صحيفة اسرائيلية: إيران تغرز أوتاداً في سورية

Spread the love

أفرايم كام – باحث في معهد دراسات الأمن القومي/

مما لا شك فيه أن طريقة العمل المفضلة بالنسبة إلى إيران هي أن تُبقي في سورية القوات العسكرية التي أرسلتها إلى هناك بقيادتها وقتاً طويلاً – بما في ذلك وحدات حزب الله والميليشيات الشيعية الأُخرى، وعناصر “الحرس الثوري” و”فيلق القدس” الذين يقومون بتشغيل هذه الميليشيات. قبل كل شيء، صحيح أن نظام بشار الأسد أصبح مستقراً، لكن بقاءه ليس مضموناً، ومن الممكن أيضاً عودة تنظيم الدولة الإسلامية وتعريض المصالح الإيرانية في سورية والعراق للخطر. بناء على ذلك، فإن الهدف من بقاء القوات التي تقودها إيران في سورية هو المحافظة على تعزيز ارتباط نظام الأسد بإيران واعتماده عليها. وذلك من أجل مساعدة النظام على مواجهة اضطرابات مستقبلية محتملة تهدد استقراره، ولمنع أي إمكان للمسّ بمكانة إيران في سورية ومحيطها إذا جرى استبدال نظام الأسد بنظام آخر.
ثانياً؛ تسعى إيران لاستغلال وجودها في سورية لزيادة تهديد إسرائيل بواسطة حزب الله والميليشيات الشيعية الأُخرى، من خلال توسيع الجبهة في مواجهة إسرائيل، من لبنان إلى سورية. من هذه الناحية يشكل الانتشار العسكري في سورية في نظر إيران الجبهة المتقدمة في مواجهة خصومها، بعيداً عن حدودها. ثالثاً؛ الوجود في سورية يقوّي النفوذ الإيراني أيضاً في دولتين جارتين، العراق ولبنان، المهمتين بالنسبة إلى إيران بسبب العدد الكبير للسكان الشيعة فيهما. سورية هي الحلقة التي تربط إيران، عن طريق العراق ولبنان، بالبحر المتوسط. هذا الربط يسمح لإيران بتعزيز الفضاء الشيعي، بما في ذلك بواسطة تحسين مستمر لقدرة حزب الله العسكرية.
التدخل في سورية يتيح لإيران الظهور أمام العالم السني كقوة شيعية متعددة القوميات، راكمت خبرة قتالية، ويمكن استخدامها أيضاً في مراكز أُخرى مهمة بالنسبة إلى النظام الإيراني.
مفتاح استمرار بقاء القوات الإيرانية/ الشيعية في سورية موجود إلى حد بعيد في يد الأسد. لقد نجحت إيران حتى الآن في إبقاء قواتها في سورية، على الرغم من الضغوط عليها، بحجة أن تدخلها في سورية جاء بدعوة مباشرة من نظام الأسد. أيضاً روسيا أوضحت أنه سيكون من الصعب إخراج هذه القوات من سورية، ما دام النظام يريد بقاءها. في هذه الأثناء، يلمّح الأسد، لأسباب متعددة، إلى أن وجود هذه القوات مرغوب فيه ومهم له. الأسد مدين لإيران وروسيا باستمرار نظامه. لقد بدأت سورية بالانتقال إلى عملية إعادة بناء صعبة ومعقدة وطويلة، وهي بحاجة في هذه العملية إلى مساعدة اقتصادية وعسكرية واسعة من إيران. ولا يزال هناك أعداء لنظام الأسد يمكن أن يشكلوا خطراً عليه، والمواجهات معهم تتطلب دعم إيران، بما في ذلك استمرار وجود قواتها هناك.
لكن من الممكن الافتراض أن إيران تأخذ في حسابها انقلاب الأمور. الأسد لا يزال بحاجة إلى إيران، لكن بصورة أقل مما كان عليه قبل أربعة أو خمسة أعوام، لأن الخطر الأساسي على بقائه تلاشى إلى حد بعيد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يدرك الأسد أن ضرر استمرار الوجود العسكري الإيراني في بلاده أكبر من منفعته، وأنه يعرضه للخطر مرة بعد أُخرى مع إسرائيل، ويخلق احتكاكات في علاقته بروسيا. ويمكن التقدير أن سورية ستستمر في التعرض للضغوط من الخارج من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما أيضاً من جانب روسيا، ومن المحتمل من تركيا، لإخراج القوات الإيرانية من سورية. إيران أيضاً لا يمكنها أن تتجاهل احتمال أن نظام الأسد، على الرغم من استقراره، قد لا يبقى في المدى البعيد، وسيُستبدل بنظام آخر يفضل الابتعاد عن إيران.
لهذه الأسباب، قررت إيران، على ما يبدو، قبل عدة سنوات عدم الاكتفاء بتقديم مساعدة عسكرية واقتصادية لسورية، بما في ذلك التدخل العسكري فيها. ما تريده إيران كان وسيبقى استغلال الضائقة والدمار في سورية لمحاولة التأثير في عدد من المكونات المستقبلية والاقتصادية في النظام السوري، وهذا ما يؤدي إلى توثيق الصلة بينه وبين إيران، من دون أن يكون ذلك مرتبطاً فقط بنظام الأسد. وهكذا تحول التغلغل الاقتصادي- الاجتماعي إلى سورية إلى مكون مركزي في سياسة إيران الشرق الأوسطية.

مجموعة الاتفاقات بين إيران وسورية

المساعدة العسكرية الواسعة التي منحتها إيران لسورية منذ سنة 2012، وفي الأساس منذ سنة 2014، كانت ناجمة بالتأكيد عن مجموعة اتفاقات وقّعها الطرفان، الهدف منها ترتيب التدخل العسكري الإيراني في سورية والمساعدة الاقتصادية الواسعة التي منحتها إيران لها. مضمون هذه الاتفاقات لم يُكشف عنه، بما هو أبعد من ملامحه العامة، لكن لا شك في أنه كانت هذه المساعدة دوراً مركزياً في نجاح نظام الأسد في البقاء وبداية انتعاشه. منذ سنة 2018، وبعد أن اتضح أن نظام الأسد قد نجا من خطر الانهيار القريب، جرى الكشف، بالتدريج، عن تفصيلات عامة إضافية للاتفاقات الموقّعة بين إيران وسورية، والتي ستؤثر في شبكة العلاقات بينهما مستقبلاً. في الوقت عينه، من الممكن الافتراض أن جزءاً من هذه الاتفاقات، وخصوصاً في المجال العسكري، لم يُكشف عنه حتى بملامحه العامة – بين هذه الاتفاقات، كما يبدو، تلك التي لها علاقة بالمواجهة مع إسرائيل.
ضمن هذا الإطار، في آب/أغسطس 2018 وفي آذار/مارس 2019، وقّعت إيران وسورية مجموعة اتفاقات تتعلق بتوسيع النشاط العسكري بين البلدين، وإعادة بناء القوات العسكرية والصناعة العسكرية في سورية. هذه الاتفاقات أكدت أيضاً استمرار وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية – صيغة يبدو أن الغرض منها التغطية على استمرار وجود عناصر”الحرس الثوري” و”فيلق القدس” والميليشيات الشيعية في سورية. على الصعيد الاقتصادي، في 2018-2019 وقّع الطرفان سلسلة اتفاقات تتعلق باستثمارات إيرانية في سورية، من أجل بناء مناطق دمرتها الحرب وإعادة إعمارها، وتزويد سورية بالنفط الإيراني، وفي مجالات النقل والسكة الحديد واستغلال المواد الخام.
الطرفان معنيان جداً بتوسيع العلاقات العسكرية والاقتصادية بينهما. بالنسبة إلى سورية، إيران تقدم لها أكبر مساعدة اقتصادية منذ سنوات، من دون وجود بديل. الدعم الإيراني الاقتصادي لسورية مهم، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، لمواجهة الدمار الذي سببته الحرب الأهلية. لهذا السبب لن يسارع نظام الأسد، كما يبدو، إلى المسّ بعلاقته بإيران، على الرغم من الضغوط التي تُمارَس عليه. في نظر النظام الإيراني، المساعدة الاقتصادية هي أداة مركزية لربط سورية بها، ومن أجل تعزيز نفوذها في المنطقة الواقعة بين إيران والبحر المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، في ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران والوضع الاقتصادي المتدهور، وفي ضوء الانتقادات الداخلية في إيران للأموال التي تحوّل إلى سورية، من المهم للنظام الإيراني أن يبين أن العلاقة بسورية تجلب فوائد اقتصادية حقيقية لإيران من ضمنها استثمارات إيرانية في سورية.

توطين سكان شيعة في سورية

أحد أهم الخطوات التي تتخذها إيران، بالتنسيق مع نظام الأسد، توطين عائلات شيعية في سورية على حساب السكان السنة. الفرصة التي سنحت للإيرانيين للقيام بهذه الخطوة تعود إلى تضافر عدة عوامل: الالتقاء في المصالح بين نظام الأسد وإيران على تغيير الميزان الديموغرافي في سورية لمصلحة العلويين والشيعة؛ الإمكانات التي نشأت عقب الدمار الواسع الذي أحدثته الحرب الأهلية، بما في ذلك فرار الملايين من السنة من منازلهم؛ وجود القوات الإيرانية والشيعية في سورية.
من الواضح أن العدد القليل نسبياً للشيعة في سورية – نحو واحد في المئة من مجموع السكان – لا يسمح بتغيير مهم في الميزان الديموغرافي العام. لذلك، يبدو أن الإيرانيين يريدون تغيير الميزان في مناطق معينة وزيادة وزن الشيعة فيها. بحسب تقارير، من المهم لإيران بصورة خاصة نقل السكان الشيعة إلى المنطقة الواقعة بين دمشق وحمص، لتعزيز الموقع الإيراني في غرب سورية، وفي مناطق تؤدي إلى لبنان، وبذلك تبني جبهة داخلية لحزب الله شرق سورية. انطلاقاً من هذه النظرة تشجع إيران انتقال عائلات شيعية عراقية، وكذلك عائلات مقاتلين من “الحرس الثوري” والميليشيات الشيعية، وتعمل على توطينها في منطقة دمشق وشرق سورية، وفي مناطق فرّ منها سكانها السنة.
من أجل تشجيع زيادة عدد السكان الشيعة في سورية، تمنحهم إيران مالاً وغذاء وخدمات عامة وتعليماً مجانياً. ميليشيات شيعية – إيرانية سيطرت على مساجد وأماكن مقدسة في مدن وبلدات في شرق سورية ووسطها. الإيرانيون فتحوا مدارس، لغة التعليم فيها هي الفارسية، ويقدمون منحاً دراسية للطلاب، بينها منح للدراسة في إيران. زيادة عدد السكان الشيعة في سورية، يبدو أن نظام الأسد ينظر إليها نظرة إيجابية. فهؤلاء السكان من المتوقع أن يؤيدوا النظام في وقت المحنة. ويمكن أن تُعتبر الهجرة الشيعية إلى سورية في إيران كمقابل للدعم الواسع الذي قدمته لنظام الأسد في وقت الشدة. الهجرة الشيعية أيضاً مرغوبة من النظام لأن لها علاقة بتقديم مساعدة إنسانية وخدمات أساسية للسكان على حساب إيران. بالإضافة إلى ذلك، هناك من يعتقد أن نظام الأسد يساعد عن قصد في توطين الشيعة في سورية من خلال كبح عودة اللاجئين السنة إلى منازلهم، من أجل مساعدة الأطراف الشيعية على الاستيطان فيها.
بينما يستقبل النظام الهجرة الشيعية بترحاب، تشعر جهات سنية، ومن المحتمل أيضاً أطراف علوية موالية للنظام بالقلق من هذه العملية. هم يتخوفون من تغيير الطابع الديني في القرى والأحياء التي يسكنها الشيعة، بمساعدة المال الإيراني، وفي الأساس من التأثير الديني الذي تحاول إيران إحداثه في هذه المناطق. في كل الأحوال، من الواضح أن الاستيطان الشيعي في سورية إذا وصل إلى حجوم كبيرة، سيقوي قاعدة نفوذ إيران، وفي موازاة ذلك أيضاً سيقوّي مكانة حزب الله في أجزاء من سورية.

تنظيم حزب الله السوري

مع بداية الحرب الأهلية في سورية، وُلدت فكرة بناء ميليشيات شيعية في سورية لكي تساعد نظام الأسد في ضائقته، لكن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً أيضاً بإيران. في أواسط سنة 2012 ساعدت إيران نظام الأسد على بناء ميليشيات محلية ومناطقية في سورية في قرى متعددة. في نهاية سنة 2012 بدأت إيران بتنظيم هذه الميليشيات في جنوب سورية وتحويلها إلى منظمة عسكرية شيعية بواسطة مستشارين إيرانيين، برعاية “فيلق القدس” و”الحرس الثوري”، وبمساعدة حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية. زودت إيران التنظيم بقوة بشرية جندتها في القرى الشيعية في سورية، وبالتدريبات، والعتاد وأجور عالية. التنظيم الذي سُمي “اللواء 313″، مؤلف من شيعة سوريين وعلويين، ومن شيعة عراقيين يعيشون في سورية، ويشمل متطوعين شيعة من إيران والعراق وأفغانستان، وكان من المفروض أن يندمج في الجيش السوري، أو العمل تحت قيادته.
تأثر طابع التنظيم وعقيدة عمله إلى حد كبير بنموذج حزب الله اللبناني، بما في ذلك تعيين رجل دين في رئاسة التنظيم – بعد تدخّل شخصيات من الحزب اللبناني في بناء التنظيم السوري وتدريب نظرائه السوريين. لا يزال كثير من التفصيلات غير معروف بشأن التنظيم السوري وعمله، لكن لا شك في أن الجزء الأساسي من العمليات العسكرية لحزب الله السوري في السنوات الأولى جرى ضمن إطار القتال في سورية، في مناطق دمشق، وحلب، والقلمون، وطرطوس، واللاذقية، وكذلك في حمص وجوارها، وفي مناطق الحدود بين سورية والأردن. لكن في الوقت عينه، شجعت إيران إقامة ارتباط وتنسيق بين حزب الله السوري والميليشيات الشيعية الأُخرى، في الأساس حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية. جزء من هذا القتال جرى بالتعاون مع قوات نظام الأسد ومع حزب الله اللبناني.
ثمة شك في أن إيران ستستخدم حزب الله السوري كما تستخدم حزب الله اللبناني. التنظيم اللبناني مستقل إلى حد بعيد، على الرغم من مسؤوليته حيال الحكومة في لبنان، وفي حالات قصوى، يمكن أن يعمل بخلاف مصالح هذه الحكومة، وبحسب توجيهات النظام الإيراني. أمّا حزب الله السوري فهو سيكون مرتبطاً بإيران، وهدفه تعزيز نفوذها في سورية، لكنه على ما يبدو، سيكون مرتبطاً بالجيش السوري، ومن المعقول الافتراض أن إيران لن تستخدمه بصورة تتعارض مع مصالح النظام السوري.

محاور مواصلات استراتيجية

استخدام القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سورية، وتعزيز قوة حزب الله اللبناني في لبنان وسورية، معتمدان إلى حد كبير على إقامة وتطوير محاور مواصلات مضمونة من إيران إلى العراق وسورية ولبنان. هذا الاعتماد ازداد في السنوات الأخيرة في أعقاب الحرب الأهلية في سورية، واستمرار عمليات الوحدات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق، ووجود قوات أميركية في شرق سورية، وقبل كل شيء هجمات سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف تابعة للقوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سورية، ومؤخراً في العراق. الرد الإيراني على هذه التحديات يركز على ثلاثة مستويات: المحور البري الذي يبدأ من إيران ويمر في العراق إلى سورية ولبنان؛ وربط سكة الحديد في إيران بالعراق وسورية؛ وغرز وتد إيراني في مرفأ اللاذقية في سورية.
من المنتظر في أواخر سنة 2019 فتح المعبر الحدودي بين سورية والعراق في البوكمال. يشكل هذا المعبر نقطة أساسية في الممر البري الذي تريد إيران إقامته، ويمتد من إيران إلى العراق وسورية ولبنان، وصولاً إلى البحر المتوسط. هذا الممر الهدف منه أن يتيح انتقالاً سريعاً لوحدات قتالية، ووسائل قتال نوعية وإمدادات للقوات الإيرانية والشيعية في سورية، وفي الأساس لتعزيز قوة حزب الله اللبناني. إيران لم تعترف قط بنيتها إقامة ممر من أجل حاجاتها العسكرية، لكن الموضوع مطروح منذ سنة 2017، وتنوي إيران السيطرة على الممر بواسطة ميليشيات شيعية منتشرة في المنطقة القريبة منه، بعد طرد وحدات تنظيم الدولة الإسلامية التي كانت تتحرك بجواره.
ليس من الواضح كيف تنوي إيران تأمين عبور القوات والوسائل القتالية عبر الممر البري، بعد أن أثبتت إسرائيل تفوقها الجوي والاستخباراتي في مواجهة أهداف إيرانية وشيعية، وهذا ما أبقى إيران من دون رد ملائم. لذلك، على ما يبدو، بقي تشغيل الممر حتى الآن محدوداً ومقلصاً، في الأساس بسبب تخوف إيران من المسّ بقواتها وبالعتاد الذي ينتقل عبره على يد إسرائيل، وخصوصاً بعد أن بدأت الأخيرة، في صيف 2019، بضرب أهداف إيرانية وشيعية في العراق أيضاً. مرور شحنات عسكرية إيرانية عبر الممر يمنح أيضاً إسرائيل وقتاً للإنذار وللعمل ضدها، أطول من الوقت المتاح لتتحرك ضد الإرساليات التي تأتي عن طريق الجو. من المحتمل أيضاً أن إيران تتخوف من مهاجمة هذه الشحنات التي تنتقل في الممر من جانب الولايات المتحدة التي يوجد لها وجود عسكري في شرق سورية.
في ضوء هذه المشكلات، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن تختار إيران رداً رادعاً إزاء إسرائيل، أي أن تحاول توجيه ضربة قاسية ضد إسرائيل لردعها عن الاستمرار في هجماتها الجوية ضد أهداف إيرانية. من المحتمل أن نجاح الهجوم على منشآت النفط السعودية الذي بقي من دون رد، سيشجع إيران على المضي في هذا الاتجاه. ضمن هذا السياق، ثمة سؤال مطروح هو إلى أي مدى سيغيّر فتح معبر البوكمال الحدودي مجموعة اعتبارات إيرانية إزاء إرسال شحنات عسكرية عبر الممر.
في موازاة، فتح المعبر الحدودي في خريف 2019 من المفروض أن يبدأ تحقيق مشروع خط القطارات من غرب إيران إلى البصرة جنوب العراق، ولاحقاً ربط الخليج الفارسي بالبحر المتوسط. ضمن هذا الإطار تبحث إيران والعراق وسورية مشروعاً لربط سكة الحديد من مرفأ بندر الخميني في جنوب غرب إيران بميناء اللاذقية في سورية. قبل الحرب الأهلية في سورية جرى تنفيذ أغلبية المشروع، لكن أجزاء كبيرة من السكة دمرها القصف، وتعبيد طرقها عُرقل تنفيذها 8 سنوات. مع انتهاء المشروع ستُستخدم السكة لنقل البضائع من إيران إلى ميناء اللاذقية، لكن يمكن الافتراض أنها ستُستخدم لنقل وسائل قتالية إلى سورية ولبنان. من المحتمل أن إيران تقدر أنه سيكون من الصعب على إسرائيل مهاجمة القطارات خوفاً من المسّ بالمدنيين بصورة كبيرة.

الموقع الإيراني في مرفأ اللاذقية

سعت إيران منذ سنوات للحصول على موقع لها على ساحل البحر المتوسط، وعلى منفذ مباشر إليه، وبناء محور إمدادات إضافي إلى سورية عن طريق البحر، لتحقيق قدرة على الوصول السريع إلى حليفتها سورية براً وجواً وبحراً. لذلك طلبت إيران من سورية منذ سنة 2011 الحصول على حق استخدام مرفأ طرطوس، لكن روسيا التي تملك حق استخدام هذا المرفأ منذ سنوات عديدة عارضت ذلك. بعد استقرار نظام الأسد طُرحت المطالبة الإيرانية من جديد. في كانون الثاني/يناير وافقت الحكومة السورية على وضع مرفأ اللاذقية الواقع شمال طرطوس، تحت إدارة شركة إيرانية، من المحتمل أن تكون إحدى الشركات التابعة لـ”الحرس الثوري”، بدءاً من تشرين الأول/أكتوبر 2019. هذه المرة أيضاً عارضت روسيا وجود موقع لإيران في اللاذقية، على ما يبدو، بسبب قربه من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس والقاعدة الجوية الروسية في حميميم، لكن هذه المرة رفض النظام السوري المعارضة الروسية.
إقامة موقع إيراني في مرفأ اللاذقية هو تطور مهم، لأنه يُضاف إلى الجهد الإيراني لربط الخليج الفارسي وغرب إيران بالبحر المتوسط، بواسطة السكك الحديدية والممر البري. صحيح أن قادة إيرانيين ادّعوا أن مرفأ اللاذقية سيُستخدم لنقل شحنات النفط من إيران إلى سورية عبر البحر المتوسط. لكن من الواضح أن هذا تمويه والهدف الأساسي هو خلق محور إضافي لنقل وسائل القتال إلى حزب الله والقوات الإيرانية والشيعية عن طريق البحر، وخلق حضور إيراني في البحر المتوسط عند الحاجة.

العقبات في الطريق

لا شك في أن جهود إيران ربط سورية بها في المدى البعيد حققت إنجازات مهمة. مع ذلك، تواجه هذه الجهود عقبات وصعوبات لا يُستهان بها، فهي يمكن أن تُبطل جزءاً من هذه الإنجازات، بل هي تشكل خطراً على العاملين فيها. يوجد هناك بضع عقبات يجب الإشارة إليها.
أولاً، إسرائيل مصرّة على منع بناء موقع لإيران في سورية، وتوظف جهوداً بارزة للمسّ بالأساس بعمليات إيران العسكرية والميليشيات الشيعية في سورية، ومؤخراً في العراق أيضاً. سلسلة طويلة من هجمات جوية تستند إلى استخبارات نوعية، مسّت بعدد كبير من الأهداف الإيرانية والشيعية في سورية، وأبقت إيران، على الأقل حتى الآن، من دون رد فعال على الهجمات. مع ذلك، وعلى الرغم من نجاح الهجمات، لم تتخل إيران عن نيتها بناء موقع عسكري مهم طويل الأمد في سورية، يوسع التهديد إزاء إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، بينما تعمل إسرائيل ضد التمركز العسكري الإيراني، فإنها لم تطور بعد رداً ناجعاً على التغلغل الإيراني المدني- الاقتصادي – الديني إلى سورية.
ثانياً؛ مع ازدياد استقرار نظام الأسد، تزداد الخلافات في الرأي بين روسيا وإيران، جزء منها يتعلق بالجوانب العسكرية والاقتصادية للتغلغل الإيراني في سورية. لذلك، حاولت روسيا وقف بناء الموقع الإيراني في ميناء اللاذقية، وضغطت على سورية – من دون نجاح – لمنع صفقات تجارية بينها وبين إيران، مثل تلك المتعلقة بتشغيل خدمات الهاتف النقال، أو استثمارات في مجال الفوسفات.
ثالثاً؛ توجد في سورية معارضة للتغلغل الإيراني – بالأساس من السنّة، لكن على ما يبدو من جانب أطراف علوية مؤيدة للنظام تتحفظ على تغلغل الإسلام المتشدد بالصيغة الإيرانية. حتى الآن لم يؤثر هذا التحفظ في توجّه نظام الأسد الذي يُظهر التزاماً حيال إيران، وذلك بعد مساعدة اقتصادية سخية ضرورية لإعادة إعمار سورية. لكن في المدى البعيد، لا يمكن استبعاد وصول نظام الأسد – أو نظام آخر يأتي محله – إلى خلاصة أن إيران بالنسبة إليه هي عبء أكثر منها رصيد، ويفضل وقف التغلغل الإيراني في سورية.
أخيراًـ أيضاً يوجد في إيران معارضة لتوظيف الموارد في سورية. في التظاهرات التي جرت في السنوات الأخيرة في إيران سُمعت هتافات “الموت لسورية”. تعبّر هذه الهتافات عن تحفظ الطبقات التي تعاني جرّاء الوضع الاقتصادي الصعب في إيران، على استمرار التدخل العسكري الإيراني في سورية وخسارة مليارات الدولارات التي وُظفت في الساحة السورية. لم تغير هذه التظاهرات من توجّه النظام الإيراني حيال التدخل في سورية، لأنه تمكن من لجمها بسهولة نسبية. لكن إذا استمر تدهور الوضع الاقتصادي، ستتجدد التظاهرات بقوة أكبر، وهي التي ستجعل من الصعب على النظام الاستمرار في جهوده الرامية إلى التغلغل في سورية.

خلاصة ودلالات

منذ سنة 2014، وعلى خلفية التدخل العسكري في سورية، اتخذت إيران سلسلة خطوات، بهدف تعزيز وضعها ونفوذها، وانتشارها العسكري، وانتشار وكلائها في سورية ولبنان. ينبع هذا الهدف من تطلّع إيران إلى بلورة كتلة من الدول يكون للشيعة فيها وضع مهيمن، يمتد من غرب أفغانستان حتى لبنان والبحر المتوسط. ينبع هذا الهدف من رؤية إيران الاستراتيجية بأن الموقع المتقدم لها في مواجهة أعدائها موجود على مسافة بعيدة عن حدودها الغربية، في نطاق سورية – لبنان. هذه الخطوات هدفت إلى ربط النظام في سورية بها وقتاً طويلاً، حتى في حال اضطرت إلى إخراج قواتها من سورية، و/أو انهيار نظام الأسد.
يمكن تقسيم هذه الخطوات إلى مجموعتين: الأولى تتضمن خطوات غرضها التأثير في الوضع الداخلي في سورية، وتعزيز النظام الحاكم فيها، والتأثير في علاقته بإيران. تضمنت هذه الخطوات سلسلة اتفاقات اقتصادية تساعد نظام الأسد على إعادة إعمار الدمار الذي تسبب به لسورية، وتضمن مكانة إيران وعملية إعادة الإعمار. وهي تشمل نشاطات إيرانيةـ بموافقة وتشجيع نظام الأسد، ونقل سكان شيعة إلى سورية وتسلل القيم الإيرانية الدينية والثقافية إليها. ونظراً إلى أن هذه الخطوات لها علاقة بالوضع الداخلي في سورية، من الصعب على طرف خارجي، بمن فيه إسرائيل لجمه أو التأثير فيه بصورة كبيرة، على الرغم من أن تعزيز مكانة إيران في سورية له دلالات سلبية بالنسبة إلى إسرائيل.
المجموعة الثانية من هذه الخطوات لها أهمية أكبر بكثير بالنسبة إلى إسرائيل، لأنها تهدف إلى زيادة التهديد الإيراني إزاءها، وخصوصاً بواسطة تعزيز قدرات حزب الله اللبناني – وأيضاً الميليشيات الشيعية الأُخرى – في لبنان وسورية وحتى في العراق. تشمل هذه الخطوات نقل كميات كبيرة من العتاد العسكري النوعي، في الأساس صواريخ باليستية وقذائف وصواريخ مضادة للدروع وصواريخ بحر – بر إلى سورية ولبنان، وإقامة مصانع في سورية ولبنان والعراق لإنتاج وسائل قتال وتطويرها. لكن بعد المسافة من إيران تفرض بناء شبكة محاور استراتيجية تضمن لها استخداماً آمناً وتقلص التشويش عليها من عناصر معادية وعلى رأسها إسرائيل. هذه الشبكة تتضمن ثلاثة مكوّنات مهمة: الممر البري الذي يبدأ من إيران ويمر بالعراق إلى سورية ولبنان؛ ربط سكة الحديد الإيرانية بالعراق وسورية، بحيث تربط إيران والخليج الفارسي بالبحر المتوسط؛ قدرة على استخدام مرفأ سوري – في هذه الحال مرفأ اللاذقية – الذي سيمنح إيران موقعاً على البحر المتوسط.
لكن في عملية بناء الموقع الاستراتيجي في سورية تواجه إيران العائق الإسرائيلي، بينما لم تطور حتى الآن، من جميع النواحي، رداً ملائماً على التفوق العسكري الإسرائيلي في هذه المواجهة. جذور المشكلة هي المسافة البعيدة بين إيران والساحة السورية، التي تجعل من الصعب على إيران استخدام قواتها في الفضاء السوري، وتدني مستوى سلاح الجو الإيراني مقارنة بسلاح الجو الإسرائيلي. في هذا الوضع، حتى الآن لم يُستخدم سلاح الجو الإيراني أبداً في الساحة السورية، والدفاع الجوي الإيراني ليس ناجعاً بما فيه الكفاية، وروسيا لا تساعد إيران في منع هذه الهجمات. لذلك بقي سلاح الجو الإسرائيلي حراً تقريباً تماماً في مهاجمة أهداف تابعة للقوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سورية، بينما قلصت إيران ووكلاؤها الرد ضد أهداف إسرائيلية.
معنى ذلك هو أنه إذا نجحت إيران في استكمال بناء شبكة المحاور التي تخطط لها، فإن المشكلة ستظل هي نفسها – تفوق سلاح الجو الإسرائيلي وقدرته الموثوق بها على إصابة أهداف مهمة في هذه الشبكة، بالاستناد إلى معلومات استخباراتية نوعية ودقيقة. وينطبق ذلك على المكونات الجديدة في هذه المنظومة – شبكة سكة الحديد والاستخدام الإيراني لمرفأ اللاذقية. سيتعين على إيران إذن أن تحاول بناء قدرات جديدة لرد أكثر إيلاماً، في استطاعته ردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها.

المصدر: صحيفة اسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole