس واقع “مغربية” الصحراء.

يقول الباحث القانوني المغربي بوهاج صاحب للحياة “إن المغرب لم يسيطر على أراضي “الصحراء” بل كانت هنالك اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، وهي اتفاقية ثلاثية بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، والمسيرة الخضراء جاءت بعد الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي إذ أقرت بوجود روابط البيعة بين السلاطين العلويين المغاربة والصحراويين في الجنوب”.

ومنذ أربعة عقود تخوض جبهة “البوليساريو”، بدعم من الجزائر، نضالاً للاستقلال عن المغرب، الذي يعتبر الصحراء جزءاً كبيراً من أراضيه يرفض التخلي عن السيادة عليها، حيث تبلغ مساحة “الصحراء الغربية” 266,000 كيلومتر مربع.

وأدى هذا النزاع بين المغرب وجبهة “البوليساريو” إلى حرب استمرت حتى عام 1991 حيث تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار ونشرت الأمم المتحدة قوة لمراقبة احترام الهدنة.

يقول أحد شيوخ القبائل الصحراوية في مدينة العيون، عاصمة “الصحراء الغربية”، إن ثمة علاقة بيعة تاريخية بين المغرب والصحراويين تعود إلى قرون، فيما يقول شيخ قبلي آخر إن الجد الأول للصحراويين هو المولى ادريس، جد الأسرة العلوية المتولية حكم المغرب منذ خمسة قرون الى اليوم.

يقول ماء العينين، وهو ناشط مؤيد لجبهة البوليساريو، للحياة، إن الصحراويين يطالبون بالاستقلال، وفق حق تقرير المصير الذي كفلته منظمة الأمم المتحدة للشعوب بعد تصفية الاستعمار، ويرفض ادعاء المغرب بأن “الصحراء الغربية” جزء من أراضيه، معتبرة أن للصحراويين هوية وقبائل وتقاليد مختلفة، وأن الصحراء كانت تاريخياً مستقلة عن المغرب قبل الاستعمار الإسباني. ويزعم هذا الناشط أن معظم الصحراويين مؤيدون للاستقلال بينما الفئة المؤيدة للبقاء ضمن المغرب هم المرتبطون بمصالح مع السلطات المغربية، كشيوخ القبائل وغيرهم.

وكانت الأمم المتحدة قد طرحت عام 2001 إجراء استفتاء للصحراويين إن كانوا يريدون الاستقلال أم البقاء كإقليم مغربي، لكن حصل خلاف بين المغرب والبوليساريو بشأن تحديد “الصحراويين” الذين يحق لهم التصويت، حيث يقوم كل طرف بالتشكيك بالسكان المقيمين في مناطق الطرف الآخر. إذ يتهم المغرب “البوليساريو” بجلب بعض القبائل الصحراوية من الجزائر ومالي وإسكانهم في مخيمات تندوف للاجئين الصحراويين في الجزائر. في المقابل، يشكك البوليساريو بهوية بعض سكان المناطق الصحراوية الخاضعة لحكم المغرب ويقول إنه تم إسكان آلاف المغاربة وإدخالهم إلى القبائل بزعم إنتمائهم إليها.

يقول أحد الصحراويين المقيمين في العيون إن لجنة تحديد الصحراويين مؤلفة من شيخين من القبائل، واحد موالٍ للبوليساريو وآخر للمغرب، ومهمة الشيخين التعرّف على الصحراويين، حيث يقوم شيوخ البوليساريو بتعمّد التشكيك بهوية سكان إقليم الصحراء غير الموالين لهم، إذ تم قبول هوية أخته ورفضوا تثبيت هويته، من قبل شيخ البوليساريو.

يقول بوهاج صاحب إنه “في ظل التعثر الذي عرفه مسلسل تحديد الهوية الذي يخوّل للصحراويين، وفي ظل الفراغ على مستوى إيجاد حل سياسي للملف، قدم المغرب مشروع الحكم الذاتي”، مشيراً إلى أن البوليساريو لا تمثل إلا نحو 40 أو 50 ألف من الصحراويين ولا تمثل كل الصحراويين الذين يبلغ عددهم أكثر من 400 ألف نسمة.

لكن مصادر دولية تشير إلى أن عدد المقيمين في مخيمات تندوف يصل إلى 100 ألف نسمة.

