كيف تستخدم إسرائيل تقنياتها في مجال المياه لفك عزلتها الدولية؟

كيف تستخدم إسرائيل تقنياتها في مجال المياه لفك عزلتها الدولية؟
Spread the love

water-israel

بقلم: عامر دكة — “يُعتبر الجفاف في كاليفورنيا بداية أزمة مياه عالمية خطيرة للغاية فقط. لم يعد بالإمكان أن نجلس عاجزين” – هذه هي رسالة سيث سيجال، رجل أعمال يهودي أمريكي قرر مواجهة التحدي والبحث في الموضوع. في كتابه الذي نشره مؤخرا تحت عنوان ” “لتكن هناك مياه: الحل الإسرائيلي للعالم الذي يتعطش للمياه” (Let There Be Water: Israel’s Solution for a Water-Starved World)، يصف سيجال أسباب نقص المياه وآثارها. ويصف أيضا مُفّصلا كيف نجحت إسرائيل، وهي دولة صغيرة وجديدة ذات مناخ صحراوي، في أن تصبح ما يصفه الخبراء اليوم “أكبر دولة عظمى في مجال المياه في العالم”.

في أحد فصول الكتاب، والذي نُشر في موقع ميدا الإسرائيلي، حكى قصة إسرائيل وعلاقاتها مع جاراتها القريبات في ظلّ العُزلة الدولية، وكيف نجحت في استغلال إنجازاتها في مجال تكنولوجيا تنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، لفتح نوافذ دبلوماسية صغيرة في طريق الخروج من العُزلة.

بحسب سيجال “هناك عدد قليل من الدول التي عانت من عُزلة دبلوماسيّة متطرفة مثل إسرائيل. كردّ فعل على ذلك، استخدمت إسرائيل العلوم العملية التي اكتسبتها في مجال المياه من أجل إيجاد مخرج من العُزلة، وفي أحيان كثيرة ساعدتها على فتح أو تعزيز العلاقات مع دول أخرى. من خلال مشاركة إسرائيل خبرتها والتكنولوجيا الخاصة بها مع الآخرين جعلت المياه وسيلة مهمة لإنشاء علاقات دبلوماسيّة وتجارية، وفي نفس الوقت حسّنت من حالة قطاع المياه في دول مختلفة في أنحاء العالم”.

بنو البشر مسؤولون

يقول سيجال إنّ الناس قد اعتادوا على عزو الأزمة في المياه إلى التغيير المناخي، ولكن الحقيقة هي أنّ هناك أسباب كثيرة أخرى، من بينها أيضًا النموّ السكاني ونموّ الطبقة الوسطى. تستهلك هذه الطبقة كميات كبيرة من الماء، وكذلك أيضًا من الغذاء والكهرباء، والتي من أجل تنميتها وإنتاجها هناك حاجة لكميات كبيرة من المياه. وهناك سبب آخر وهو أن البشر يلوّثون مجمّعات المياه القائمة. وثمة سبب ثالث، وهو البُنى التحتية للمياه والتي هي في الغالب قديمة، مُتداعية، وتُدار بطريقة سيّئة. إنّ كمية المياه التي يتم فقدانها بسبب التسرّبات من الصعب تصوّرها: في الولايات المتحدة يصل الرقم إلى 30%، في دبلن بإيرلندا إلى 40%، وهناك كميات كبيرة جدا في الهند.

تقنيات لمنع جفاف البحيرات الطبيعية
تقنيات لمنع جفاف البحيرات الطبيعية

حلّ أزمة المياه العالمية القادمة: إيقاف التهاون

بحسب سيجال فإنّه سيتم الشعور بالنقص الخطير في المياه بعد 10 أعوام، أو 20 عاما كحدّ أقصى. ويطرح عدة نماذج من العالم ومن بينها وفرة المياه التي كانت في ساو باولو، المدينة الأكبر في البرازيل، والآن أصبح هناك عدد غير قليل من “لاجئي المياه” الذين يغادرونها بحثا عن خزانات مياه متاحة ونظيفة. تقع شيكاغو على بحيرة ميشيغان ولذلك ربما من المتوقع ألا تعاني من نقص في المياه، ولكنها تفقد كل عام 35% من مياهها عقب التسريبات في البُنى التحتية.

يوضح سيجال أنّ الخبراء في صناعة المياه العالمية قد أدركوا أنّ إسرائيل تدير بكفاءة صناعة المياه وأنّه من المُستحسن استشارتها من أجل العثور على حلّ عاجل قبل أن تحدث الكارثة المأسوية.

