هآرتس: من أجل التوصل إلى حل دائم يجب التطلع إلى انتصار مشترك

Spread the love

ميكي غيتسين – المدير العام للصندوق الجديد لإسرائيل [صندوق دعم أميركي لمساعدة المنظمات التي تدعو إلى المساواة والديمقراطية في إسرائيل]

خلافاً لما عليه الحال في المعركة الانتخابية الحالية، اختار إيهود باراك في الأسابيع الأخيرة إعادة القضية السياسية إلى النقاش العام. هذا ما فعله مثلاً في مقاله عن الانفصال عن الفلسطينيين ضمن إطار تسوية إقليمية شاملة (نشرته “هآرتس” في 23/8). في معركة انتخابية تركز على خدع رخيصة وتصريحات عنيفة، لا يمكن إلّا الثناء على رغبة باراك في الحديث عن موضوعات ستظل تبلور حياتنا أيضاً بعد الانتخابات، مع بنيامين نتنياهو أو من دونه.
أفكار باراك التفصيلية أفضل بكثيرمن كلام مثل “الضم ليس مسألة من معه ومن ضده”. مع ذلك يبدو أنه بالنسبة إلى فكرة الدولتين، وإنهاء الاحتلال، والطريقة التي يجري فيها الحديث العام عن هذه الموضوعات- يستمر باراك في الوقوع في الفخ الذي وقع فيه غيره منذ سنوات.
يحذر رئيس الحكومة السابق، مثل آخرين، من سيناريو مرعب لضم المناطق، سيؤدي إلى خسارة التأييد الدولي وتحوُّل إسرائيل إلى دولة “غير يهودية وغير ديمقراطية”. ويقترح باراك اتخاذ عدة خطوات أحادية الجانب، ستسمح لإسرائيل بالانفصال عن الفلسطينيين، أيضاً في حال فشل تسوية إقليمية شاملة.
ليست هذه أول مرة نسمع فيها اقتراحات من هذا النوع من أشخاص يتماهون مع معسكر السلام. بالنسبة إليهم الكلام عن السلام جرى نسيانه منذ التسعيينات البعيدة، وأخلى مكانه لتهديدات بيوم القيامة ووعود بالانفصال الكامل بيننا وبين الفلسطينيين. منذ سنوات يحذر هؤلاء الأشخاص من “تسونامي سياسي”- عقوبات وعزلة دولية. لكن أياً من نبؤات الغضب لم يتحقق، كما أن أياً من هؤلاء الأشخاص لم يتنبأ أنه بعد باراك أوباما سيأتي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وأنه ستنشأ خارج إسرائيل موجة يمينية وأنظمة ليست معنية بحقوق الإنسان في المناطق [المحتلة]. من المؤلم قول ذلك، لكن من هذه الناحية نتنياهو كان على حق. إسرائيل تستخف بالمجتمع الدولي، وبدلاً من أن يعاقبها هذا المجتمع يبدو أنه فقط يتقرب منها.
“التهديد الديموغرافي” – دولة مع أغلبية عربية يحكمها نظام أبرتهايد، أو ديمقراطية اليهود فيها هم أقلية مضطهدة – لا أحد يصغي إليه. ليس لأنه غير صحيح، بل لأن الجمهور لا يخاف منه. من الواضح أنه أيضاً إذا قامت دولة واحدة مع أغلبية عربية بين نهر الأردن والبحر، فإن الأقلية اليهودية التي تسيطر على أقوى جيش في المنطقة، لن تقدّم للأغلبية مفاتيح السلطة على طبق من فضة. حالياً تسيطر إسرائيل على أقلية فلسطينية محرومة من الحقوق. هل سلطة كهذه للأغلبية على الأقلية تختلف بصورة جوهرية عن حكم أقلية لأكثرية؟ إذا كانت أغلبية الجمهور مستعدة لقبول الوضع القائم، يمكن التقدير أن سيناريو الأبرتهايد المعروض بكثرة لن يُحدث صدمة كبيرة.
من بين حجج باراك في دفاعه عن عملية سياسية، يبرز غياب حجة أساسية: السبب الأساسي الذي من أجله يجب الدفع قدماً بعملية سياسية تنتهي بانسحاب إسرائيلي من المناطق، وإخلاء مستوطنات، وإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية، هو أن الوضع الحالي غير أخلاقي. ليس أخلاقياً السيطرة على شعب آخر، وليس أخلاقياً منعه من أن يحكم نفسه في إطار دولة ذات سيادة، أو إعطاؤه حقوقاً متساوية في دولة تسيطر عليه. ليس أخلاقياً أن نرسل أبناءنا إلى حروب هدفها استمرار هذه السيطرة، وليس أخلاقياً تربية أجيال من الأولاد على التعود على هذا الوضع. يمكننا مناقشة حجج براغماتية وسياسية واقعية. ويمكن إخضاعها وجعلها اكثر مرونة، لكن لا يمكن فعل ذلك مع الحجة الأخلاقية.
