عقل صلاح: ملف المصالحة الفلسطينية موسمي تتحكم به المصالح الحزبية والإقليمية

عقل صلاح: ملف المصالحة الفلسطينية موسمي تتحكم به المصالح الحزبية والإقليمية
Spread the love

خاص بمجلة شجون عربية حوار: فاطمة الموسى | الدكتور عقل صلاح وهو باحث وكاتب فلسطيني له العديد من المؤلفات والدراسات بشأن القضايا الفلسطينية. حاورته مجلة “شجون عربية” حول مآلات المصالحة الفلسطينية.

– لماذا حرك موضوع المصالحة الفلسطينية الآن وما هو دور جبريل الرجوب؟
صلاح:
ملف المصالحة مستمر منذ عقد ونصف تقريباً ينتقل من محطة إلى أخرى، ومن وساطة إقليمية إلى وساطة دولية، إلا أن المحاولات فشلت فشلاً ذريعاً في إتمام المصالحة، حتى أضحى ملف المصالحة ملفاً موسمياً ويتم تحريكه بناء على التغيرات والتطورات السياسية على الساحة الإقليمية والمحلية؛ فكلما قامت إسرائيل بتطبيق سياسة استراتيجية ضد فلسطين تحرك ملف المصالحة وعند الإنتهاء من تنفيذ وتطبيق القرار الإسرائيلي يعود ملف المصالحة إلى نقطة البداية “التعثر” وتعود سياسة التراشق الإعلامي أو الردح الإعلامي ما بين المتخاصمين، حركتي حماس وفتح”. ومثال على ذلك عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نقل سفارة بلاده للقدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تم تحريك ملف المصالحة وتحدث الرئيس محمود عباس حينها عن نيته زيارة قطاع غزة. ولكن عند الانتهاء من تنفيذ القرار، لم يتم الحديث عن ملف المصالحة وتم تغييبه حتى جاء قرار إسرائيل بضوء وموافقة أميركية بضم 33% من مساحة الضفة الغربية، تم تحريك هذا الملف من جديد. وتم عقد لقاء تلفزيوني بين القياديين البارزين جبريل الرجوب والشيخ صالح العاروري، وتم الإعلان عن بداية تنفيذ خطوات نحو المقاومة الشعبية المشتركة لمقاومة سياسية الضم. ولكن بقي هذا اللقاء وكل ما نتج عن المحادثات التي سبقته ولحقته حبراً على ورق، ولم ولن تجد طريقها للنور وحتى الاتفاق على مهرجان خطابي في القطاع تم إحباطه ولم يتم.
أما بخصوص دور الرجوب وصالح العاروري، فالأول حديث نوعاً ما على ملف المصالحة على الرغم من محاولاته في السابق واجتماعاته مع “حماس” والاتفاق معهم على بعض الأمور، ولكن هذه المرة يلعب دورًا بارزًا، وتم الإعلان في اللقاء التلفزيوني على الخطوات التي لم ترَ النور وذلك للعديد من الاعتبارات. فالقيادات الفلسطينية لا تريد للرجوب تحريك ملف المصالحة وتحقيق إنجاز في ظل محاصرة القضية الفلسطينية وسياسة الضم. وهذا يصب في تدعيم شعبية الرجوب وقد يعقد صفقة مع “حماس” للمنافسة على كرسي الرئاسة الفلسطينية، فكيف يمكن تفسير لقاء مسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد وأعضاء من اللجنة التنفيذية مع الشيخ القيادي الحمساوي الكبير الأسير المحرر حديثاً حسن يوسف في بيته في البيرة والإعلان من قبل عزام الاحمد على الاتفاق بالقيام في خطوات تجاه المصالحة. لكن لا خطوات الرجوب تمت ولا خطوات الأحمد نفذت، مما يؤكد بشكل قطعي أن ملف المصالحة تتحكم به المصالح الحزبية الضيقة بين الحركتين، وحتى داخل حركة فتح تتحكم به الاعتبارات التنافسية والاستقطاب والصراع على النفوذ لتحقيق إنجازات انتخابية مستقبلية.
إضافة إلى ما سبق، هناك موقف مصر من الرجوب وعدم رغبتها بأن يخرج ملف المصالحة من تحت مظلتها. فالاعتبارات الإقليمية وبالتحديد مصر تفرض نفسها على السياسة الفلسطينية، ولعل زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله في 20 تموز/يوليو 2020، والاجتماع مع الرئيس عباس. وبعد الزيارة لم يتم الحديث عن ملف المصالحة وأصبح في طي النسيان ما يفسر عدم رضا الجانب المصري عن هذا التحرك خارج مظلتها وتحديداً من قبل الرجوب.
وهنا سوف يتم تناول ملف المصالحة من قبل العديد من القيادات سواء الحمساوية أو الفتحاوية وجميع هذه المحاولات ستلقى مصير محاولة القائد يحيى السنوار وجبريل الرجوب والعاروري وغيرهم ما دام التفكير بهذه الطريقة.

د. عقل صلاح

– ما هي معوقات المصالحة؟ هل هي داخلية أم خارجية؟
صلاح:
هناك العديد من المعوقات الجوهرية تقف في طريق تحقيق المصالحة الفلسطينية يمكن حصر أهمها في التالي:
المعوق الأول، يتعلق بسلاح المقاومة، فكما هو معروف أن “حماس” استمدت شعبيتها وتفوقها على حركة فتح من خلال عملياتها العسكرية، ودورها البارز في مقاومة الاحتلال. ففي حال تخلت “حماس” عن المقاومة وسلاحها فستصبح شبيهة بحركة فتح وبرنامجها هو نفس برنامج فتح، ومن المستحيل أن تقدم “حماس” عليه. وهذا ما أكده القائد الحمساوي موسى أبو مرزوق في تصريح له في 22 أيلول/سبتمبر الجاري بأن سلاح المقاومة ليس مطروحاً على طاولة الحوار، ومعنى ذلك أن الموقفين الأميركي والإسرائيلي سيكونان في هذا الملف حاسمين ومعطلين، إضافة إلى أن الرئيس عباس ليس الرئيس اللبناني ميشال عون الذي سيدافع عن سلاح المقاومة .
ويتمثل المعوق الثاني، في الجنود والمعتقلين الإسرائليين لدى “كتائب القسام”، حيث سيشترط العالم والبعض العربي وإسرائيل بأن يتم تسليم الجنود سواء أحياء أو أموات من أجل إحياء انفراجة في حصار غزة والمصالحة. وهذا الملف بالنسبة لحركة حماس مصيري ولا يمكن لها أن تساوم عليه. فهو العامل الأساسي الذي تعول عليه حماس في رفع شعبيتها وزيادة فرصها في التفوق على الخصم والفوز في أي انتخابات قادمة.
وينصرف المعوق الثالث، الذي لا يقل أهمية عن سابقيه في الأنفاق التي أوجعت الاحتلال والتي ستؤلمه في أي حرب قادمة، وإسرائيل تخطط ليلًا ونهارًا للخلاص من كابوس الأنفاق فسوف تطالب إسرائيل مدعومة من أميركا والبعض العربي بأن تسلم “حماس” خريطة الأنفاق التي تصل المستوطنات الإسرائيلية. وهذا يعني بالنسبة لحركة حماس خيانة للمقاومة وشلالات الدماء التي سالت من أجل صناعة شبكة الأنفاق التي تعول عليها حماس، فهي أهم استراتيجية عسكرية في التفوق وحسم نتيجة أي حرب قادمة.
والمعوق الرابع، والذي يتعلق في الجانب الإداري الوظيفي، فحماس تريد بقاء تواجدها التنظيمي والسيطرة الخفية على المؤسسات- المدنية والأمنية- من خلال موظفيها الإداريين والأجهزة الأمنية. فحماس لا يمكن لها التنازل عن ملف الموظفين وتسكينهم على الهيكليات الرسمية، وهذا يشكل عائقاً أمام السلطة في رام الله من الجانب الإداري والمالي والمعنوي وستواجه مشكلة بأنها تخلصت من أبناء فتح من خلال التقاعد الإجباري المبكر ليحل محلهم أبناء حماس وهذا لا يمكن أن يستقيم عند حركة فتح.
كل العوامل سابقة الذكر تقف سدًا منيعًا أمام تحقيق المصالحة، بالإضافة للعديد من العوامل التي يمكن تذليلها أو إحداث اختراق بها، ولكن حتى لو حدثت المصالحة التقاربية الاضطرارية، فلن تعمر وسوف تصدم بكل الملفات المرحلة وبالمطالب الإسرائيلية والأميركية والعربية الجديدة التي ستورط الحكومة الفلسطينية في ملفات أمنية خطيرة، مما سيعود الصدام مرة ثانية مع حركة حماس التي لن تترد في السيطرة على القطاع مرة ثانية خلال ساعتين. ومن هذه الملفات مخازن الصواريخ والسلاح والجنود والأنفاق والتنسيق الأمني وغيرها الكثير.
ولهذا كله لا يمكن اتمام المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية الشاملة. فالمصالحة الشاملة تتطلب وجود قيادة فلسطينية مستقلة القرار، تدافع عن نهج المقاومة وسلاحها وحمايتها، واعتبار القطاع محرراً وتشكيلات المقاومة وفي مقدمتهم كتائب القسام هم جيش احتياط وطني. وفي الوقت الحاضر هذا غير متوفر في القيادة الفلسطينية الحالية التي لا تستطيع مواجة أميركا وإسرائيل وغيرها.

