في انتظار يهوذا

Spread the love

بقلم د. محمد سعيد المخلافي* |

في صبيحة يوم
في البلدة الآسنة بالجذل الفاسق
وأزاهير العبث الظمأى
والقلق الباسق،
لا أقول عنها تعيسة كما لا أراها سعيدة
وتُهَيِّجُني إلَى الغياب يَمامَتان
هُنَّ كل حكاية مُطوَاة
شَيَّعْت بالمَسَرة المُدمَاة
شمساً مغسولة خرساء
وطالع نحسٍ، يشهى الشَقاءِ
وصُّبحٌ تمرغ في التراب
واِستخذاءٌ بعُرْسِ الرياء المثير،
في خليع الهضاب،
يلتذ بثُغًاء حُملان
على قُربان الصَّبر المُورَّد.
صَّبرٌ الوجوم الكسير
صَّبرٌ الشحوب الأسير
صَّبرٌ الشِراع على عواصفه التائهات
صَّبرٌ الابتسام على التَرَّحِ المرسوم
على جبين الذكريات
وطَيّ الأماني الشاردات
صَّبرٌ الغناء على نشاز الصوت واللحن
ووقع شفاهٍ تَرجِفانِ
صَّبرٌ يصبُ في أقداحي
لهيب نوائبه الثاملة
فتَضحكٌ دمعتان
أخط من مائها رسالة إليكم
في الخيرين.. سلام عليكم
تحية دين الإسلام
أبي، خليلي، عالي المقام
وبعد..،
إني أنتظر يهوذا الآن
..ذهب يبيع( صليب الصلبوت) للحاخام
بثلاثين قطعة أخرى، في سوق الفرسان
وهو كما يعرفه الكل، بَيُوع
وعنه يُشاع، بأنه باع بقنطارٍ
لبعض رجال الدين, صنماً من طين
حدث هذا في موسم حج..
لا أتذكر تحديداً، هل صنم (هبل) أم (صنم اللات)..
المَـعنَى، أنه ماهرٌ في عقد الصفقات.
..
تأخر يهوذا كثيراً
لكني عَـزُوم، لا أَرضى بالأشباه
… لا تستغرب من هذا يا أبتاه
فيهوذا تفشى فينا وبان
فهو الحالي والرؤيا، الملهم والقدوة
وهو كبير الرهبان
وله في أزمِـنَتِه، سافِر آيات
يهوذا حقيقة يا أبـَتِ
والباقي إِفك وخيالات

ولأن(زورو) لم يره أحداً، عيَانا في السِرب،
ولا في أية درب،
ولأن زورو ليس سوى حقاً، تاجر حرب،
محفوفاً بأكف التصفيق،
وشعوبنا لهذا تأبى التصديق،
تدعو لمخلصها المستور، بدوام العِز
بوفاء أخرق، وبإخلاص مأفون
للعِزَّة يخون.
ودوام ثرثرة مجالسنا، لا تسأل من(غودو) هذا؟
..وما عساه يكون.
ولا عزاء للـطـيـبـين
(غودو) ذلول مستكين،
ذَيـْلٌ بمخالب تشحذها لحوم المُكَـرَثين،
وفي ليالي اللاجئين،
له نار يُعشى إليها، لا تَخفُت،
ومعرفتي بحقيقة(زورو) وأخوانه تجعلني لا أسكُت،
فأُقسِم لأدق تجاعيد العمال بالأجر اليومي،
بأن( زورو) وجميع خيالات تأسينا النوعي
أحداً منهم، أبداً لن يأتي،
وبأنه من صُلب القهر وتَرِيبَة عَجز
يخرج مُختـرَعُ دوماً،
لطُرقِ السُّلطة، مَهـدِي.
يحدث هذا في كل زمان، أينما وجدت قطعان
هاتفة بالروح وبالدم لكل بعيدٍ من عذابات الإنسان
لكل مُختلِـفٍ عنها.. حتى بالدم
و(براون) وحده يعلم بأنها تعاني من فقر الدم
وبأن الشكل الإنساني
متساوي الأضلاع، مزدحم بالهَـم
ويمضي مشنوقاً(جون) هذا.. القديـس المَـنسِي
وأقسم يميناً أخرى لذات المَعنِي
بأن “روبن هودُهُ” مُـرَابٍ صار في حي اليهود
يقضي لياليه في صَرِّ النقود
ويضن حتى بالهواء
ولنا في سيدنا موسى العزاء
حاشاه سيدنا النبي
ويهوذا تأخر.. وقد طال انتظاري يا أبي
….
أتعلم.. أكتب إليك في يوم عيد
لا أدري عيد ماذا.. فمنذ أن سقطت بغداد
صرنا نسمع بمئات الأعياد
يعني.. تصحو من النوم فيخبروك بأن اليوم عيد
..إنساني، ديني، وطني.. لا أهتم.
ما أعرفه باختصار ولا أزيد
أنها تحضر بلا إنسان، وبلا دين، وبلا وطن
أعرف.. ستقول متأففاً ما هذا الـوَهَـن؟
وستشتط كيف صرنا بلا أنف حَـمِىّ
وأقول دعك من هذا رجاءً يا أبي

أعلَمُك.. مشتاقاً لأخبار الأقصى
..الأقصى مُـكَــرَّم بواقعنا السَـنِـيّ
يا عيني على الأقصى…. الأقصى بخير يا أبي
أقصوه عن مخازينا وعن صَغَار نكبتنا ومذلة النكسة
عَــزّ “أقصانا”… رفعوا به رأساً إلى الصفقة
الأقصى بخير يا أبي
وحقاً.. ظل القِبلة الأولى في مُصَّلاك الخَـلاَء
كانت تدعو له أُمي صباح مساء
بأن يفك الله أسره.
وأمي كباقي الأُمهات، تؤمن بسَيْرِ المعجزات
ومثل جميع عواطفنا الطيبات، عاشت
تترجي النصر المبين من الغواشم،
ومن الدنايا السافلة.
لكنها رحلت سريعاً بعدك، تلك الريحانة الحالمة
وظل الأقصى بالأعلى قائم
نجم رُشْـد للنفــوس
عند اِزورار اللُـبُّ في “حرب البسوس”
(أيام العرب).. يا لأيام العرب
كم هي طـــــويلــــــــة يا أبي
لا تنتهي.
فما نزال” أنا وأخي على أخي”
وطول السلامة للغريب المعتدي
أفنت ما لدينا من جِياد
وما الشيء في هذا عجيب
لكن تطمئن يا أبي
(داحِس) باقٍ لم يزل
نُغِـير به ونصد غارات القريب
وبقت كذا(الغَـبرَاء)
تستبدل بغرتها الأصيلة من جديد
صلصلة خلاخل من حديد
ولسابق فتنة من مجد الِقتَال
تواصل إضمار الرشاقة،
وسباق مليكات الجمال
وما من خطر كبير أو مُصَاب
إذا أستفرس (الخَـطَّار) طلباً للجوء،
أو توارى(الأبجَر) بالحِجَاب،
أو اِستبدلت بقَـوَائِمها(النَعَامة)
بضع هُدبٍ مستعارة،
أو أعلنت مثليتها(الحَـنفاء)
ولم تعد معنية بالحمل والإرضاع.
… وما لنا نرجو عوضاً عن الموجود،
تبدل الأوضاع،
فقد أخصوا(داحس) وجزوا منه الناصية
.. يهيم فوق رمالنا العطشى بلا ماء وجه،
ويملأه التأوه والخمول
قطعوا النسل منها، واِرتاحوا أخيراً..
ما النفع من هذي الخيول!.
نعم، قطعنا نسلها وشربنا نخب هذا الانتصار
مع فئران ولودة، لا تُعد بحقلنا
صارت تُجاهر بزَبِـلِها وضح النهار
دعوناها الجميع،
وأشعلنا المكان بأهازيج المحبة والوداد
والكل هلل للوئام والكل شاد
وعشنا كما يقضي التعايش والحوار
بأن تبادلنا الأدوار
صاروا مُلَّاكاً للحقل وصرنا في الحقل الفئران.
وماذا في هذا؟.. ما داموا كما قيل لنا
ليسوا …”
وليسوا…”
وليسوا…”
من الأخر ليسوا كلاباً للشيطان.
المهم.. أرحتنا من عناء الخوف بأن لا نستفيق
وسلمنا المقادة للطريق
وأصبحنا بخير، وعلى أحسن ما يرام
ويكفى أننا حُزنَا رضاه(العم سام)،
وفي الختام
أقرئ أمي مني ومن الريحان السلام
وطمئنها بأنه يجدر بكم هذا البعاد
وليهنأكم يا أحبائي الرُقاد
وأِنعِموا غياباً يا الـسعـيد
فالكل قد باتوا عبيداً.

*د. محمد سعيد المخلافي كاتب وأكاديمي يمني.

Optimized by Optimole