يوجد لدى إسرائيل منظومة إدارة المياه الأفضل والأكثر تطوّرا في العالم: إنها تعيد تكرير المياه، تُحلّي مياه البحر المالحة، تستغل مياه الفيضانات، تثقّف السكان حول الاستخدام السليم، تحسّن من استخدام المياه في الصناعة والزراعة، تستثمر في العثور على التسريبات، وتُقلل من فقدان المياه من خط الأنابيب داخل المُدن وخارجها، وما شابه.

وصرّح سيجال انّ عدد السكان في إسرائيل قد ازداد بعشرة أضعاف، وازداد الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بسبعين ضعفا، وفي المقابل انخفض هطول الأمطار بنسبة 50%. رغم كل ذلك، لدى إسرائيل اليوم كمية مياه أكثر مما كان لديها عام 1948. “إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لن تُواجه أزمة المياه”.

الدبلوماسية المائية

صاغ سيجال هذا المصطلخ في كتابه ليشرح ظاهرة قامت بها إسرائيل من خلال استخدام تكنولوجيا المياه من أجل تعزيز الإنجازات السياسية الدبلوماسية.

لقد نجحت في استغلال معرفتها في مجال المياه من أجل فتح الأبواب في دول عديدة، وخصوصا في دول العالم الثالث. في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة بطرق مختلفة إقامة علاقات دبلوماسيّة مع الصين، نجحت إسرائيل في القيام بذلك من خلال مشاركة معرفتها في مجال المياه.

في أواخر تشرين الثاني 2014، أعلنت لجنة إسرائيلية – صينية أنّ مدينة شوغوانغ، وهي مدينة فيها ما يزيد عن مليون مواطن بقليل وتقع على مسافة نحو 500 كيلومتر جنوب – شرق بكين، ستكون المدينة الأولى التي سيتم فيها اختبار علاقات الصين وإسرائيل في مجال المياه. وبالإضافة إلى حجم السكان، فإنّ المدينة والمنطقة المحيطة بها تضع تحدّيات عديدة في موضوع المياه، وبناء على ذلك كان اختيار إسرائيل اختيارا طبيعيا. من المُرتقب أن يهتم المشروع بتنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، وأيضا بالانتقال إلى استخدام الريّ ذي الكفاءة في المزارع الكثيرة التي تحيط بالمدينة. بل ستكون هناك حاجة إلى الحرص على تنقية خاصة للمياه في المصانع وفي مصنع الورق المجاور. ستستخدم مجموعة من 15 حتى 20 شركة إسرائيلية التكنولوجيا الإسرائيلية من أجل المساعدة على تفكير جديد حول استخدام المياه في المدينة، وتخطيط نظام المياه فيها من جديد.

إسرائيل تهرع لمساعدة إيران

لا يعلم الكثيرون ذلك، ولكن مجال المياه كان أحد المواضيع الرئيسية التي تعاونت فيه إسرائيل وإيران معا. حتى الثورة الإسلامية عام 1979، شاركت إسرائيل كثيرا في إدارة قطاع المياه الخاص بإيران. عمل الكثير من المهندسين الإسرائيليين فيه. وتقول الطرفة عن آية الله أنّه منذ الثورة فإنّ قطاع المياه الإيراني قد تدهور ليصبح القطاع الذي يدار بأسوأ طريقة في العالم. لا تصل المياه إلى معظم المناطق، وحتى تلك التي تصلها تكون ملوّثة.

وفقا لتقرير في موقع “المونيتور”، توقّع مستشار حكومي إيراني مؤخرا أنّه قد يصل عدد الإيرانيين الذين سيضطرّون إلى مغادرة منازلهم بسبب النقص في المياه إلى 50 مليون – نحو 70% من مجموع سكان البلاد.

يقول سيجال في كتابه إنّه كانت في بلاد فارس القديمة منظومة ريّ متطوّرة، عملت بقوة الجاذبية. تم حفْر مهاوي عمودية تُسمّى “الفقارات” كانت ذات انحدار طفيف من مصادر المياه الواقعة تحت الأرض إلى الحقول. عام 1962 ضرب زلزال قوي محافظة قزوين، الواقعة على مسافة نحو 150 كيلومترًا شمال – غرب طهران. توفي في تلك الكارثة أكثر من 20 ألف إيراني، دُمّرت 300 قرية، ودُمّرت شبكة قنوات المياه، التي حُفرت منذ أكثر من 2,700 عام قبل ذلك. يوجد في قزوين سهل شاسع استُخدمت أرضه للزراعة وزُرعت الفواكه والخضار لصالح سكان طهران والمناطق الأبعد. بعد الزلزال، لم يعد هناك مياه للريّ لدى المزارعين.