-هل الطرفان جادان بالمصالحة أم هو تقاطع مصالح آني؟
صلاح:
لو كان الطرفان جادين في المصالحة لما استمر الانقسام تقريبًا عقد ونصف من الزمن وفشلت كل المحاولات والتدخلات الإقليمية والمحلية في إتمام المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية. فكل المعيقات الداخلية والخارجية والمصالح الحزبية الضيقة تقف أمام المصالحة كمتراس قوي وكبير لا يمكن تجاوزه من دون إرادة سياسية ووجود قرار سياسي مستقل لكلا الطرفين، وبالتحديد السلطة الفلسطينية التي يرتهن قرارها للعلاقة مع إسرائيل وبالتحديد بالجانب الكفاحي “السلاح وكتائب القسام”. في ظل غياب القرار المستقل، لا توجد مصالحة في القريب العاجل، فالمصالحة في ظل الواقع الحالي بعيدة المنال.
أما بخصوص إتمام المصالحة فكلا الطرفين وبالتحديد “حماس” تريد الخروج من القنينة المحاصرة فيها فهي تريد أن تفتح نافذة لها على العالم الخارجي من خلال إتمام المصالحة، ولكن ضمن شروطها بالحد الأدنى. وحركة فتح تريد السيطرة على القطاع وتجريد “حماس” من قوتها واستغلالها في الوقت الراهن بالتلويح بعصا “حماس” للعالم بأن السلطة ستتصالح مع “حماس” إذا تم الضم. وهذا كله آني وغير جاد وغير حقيقي ولحظي غير مبني على استراتيجية وطنية لمقاومة الاحتلال وسياسة الضم.

-هل أثّر موضوع الضم في التفكير بالمصالحة والوحدة الوطنية؟
صلاح:
نعم أثّر ولكن بشكل بسيط وغير كافٍ. والدليل على ذلك لم يتم تحقيق ولو خطة واحدة نحو تجسيد الوحدة الوطنية نظريًا وعمليًا، فعلى المستوى النظري المهرجان الخطابي الذي تم الاتفاق عليه والإعداد له لم يعقد لعدم اتخاذ قرار استراتيجي فلسطيني بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة. فلا سياسة الضم ولا قرار نقل السفارة ولا منح القدس لإسرائيل ولا مصادرة الأموال ولا استهداف الأسرى حقق المصالحة ولا هدم المسجد الأقصى – لا سمح الله – سيحقق المصالحة ما دام يتحكم بهذا الملف الضغوط الخارجية والمصالح الحزبية الضيقة والخلافات والتنافس حتى داخل الحركة نفسها. فيمكن تحقيق المصالحة بحالة حدوث حدث جلل يغيّر القيادات الحالية ويخلق قيادة ثورية لا تحسب حساباً غير الحساب الوطني ومصالح فلسطين.

Optimized by Optimole