هل ينجح ترامب في تغيير النظام في إيران؟

هل ينجح ترامب في تغيير النظام في إيران؟
Spread the love

كتب الأستاذ الجامعي في جامعة هارفرد ستيفن م. والت تحليلاً لمجلة فورين بوليسي انتقد فيها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، معتبراً أن هدف ترامب هو تغيير النظام في إيران وأن هذا الهدف غير قابل للتحقيق. والآتي ترجمة كاملة لنص المقالة:

بقلم: ستيفن م. والت* — كما كان متوقعًا منذ فترة طويلة، أذعن دونالد ترامب لنفسه، ولحسده الغاضب من باراك أوباما، وللجهات المانحة المتشددة، ولمجموعة جديدة من المستشارين المتشددين، وقبل كل شيء لجهله الخاص، فخرج عن خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، أي الاتفاق الدولي الذي يمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. إلى جانب قراره الأحمق بالتخلي عن الشراكة عبر المحيط الهادئ، من المحتمل أن يكون هذا هو الخطأ الأكثر سوءاً في السياسة الخارجية.

من المهم أن نفهم ما يحدث بالفعل هنا. إن قرار ترامب لا يقوم على الرغبة في منع إيران من الحصول على قنبلة نووية. فإذا كان الأمر كذلك، فسيكون من المنطقي أكثر أن نبقى ملتزمين بشدة بالاتفاق وأن نتفاوض في نهاية المطاف لجعله دائماً. وبعد كل شيء، كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (التي تراقب وتفحص المنشآت الإيرانية) والاستخبارات الأميركية متفقتان على أن إيران تمتثل امتثالاً كاملاً لخطة العمل المشتركة الشاملة منذ توقيعها. في الواقع، كما يشير بيتر بينارت(معلق وصحافي أميركي)، فإن الولايات المتحدة هي التي فشلت في الوفاء بالتزاماتها.

كما لم يكن قرار ترامب مدفوعًا بالرغبة في مواجهة الأنشطة الإقليمية الإيرانية المختلفة، مثل دعمه لنظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان. لو كان ذلك هدفه، لكانت طريقة العمل المعقولة هي البقاء في الاتفاق (الذي يمنع إيران من أن تصبح نووية) وتوحيد البلدان الأخرى للانضمام إلى الولايات المتحدة والضغط على إيران بشأن هذه المسائل المثيرة للقلق. ولن يجد ترامب فقط أن من المستحيل حشد نفس الائتلاف المتعدد الجنسيات الذي أنتج خطة العمل المشتركة المشتركة، ولكن إيران سوف تكون مترددة الآن على نحو مضاعف في التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية بعد أن أظهر ترامب أنه ببساطة لا يمكن الوثوق بكلمة أميركا.

ما يحدث الآن بسيط: فالتخلي عن خطة العمل المشتركة المشتركة يستند إلى الرغبة في “إبقاء إيران في خانة العقوبة” ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع العالم الخارجي. هذا الهدف يوحّد إسرائيل، والجناح المتشدد في اللوبي الإسرائيلي (على سبيل المثال، لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية – إيباك، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومتحدون ضد إيران النووية)، والصقور بمن فيهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وآخرين عديدين. إذ كانت خشيتهم الكبرى أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الشرق الأوسط قد يضطرون في النهاية إلى الاعتراف بإيران كقوة إقليمية مشروعة ومنحها درجة من النفوذ الإقليمي. ليست هيمنة إقليمية، فكروا في الأمر، وهو ما لا تسعى إليه إيران على الأرجح، وهو ما تحتاج إلى سنوات ضوئية لتحقيقه، وإنما تسعى إلى الاعتراف بأن لإيران مصالح إقليمية وأن أولوياتها يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار عند حل المسائل الإقليمية المهمة. هذه هي لعنة الصقور في الولايات المتحدة، والتي يتمثل هدفها الأساسي في ضمان بقاء إيران كياناً منبوذاً إلى الأبد.

في صميم هذا المنظور، هناك أسطوانة تغيير النظام، التي يواصل تردادها صقور الولايات المتحدة والقوات المناهضة للنظام منذ عقود. هذا هو الهدف النهائي لجماعات مثل مجاهدي خلق، وهي جماعة إيرانية في المنفى كانت موجودة في قائمة مراقبة الإرهاب في الولايات المتحدة. إن منظمة مجاهدي خلق محظورة داخل إيران لكن تم الدفاع عنها من سياسيين جمهوريين وديمقراطيين (بما في ذلك بولتون)، الذين دفعت لهم المنظمة مبالغ كبيرة في الماضي. من يقول إنه لا يمكنك شراء – أو على الأقل إستئجار – سياسي أميركي؟ (في الواقع، لا أحد يقول ذلك بعد الآن).

يرى الصقور طريقين محتملين لتغيير النظام. المقاربة الأولى تعتمد على زيادة الضغط الاقتصادي على طهران على أمل أن ينمو السخط الشعبي وأن النظام الديني سينهار ببساطة. الخيار الثاني هو استفزاز إيران لاستئناف برنامجها النووي، الأمر الذي من شأنه أن يمنح واشنطن ذريعة لشن حرب وقائية.

دعونا ننظر بعناية أكثر في كل من هذين الخيارين.

فيما يتعلق بالأول، فإن الاعتقاد بأن فرض عقوبات أشد قسوة سيتسبب في انهيار النظام هو تمنٍ أكثر من كونه تفكيراً حكيماً. لقد استمر الحصار الأميركي على كوبا لأكثر من 50 عاماً، ولا يزال نظام كاسترو قائماً (حتى لو كان فيدل قد مات الآن وأن شقيقه راؤول تنحى عن منصبه لصالح خليفة تم اختياره). كما أن أكثر من ستين سنة من العقوبات المتصاعدة لم تسقط نظام كوريا الشمالية، ولم تمنعه ​​من الحصول على ترسانة نووية قابلة للاستخدام. لقد قيل لنا منذ سنوات إن إيران كانت على حافة الانهيار، ويبدو أن ذلك لم يحدث أبداً. فالعقوبات لم تسقط صدام حسين في العراق أو معمر القذافي في ليبيا كذلك. لقد تحمس المتشددون قبل بضعة أشهر عندما نظمت تظاهرات مناهضة للحكومة في عدد من المدن الإيرانية، لكن وفق هذا المنطق، فإن التظاهرات الضخمة التي جرت في العديد من المدن الأميركية منذ انتخاب ترامب هي إشارات على أن تغيير النظام بات وشيكاً هنا أيضاً. ليس الأمر مرجحاً في كلتا الحالتين. يمكن أن تساعد الضغوط الاقتصادية في بعض الأحيان على إقناع الخصوم بالتفاوض وربما تغيير سياساتهم، ويمكن أن تضعف اقتصاد العدو خلال زمن الحرب، لكن التخلي عن “خطة العمل المشتركة الشاملة” لن يرغم إيران على الخضوع.

ماذا لو كنت مخطئًا وانهار النظام الديني الإيراني؟ وكما رأينا في أوضاع بلدان أخرى، من غير المحتمل أن تكون النتيجة قيام نظام مستقر جيد وموالٍ لأميركا. فقد أدى تغيير النظام الذي ترعاه الولايات المتحدة في العراق إلى حرب أهلية وتمرد وحشي وصعود “الدولة الإسلامية” (داعش). كما تكرر ذلك مع التغيير الأجنبي للنظام في ليبيا. وقد تدخلت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً في أماكن تشمل الصومال واليمن وأفغانستان وسوريا في السنوات الأخيرة، وكل ما جنته هو عدم استقرار إضافي وأرض خصبة للإرهابيين.

ودعونا لا ننسى أن تغيير النظام الأصلي في إيران والذي تم بدعم من الولايات المتحدة التي أطاحت برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق وأعادت تعيين الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1953، قد أنتج العداء لأميركا الذي تعيّن على الولايات المتحدة التعامل معه منذ ثورة 1979. ولا تنسَ أن العديد من المعارضين البارزين للنظام – بمن فيهم قادة ما يسمى بالحركة الخضراء – يدعمون برنامج إيران النووي وليسوا مستعدين أن يصبحوا أذناب واشنطن حتى لو كانوا على وشك الوصول إلى السلطة.

