ما الذي يحمله العام الجديد لفلسطين؟

Spread the love

بقلم: أحمد طه الغندور* —

لعله أصبح من البديهيات اليوم الاهتمام بالدراسات الاستشرافية على المستوى العالمي، وخاصة في المجال السياسي.
فعلم المستقبل كما ينظر إليه ليس ضرباً للودع أو بحثاً في الفلك والنجوم، بل هو علم قائم بذاته يمكن تعريفه بأنه مجموعة من الدراسات والبحوث التي تهدف إلى تحديد صورة متوقعة للمستقبل في مجال واحد أو أكثر في الدراسات الاجتماعية، في ضوء معلومات علمية دقيقة وباستخدام أساليب علمية محددة، وخلال فترة زمنية لا تزيد عن عشرين عاماً.
وليس الهدف من هذه المقالة الخوض في مستقبل القضية الفلسطينية لسنوات طويلة قادمة، إنما القصد أن ننظر ما يحمله العام القادم (2019) لنا هنا في الأرض المقدسة، والذي لم تعد تفصلنا عنه إلا أيام قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وإن شئنا أن تحوز توقعاتنا على المصداقية المطلوبة لا بدّ لنا إذن من ربطها بالحاضر الذي نحياه، فما المستقبل إلا انعكاس صادق للحاضر أو قل الواقع.
فكيف نرى فلسطين اليوم على المستويين الداخلي والدولي؟
على المستوى الداخلي أو الوطني لا تزال السمة الأوضح للمجتمع الفلسطيني “الانقسام”، الذي تجسد في شكل مؤسسات وهياكل تعمل ليل نهار على ترسيخه لأهداف حزبية سوف يخجل أحفادنا من النظر إليها في يوم من الأيام، كونها تشارك أعداءنا في تدمير القضية الفلسطينية.
الهم الأكبر الثاني الذي نعاني منه الآن كمجتمع حضري هو غياب مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان من دون أي اكتراث بمساوئ هذه الظاهرة على المجتمع حالياً ومستقبلاً، وإذا أضفنا إلى ذلك غياب النهج الديمقراطي ومبدأ تداول السلطة، فليس من المهم اغتصاب السلطة، ولا فرق إن غابت المسوّغات الشرعية لوجودها، أو أن تموت أو تشيخ القيادات في الحكم فهي بكل الأحوال باقية. فالهدف هو الاستيلاء على السلطة إلى الأبد!.
أما على المستوى الاقتصادي والذي له تأثيره المباشر على الأوضاع السياسية، يمكن القول إنه بالرغم من الاقتصاد الفلسطيني الفتيّ القائم في أغلبه على المبادرات الفردية، إلا أنه اقتصاد محاصر بالاحتلال، أُغلقت أبواب التواصل مع الأسواق الدولية في وجهه بالحدود والقيود التي يفرضها الاحتلال واتفاق اقتصادي مزري لا نسعى للخلاص منه، بل نعمل على إطالة أمده بصور شتى.
وعلى الجانب الاجتماعي، من الواضح أن ظواهر اجتماعية جديدة بدأت تتوطن داخل المجتمع الفلسطيني ولعل السبب الحقيقي وراء بعثها “العقوبات الحكومية” غير المشروعة وغير المفهومة والتي تمارس ضد قطاعات كبيرة من المواطنين وبخاصة في قطاع غزة، وهي قد نقلت كبار التجار إلى مصاف “المدانين” والموظفين العموميين وإلى أشباه المتسوّلين، مع الإمعان في سحق فئة الشباب التي هي عماد الأمم.
وإذا أردنا الحديث عن فلسطين على المستوى الدولي، كيف نرى قضيتنا اليوم، يتضح لنا ما يلي:
على المستوى العربي والإسلامي، تفقد القضية زخمها في الضمير العربي والإسلامي ـ إلا من رحم ربي ـ وأضحت الهرولة لإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتطبيع مع الاحتلال الصهيوني “ممارسة شرعية” لدى البعض، وأمست جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي لا تملك أن ترد على من أساء إليها من رعايا أعضائها!.
أما على المستوى الدولي؛ فلا يزال هناك عدد من دول العالم تدافع بشراسة عن القضية الفلسطينية في مواجهة الظلم “الصهيوـ أميركي”، لكن هذا الدفاع بات يتأثر من سوء الوضع الفلسطيني السابق الإشارة إليه.
إذاً، ما الذي يحمله العام المقبل (2019) ؟!
قد يظن البعض بأن الإجابة سوداوية ومتشائمة للعام المقبل، وهذا ليس صحيحاً إلا إذا قصدنا أن يكون كذلك!.
المستقبل كلّه، بدءاً من العام المقبل هو من صنع أيدينا؛ فماذا نحن صانعون؟!
والإجابة على هذا السؤال الجوهري أيضاً بسيطة.
لعل المطلوب يتلخص في كلمات غابت عن قاموسنا السياسي وهي: “الوحدة الوطنية، احترام مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان، الانتخابات حق مشروع وتداول السلطة واجب، رد المظالم إلى أصحابها، ثم العمل سوياً للخلاص من الاحتلال بكل الصور التي كفلها القانون الدولي. حينها نحقق إعادة الاحترام للقضية الفلسطينية وإحراز المزيد من الدعم والتأييد الدولي.
وأخيراً أهلاً وسهلاً بالعام الجديد، سائلاً المولى القدير أن يلهمنا الصواب كي نعبر إلى بر الأمان.
اللهم آمين.

*كاتب فلسطيني.

Optimized by Optimole