يديعوت أحرونوت: صفقة القرن، إيران، واتفاقات السلام.. العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد الانتخابات

Spread the love

إيتمار أيخنر – محلل سياسي اسرائيلي/

لا شك في أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيفرح بفوز صديقه دونالد ترامب بولاية ثانية لأربع سنوات إضافية، لكنه لن يعترف بذلك بصورة رسمية. صحيح أن ترامب أعطى نتنياهو شيكاً مفتوحاً بعد ثماني سنوات من المواجهات مع إدارة أوباما، لكن هذا لا يعني أنه سيذرف دمعة إذا فاز بايدن. هناك صداقة عمرها سنوات طويلة بين الرجلين، ويوجد بينهما كيمياء ممتازة. عشية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة – كيف ستؤثر هوية الفائز في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟
الرئيس الجديد بايدن

جو بايدن هو صديق كبير لإسرائيل ومن المؤمنين بالالتزام الأميركي بأمن إسرائيل والمحافظة على تفوّقها العسكري النوعي. في نظره، دعم إسرائيل عميق وحساس وصادق. وقد أثبت ذلك في عدد لا يحصى من التصريحات المؤيدة لإسرائيل، وفي تشريعات مؤيدة لها في الكونغرس.
في الموضوع الفلسطيني، يؤمن بايدن بحل الدولتين، وبإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام وأمان إلى جانب إسرائيل. في رأيه، هذا الحل يجب أن يقود السياسة الأميركية في موضوع النزاع الإسرائيلي – العربي، ويجب المحافظة عليه.
مع ذلك، لن يكون الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني في رأس سلم أولوياته. زعامة أبو مازن تقترب من نهايتها ومعركة الوراثة على الأبواب، الحكومة الإسرائيلية غير فاعلة في الوقت الحالي ومن المشكوك فيه أن تكون شريكة في مفاوضات، ويسود بين نتنياهو وأبو مازن عدم ثقة مطلق. في الخلاصة، لن تخرج مياه من هذه الصخرة.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يركز بايدن في سنته الرئاسية الأولى، في الأساس على موضوعات داخلية – مثل مكافحة الكورونا، ورأب التصدعات في المجتمع الأميركي. ليس هذا ما سيمنع الاهتمام بالسياسة الخارجية، لكن الفلسطينيين لن يكونوا في الصفوف الأولى. قبلهم هناك مَن ينتظر بالدور، الموضوع الإيراني، وعودة قيادة الولايات المتحدة للناتو، وترميم العلاقات مع الصين، وموضوعات أُخرى.
لكن بايدن سيرغب في المحافظة على حل الدولتين لأيام أفضل، والمعنى تشجيع الطرفين على اتخاذ خطوات إيجابية والامتناع من القيام بخطوات أحادية الجانب. يمكن التقدير أن إدارة بايدن ستطلب من إسرائيل الامتناع من توسيع المستوطنات وعدم الحديث عن الضم من الآن فصاعداً. وستطلب من الفلسطينيين الامتناع من القيام بخطوات سلبية، مثل نزع الشرعية عن إسرائيل، ودفع رواتب للمخربين، والتحريض. تستطيع إسرائيل أن تنسى الأيام التي تعلن فيها الإدارة الأميركية قانونية المستوطنات، وتوسيع الاتفاقات بحيث تطبَّق على الضفة الغربية، وهلم جراً.
أنطوني بلينكن، المستشار السياسي لبايدن وأحد المرشحين لمنصب وزير الخارجية، قال إن بايدن لا ينوي إعادة السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب. مع ذلك، التقدير أن بايدن سيطلب إقامة القنصلية التي كانت مسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين من جديد. القنصلية كانت تعمل في القدس خلال فترة ترامب، وتحولت إلى فرع للسفارة الأميركية، وتوقفت عن التعامل مع الفلسطينيين. ليس من الواضح ما إذا كانت القنصلية ستقام مجدداً في القدس أو في أراضي الضفة الغربية.
بايدن ينوي استئناف تقديم المساعدة المالية للفلسطينيين، التي توقفت في أيام ترامب، وإعادة فتح السفارة الفلسطينية في واشنطن. هذه الخطوات كلها تهدف إلى استعادة ثقة الفلسطينيين بالولايات المتحدة كوسيط مناسب.
ستتبنى إدارة بايدن سياسة التطبيع الإقليمية لترامب إزاء إسرائيل، وستحاول استغلال زخم اتفاقات السلام والتطبيع التي وُقِّعت. سيعمل بايدن على تشجيع الدول العربية والإسلامية على مواصلة عملية التطبيع مع إسرائيل، لكنه سيحاول شدّها إلى إيجاد زخم إيجابي لحل الدولتين ودمج الفلسطينيين في الحوار.
التقدير أن السعوديين سيحتفظون بقرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى ما بعد تحديد هوية الرئيس الأميركي المقبل، وهل سيكون ترامب أو بايدن. إذا وافقت السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل فإن هذا سيكون هدية كبيرة لبايدن وإرثه. السعوديون يمكن أن يحذوا حذو الإماراتيين، وأن يطلبوا هم أيضاً صفقة شراء طائرات أف-35. وهذا سيضع بايدن والديمقراطيين أمام معضلة صعبة، كونهم تحفّظوا عن بيع الطائرات إلى دول تخرق احترام حقوق الإنسان. لكن السابقة مع الإمارات ستجعل من الصعب على بايدن أن يرفض، وخصوصاً خلال محاولته مد اليد إلى إيران.
من المتوقع أن يرمم بايدن علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية، وهذا يعني بصورة غير مباشرة أيضاً زيادة التدخل الأوروبي في عملية السلام في الشرق الأوسط، تدخّل كُبح بازدراء خلال فترة ترامب.
النووي الإيراني من المتوقع أن يحتل مكاناً متقدماً في السياسة الخارجية للإدارة الجديدة. لقد صرّح بايدن بأنه إذا عادت إيران إلى الالتزام بصورة كاملة بالاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستنضم إليه من جديد، وهو ما يعني رفع العقوبات. فقط بعد ذلك ستُجري إدارة بايدن مفاوضات مع إيران، وستعمل مع حلفائها على الاتفاق على “تعزيز وتمديد صلاحية” بنود الاتفاق.
في المقابل ستقف الولايات المتحدة ضد نشاطات إيران وزعزعة الاستقرار، والتهديدات التي تطرحها على المنطقة، وستواصل استخدام عقوبات محدودة ضد إيران في أعقاب خرق لحقوق الإنسان، وتأييد الارهاب، وتطوير صواريخ.
يعتقد بايدن أن العقوبات ستكون فعالة فقط إذا اعتُبرت الولايات المتحدة من جديد شريكاً موثوقاً به تعرف كيف تتعامل مع المجتمع الدولي. وهذا يتطلب تشاوراً قريباً مع إسرائيل ودول الخليج، وموقفاً معاكساً لموقف إدارة ترامب التي انسحبت من الاتفاق النووي، وعزلت الولايات المتحدة، وتسببت بعدم موافقة أي دولة على الانضمام إلى فرض حظر السلاح على إيران. سيحاول بايدن أن يكون أكثر تشدداً من أوباما إزاء الإيرانيين، كما سيحاول إدخال تحسينات على الاتفاق النووي.
العلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن: عندما عمل نتنياهو كمندوب في السفارة في واشنطن، أصبح هو وبايدن من الأصدقاء المقربين. أشخاص في محيط بايدن قالوا إنها صداقة حقيقية، وهناك كيمياء كبيرة بينهما ودينامية جيدة. “هما يعرفان التحدث بصدق، ومناقشة الخلافات في الرأي بروح ودية.”
بالاستناد إلى هذه المصادر، بايدن يحترم كثيراً الديمقراطية الإسرائيلية وسيعمل مع أي شخص يختاره الإسرائيليون رئيساً للحكومة. وأضافت أوساط بايدن “ليس لدينا شك في أنه قادر على العمل بصورة جيدة وبناءة مع أي زعيم إسرائيلي، بمن فيهم نتنياهو.”
الفترة الانتقالية بين الانتخابات حتى أداء الرئيس المقبل القسم: إذا فاز بايدن هناك احتمال أن تحاول إدارة ترامب القيام بخطوات في الموضوع الفلسطيني، لخلق حقائق على الأرض ستكون لها تداعيات أيضاً في ظل إدارة بايدن. وذلك كانتقام أميركي من قرار مجلس الأمن ضد قانونية المستوطنات، والذي مُرِّر بتشجيع من إدارة أوباما التي امتنعت من فرض الفيتو عليه، بعد فوز ترامب وقبل تنصيبه. هذا القرار كان بمثابة حركة أخيرة من إدارة أوباما وصفعة لنتنياهو. ويمكن الافتراض أن اليمين الإسرائيلي سيضغط على ترامب كي يخلق خلال هذه الفترة الضبابية حقائق على الأرض.
أحد الاحتمالات التي فحصتها إدارة ترامب هو ترجمة صفقة القرن إلى تفاهمات أو تبادل رسائل بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو – في محاولة لتكبيل يدي إدارة بايدن، وتحويل صفقة القرن إلى سياسة أميركية رسمية وإلى توجه متفق عليه بين إسرائيل والولايات المتحدة.
مع ذلك، فإن الأمر يشبه رسالة الرئيس السابق بوش إلى رئيس الحكومة شارون في نيسان/أبريل 2004، والتي أعرب فيها عن تأييده لخطة الانفصال عن غزة. وبينما قدم شارون وأنصاره الرسالة كاعتراف أميركي بالكتل الاستيطانية، الإدارة الأميركية أولت الكتاب أهمية أقل، أمّا إدارة أوباما فقد تنكرت له. بحسب جهات في حملة بايدن، رسالة كهذه أو مذكرة تفاهم لن تُلزم بايدن، وثمة شك في أن يكون لها تأثير.
احتمال آخر، لكن ضئيل المعقولية، هو أن تقوم إدارة ترامب بخطوة إضافية غير التصريحات العلنية بشأن قانونية المستوطنات، وتعلن في الفترة الانتقالية الاعتراف بسيادة إسرائيل على أجزاء من الضفة الغربية. من المعقول أن لا يكون احتمال الضم في الفترة الانتقالية واقعياً، وذلك بسبب الالتزام الأميركي مع الإمارات بلجم الضم مدة 3-4 سنوات على الأقل.
يمكن التقدير أن إدارة ترامب ستضغط على السعوديين لتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل في الفترة الانتقالية، لكن على الأغلب لن يقدّم السعوديون مثل هذه الهدية إلى رئيس هو بطة عرجاء، ويفضّلون إعطاءها إلى بايدن.
أربع سنوات إضافية لترامب

