معاريف: عدم وجود إنجاز سياسي يمنع أيضاً تحقيق انتصار عسكري

Spread the love

زلمان شوفال – عضو كنيست سابق وسفير سابق في واشنطن/

انتهى التوتر في الجنوب حتى الآن، والجيش الإسرائيلي لقن الجهاد الإسلامي درساً لن ينساه بسهولة. لكن على الرغم من الجهود السياسية التي تبذلها أطراف متعددة، بينها إسرائيل ومصر، من أجل التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد، فإن الوضع الجيو – سياسي في المنطقة والواقع الداخلي – السياسي في القطاع يمنعان ذلك. إذا تجدد إطلاق الصواريخ والقذائف بهذا الحجم أو ذاك، وتحرك الجيش الإسرائيلي ضد مطلقي القذائف والصواريخ وقيادات التنظيمات، مرة أُخرى ستتعالى الدعوات: “اتركوا الجيش الإسرائيلي ينتصر”، أي: لنذهب حتى النهاية، ولنكسر “حماس”، ونُخضع المنظمات الإرهابية الأُخرى، و”نقضي نهائياً” (بحسب تعبير أفيغدور ليبرمان) على سلطة الشر هناك (وثمة من يضيف في هذه المناسبة تفكيك السلطة الفلسطينية في رام الله) .
من المحتمل أن نضطر ذات يوم إلى تنفيذ هذا الخيار، القابل للتنفيذ على المستوى العسكري. لكن فوراً سيُطرح السؤال: ما الذي سيحدث بعد ذلك، بينما لا يوجد في الجانب الفلسطيني طرف سياسي مستعد للتوصل إلى حل سياسي مستقر مع إسرائيل، حل يعتمد على تسويات متبادلة واعتراف أيديولوجي بحق الشعب اليهودي في دولة، نضيف إلى ذلك، لا يوجد لدى الجانب الفلسطيني طرف قادر على إقامة سلطة فاعلة وتشغيلها، أن تكون السلطة الحاكمة في قطاع غزة، والمسيطرة على مليوني فلسطيني، ليست رؤية مشجعة.
يمر الشرق الأوسط كله بثورات وتغييرات، أحياناً مفاجئة وغير متوقعة، جزء منها إيجابي وجزء خطر، ومن المحتمل عاجلاً أم آجلاً أن تصل إلى المجال الفلسطيني، أو من المحتمل أن نقف في مواجهة حرب شاملة، أو على العكس، في مواجهة احتمال حقيقي لتسوية سياسية طويلة الأمد، تشمل غزة، لكن في هذه الأثناء من الأفضل استمرار السياسة الحكيمة والمسؤولة التي تنتهجها إسرائيل حتى الآن.
مع ذلك، يثير شعار “اتركوا الجيش ينتصر” تساؤلات لا تقتصر فقط على غزة: ماذا يعني بالتحديد “انتصار”، وأكثر منذ ذلك، ماذا يعني “حسم” عندما يكون المقصود حرباً ونتائجها؟ على سبيل المثال، الرئيس ترامب أعلن الانتصار الحاسم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكن عندما يتحرك هذا التنظيم أو وكلاؤه في أفريقيا وفي أماكن أُخرى، ويبدأ في ترميم قواه في أجزاء من سورية (بفضل الهجوم التركي على الأكراد الذي سمح به ترامب) فهل هذا انتصار وهل هذا حسم؟ في الحرب العالمية الثانية حدث انتصار وأيضاً حسم، لكن خلال وقت قصير الدولتان “المهزومتان”، ألمانيا واليابان، أعادتا بناء نفسيهما تقريباً بكل المفاهيم (بالنسبة إلى ألمانيا عسكرياً أيضاً)، وحولتا مفهومي الانتصار والحسم إلى قيم نسبية تماماً.
وماذا بالنسبة إلى إسرائيل؟ صحيح أن إسرائيل انتصرت من الناحية العسكرية في أغلب حروبها (باستثناء حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006])، لكن الحسم من الناحية السياسية سجلته فقط في حرب 1948، الذي ضمن قيام الدولة وحدّد حدودها، والانتصار في حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973] على الرغم من بداية الحرب السيئة، وضع الأسس للسلام مع مصر وخروج إسرائيل في هذه المرحلة من حلقة المواجهات (ثمة من يدّعي أنه حدث انتصار وحسم في حرب الأيام الستة. لقد حدث انتصار، ولكن لو كان حدث حسم سياسي أيضاً، ربما لم أكن بحاجة إلى هذا المقال). والخلاصة هي أنه من دون مقاربة سياسية فإن “الانتصار” و”الحسم” هما مفهومان أيضاً مصلحتان نسبيان وموقتان.
هناك من يدّعي أيضاً أن عدم سماحنا للجيش الإسرائيلي بأن ينتصر في غزة، خسرت إسرائيل، على ما يبدو، تفوقها في مجال الردع. هذا خطأ مقصود أحياناً لأسباب سياسية مكشوفة، وكما يفسر د. دان شيفتان رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا، إن الشرط المسبق الذي يمنع العرب من مهاجمة إسرائيل هو خوفهم من قوة إسرائيل وإصرارها على ضرب أعدائها بشدة. ويخلص إلى القول: “الردع الاستراتيجي لإسرائيل لم يتداع قط”.
السؤال المطروح هو طبعاً، إلى أي حد سيكون الردع الذي عمل ويعمل في مواجهة تهديدات من الجانب العربي ناجعاً في مواجهة العدو الإيراني، وأيضاً في مواجهة وكلائه، مثل الميليشيات الشيعية، وحزب الله، والحوثيين وتنظيمات إرهابية أُخرى؟ في هذه المرحلة تعمل حكومة نتنياهو، أيضاً بالاعتماد على دبلوماسية متقدمة، بنجاح ضد مخاطر مباشرة وغير مباشرة من مناطق متعددة قريبة وأكثر بعداً، لكن في هذا المجال الكلمة الأخيرة لم تُكتب بعد، لا من جانبنا ولا من جانب أعدائنا.

المصدر: صحيفة معاريف الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole