حلب .. مفترق طرق الأزمة السورية؟

Spread the love

Aleppo-clashes

خاص مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط – دمشق — بقلم: نشوة مريش* — على وقع التحشيد والتحشيد المضاد الذي يقوم به الجيش السوري وحلفائه من جهة و”جيش الفتح” والفصائل المسلحة المساندة له في معارك “ملحمة حلب الكبرى” من جهة أخرى، تتسارع الأحداث على أرض عاصمة الشمال السوري. فالاشتباكات العنيفة مستمرة على كافة المحاور من دون تسجيل أي تقدم كبير وملموس يغيّر في خطوط التماس منذ تحرير الجيش السوري لمنطقة بني زيد ومن ثم سيطرة الجماعات المسلحة على تجمع الكليات العسكرية.

وفيما عدا إفشال الجيش السوري لهدف “ملحمة حلب” لذي أعلنه السعودي عبدالله المحيسني، القائد الشرعي لـ”جيش الفتح”، ألا وهو كسر الطوق عن الأحياء الشرقية وصولاً الى تحرير المدينة بالكامل وإلقاء خطبة النصر في ساحة سعدالله الجابري.

الترقب الحذر هذا بانتظار ساعة صفر قد تعلن بدء معارك طاحنة ترافقه مفاجآت عل الصعيد العسكري والسياسي دولياً وإقليمياً. فقد بدأت بالظهور نتائج زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لموسكو ومصالحته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإن بشكل خجول، فإعلان رئيس وزرائه علي يلدريم بأن تركيا تسعى لتحسين علاقاتها مع سوريا والعراق على غرار ما فعلته مع كل من إسرائيل وروسيا ليس كلاماً عابراً. فالرجل ومنذ توليه المنصب عمل على التمهيد لتغيير قادم بالسياسة الخارجية التركية وما حديثه الأخير خلال حوار تلفزيوني على محطة تركية عن حل مكون من ثلاثة مراحل للأزمة السورية قد يتم إنجازه خلال ستة أشهر من دون وضع شرط الرحيل الفوري للرئيس السوري بشار الأسد، إلا دليل على اتفاق ما بدأت تلوح معالمه بالأفق، وبالتالي تترجم على أرض الميدان عسكرياً. لتأتي بعدها تصريحات وزير الدفاع الروسي شويغو عن عمل عسكري مشترك أميركي روسي من أجل إعادة السلام الى مدينة حلب سيبدأ خلال أيام… هذا كلّه فسّر عدم تطرق أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى انتصار حرب تموز الى معركة حلب بالتفصيل على غرار الخطب السابقة عندما وصفها بأنها المعركة الاستراتيجية التي ستحدد مصير المنطقة، إذ اكتفى هذه المرة بالتأكيد على بقاء مقاتلي الحزب في حلب لدعم ومساندة الجيش السوري حتى تحريرها من الجماعات الإرهابية.

أما التحول الأكبر فتجسد في موافقة طهران على فتح قاعدة همدان العسكرية أمام القاذفات الروسية وصواريخ كالبير الباليستية التي تقرر دخولها على معركة حلب والسماح لها باستخدام أجوائها من أجل ضرب أهداف لتنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا. ايران التي لم تسمح منذ انتصار الثورة الاسلامية لأي مقاتلات جوية عسكرية أجنبية بالهبوط على أراضيها، أعلنت على لسان رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى علي شمخاني أن تعاون موسكو وطهران بات استراتيجياً في محاربة الإرهاب.

العراق دخل أيضاً على خط ما يحضر له من تسويات حيث أعلن رئيس وزرائه حيدر العبادي قبول بغداد فتح أجوائها أمام الصواريخ الروسية ولكن بشروط… بعض التسريبات ألمحت الى أن موسكو قد تشارك في معركة تحرير الموصل من “داعش”، والتي يجري التحضير لإطلاقها قريباً بالتعاون مع القوات الأميركية…

لكن السؤال الأبرز هو أين واشنطن من كل هذا الحراك السياسي والعسكري؟

العاصمة الأميركية المنشغلة بالتحضير لانتخابات البيت الأبيض تبدو مواقفها ضبابية بانتظار انتهاء الانتخابات وتشكيل الإدارة الجديدة.. فمن جهة نجدها تدعم الأكراد في معركتهم ضد “داعش” في العراق وسوريا، وما تحرير منبج بهذا الوقت بالذات إلا رسالة الى التقارب التركي – الروسي.. بينما تخرج تصريحات لبعض المسؤولين الأميركيين تندد بالقصف الروسي الأخير لما سمّتهم بالمعارضة السورية المعتدلة..

وبالتوازي وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري وسيرغي لافروف مستمران بالتواصل والتنسيق من أجل الحفاظ على الحدود الدنيا لوقف إطلاق النار في بعض المناطق السورية والذي اعلن عنه أواخر شهر شباط – فبراير الماضي..

إذن فالعلاقة المتأرجحة الروسية – الأميركية لا تزال تراوح مكانها في مقابل نشوء تفاهم روسي – إيراني – تركي هدفه ترتيب قضايا المنطقة .. فهل ستقبل واشنطن بهذا التفاهم؟ وهل سيكتب النجاح لهذا التفاهم بينما السعودية تغرّد خارج السرب ولا تزال على نهجها السابق إن كان في اليمن الذي استأنفت فيه المعارك على أشدها هذه المرة، أو في سوريا من خلال دعمها لـ”جيش الفتح” المتمركز في شمال سوريا و”جيش الإسلام” الذي يهدد بفتح جبهة الجنوب وبدأ بإطلاق معارك “ذات الرقاع” ضد مواقع الجيش السوري؟

في المحصلة من الواضح أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة عنوانها حل الأزمة السورية بأسرع وقت ممكن لما باتت تشكلّه من خطر على الأمن العالمي، ويبدو أن صيغة الحل باتت شبه مكتملة من منظور الدول الفاعلة على الساحة السورية. ويبقى عامل الوقت هو المختلف عليه.. فهل سنشهد ذلك أواخر عام 2016 كما كشف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، ليشكّل إنجازاً آخر للرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية ولايته أم سيرمي الكرة السورية في ملعب خليفته المقبل؟

الأيام المقبلة ستكشف ذلك، لكن تعقيدات الأزمة السورية لا تشي بحل وشيك وسريع.

*كاتبة وصحافية سورية.