“ليلكي غامق” .. نساء سوريات يتجرأن على تدوين أوجاعهن

“ليلكي غامق” .. نساء سوريات يتجرأن على تدوين أوجاعهن
Spread the love

خاص بمجلة شجون عربية – دمشق- بيان عزالدين |
صدر مؤخراً في العاصة السورية دمشق عن “الهيئة العامة السورية للكتاب” بالتعاون مع جمعية “تاء مبسوطة” ممثلةً بالكاتبة والإعلامية السوريّة ديانا جبور رئيسة للجمعية، المجموعة القصصية “ليلكي غامق”، جاءت نتيجة ورشة الكتابة السرديّة التي أقامتها الجمعية ضمن مشاريعها لتمكين المرأة عبر تنمية ملكاتها، واكتشاف مواهبها بالشراكة مع الهيئة العامة السورية للكتاب وبإشراف الروائي خليل صويلح.
*جمعية “تاء مبسوطة” سلاح المرأة الفكري بوجه مخلفات الحرب الهمجية
في السنوات الأخيرة، منذ بداية الحرب السورية وحتى يومنا هذا، بدأت النساء بلعب أدوار جديدة في المجتمع المهزوم مادياً وأخلاقياً، وانجبر الكثير منهن على تقلد مهمات مهنية مضاعفة إلى جانب أداء واجباتهن المنزلية المعتادة، لتخفيف الأعباء المحيطة بأسرهن، نتيجة غياب دور الرجل من حياتهن سواء كان معيلاً عائلياً أو شريكاً عاطفياً.
سرعان ما دفع هذا المنصب الحياتي الجديد، رواد المجتمع الأهلي لإنشاء مؤسسات إنسانيّة تسلط الضوء عليه ومن دون الوعي الكامل لخطورته.
وكثرت أيضاً الجمعيات والحركات النسوية في مجتمعنا المحلي الحاملة لشعارات تقليدية تنادي بحقوق المرأة المنسية، ولا ضير بتلك النشاطات كونها لا تزال من الحاجيات الأساسية التي تعتبر مساحة تحتوي النساء، ومنبراً يعمل على إيصال صوتهن ومعاناتهن.
بالفعل هذا ما استطاعت القيام به جمعية “تاء مبسوطة”، لكن ما ميزها عن قريناتها الحديثات اللواتي لم يبتكرن سوى مبادرات تعليم فن الطهي بطريقة اقتصادية أو تطبيق وصفة تجميلة بتكاليف منخفضة، هو قدرتها على إعادة أمجاد الحركة النسوية السورية التي شهدها العالم منذ بدايات القرن الماضي، عندما برزت فيها المرأة السورية متعلمة وأمية، كونها تعنى بالقضايا الاجتماعية والتنمية الفكرية عبر الثقافة والفن أولاً. ترجمت ذلك حينما أنشأت ورش تدريبية تشمل جميع الفئات المجتمعية من الأميات وذوي الاحتياجات الخاصة إلى المثقفات وأصحاب المواهب المميزة، كي تؤهلهن للدخول إلى سوق العمل بروح متزنة، لذا شملت نشاطاتها مختلف الأنواع الإبداعية كفن التصوير الضوئي، وتعلم لغة الاشارة، والوعي بالأدب المسرحي، وفن السرد القصصي نتاجها الأخير.
“ليلكي غامق” تجربة أدبية تلخص جوانب حياتية متنوعة
“أعيش في مستودع للصناديق، عامان مرّا وأنا هنا، أرتب الوقت على مزاج الصناديق، ألتصق بالصندوق الأسود حين يمتص كل حرارة الشمس القادمة من طاقة تبدو كأنها فتحت لتسلط نور الشمس عليه مباشرة ودون سواه.”
بهذه الكلمات بدأت سلوى زكزك كاتبة قصتها التي عبّرت بها عن أهم العقبات اليومية التي اعترضت حياتها كنازحة في إحدى زوايا البلاد المنكوبة، لم يكن مشهد الحرب عالقاً بذهن سلوى وحسب، بل أيضاً تناولته فاطمة سيد محمد بطرح حالة استشهاد جنود الحرب ضمن قصتها “خمسة أيام”. كان لوحشية العدو وانتهاكه شرف الأبرياء أمام أعين ذويهم نصيب، عندما تطرقت له تقى البوش خلال قصتها “قف وعيناك في الأرض” جاء فيها “انقض عليها كحيوان هائج مزق ثيابها أمام عيني موسى، وعلا صراخه لصراخها، والوحشان مستمتعان أكثر”.

يمكننا القول إن المشروع استطاع تحقيق التوازن ما بين التطرق لمواضيع الحرب المتعلقة بالدمار والوحشية، وطرح مواضيع عاطفية تستعرض حاجة النسوة للحب مثلما قرأنا بقصة أصالة القسام “لو أنني سألتها عن الطقس؟” التي وصفت حال البطلة المتعطشة لشريك بالعبارات التالية:
“لن يأتي! إلى متى سأظل منتظرة؟ لن أصدق رجلاً بعد اليوم! سبعة وثلاثون عاماً وأنوثتي شوط ضائع، وهباء لمن لا يقدرها…” بدورها روعة سنبل قدمته من جانب آخر بقصتها في “حياة أخرى”، بينما أبرزت زكزك عواقب دقة القلب الوخيمة على المرأة بنتاجها “فائض عن الحاجة” الذي بدت فكرته واضحة منذ مقدمة القصة التي طلبت بها: “أريد حبوباً للإجهاض”!، وأيضاً تناولت فاطمة تلمساني في طرحها “اللجوء إلى حالة الصفر” قضية ضحايا الحب الكتروني المزيف.
وسلّطت كتابات المشاركات الضوء على أهم عوامل اللامساواة والتهميش التي تُسهم في الإنتاج الاجتماعي للذكورة والأنوثة في المجتمع السوري، وتحول دون تحقيق طموحاتهن في عيش حياة كريمة مبنية على العدالة والمساواة، مثل قصة “فشل” التي لخصت عبارتها التالية: “لست عذراء!”. هذا آخر ما قاله وهو يبتعد عن السرير. تفرس عينيها ببغض وحرقة ويداه تعلو وجهها لا يفصله عنها سوى ادعاء رجولة ترفض تعنيف فتاة. كان حسان يعمل محامياً لدى جمعية تعنى بحقوق المرأة!”.
جريمة التحرش بالقاصرات وآثارها عليهن مدى الحياة، تضمن المنتج الأدبي عناوين بسيطة أخرى قد تثير انتباهك مجرد ما تقع عينك عليها، ليس لفداحتها اللغوية لكن لصدق نوايا صاحبتها كونها نسجت بيد نساء لا يمتّن للمهنة الفكرية والأوساط الأدبية بصلة.

Optimized by Optimole