دوافع الاتحاد الأوروبي في رفض القرار الأميركي حول القدس

دوافع الاتحاد الأوروبي في رفض القرار الأميركي حول القدس
Spread the love

بقلم: رشا العشري

اعتبر موقف الاتحاد الأوروبي، من أهم المواقف الرافضة لقرار الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، حيث اتخذ هذا الموقف أبعاداً متعددة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأيديولوجي خاصة فيما يتعلق بدرء خطر الجماعات الإرهابية على الأمن الأوروبي في ظل تصاعد خطر تهديد تلك التنظيمات على الوضع في البلدان الأوروبية، مع التوجس من اتساع كراهية العالم الإسلامي لأوروبا وتأزم العلاقات مع العالم العربي والإسلامي بما يترك تبعات سلبية تؤثر على الوضع السياسي والاقتصادي في منطقة المتوسط وأفريقيا وأسيا لا سيما الشرق الأوسط في ظل تطورات الأوضاع على الساحة الأمنية والسياسية.

دوافع اقتصادية
كان رفض الاتحاد الأوروبي لقرار ترامب ناتجاً عن علاقات اقتصادية وطيدة تربط الأول بالعالم العربي، والذي لم يجازف بها بالرغم من الضغوط الأميركية لتبني القرار أو اتخاذ خطوات إيجابية معه، حيث ارتبط الاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادية مع العالم العربي ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، من ثم كان موقفه موحداً برفض القرار. فعامل النفط الذي يشكل 70% من واردات الاتحاد الأوروبي من دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يعد مجالاً خصباً أيضاً لاستثمار الشركات الأوروبية كفيلاً بعدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية في السياسة الخارجية قد تؤثر على هذه المكاسب الاقتصادية؛ حيث تستأثر دول مجلس التعاون باستثمارات ضخمة في الصناعات البتروكيماوية في دول الاتحاد الأوروبي تصل إلى 53 % من الاستثمارات الخليجية في الخارج، فضلاً عن قطاعات معتمدة، أبرزها التكنولوجيا التي تعتمد على رأس المال الضخم؛ حيث تعتبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في الخليج بعد الولايات المتحدة.
يأتي ذلك في ظل استفادة موازين مدفوعات الدول الأوروبية من صادراتها غير المنظورة إلى دول المجلس والمتمثلة في تحويلات القوى العاملة الأوروبية في منطقة الخليج من أجور ورواتب، وكذلك السياحة الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي وخدمات الاستثمار والمقاولات التي توفرها المؤسسات الأوروبية لدول المجلس والخدمات المصرفية والعلاج والتعليم، وغير ذلك من الصادرات غير المنظورة لدول الاتحاد الأوروبي. من ثم اعتبر النفط أحد أهم الدعائم الرئيسية في دعم وتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية بين أوروبا والخليج.
وعلى الصعيد التجاري، احتلت دول الخليج المركز الخامس في العلاقات التجارية للاتحاد الأوروبي بين الدول والمجموعات الأخرى، حيث ارتفعت قيمة المبادلات التجارية بين الجانبين إلى ما يزيد على 90 مليار يورو عام 2006، مقارنة بنحو 54 مليار يورو عام 2002. وتأتي المملكة العربية السعودية في المركز الأول بين دول الخليج المصدّرة للاتحاد الأوروبي، حيث تشكل صادرات المملكة نسبة 65 % من إجمالي صادرات دول الخليج إلى الاتحاد الأوروبي. فيما احتلت الإمارات المركز الأول بين دول الخليج المستوردة من الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت قيمة وارداتها من دول الاتحاد خلال الفترة السابقة نحو 60.7 مليار يورو وهو ما يمثل نسبة 42 % من صادرات دول الاتحاد إلى دول الخليج، ناهيك عن مجالات التعاون وعقد الاتفاقيات في مجال الثقافة والإعلام والعلوم والسياسة والأمن والسياحة. ومن الجدير بالذكر أن البلاد العربية بأجمعها جاءت عام 2013 في المرتبة الثانية كسوق للصادرات الأوروبية بعد الولايات المتحدة الأميركية، وفي المرتبة الرابعة كمصدر للاتحاد الأوروبي بعد الصين وروسيا والولايات المتحدة.
كما اعتبرت الأسواق المالية الأوروبية من أهم الحاضنات للأموال الخليجية وتوظيفها في أدوات مسعرة، سواء كانت أسهم حقوق ملكية أو سندات أو غيرها. يضاف إلى ذلك أن الصناديق السيادية الخليجية وظفت أموالاً مهمة على شكل استثمارات مباشرة في العديد من القطاعات الاقتصادية في البلدان الأوروبية. من ثم أضحت تلك العلاقات الاقتصادية المتشابكة والمصالح المتبادلة بين الجانبين من أهم الدوافع في عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي منحىً تصعيدياً على الصعيد السياسي في قضية القدس بما ينعكس على توتر تلك العلاقات الاقتصادية أو يدخلها في تأزمات سياسية تضر بتلك المصالح المتشابكة.