أما بالنسبة للخيار الثاني – الحرب – هنا يكمن أمل الصقور في أنه إذا جاء الدفع إلى الأمام ليخلق فرصة للحرب، فإن المزيج المألوف من الصدمة والترويع سيقضي في الوقت نفسه على البنية التحتية النووية الإيرانية ويلهم شعبها للنهوض وإسقاط القادة الذين كانوا (من المفترض) قادوهم إلى هذا الوضع المؤسف. هذا السيناريو قابل للازدهار: إذا أسقطت أميركا قنابل على الإيرانيين، فيمكنك أن تراهن على أن رد فعلهم الأول لن يكون الامتنان. بدلاً من ذلك، ستؤدي حملة جوية أميركية و/ أو إسرائيلية ضد إيران إلى إثارة القومية الإيرانية وتعزيز ولاء السكان للنظام بشكل أكثر تماسكاً.

فضلاً عن ذلك، فإن أية ضربة عسكرية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة لن تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكن ستؤخرها لمدة سنة أو سنتين. إن مثل هذا الهجوم من شأنه أن يقنع الجميع في إيران بأن الطريقة الوحيدة كي تكون آمنة هي الحصول على رادع خاص بهم، مثل كوريا الشمالية، والرهان الآمن هو أن إيران ببساطة ستضاعف جهودها (النووية) في المواقع الخفية والمحمية بشكل أفضل. وبمجرد أن ترغم الولايات المتحدة إيران على السير في هذا الطريق، فمن المرجح أن دولًا أخرى في المنطقة ستتبع ذلك. إذا كنت تعتقد أن العالم سيكون أفضل مع العديد من الأنظمة المسلحة نووياً في الشرق الأوسط، فعندئذ قم باختيار هذا الخيار بكل الوسائل. فقط لا تشكو لي بعد ذلك.

ولا تخطئ: إذا جاءت الحرب وكانت النتيجة خسارة المزيد من الأرواح تهدر المزيد من الدولارات، وربما حتى إشعال صراع إقليمي أوسع، فإن الخطأ سيقع فقط على الرجل الذي يجلس حالياً في المكتب البيضاوي. لن يكون بمقدور أي قدر من ركل الغبار، وإلقاء اللوم، وتغريد نصف المتعلّم، إخفاء هذه الحقيقة.

باختصار، يُظهر خطأ ترامب الأخير أنه لا يمنح الشعب الأميركي السياسة الخارجية الأكثر تقييداً التي وعد بها في عام 2016، أو أنه يصحح الأخطاء المختلفة التي ارتكبها أسلافه (والتي كان هناك الكثير منها). بدلاً من ذلك، يعيدنا ترامب إلى السياسة الخارجية الساذجة، غير المركبة، أحادية الجانب، والعسكرية بشكل مفرط، والتي تعود لفترة ولاية جورج دبليو بوش الأولى. إن تعيين بولتون في مجلس الأمن القومي، وبومبيو في وزارة الخارجية، وترشيح المشرفة السابقة على التعذيب جينا هاسبل لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية – هي عودة إلى الواقعية لكن إلى التشينية (نسبة إلى نائب الرئيس السابق ديك تشيني). هل تتذكر كيف كان أداؤها؟

قال أوتو فون بسمارك مرة إنه من الجيد أن يتعلّم المرء من أخطائه، لكن من الأفضل له التعلّم من أخطاء شخص آخر. تظهر هذه الواقعة الأخيرة أن الولايات المتحدة ليست قادرة على التعلّم من أي منهما. وهذا يشير إلى أن كلام وينستون تشرشل المشكوك فيه حول أن الولايات المتحدة تقوم دائمًا لفعل الشيء الصحيح يجب أن تتم مراجعته الآن. في ظل إدارة ترامب، يبدو أن الولايات المتحدة ستفعل دائماً الأمر الخاطئ ولكن فقط بعد فحص أولاً – ورفض – جميع البدائل المتفوقة بوضوح.

*ستيفن م. والت هو أستاذ كرسي “روبرت ورينيه بيلفر” للعلاقات الدولية في جامعة هارفارد.

ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole