الإخوان وإيران بين ولاية المرشد وولاية الفقيه

Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — جاء تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بعد لقاء ممثلين عن المذاهب السنية الأربعة، والمذهبين الشيعيين الإثني عشري والزيدي في القاهرة، كعنصر مهم في التقارب بين الحركتين الإسلاميتين. يقول عمر التلمساني، المرشد السابق للإخوان المصريين: “في الأربعينيات زار الإمام محمد تقي القمي، وهو من أئمة المسلمين (الشيعة) المركز العام للإخوان المسلمين، ودارت بينه وبينه الإمام الشهيد حسن البنا أحاديث طويلة لعدة مرات، حول مبدأ التقريب بين المذاهب الإسلامية الستة”.

وكان كل من تنظيم “فدائيان الإسلام” بزعامة نواب صفوي، وتنظيم “الإخوان المسلمين” المصري يملك رؤية وحدوية إسلامية بعيدة عن التعصب المذهبي، ما ساعد على تطور العلاقات بينهما. يقول المستشرق البريطاني الأميركي برنارد لويس عن تنظيم صفوي: “على الرغم من مذهبهم الشيعي إلا أنهم يحملون فكرة عن الوحدة الإسلامية تماثل إلى حد كبير فكرة الإخوان المصريين، ولقد كانت بينهم اتصالات”.

وقد دفع القمع الذي تعرضت له الحركات الإسلامية في إيران ومصر إلى توثيق العلاقة بينهما للتخفيف من الأضرار التي تلحق بهما، خصوصاً بعد قمع الرئيس المصري جمال عبد الناصر للإخوان في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وكانت القضية الفلسطينية والتطورات في الصراع العربي – الإسرائيلي دافعاً رئيسياً للتعاون بين الطرفين، وخصوصاً بسبب الدور المهم الدي لعبته الحركة الإسلامية الإيرانية، ولا سيما نواب صفوي وآية الله كاشاني، في تعبئة الرأي العام في إيران لمصلحة القضية الفلسطينية. وقد جاءت علاقة شاه إيران بإسرائيل واعترافه بها عام 1960، وقطع مصر علاقاتها الدبلوماسية مع إيران احتجاجاً على ذلك، كأسباب لتعزيز التقارب بين الشيعة والسنة في السنوات التالية.

كما أن رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية الشيخ راشد الغنوشي يؤكد في أحد كتبه أن “هناك دلائل كثيرة على تطور الثورة الإسلامية الإيرانية وانتصارها المشرق في التاريخ الحديث للحركة الإسلامية”، مشيراً إلى العلاقة الوثيقة التي كانت تربط بين الإمام حسن البنا وآية الله الكاشاني، الزعيم السابق للحركة الإسلامية الإيرانية، في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، حيث وضعا برنامجاً للتعاون والتنسيق لقيام الدولة الإسلامية وتأييدها من الجميع في أي مكان تقوم فيه. ويعتبر الغنوشي أن حركة “فدائيان الإسلام” بقيادة نواب صفوي في إيران كانت امتداداً لفكر الإخوان المسلمين.

يتحدث عمر التلمساني في حوار صحافي عام 1985 عن ارتباط نواب صفوي بعلاقة وثيقة مع الإخوان المصريين، فيقول: “منذ أن تكونت جماعة التقريب بين المداهب الإسلامية والتي أسهم فيها الإمام البنا والإمام القمي، والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة”، مشيراً إلى أن ذلك قد أدى إلى زيارة نواب صفوي عام 1954 للقاهرة، ولقائه التلمساني في منزل سعيد رمضان، صهر حسن البنا ومساعده.

عن أهداف هذه الزيارة، يتحدث الباحث السوداني الدكتور حسن مكي في كتابه “حركة البعث الإسلامي في إيران”، فيقول: “في 10 كانون الأول/ يناير 1954م وصل نواب صفوي رئيس المنظمة (فدائيان إسلام) إلى القاهرة للتنسيق مع الإخوان المسلمين والاستفادة من القاهرة وإمكانيات الإخوان في حركة مضادة للشاه، ولكن ذات يوم وصوله القاهرة تم حل جمعية الإخوان المسلمين من قبل مجلس الثورة، وفي مساء ذات اليوم كان صفوي المتحدث الرئيسي في لقاء جماهيري في جامعة القاهرة، حيث أعلن مسؤوليته عن اغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق علي رزم آرا”.

ويشير أحد الباحثين الشيعة، الدكتور إسحق موسى الحسيني، في كتابه “الإخوان المسلمون. كبرى الحركات الإسلامية الحديثة”، إلى أن بعض الطلاب الإيرانيين المقيمين في مصر قد إنضموا إلى جماعة الإخوان. حتى أن صفوي نفسه دعا الشيعة إلى الانضمام إلى صفوف الإخوان المسلمين، في خطاب أمام حشد في سوريا بعد لقائه المراقب العام للإخوان المسلمين هناك، مصطفى السباعي.

وقد أدى صفوي دوراً جوهرياً في التقريب بين الحركتين الإسلاميتين في إيران ومصر، حيث كان يتمتع بكثير من الحب في صفوف الإخوان الذين تأثروا كثيراً لإعدامه من قبل حكم الشاه. فقد نعته مجلة “المسلمون”، الناطقة باسم الإخوان المسلمين في مصر آنذاك، في مقالة بعنوان “مع نواب صفوي”، تحدثت عن زيارته لمقر الإخوان وموقفه المؤيد لحركتهم وتضحياته.

وقد ترجمت حركة صفوي إلى الفارسية الكثير من مؤلفات سيد قطب، أحد قادة الإخوان المصريين ومنظرهم، وأيضاً مؤلفات القيادي الإخواني السوري مصطفى السباعي، والشيخ محمد الغزالي، في السبعينيات من القرن العشرين، ولقيت صدى كبيراً بين الثوار الإيرانيين. وكان لافتاً أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، قد ترجم بنفسه قبل الثورة الإسلامية (1979) بسنوات، بعضاً من كتب سيد قطب إلى الفارسية، وأسهمت هذه الكتابات في تعبئة الشباب الإيراني.

ويرى البعض أن هناك تأثرات واضحة بفكر سيد قطب عند حزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه آية الله محمد باقر الصدر في العراق في أوائل الخمسينيات مع عدد من العلماء العراقيين واللبنانيين، وكذلك لدى الحركة الإسلامية الإيرانية بزعامة الإمام الخميني منذ ستينيات القرن الماضي، وخصوصاً نظرية حاكمية الله. وإذا صح هذا التأثر، يمكن تلمسه في كتاب “الحكومة الإسلامية” للإمام الخميني الذي نشره كمجموعة محاضرات ألقيت في الستينيات خلال منفاه في مدينة النجف العراقية. ويشير البعض إلى تحالف “حزب الدعوة” مع “الحزب الإسلامي العراقي”، وهو الفرع الإخواني المحلي، ضد حكم عبدالكريم قاسم الذي كان يهيمن عليه الشيوعيون، وأن الحزبين كانا حتى سقوط قاسم بانقلاب 8 فبراير/ شباط 1963 في حالة شبه وحدة تنظيمية.

المشروع واحد مع اختلاف الطرائق

وفي عام 1966 ترجم السيد علي الخامنئي، تلميذ الخميني، للفارسية كتاب سيد قطب، “المستقبل لهذا الدين”، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها مؤلف الكتاب، الذي أعدم في تلك السنة، بـ”المفكر المجاهد”.
ونقل مصدر مطلع للباحث، أن وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي والمستشار الحالي للمرشد خامنئي، كان عضواً في اتحاد طلابي تابع للإخوان المسلمين خلال دراسته الطب في جامعة ميريلاند الأميركية. كما أن الكثير من الموالين لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، والمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، كانوا ينتمون إلى تنظيم نواب صفوي.

بعد انتصار الثورة في إيران، حظيت الثورة بتأييد الإخوان المسلمين في مصر، حيث قام وفد منهم بزيارة إيران على متن طائرة خاصة، ضمت وفداً يمثل قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإلتقوا بقادة الثورة.

وظل “الإخوان المسلمون” في مصر مستمرين في تأييد الحكم الإسلامي الجديد في إيران، وقد سيَروا تظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس المصري أنور السادات شاه إيران في مصر. لكن لاحقاً برزت خلافات بين الطرفين بسبب الحرب مع العراق (1980–1988) والتحالف بين إيران والنظام السوري.

عند وفاة الخميني في 4 يونيو/ حزيران 1989، أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً تضمن الكلمات الآتية: “الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني، القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة”. لقد أيد الإخوان إيران في برنامجها النووي وأيدوا حزب الله في مقاومته ضد إسرائيل.

فيما أيد النظام الإسلامي في إيران معارضة الإخوان المسلمين لنظام الرئيس حسني مبارك. وواصلت طهران دعمها للإخوان المسلمين في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى حين انتصار ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في مصر عام 2011. وقبل أسبوع من سقوط مبارك، شبه خامنئي في خطبة يوم 4 فبراير/ شباط 2011 بتشبيه ما يجري من ثورة ضد الرئيس المصري بالثورة الإيرانية ضد شاه إيران. وعند فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية كانت إيران من أوائل المهنئين.

المصدر: ميدل ايست اونلاين والمقالة هي خلاصة بحث بعنوان “إيران والإخوان المسلمون بين ولاية الفقيه وولاية المرشد”، نشرت ضمن الكتاب 80 (أغسطس 2013) ‘الإخوان وإيران توظيف الدين لمعركة السياسة” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

Optimized by Optimole