إذا فاز ترامب بولاية إضافية، سيحاول مواصلة زخم سياسات التطبيع مع إسرائيل التي يقودها، وسيعمل على إشراك دول أُخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا.
الجهد الأساسي سيوجَّه نحو السعودية، لكن يبرز أيضاً جهد أميركي لإحداث اختراق مع عُمان. في رأي د. مايك أيفنس، المستشار الإنجيلي لترامب، إذا فاز مجدداً سيحدث “سباق مجنون” لدول الخليج الفارسي للتطبيع مع إسرائيل. وأضاف: “هناك أمور يريدونها من الرئيس، هم قلقون جداً من الشيعة. قطر ودول أُخرى تريد شراء أف-35، واعتقد أن ترامب سيبيعهم إياها. سيكون هناك الكثير من الدول التي ستأتي ليس فقط لصنع السلام مع إسرائيل بل أيضاً لنقل سفاراتها إلى القدس.”
فيما يتعلق بالنووي الإيراني، ترامب صرّح أكثر من مرة أنه إذا انتُخب لولاية ثانية فإنه سيتوصل إلى اتفاق مع إيران “خلال أسابيع”. في أساس منطق ترامب يوجد التقدير أن إيران تنتظر وتتمنى انتخاب بايدن، لأنها تدرك أنها غير قادرة على تحمّل 4 سنوات إضافية من الضغوط الداخلية غير المسبوقة التي سببتها العقوبات.
مع ذلك حذّر العميد في الاحتياط أودي أفينتال، الباحث في معهد السياسات والاستراتيجيا في مركز هرتسليا المتعدد المجالات، من أنه إذا كان ترامب تواقاً جداً للتوصل إلى اتفاق مع طهران، فمن المحتمل أن يتنازل عن شروط الاتفاق النووي المحدّث.
بحسب كلامه، كي يثبت ترامب للعالم أنه قادر على تحقيق وعده الانتخابي، يمكن أن يعقد “صفقة سيئة” من وجهة نظر إسرائيلية. وسيسوّق الصفقة على أنها “تحسين دراماتيكي” مقارنة باتفاق الرئيس أوباما، ولو أن العيوب الخطِرة التي يتضمنها لم تعدَّل عملياً بصورة جوهرية.
في مثل هذا الوضع، سيكون من الصعب جداً على إسرائيل الوقوف ضد أي اتفاق مع إيران يدعمه الرئيس ترامب ويحظى بتأييد دولي. وبالتأكيد بعد أن نقل الرئيس ترامب السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، وسعى لاتفاقات التطبيع مع دول عربية.
إذا انتُخب ترامب مجدداً، من المتوقع أن يحاول النظام الإيراني الامتناع من “الزحف على الأربعة” عائداً إلى طاولة المفاوضات بصورة تظهره ضعيفاً ومضغوطاً. من المعقول الافتراض أنه سيحاول تعزيز موقفه المفاوض بواسطة توسيع حجم خروقات الاتفاق و”نوعيتها”، لتكديس أوراق مقايضة في المفاوضات.

المصدر: صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole