“هآرتس”: بعد الانفجار في مرفأ بيروت، إلى أين يتوجه نصر الله

Spread the love

بقلم: يوسي ميلمان – محلل سياسي إسرائيلي |

موجات عصف انفجار مخزن المواد الكيميائية في مرفأ بيروت ستستمر في التردد في آذان حزب الله ولبنان زمناً طويلاً. وهي تربك التنظيم الشيعي الذي أضعفته الأزمة الاقتصادية والصحية أيضاً. حتى لو كان من غير الواضح ما إذا كان مخزن هذه المواد يعود إلى حزب الله، فإن ضغط المعارضين له في لبنان سيزداد، ومنذ الآن تسمع دعوات إلى نزع سلاحه.
هذه الدعوات والصدمة التي تسود الدولة سيخففان من رغبة الحزب في استفزاز إسرائيل وتحديها، لكن ثمة شك في أن الانفجار ونتائجه المدمرة سيغيران بصورة جذرية كيانه وماهيته. إن كل “سبب وجود”” حزب الله وحقه في الوجود يعودان إلى فكرة “المقاومة” ضد إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تدور إشاعات كثيرة في لبنان، بينها الادعاء أن إسرائيل مسؤولة عن الموضوع.
المحاولتان الأخيرتان للتسلل على الحدود الإسرائيلية مع لبنان وسورية، تشيران إلى أنهما لم تكونا نزوة عرضية أو تعبران فقط عن رغبة حزب الله، أو وكيل شيعي آخر لإيران، للانتقام لهذا الهجوم أو ذاك للجيش الإسرائيلي في سورية. هناك مؤشرات تدل على تغيير في استراتيجيا حزب الله الذي شعر بأنه تحرر من “عبء” تدخله في سورية ويسعى لمعاودة الاحتكاك بإسرائيل.
مع ذلك، يواصلون في الجيش الإسرائيلي وفي الاستخبارات تمسكهم بتقدير أن ما حدث هو ما سيحدث. أي أن إسرائيل ستواصل كما تشاء مهاجمة أهداف إيرانية في سورية، وتعمل على عرقلة وإحباط كل انتقال لمكونات تساعد في تحسين دقة صواريخ حزب الله المخبأة في منازل وتحصينات تحت الأرض (لدى الاستخبارات الإسرائيلية معلومات كثيرة عنها) – كل ذلك من دون أن تدفع أي ثمن لذلك.
في هذا الشهر، قبل 14 عاماً (12 آب/أغسطس 2006) جرى التوصل إلى اتفاق بالاستناد إلى القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة، أدى إلى إنهاء حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. نص الاتفاق على نزع سلاح جميع الميليشيات المسلحة، واحترام إسرائيل ولبنان سيادة بعضهما البعض، وأن تنتشر بالقرب من الحدود في الجانب اللبناني قوة فصل كبيرة تابعة للأمم المتحدة.
في الجمهور الإسرائيلي، وفي الأساس بسبب محللين ومراسلين عسكريين قصيري النظر، تجذرت وجهة النظر بأنها حرب فاشلة. وسائل الإعلام، بدعم من رئيس المعارضة آنذاك بنيامين نتنياهو، طالبت برأس رئيس الحكومة إيهود باراك ورئيس الأركان دان حالوتس. صحيح أن الحرب كشفت ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ووقعت أخطاء تكتيكية في الإدارة العسكرية للمعركة، لكن من وجهة نظر استراتيجية، من الواضح أن نتائجها كانت من أفضل ما عرفته إسرائيل.
باستثناء حوادث معدودة لتبادل إطلاق نار وصواريخ، فإن أكبر إنجاز لحرب 2006 الذي يعود الفضل فيه إلى أولمرت وحالوتس، هو استمرار الهدوء منذ ذلك الوقت. حزب الله مرتدع إلى حد أن زعيمه حسن نصر الله نفسه اعترف بأنه أخطأ عندما بادر إلى خطف الجنود وجر الطرفين إلى حرب.
لكن مباشرة بعد الحرب، سارع الطرفان إلى خرق أجزاء من الاتفاق. حزب الله لم يتخل عن سلاحه، وبمساعدة إيران، بدأ يتسلح بصواريخ جديدة بعيدة المدى وأكثر تطوراً. إسرائيل واصلت طلعاتها في سماء لبنان. حتى سنة 2013، أي خلال عامين على نشوب الحرب الأهلية في سورية، سلمت إسرائيل بتسليح إيران لحزب الله – لكنها بعد ذلك استغلت الفوضى، وبدأ سلاح الجو الإسرائيلي بمساعدة استخبارات دقيقة بقصف شحنات السلاح من إيران إلى حزب الله، ولاحقاً أيضاً ضرب جهود قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، إقامة قاعدة استخباراتية وصواريخ ونشر قوات بالقرب من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان.
إسرائيل من جهتها، زادت جهودها لإحباط وعرقلة “رؤية سليماني” واستعانت من أجل ذلك بتفاهمات وغض نظر من جانب روسيا. في استطاعة إسرائيل أن تتباهى بأنها نجحت إلى حد ما. شبكة الإرهاب والميليشيات التي أقامها سليماني وحزب الله بالقرب من الحدود، كذلك الشبكة التي أقامها سمير القنطار وجهاد مغنية (ابن عماد مغنية الذي يُنسب اغتياله في سنة 2008 إلى إسرائيل والولايات المتحدة) دُمرت. تحت ضغط إسرائيل، وتنظيم داعش، والكورونا، والأزمة الاقتصادية، واغتيال سليماني في عملية أميركية، قلصت إيران وجودها في سورية.
لبنان أيضاً يعاني جرّاء أزمة اقتصادية – هي الأقسى في تاريخه، وعلى ما يبدو، مكانة نصر الله ضعفت. لكن تحديداً في هذه اللحظات من التراجع يسود الانطباع أنه يشعر بأنه قوي. نصر الله يسيطر على لبنان منذ 28 عاماً، وموت سليماني وعماد مغنية جعله صورة مهيمنة؛ الشخصية الحصرية التي تبلور سياسة العلاقة بين إيران – سورية – إسرائيل وحزب الله. عودة مقاتلي الحزب إلى لبنان من سورية، خففت عنه العبء الدموي للحرب التي قُتل فيها نحو ألفين من عناصره وجُرح عدة آلاف.
صحيح أن لبنان واقع في أزمة عميقة، لكن نصر الله يعرف أن إسرائيل أيضاً تعاني جرّاء أزمة اقتصادية، وهو يشتمّ رائحة الضعف السياسي للحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو. يبدو أن وجهة نصر الله، بعد أن تخمد تداعيات الانفجار الدموي في مرفأ بيروت – هي نحو استئناف الحوادث والاحتكاك في مواجهة إسرائيل من حدود لبنان وسورية.
الردود المسالمة لإسرائيل تحديداً تقوّي من عزيمة الحزب. لقد سارعت بصورة ليست من سماتها إلى تكذيب أي تورط لها بالكارثة، خطوة تدل على أنها لا تريد التصعيد، وأنها تتخوف من أن يتهمها حزب الله بالمسؤولية ويحاول استغلال الحادثة للقيام برد انتقامي، مثل إطلاق صاروخ على منشأة كيميائية في مرفأ حيفا.
أيضاً المناورات الخادعة والتلميحات من الجيش الإسرائيلي – تقليل من الوجود في المواقع تلفيق إخلاء جنود جرحى، والامتناع من ضرب عناصر حزب الله – هي خطوات مهمة في الحرب النفسية، لكنها أيضاً تعكس ضعفاً، وتُظهر الجيش الإسرائيلي، أقوى جيش في الشرق الأوسط، كأنه يتخوف ويتهرب من الحوادث.
يوجد ميزان ردع متبادل، والطرفان لا يريدان حرباً، لكن تزداد فرص أن يتجرأ حزب الله أكثر فأكثر ويحاول استفزاز إسرائيل، عندما تخف صدمة انفجار بيروت.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Optimized by Optimole