يضيف صاحب “أن البوليساريو كان يرفض الصحراويين الذي يقطنون في الأقاليم والمحافظات الشمالية داخل المغرب”، متهماً البوليساريو والجزائر بفرض حصار عسكري على مخيمات تندوف إذ يتم منع اللاجئين من العودة إلى إقليم “الصحراء” في المغرب الذي يدعوهم للعودة ويعتبرهم “محتجزين” لدى البوليساريو.

ويدعو صاحب إلى المقارنة بين مستوى التنمية وعيش الصحراويين مثلاً في مدن العيون والداخلة وبوجدور ومستوى عيش الصحراويين في مخيمات تندوف.

وكان أحد الصحراويين الذي عاش 40 سنة في أحد مخيمات تندوف قد روى للحياة معاناة اللاجئين الذين يعيشون منذ أربعة عقود في خيم في الصحراء، أشبه بالأسرى محرومين من معظم ظروف الحياة الصحية والعلمية والاقتصادية الطبيعية ووسائل الراحة والرفاهية.

ويتهم المغرب قادة البوليساريو بالفساد والاستفادة من مشكلة اللاجئين عبر الحصول على المساعدات الدولية والاتجار بها بدل إيصالها إلى مستحقيها من اللاجئين.

في المقابل، يعزو الصحراويون المطالبون بالاستقلال تمسك المغرب بالسيادة على “الصحراء الغربية” إلى وجود ثروات كبيرة في أراضيها وبخاصة الفوسفوات والثروة البحرية الهائلة، فضلاً عن كون “الصحراء” ثلث مساحة المغرب.

وفي العام 2003، اقترح وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر الذي كان مبعوثاً أممياً للصحراء منذ العام 1997 وحتى استقالته عام 2004، حلاً للنزاع يقوم على منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً واسعاً تحت الإدارة المغربية، لمدة أربع سنوات، وفي السنة الخامسة يكون هناك استفتاء حول الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال. المغرب رفض هذا المقترح بينما قبلته البوليساريو، رافضة أن يكون الحكم الذاتي نهائياً. فيما طرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان خيار التقسيم عام 2002 على أن يكون للمغرب الثلثان وللبوليساريو الثلث، فرفضه المغرب.

وفي التاسع من ديسمبر – كانون الأول 2015، قدم المبعوث الشخصي للأمين العام في نزاع الصحراء كريستوفر روس تقريره الى مجلس الأمن، فأقر بفشله في تقريب وجهات النظر خلال الجولات الثلاث التي قام بها الى أطراف النزاع، مشيراً الى رفض المغرب استئناف المفاوضات المباشرة، واكتفائه بمعالجة تفاصيل الحكم الذاتي الموسع، بينما تصر البوليساريو على الاستفتاء لتقرير المصير وتلوّح بالعودة الى الحرب.

وأعلن روس أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيقوم بزيارة إلى منطقة المغرب العربي في يناير – كانون الثاني الجاري(2016) بهدف تقديم دعمه الخاص لمسار السلام في الصحراء الغربية في سبيل التوصل إلى اتفاق حول الوضع النهائي للصحراء الغربية، مشيراً إلى أن هذا النزاع الذي يدوم أكثر من 40 سنة يتطلب حلاً عاجلاً وأن استفحاله بمثابة “قنبلة موقوتة” لن يكون بوسع أي فاعل في المنطقة التخفيف من آثارها بمفرده.

ويرى بعض الخبراء أن النزاع هو امتداد لحرب الرمال الحدودية بين المغرب والجزائر في تشرين الأول – أكتوبر 1963 بسبب مشاكل حدودية، بعد نحو عام من استقلال الجزائر. وتبدو قضية “الصحراء الغربية” مستعصية على الحل بسبب رفض الطرفين لحل سياسي وسطي، إذ يتمسك كل طرف باقتراحه. لكن حصول تقارب حقيقي بين الجزائر والمغرب قد يساهم في إيجاد حل سريع لهذه القضية، حيث بدأت أصوات جزائرية تطالب بإنهاء هذا الملف الذي يشكل عبئاً على الجزائر وتحسين علاقتها بجارتها المغرب، خصوصاً بعدما هدد المغرب بدعم الدعوات الانفصالية لقبائل البربر أو الأمازيغ في الجزائر.

هيثم مزاحم، رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، باحث لبناني مختص بشؤون الشرق الأوسط

المصدر: صحيفة الحياة

Optimized by Optimole