ما هو دور لبنان في الأزمة السعودية القطرية؟

Spread the love

بقلم: محمد زريق — عند زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان في العام 1997 قال: “إن لبنان هو أكثر من مجرّد بلد، بل رسالة سلام”.
وقد قال السفير فؤاد الترك (رحمه الله): “نريد لبناناً منفتحاً على محيطه وعالمه، متفاعلاً معهما لا بشراً وحسب، بل جودةً وإبداعاً وإسهاماً حضارياً. من هنا، ولكي يكون للبنان قيمة وموقع، يجب أن يكون له دور في المجتمع الدولي وفي هذا العالم، وألا يتراجع سبب وجوده ومبرّر ديمومته. فهذا الوطن الصغير المساحة والعدد والغني بالماضي والتراث وبحكم موقعه الجغرافي وتعدّد طوائفه وتنّوع شعبه، مؤهل لأن يكون مقراً نموذجياً لحوار الحضارات والثقافات والأديان والإتنيات”.
وقد نصَّت جامعة الدول العربية والذي يعتبر لبنان جزءاً منها على مبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية.
إن الخلاف الخليجي (السعودي-القطري) هو بمثابة فرصة ذهبية يجب على لبنان الإستفادة منها ليثبت للعالم أن هذا البلد الصغير قادر على أن يفعل الكثير وهو بالفعل مركز حوار وتقارب. ولكن ما هو هذا الخلاف الذي أصبح حديث الساحة؟
إن الصراع السعودي-القطري، هو صراع قديم العهد. فالمملكة العربية السعودية تعتبر أن قطر هي جزء من إقليم الأحساء وقد طالبت تكراراً بضم قطر، ولكن بريطانيا رفضت فكرة الضم في بداية القرن العشرين، وقد وُقع اتفاق حدودي عام 1965 ولكن ظلت الحدود غير مرسومة. أضف إلى المشاكل القبلية على الحدود بين الجارتين، فقد جاءت حادثت الخفوس عام 1992 لتطلق رصاصة الرحمة على ما تبقى من علاقات جيدة، ففي 30 أيلول سبتمبر 1992 وقعت مناوشات عسكرية بين قطر والسعودية على الحدود راح ضحيتها ضابط سعودي وجنديان قطريان.
ولكي تحكم السعودية الحصار البري على قطر تنازلت عن أجزاء من واحة البريمي لصالح الإمارات العربية المتحدة مقابل الشريط الساحلي المعروف بخور العديد، وهكذا أصبحت قطر محاصرة من قبل السعودية وتحت رحمتها.
وفي كانون الأول ديسمبر 1996 قاطع أمير قطر حمد بن خليفة القمة الخليجية في مسقط بسبب اختيار الشيخ جميل الحجيلان أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي بدلاً من مرشح قطر عبد الرحمن العطية. وفي محاولة انقلاب فاشلة قام بها أمير قطر السابق خليفة على ابنه من منفاه (بعد إنقلاب إبنه عليه وتولي الحكم في 1995)، اعتبرت قطر أن السعودية تقف وراء محاولة الإنقلاب الأمر الذي ساهم بتأجيج الصراع.
والحرب الإعلامية لم تتوقف يوماً بين الجارتين، ففي العام 2002 تعرضت قناة الجزيرة القطرية لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز الأمر الذي أدى إلى سحب السفير السعودي صالح الطعيمي. ولتسوية هذا الخلاف أرسل امير قطر رئيس الوزراء ووزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لزيارة السعودية، عارضاً فتح صفحة جديدة، وقد استتبعت تلك الزيارة بزيارة قام بها أمير قطر لإعادة العلاقات الطبيعية.
بدأت قطر تتمايز عن باقي دول الخليج العربية من خلال العلاقات الجيدة التي تربطها بإيران، فقد قام أمير قطر تميم بن حمد بتهنئة الرئيس الإيراني الذي أعيد انتخابه الشيخ حسن روحاني، في المقابل قطعت السعودية علاقاتها مع إيران. وقد ساهمت قطر في إعادة إعمار لبنان وبالتحديد منطقة الجنوب بعد العدوان الإسرائيلي في تموز يوليو 2006. وتعتبر سياسة قطر داعمة لفصائل المقاومة مثل حماس وحزب الله ولكن بشكل مبطن وغير معلن، بالإضافة إلى أن قطر القريبة من جماعة الإخوان المسلمين لا تتوافق بطبيعتها مع النظام السعودي السلفي التقليدي، برغم أن كليهما يتبعان المذهب الوهابي.
لم يكن ينقص هذا المشهد سوى تصريحات داعمة لإيران وجماعة الإخوان نُسبت إلى الأمير تميم بن حمد وقد نفتها دولة قطر. ولكن ما لا يحتمل التأويل هو أن الوضع قبل تلك التصريحات ليس كما بعده، فبعد انتهاء القمة الإسلامية-السعودية-الأميركية قطعت كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، وأغلقت المنافذ البحرية والجوية (نقل جوي وبحري) معها، الأمر الذي أدى إلى هبوط في السندات الدولارية السيادية لقطر (أقل مستوى لها)، وانخفاض السندات الأقصر أجلاً.
السياسة الجديدة المفروضة على قطر سوف تؤدي إلى إلحاق الخسائر في الخطوط الجوية القطرية، ووقت الرحلة سيكون أطول، كما وأن الإقتصاد القطري سيتدهور بسبب إغلاق المعابر البرية مع السعودية والجوية مع جيرانها. وسيكون هناك جدل حول مسألة استضافة قطر لمونديال 2022 على أراضيها. بالطبع سيكون الرابح الوحيد هو إيران إقتصادياً وسياسياً.
وبما أن لبنان عضو في جامعة الدول العربية ويتميز بالحياد الإيجابي ومقبول عربياً ودولياً وتربطه علاقات دبلوماسية ممتازة مع المملكة العربية السعودية ودولة قطر، فأطالب الدولة اللبنانية باتخاذ التدابير اللازمة وعرض خدماتها لتسوية الخلاف بين الجارتين. فاليوم هو دور لبنان ليرد الجميل لمن قام باتفاق الطائف وأنهى حقبة الحرب الأهلية اللبنانية، ولمن قام باتفاق الدوحة ووحَّد اللبنانيين.
لبنان قادر على إنهاء هذا الخلاف وأنا على ثقة أن الدولة الوحيدة القادرة على التدخل هي لبنان، فلبنان حالة فريدة في العالم عموماً والشرق العربي خصوصاً.

Optimized by Optimole