حتى لو أن العم الأميركي لا يلاحقنا بهراوة غليظة، فإن الاحتلال غير أخلاقي. حتى لو أن التهديد بالدولة الثنائية القومية مع أغلبية عربية لا يؤثر في أحد، فإن السيطرة حالياً على أقلية فلسطينية كبيرة أمر مرفوض. فعلياً، يَعد باراك بعملية لا تدفع قدماً بالسلام وبالحياة المشتركة، بل بالفصل المطلق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الممكن تحقيقه من خلال خطوات أحادية. وبذلك يتجاهل حقيقة أن السبيل الوحيد للتوصل إلى وضع يعيش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب، هو قيام تعاون سياسي واقتصادي وأمني وثيق. الدولة الفلسطينية عندما ستقوم ستكون تابعة اقتصادياً لدولة إسرائيل، وستتقاسم معها كثيراً من الموارد الطبيعية التي تتطلب تعاوناً. من جهتها دولة إسرائيل سترغب في الاستفادة من الثمار الاقتصادية لمثل هذا التعاون.
بالإضافة إلى ذلك، نظرية الانفصال، كما جرى التعبير عنها في حملات أُخرى (مثلاً في حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل”) تقدم العرب كما هم الآن، وتتجاهل استعداد دول عربية كثيرة من حولنا لإقامة علاقات ودية مع إسرائيل (كما عبّرت عنه مبادرة السلام العربية). وهي تتجاهل أيضاً حقيقة أن 20% من مواطني دولة إسرائيل هم فلسطينيون بحد ذاتهم. ما دمنا نقوم بتخويف الجمهور الإسرائيلي من “العرب”، فإن فرص الوصول إلى حلول تسوية وتعاون داخل إسرائيل ستتقلص.
أيضاً الخطوات الأحادية الجانب عندما تقدّم كحل إقليمي ليست براغماتية. فهي تستند إلى الافتراض البديهي المتجذر في الجماهير الإسرائيلية بأنه لا يوجد من نتحدث معه لدى الطرف الثاني. هؤلاء الذين يتمسكون بهذا الافتراض يريدون أن يُظهروا أنه يمكن العمل مع عدم وجود شريك. وهذا تخلٍ مسبق تقريباً، عن احتمال عدم الحاجة إلى الخطوات الأحادية، وعندما سيدخل زعيم إسرائيلي يرغب في الحل غرفة المفاوضات، سيكتشف في مواجهته شريكاً يرغب في ذلك هو أيضاً.
لا أحد يتحدث عن الانعكاسات الصعبة التي يمكن أن تنتج عن خطوات أحادية الجانب (مثل الانفصال مثلاً) إذا وصل الطرف الثاني إلى خلاصة بأن ليس هناك من يتحدث معه لدينا – انهيار السلطة الفلسطينية وعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل اتفاقات أوسلو.
يعكس هذا الأمر نظرة سائدة في النقاش العام مفادها أن أي ربح إسرائيلي هو خسارة فلسطينية، والعكس صحيح. هذا المنطق للعبة حصيلتها صفر يقودنا منذ سنوات في ظل حكومات متعددة إلى فشل سياسي و أمني، وإلى خطوات أحادية الجانب، وإلى إضعاف الثقة بين الطرفين. المطلوب الآن تغيير جذري في النمط. بدلاً من لعبة حصيلتها صفرـ يجب التوصل إلى وضع Win-Win يتطلع فيه الطرفان إلى التوصل إلى اتفاق. اتفاق السلام الذي يجري التوصل إليه بعد هزيمة أحد الطرفين لن يكون قط اتفاقاً قابلاً للحياة. للتوصل إلى اتفاق دائم يجب التطلع إلى نصر مشترك.
من المهم أن يضع معسكر اليسار الموضوع السياسي على جدول أعمال الانتخابات، مع التشديد على النظرة الأخلاقية، وانطلاقاً من الاستعداد لتشجيع الحوار المباشر مع الشريك الفلسطيني.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole