دبلوماسيّة حماس… و إيران

Spread the love

بقلم: د. رائد أبو بدوية_ أستاذ القانون الدولي و العلاقات الدولية/

رغم إنقطاعه الطويل و القسريّ – و منذ إنتخابه رئيساً للمكتب السّياسي لحركة حماس- بدأ إسماعيل هنيّة جولته الدبلوماسيّة الدوليّة المثيرة للجدل، وهي الأولى منذ تولّيه رئاسة المكتب السياسي للحركة.
فأغلب أحداث هذه الجولة كانت للبعض مثيرة للجدل، في الوقت الذّي لم تشكّل للبعض الآخر سوى نتيجة سياسية حتميّة لأوضاعٍ سياسيّة وطنيّة و إقليميّة تمرّ بها القضية الفلسطينية عامة و حركة حماس خاصة.
فالجدل الذي أشعل رأس البعض المجادل يتمحور في زيارة إسماعيل هنيّة لإيران و مشاركته في جنازة قاسم سليماني أحد قادة الحرس الثوري الإيراني و الذي إغتيل على يد القوات الأمريكية.
فقد كان لهذا الجدل بعدين إثنين أولاهما، البعد الرّسمي الذي يحمل في طيّاته تخوفاً تمثيلياً سياسياً من قبل قيادة السلطة الفلسطينية التي باتت تخشى على مكانتها السياسية على جميع الأصعدة، سواءً على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو حتّى على صعيد الّلاعبين الدوليين الأكثر تأثيراً في الساحة الدولية؛ خاصةً و أنّ جولة حماس الدبلوماسية الأخيرة لم تقتصر على زيارة إيران، وإنما سبقها زيارة للّلاعب السياسي الإقليمي الأكثر حضوراً في الشرق الأوسط وهو ” تركيا” ، وما زال الباب مفتوحاً لجدول زيارات دولية أخرى كما أعلنت الحركة مسبقاً.
أمّا البعد الآخر فهو البعد الشعبي الذي فاضت مشاعر تضامنه مع الشعب السوري و ثورته ، فقد رأى هذا البعض مشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في جنازة قاسم سليماني خذلاناً لضحايا الشعب السوري و ثورته والتي شارك سليماني نفسه في العمل على إخمادها و قمعها.
فلا شك أنّ حركة حماس كأي حزب سياسي، تسعى الى تعزيز مكانتها السياسية سواءً على الصعيد الوطني او الإقليمي أو الدولي، ولا شكّ أيضا أنّ القيام بجولة دولية كهذه، تشكّل فرصة سانحة لتحقيق هذه الغايات ، إلا أنّ هذه الجولة لم تترك للحركة الكثير من الخيارات السياسية لا في تحديد الدول المشمولة فيها ولا حتى في رسم الحدود السياسية للعلاقات المرجوة منها، و خاصة مع دولة مثل إيران .
فعلى الصّعيد الوطني، تقبع الحركة تحت ضغط داخلي (وإن كان غير مباشر) من سكّان قطاع غزة الذين يعانون حصاراً خانقاً منذ عام 2007، والذي زاد خناقه بعد الإجراءات العقابيّة التي بدأتها السّلطة الفلسطينية على قطاع غزة منذ 2017 . وما رافق ذلك كلّه من فشلٍ متكررٍ لجهودٍ متكررةٍ لمصالحةٍ وطنيةٍ غائبةٍ، والتي كان آخرها التأخّر في إصدار مرسومٍ رئاسيٍ لإجراء إنتخاباتٍ فلسطينيةٍ عامةٍ في الضّفة و غزّة حتى اللحظة.
أمّا على الصعيد الدولي و الأقليمي، و منذ مجيئ ترامب للحكم 2017 ، فقد عملت الإدارة الأمريكية الجديدة على تأكيد إنحيازها المطلق للموقف الإسرائيلي المتعلّق بالصّراع، وما رافق ذلك من تحوّلات تحالفيّة مرتبطة بإسرائيل بين دول الشّرق الأوسط، وهو ما خلّف حالة من الإستقطاب و الإحتقان السياسي المتطرف بين دول فاعلة في المنطقة.
لقد شكلّت هذه الظّروف – و ما زالت – تهديداً واضحاً على مكانة حركة حماس السياسية ضمن المنظومة السياسية الوطنية و الإقليمية، لا بل كادت هذه الظروف أن تشكّل تهديداً ليس على مكانة الحركة السّياسية فحسب، وإنّما على وجودها أيضاً. مما فرض عليها السّعي الدائم نحو تعزيز مكانتها السّياسية الدّولية عبر تحالفاتها الإقليميّة مع الدّول الصدّيقة و الدّاعمة لها ومن ضمنها إيران، كحركة تحرّر وطني – كما تكرّر إعلانه- دون مزاحمة على التمثيل السياسي الفلسطيني الذي تدّعيه العقول المجادلة .
إن هذه الظّروف السّابقة التي تمر بها القضية الفلسطينية عموما و حركة حماس خاصة، لم تجعل جولة حماس هذه أمراً مستغرباً، لكنّها تترك تساؤلين إثنين في العقول غير المجادلة:
الى أيّ مدى كان لزاماً على حماس أن ترسم حدوداً لتحالفاتها السّياسيّة مع حلفائها الإقليميّين ؟! فالتحالفات الدولية السياسية ضوءها الأحمر يكاد يكون واضحاً، فلا يجوز لهذه التحالفات أن تسلب القرار السياسي المستقل، وهذا ما نجحت به حماس سابقاً، مع أمل أن تكون قادرة على المحافظة عليه لاحقاً في ظلّ هذه الظروف.
أمّا التساؤل الآخر الذي أثاره سلوك إسماعيل هنيّة أثناء زيارته الأخيرة لإيران ، فهو إلى أيّ مدى كان لزاماً على حماس أن ترسم حداً فاصلاً واضحاً بين نظام التحالفات السياسية الدولية و بين المسّ بالمنظومة القيمية التي تشبّع بها الشعب الفلسطيني كافةً و القائمة على نصرة المظلوم و الثائر ؟!! فقد نجحت حماس في إتقان هذا الفصل حين خرجت من سوريا بعد إندلاع ثورة سوريا 2011 ، لكنّها فشلت أثناء تنظيم برنامج زيارتها الأخيرة لإيران.
طالما إستمرّ الإنقسام الفلسطيني الفج كلّما تفاقمت آثاره، فالبرنامج السّياسي الفلسطيني الموحّد هو الحضن الوطني الدّافئ الذي يعود إليه كلّ فلسطيني حاطب .

Optimized by Optimole