سيد قطب وتكفير المجتمعات

Spread the love

المجتمع الجاهلي كل مجتمع غير مسلم لا يخلص عبوديته لله وحده متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي وفي الشعائر التعبدية وفي الشرائع القانونية.

بقلم: د. هيثم مزاحم — أعجب سيد قطب (1906-1966) بكتب معاصره أبي الأعلى المودودي أشد الإعجاب، وزعم قطب أن المجتمعات التي تعيش فيها الأمة الإسلامية الآن هي “مجتمعات جاهلية”. يقول قطب في كتابه “معالم في الطريق”: “إن العالم يعيش اليوم كله في (جاهلية) من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية… وهي الحاكمية… إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أرباباً، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله، فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتداء على عباده… فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي، يعبد بعضهم بعضًا –في صورة من الصور- وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعًا من عبادة بعضهم البعض، بعبادة الله وحده، والتلقي من الله وحده، والخضوع لله وحده”.

ذهب قطب إلى أن “كل البشر الذين يعطون أنفسهم الحق في إصدار قوانين أو تشريعات، أو أي تنظيمات اجتماعية تعد خروجاً من الحاكمية الإلهية إلى الحاكمية البشرية، وأصبح عنده أن البشر محكومون بقوانين غير قوانين الله –سبحانه وتعالى– وبأنظمة لا ترضى عنها شريعة الله، ولم يأذن بها الله، وبالتالي هذا المجتمع مجتمع مشرك وكافر ويعبد غير الله، لأن العبادة هي طاعة الله في حاكميته”.

يقول سيد قطب في هذا الصدد: “نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميًا، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية”. والحل عنده للتحرر من هذه الجاهلية والعبودية لغير الله، هو في قيام طليعة مسلمة ملتزمة بمنهج الحركة الإسلامية، تتجرد من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها، والتخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية، بحيث تكون مهمة هذه الحركة تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه.

يقول قطب: “إن الأرض لله، ويجب أن تخلص لله. ولا تخلص لله إلا أن ترفع كلمة (لا اله إلا الله)، وأن الناس عبيد لله وحده، ولا يكونون عبيداً لله إلا أن ترتفع راية (لا إله إلا الله) -لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته: لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، لأن السلطان كله لله”.

ويوضح قطب أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي التي “يتفرد فيها الله -سبحانه- بالحاكمية في القلوب والضمائر، وفي السلوك والشعائر، وفي الأرواح والأموال، وفي الأوضاع والأحوال… وأن يقوم المجتمع المسلم الذي يقر عقيدة: أن لا إله إلا الله، وأن الحاكمية ليست إلا لله ويرفض أن يقر بالحاكمية لأحد من دون الله، ويرفض شرعية أي وضع لا يقوم على هذه القاعدة”. ويحدد قطب لأتباعه أنه “حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين، يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة -حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون!- يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو (أولاً) إقرار عقيدة (لا إله إلا الله) بعدلها الحقيقي، وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله، وطرد المعتدين على سلطان الله”.

سيادة الشريعة ولا عِبرة لتبدل الزمن

يعتبر قطب أن الإسلام جاء على يد النبي محمد، “ليرد الناس إلى حاكمية الله كشأن الكون كلّه الذي يحتوي الناس، فيجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم هي السلطة التي تنظم وجوده، فلا يشذوا هم بمنهج وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصرف الكون كله، ومن ثم ينبغي أن يثوبوا إلى الإسلام في الجانب الإرادي من حياتهم، فيجعلوا شريعة الله هي الحاكمة في كل شأن من شؤون هذه الحياة، تنسيقاً بين الجانب الإرادي في حياتهم والجانب الفطري، وتنسيقاً بين وجودهم كله بشطريه هذين وبين الوجود الكوني”.

يذهب قطب إلى أن الإسلام هو إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد ومن العبودية لهواه أيضاً، وذلك بإعلان ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين، و”إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور.. أو بتعبير آخر مرادف: الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور.. ذلك أن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر، ومصدر السلطات فيه هم البشر، هو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله”.

ويرى صاحب “معالم في الطريق” أن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم، أي كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية. وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار “المجتمع الجاهلي” جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً!”.

يخلص قطب إلى أنه “حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده -متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية- تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً من العبودية للبشر… وتكون هذه هي “الحضارة الإنسانية” لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان”.

وإذا أردنا تلخيص نظرية الحاكمية عند سيد قطب والمودودي بأسطر قليلة، نقول: إنها تكفير للمجتمعات كلها، بما فيها المجتمعات المسلمة واعتبارها “جاهلية” تعبد غير الله بسبب طاعتها لأنظمة لا تطيع الله ولا تقيم شرع الله، وتتخذ أنفسها من دون الله أرباباً، وكذلك بسبب قبولها بتشريعات وضعها بشر وأنظمة غير الله. كما يدعو قطب إلى ثورة شاملة على حاكمية البشر لتحطيم مملكة البشر وإقامة مملكة الله في الأرض، وذلك بإزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر.

المصدر: موقع ميدل ايست أونلاين، المقالة خلاصة دراسة د. هيثم مزاحم “نظرية الحاكمية بين سيد قطب وعلي خامنئي”، ضمن الكتاب 124 (مايو/أيار2017) ‘إيران والإخوان الشيعة القطبيون’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

Optimized by Optimole