ماراثون التسلّح في الشرق الأوسط: التحديات الرئيسية لإسرائيل

أس 400
Spread the love

إعداد: شاؤول شاي (عقيد احتياط بسلاح الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي) – المقالة ورقة بحثية قدمت إلى مؤتمر هرتزليا الثامن عشر، أشار فيها إلى نقاط عدة جاءت على النحو التالي:

*على مدار العقد الأخير، شهد الشرق الأوسط انطلاق ماراثون للتسليح لم يسبق له مثيل بفعل أربعة عوامل جيو استراتيجية رئيسية هي:
*تغلغل إيران رغبة في تحقيق الهيمنة الإقليمية، وذلك من خلال الاتفاق النووي مع إيران، وتحقيقها إنجازات في العراق وسوريا وحرب اليمن، الأمر الذي دفع السعودية ودول الخليج إلى الرد على ذلك بإنفاق مبالغ طائلة للتزود بأحدث منظومات السلاح وانضمام مصر لهذا الماراثون باعتبارها جزءًا من التحالف العربي السني.
*رغبة لاعبين لا يشكلون دولًا في التسلح بشكل لم يسبق له مثيل بوسائل قتالية – وفي مقدمتهم حزب الله ثم (حماس – الحوثيون في اليمن..إلخ)، فهم يسعون إلى التزوّد بوسائل قتالية متقدمة خاصة فيما يخص مجال إطلاق القذائف والصواريخ، وتساعدهم في ذلك إيران.
*الحروب في الشرق الأوسط التي تتطلب تخصيص الكثير من الموارد ومواصلة التزوّد بوسائل القتال والحاجة إلى ترميم وإعادة بناء جيوش تم تدميرها أو حلّها في أعقاب أحداث “الربيع العربي”، وفي هذا السياق يتوقع أن تصل مسيرة التسلّح والترميم تلك في دول (العراق – سوريا – اليمن وليبيا) إلى ذروتها في المستقبل.
*عودة روسيا إلى مكانتها البارزة في الشرق الأوسط وتنافسها مع الولايات المتحدة والغرب على التأثير على المنطقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إحدى نتائج المواجهة بين الدول العظمى تلك تمثل في تزوّد دول المنطقة بالسلاح من الجانبين، في محاولة من كل جانب إلى ترسيخ وجوده وإثبات تأثيره على المنطقة.
*على خلفية كل ذلك، أصبح الشرق الأوسط اليوم، أحد الأسواق الرئيسية لشراء وسائل القتال، خاصة السعودية والإمارات، التي بلغ حجم شرائهما للأسلحة من الولايات المتحدة 19% من مجمل التسلح في المنطقة. وتشير تفاصيل صفقات الأسلحة التي جرى توقيعها على مدار الأعوام الأخيرة في الشرق الأوسط، إلى سعي دول المنطقة إلى التزوّد بأفضل الطائرات المقاتلة (من الولايات المتحدة – بريطانيا – فرنسا وروسيا)، والحصول على غواصات وسفن متقدمة من (ألمانيا – الولايات المتحدة – فرنسا وروسيا)، والصواريخ والقذائف من (إيران – الصين وروسيا)، إضافة إلى سعيها للحصول على أنظمة دفاع جوي متقدمة من (الولايات المتحدة وروسيا) وغيرها.
التهديد الذي تشكِله إيران وحلفاؤها – وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تهديد حقيقي وفوري.
*الإشارة إلى أن هناك تهديدًا محتملًا تمثله بعض الدول العربية، ليس على إسرائيل فحسب، وإنما على دول تربطها بإسرائيل علاقات مشتركة، غير أنه في ظل الواقع الديناميكي المتحرك للشرق الأوسط، يجب الأخذ في الاعتبار أيضًا التغيّرات الاستراتيجية التي يمكن أن تضع تلك الدول في مواجهة مع إسرائيل.
إن سعي الدول العربية للتسلح يستهدف تحقيق هدفين هما:
* الرغبة في تنويع مصادر الحصول على وسائل القتال، فرغم أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر المورد الرئيسي للأسلحة لكل من (السعودية – الإمارات ومصر)، إلا أن تلك الدول تتبنى استراتيجية تنويع مصادر الحصول على وسائل القتال لتقليص اعتمادها على مورِد أوحد.
* تطوير صناعة عسكرية حديثة كجزء من هدف يتمثل في تقليص الاعتماد على دول أجنبية في التزود بوسائل القتال وتحقيق تطوير تكنولوجي واقتصادي ذاتي.
وفيما يتصل بماراثون التسلح الإقليمي، تجدر الإشارة إلى وجود تحديات رئيسية تواجه إسرائيل، تتمثل في:
*التهديد النووي الإيراني والتعجيل بضم دول (الإمارات – مصر والسعودية وغيرها من دول المنطقة) لمشروع نووي للأغراض المدنية.
*التهديد بإطلاق الصواريخ والقذائف: ومصدر هذا التهديد يتمثل في إيران، التي تعكف على تطوير صواريخ بما يلبي احتياجاتها الاستراتيجية والعملية والتكتيكية، في إشارة إلى الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، التي يزيد عددها عن 100.000 صاروخ وقذيقة في حوزة حزب الله، وتتميز بقدرتها على إصابة الهدف بدقة وبلوغ مدى طويل إضافة إلى تزودها برؤوس قتالية.
*منظومة الأقمار الصناعية التي مكّنت من النفاذ للمنطقة ورؤيتها بشكل واضح. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ماراثوان الفضاء الذي يخوضه الشرق الأوسط، وتستهدف دول المنطقة من خلاله إلى نشر شبكة أقمار تجسس ومراقبة تقوم بتغطية مختلف مناطق الشرق الأوسط من الناحية الاستخباراتية. كما تحرص بعض دول المنطقة (وفي مقدمتها إيران وتركيا) على تطوير قدرتها نحو بناء أقمار صناعية بجهود ذاتية والعمل على إطلاقها، إضافة إلى قيام بعض الشركات الأجنبية بعرض لقطات عالية الجودة بناءً على طلب من بعض الدول وقد تستخدمها تنظيمات إرهابية في أغراضها التخريبية.
*طائرات قتالية متقدمة: وهنا تجدر الإشارة إلى حرص دول الشرق الأوسط على التزود بطائرات قتالية مزودة بأفضل أنظمة التسليح. فعلى سبيل المثال، تمتلك السعودية طائرات F 15 S و يوروفايتر تايفون، كما تمتلك الإمارات طائرات من طراز F 16، بينما يوجد لدى قطر طائرات F 15 QA وطائرات يوروفايتر تايفون. أما مصر فيتنوع أسطولها الجوي بين طائرات F 16، ورافال (الفرنسية) وطائرات ميج 29 (الروسية)، وفي هذا السياق يجدر ذكر مقترح روسيا ببيع أفضل ما لديها من طائرات قتالية متقدمة من بينها سوخوي 35 لكل من الإمارات والسودان.
*أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة: وفي هذا الصدد، تُعد روسيا المورِد الرئيسي، حيث سبق وأن قامت بتزويد إيران ومصر بأنظمة إس 300، وتجري اتصالات حاليًا لبيع منظومة إس 400 لكل من (تركيا – السعودية – الإمارات وقطر). وفي نفس السياق تبيع الولايات المتحدة أنظمة دفاع جوي تأتي في صدارتها منظومة باتريوت المتقدمة (المستخدمة حاليًا في السعودية في اعتراض الصواريخ)، والتي حصلت عليها أيضًا كل من الإمارات ومصر. وتُعد الإمارات أول دول في الشرق الأوسط تحصل على منظومة ثاد THAAD القادرة على اعتراض الطائرات والصواريخ.
*طائرات بدون طيار: تعمل أغلبية دول المنطقة على التزود بالطائرات بدون طيار بهدف استخدامها في جمع المعلومات، إضافة إلى تميّز بعضها بصواريخ أو مواد متفجرة، حيث يُطلق على هذا النوع من الطائرات (طائرات بدون طيار انتحارية). وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى قدرة إيران على تصنيع طائرات بدون طيار من أنواع مختلف ذاتيًا، بينما تعتمد دول (مصر – السعودية – الإمارات ودول أخرى في بالمنطقة) على استخدام طائرات بدون طيار أميركية وإنجليزية الصنع، غير أنه في ظل رفض الولايات المتحدة تزويد تلك الدول بطائرات بدون طيار مسلحة، عمدت تلك الدول إلى الحصول على هذا النوع من الطائرات من الصين. وفي نفس السياق، تجدر الإشارة إلى اعتماد التنظيمات “الإرهابية” – وفي مقدمتها حزب الله وحماس والحوثيون في اليمن – على استخدام هذا النوع من الطائرات، حيث تعمل إيران على تزويدها بها، إضافة إلى استخدامها أيضًا في العراق وسوريا، ما يشير إلى تهديد متوقع في ظل تزايد انتشار الحوامات في المنطقة.
*التهديد البحري: حيث تعمل إيران على تعزيز تهديدها البحري للمنطقة من خلال استخدامها لوسائل قتالية بحرية من إنتاجها أو بتمويلها لتنظيمات إرهابية تابعة لها. وهنا تجدر الإشارة إلى ما تشكِّله صواريخ ياخونت الإيرانية من تهديد لسواحل إسرائيل، خاصة وأنه بحسب مصادر أجنبية، سبق وأن قامت إسرائيل بإفشال عملية نقل شحنة من هذه النوع من الصواريخ من سوريا إلى حزب الله، إضافة إلى صواريخ سي 802 البحرية التي عمد حزب الله إلى استخدامها عام 2006، ويستخدمها الحوثيون حاليًا في اليمن ضد أسطول التحالف السعودي والولايات المتحدة، إضافة إلى استخدامهم للزوارق غير المأهولة في البحر الأحمر، التي تتميز بالتحكم في عملها عن بعد وتحميلها بمواد متفجرة، حيث يتم استخدامها ضد أسطول التحالف، وكذلك الألغام البحرية إيرانية الصنع. وفي نفس السياق، يجدر ذكر ما وصل إليه الأسطولان السعودي والمصري من تطور وتحديث وقوة لم يسبق له مثيل، فقد تزود الأسطول المصري مؤخرًا بـأربع غواصات حديثة من ألمانيا وحاملتي مروحيات من فرنسا و57 مروحية مقاتلة من روسيا من أجل حاملتي المروحيات وأربع سفن حربية صغيرة جديدة من فرنسا إضافة إلى قطع بحرية أخرى من الولايات المتحدة الأميركية. هذا في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى تحديث أسطولها بشكل شامل من خلال تزويده بقطع بحرية متقدمة من الولايات المتحدة وأسبانيا.
*التهديد السيبراني: تعمل دول المنطقة وبالأخص إيران والتنظيمات الإرهابية على غرار حزب الله وحماس، على تطوير قدراتها في هذا المجال، ما يشكِل تهديدًا على إسرائيل ويجعلها معرضة لهجمات تلك العناصر، ولذا فإنه ينبغي على إسرائيل الانتباه لعمليات الاختراق الموجهة ضدها من العالم العربي بما فيه الدول التي لا تشهد مواجهة حالية مع إسرائيل، وكذلك إزاء مجموعات الهاكرز من خارج الشرق الأوسط مثل مجموعة أنونيموس.

وينهي الكاتب ورقته بالتأكيد على النقاط التالية:
*إيران تشكِّل العامل الرئيسي المحرِك لماراثون التسلح في الشرق الأوسط، ورغم العقوبات المفروضة عليها، فإنها تعمل على تعزيز قدراتها في مجال تطوير وتصنيع أنظمة التسليح محليًا، وتكثِف جهودها فيما يتعلق بتطوير وإنتاج القذائف والصواريخ، فضلًا عما تحرزه من إنجازات في مجال تصنيع الطائرات بدون طيار، والسايبر .
*يتوقع في غضون أعوام قادمة، مع رفع حظر التسليح عن إيران، أن تنضم لماراثون التسلُح الإقليمي وأن تصبح روسيا والصين في مقدمة الدول الراغبة في الحصول على وسائل قتال وتكنولوجيا متقدمة.
*يشار إلى أن عودة الدب الروسي إلى الشرق الأوسط ورغبة روسيا في الانفراد بالتأثير عبر بيعها أسلحة متقدمة لدول المنطقة، تشكِّلان عنصرًا مؤثرًا ذا ثقلٍ على ماراثون التسلح الإقليمي.
*التأكيد على أن حرص جميع دول الشرق الأوسط على التزود بوسائل قتال من روسيا، يرجع إلى حزمة من الدوافع، من بينها إيران كما هو معروف، خاصة في ظل ما تقدمه روسيا لإيران من أنظمة تسليح وتكنولوجيا أكثر تقدمًا، ورغم نشاط الصين الملحوظ في هذا المجال.
*توضيح أن الاتفاق النووي JCPOA، يفتح آفاقًا مستقبلية، خاصة في ظل رفع حظر التسليح المقرر في غضون الأعوام الخمسة القادمة، نظرًا لأنه بحلول عام 2020، سيصبح الباب مفتوحًا أمام دول أوروبية لتزويد إيران بوسائل قتالية متقدمة بموافقة مجلس الأمن.
*التأكيد على أنه في إطار الرد على ما تشكِّله إيران من تحدٍ، تسعى الدول العربية بشكل حثيث للحصول على أنظمة تسليح متقدمة بشكل لم يسبق له مثيل، إضافة إلى عدة أسباب أخرى تتمثل في:
أ – رغبة (مصر – السعودية – الإمارات وغيرها من الدول) في إجراء تدريب وتأهيل لجيوشهم عبر توطيد التعاون مع دول غربية تحصل منها على وسائل القتال، وإجراء مناورات فيما بينها وبين دول أخرى، حيث يتم خلال تلك المناورات نشر قوات جوية، بحرية وبرية للدولتين (بما يتناسب مع طبيعة المناورة)، الأمر الذي يتيح التعاون بين جيوش الدول المشاركة وتبادل الخبرات بما يفيد الطرفين.
ب – رغبة الدول العربية في اكتساب خبرة قتالية تستخدمها في مختلف جبهات المواجهة في الشرق الأوسط، يتم تفعيلها عبر أنظمة التسليح المتقدمة التي تم الحصول عليها. وهنا تجدر الإشارة إلى اشتراك عشر دول في حرب اليمن، والحرب التي تديرها مصر ضد الإرهاب في سيناء وعلى الحدود مع ليبيا، إضافة إلى انغماس عشرات الدول العربية في محاربة “داعش” في سوريا….إلخ..
*الإشارة إلى أنه على مدار الأعوام الأخيرة، أرخت إسرائيل موقفها إزاء حصول مصر ودول الخليج على سلاح متطور أميركي، نظرًا لأنها رأت في ذلك دعمًا للجبهة الإقليمية المضادة لإيران، غير أن اتساع نطاق حصول مصر ودول الخليج على وسائل القتال، من الممكن أن يسحق التفوق العسكري لإسرائيل، خاصة وأن ماراثون التسلّح الإقليمي جعل الدول العربية تمتلك أنظمة تسليح تضاهي (إن لم تكن تتطابق) مع ما يوجد لدى إسرائيل، ولذا فإن السؤال الذي يجب طرحه هنا هو متى سيتحول التسلّح الكمّي لتلك الدول إلى تسلّح كيفي يجعلها قادرة على استخدام ما لديها من أنظمة تسليح بشكل يكافي قدرة إسرائيل ومهارتها؟.

ترجمة : لبنى نبيه عبد الحليم – مترجمة وباحثة في الشأن الإسرائيلي

Optimized by Optimole