دوافع سياسية وأمنية
يرى البعض أن هناك اتجاهين في رفض الاتحاد الأوروبي لتبني القرار، أولها، أن قرار ترامب يمثل خطراً على الدول الأوروبية لأنه يشكل تهديداً على الأمن الأوروبي نظراً لقربه الجغرافي من المنطقة العربية، وأيضاً لوجود جالية ذات أصول عربية وإسلامية كبيرة في أوروبا مما يفاقم من مخاطر تمكن الجماعات الإرهابية من تجنيد العديد من أبناء هذه الجاليات لتوجيه ضربات انتقامية داخل أوروبا نتيجة تبنّي القرار أو عدم استخدام الوسائل الكافية لمنعه من التنفيذ؛ ومن ثم قد يعطي ذلك مشروعية “أيديولوجية”- وفقاً لحسابات هذه الجماعات- تقنع بها أنصارها لتنفيذ عمليات انتقامية داخل أوروبا أو ضد المصالح والمنشآت الأوروبية خارج القارة الأوروبية، خاصة إذا ما تعذر تنفيذ هذه العمليات داخل الأراضي الأميركية أو ضد المصالح الأميركية.
إلا أن الاتجاه الأخر يرى أن الدافع الحقيقي وراء رفض دول الاتحاد الأوروبي للقرار الأميركي، يرجع إلى السلوك العدائي الذي ينتهجه ترامب ضد المجموعة الأوروبية برّمتها منذ فوزه في الانتخابات، وتصريحاته المسيئة ضد قادة وزعماء القارة الأوروبية والمناهضة لحلف الأطلسي الذي يعتبره بأنه «قد عفى عليه الزمن». فضلًا عن دعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد، الأمر الذي جعل قادة الدول الأوروبية ينظرون إلى شخص ترامب على أنه تحدٍ وتهديد للاتحاد يجب التكاتف من أجل التصدي له.
هناك اتجاه آخر يرى أن الرفض البريطاني لنقل السفارة الأميركية للقدس، راجعٌ إلى ضغط جيرمي كوربن زعيم حزب العمال، أكبر أحزاب المعارضة في بريطانيا، والذي شغل مؤخرًا منصب رئيس حكومة الظل. إذ يُعرف كوربن بكونه مناصرًا قويًا للقضية الفلسطينية، فقد دعا مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة رفع الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، مؤيدًا لسيناريو حل الدولتين، الأمر الذي يثير القلق داخل إسرائيل. فبحسب ما ذكر في صحيفة «التليغراف» البريطانية، فإن «الحكومة التي يقودها كوربن من شأنها أن تزيد من احتمالية إدانة بريطانيا لإسرائيل على الفور في حال تصاعد أي صراع أو قتال بين إسرائيل وحماس أو حزب الله على عكس الحكومات البريطانية السابقة التي دعمت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

خلاصة القول
إن اتخاذ الاتحاد الأوروبي منحى الرفض لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس دليل على تعدد المخاطر من تبني القرار على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني لدول الاتحاد في ظل التوترات السياسية وتفاقم الإرهاب والحروب التي يشتعل بها النظام الدولي في المرحلة الحالية. فالعلاقات الاقتصادية الجمة التي تربط دول الاتحاد بالعالم العربي والإسلامي، والتبعات السياسية الخطيرة من تبني القرار في ظل تراجع الدور الأوروبي في التأثير في السياسة الخارجية في مقابل الولايات المتحدة الأميركية، قد دفعت الأولى لاتخاذ موقف مناهض للإدارة الأميركية برغم الضغوط السياسية عليها، للحؤول دون تفاقم مشاعر الغضب والمعادية للدول الأوروبية من دول العالمين العربي والإسلامي، وضمان استقرار منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط من احتجاجات عارمة قد تفتح المجال لأماكن توتر جديدة تؤثر بدورها على منطقة المتوسط وتُفاقم من الهجرة غير الشرعية. ومن ثم فإن دول الاتحاد تفعل مصالحها في هذا الشأن من خلال العديد من الاتفاقيات مع البلدان العربية بهدف الحد من الهجرة القادمة من هذه البلدان بما لا يفرض عليها أعباء جديدة. ناهيك عن ضمان استقرار بعض القضايا الدولية كالقضية الفلسطينية حتى لا تُثار بشكل أكبر مرة أخرى في المحافل الدولية ويفرض معه تغير في نمط السياسة الخارجية لدول الاتحاد في هذه المرحلة المتأزمة.

Optimized by Optimole