في تلك الفترة كان للشاه علاقات سرية مع إسرائيل. خشيت إيران من بعض الدول العربية، واعتقدت أنّ إسرائيل يمكنها أن تكون قوة مضادّة مهمّة. وقد أعجِب الشاه أيضًا من إنجازات إسرائيل العلمية في مجالات الزراعة والمياه، وكذلك، ويا للمفارقة، بنجاحها في المجال النووي. توجّه الشاه عام 1960 إلى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، كي ترسل إلى إيران خبراء يمكنهم تقديم المشورة لها. وبموافقته أُرسِل إلى بلاده ثلاثة فنيّين إسرائيليين. عندما ضرب الزلزال قزوين، كان الشاه قد علم أنّ لدى إسرائيل معرفة متطوّرة في تخطيط قطاعات المياه وفي العثور على مصادر مياه جديدة.

وبسبب حالة الطوارئ قيل لإسرائيل إنّها مدعوة لإرسال مهندسي المياه إلى قزوين من أجل أن يفحصوا إذا ما كان بالإمكان إعادة بناء قنوات الفقارات. وقد تبين من فحص دقيق أنّ القنوات تضرّرت إلى درجة أنه لم تكن هناك جدوى اقتصادية من إصلاحها. على أية حال، يبدو أنّ منظومة الريّ التي كانت مثالية في العهود القديمة لم تعد ملائمة للزراعة في العصر الحديث. نجح الإسرائيليون في إقناع مسؤولي الحكومة الإيرانيين والمزارعين بالتخلي عن الفقارات التي انهارت، والسماح لهم بحفر آبار عميقة من النوع الذي كان معتادا حفره في إسرائيل. سرعان ما بدأت العلاقات الإيران والإسرائيلية في مجال المياه بالازدهار.

وبعد فترة قصيرة من بدء حفر الآبار في قزوين، تلقّى مهندسو المياه الإسرائيليين من مستضيفيهم الإيرانيين إجابة إيجابية على طلبهم بأن يتم السماح لهم بتعليم المزارعين المحليّين كيفية زيادة الإنتاج، واستخدام نسبة أقل من المياه من أجل ذلك. تشعّبت علاقاتهم مع المزارعين الإيرانيين، وقد قدّموا لهم الآن المشورة أيضًا بخصوص المحاصيل التي يجدر بهم زراعتها، ووجهوهم حول الطريقة الصحيحة لتسويقها. لقد صادف معظم السكان المحليون في منطقة قزوين المهندسين الإسرائيليين، الذين لم يخفِ أي منهم معلومات حول دولته أو دينه.

شجّع الشاه البعثات الإسرائيلية من المجالات العلمية الأخرى على زيارة إيران، بل وأرسل ضباطا وعلماء إيرانيين إلى إسرائيل. قضى بعض الخبراء الإيرانيين فترات طويلة في إسرائيل من أجل تعلّم تقنيات إسرائيلية متقدّمة. وهكذا تعزّزت العلاقات التجارية والسياسية بين البلدين وتشعّبت حتى الثورة الإسلامية عام 1979.

شركات ناشئة إسرائيلية في مجال المياه

وفقا لبيانات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، فقد تطوّر في العقد الأخير في إسرائيل ما لا يقلّ عن 200 شركة ناشئة متعلقة بتكنولوجيا المياه. ارتفعت صادرات هذه التقنيات في السنوات الثماني الأخيرة بنسبة تزيد عن 20%، وقد وصلت اليوم إلى نحو 2.2 مليار دولار في العام. عام 2006 اتُخذ قرار حكومي بزيادة حجم الصادرات إلى 10 مليار دولار حتى عام 2020.

وبحسب سيجال يتعيّز على حكومة إسرائيل أن تُخصص المزيد من الموارد البشرية والميزانيات لصالح تسويق هذه التقنيات. عندما تم تأسيس الـ “نيو تك” (البرنامج الحكومي لتعزيز تقنيات المياه والطاقة في وزارة الاقتصاد) فقط، بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية في مجال المياه 700 مليون دولار. ومقد وصل حجمها اليوم إلى ثلاثة أضعاف ذلك. “يوجد لدى إسرائيل منتَج جيّد، فقط يجب معرفة كيفية تسويقه”، كما يقول سيجال.

عن موقع “المصدر” الإسرائيلي

Optimized by Optimole