تحديات الجيش الإسرائيلي 2015 – 2016

تحديات الجيش الإسرائيلي 2015 – 2016
Spread the love

بقلم: الفريق غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي —

ثلاثة أقانيم مركزية تشكل التحديات التي يقف امامها الجيش الاسرائيلي في المستقبل المنظور للعيان. الاقنيم الاول هو التغيير المتسارع لمحيط اسرائيل الاستراتيجي. فالاتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى ورفع العقوبات عن ايران يشكلان انعطافة استراتيجية في التهديد المركزي الذي كان يقف امامه الجيش الاسرائيلي في العقد الاخير. فانحلال النظام القديم في الشرق الاوسط، والذي كان قائما منذ اتفاق سايكس – بيكو في 1916، وضعف أطر الدول في السنوات الاربعة – الخمسة الاخيرة تعبر عن عدم استقرار المنطقة والذي سيواصل تمييزها لسنوات طويلة اخرى. كما ان ظاهرة داعش والجهاد العالمي اصبحت عاملا مركزيا في الشرق الاوسط. فقد بدأت هيئة اركان الجيش الاسرائيلي في بحث التحدي الذي يشكله داعش منذ نهاية العام 2013 – بداية 2014 ومنذئذ والظاهرة تتطور فقط.

أما الصراع السني – الشيعي في المنطقة، والذي يجد تعبيره مؤخرا في نزاع بين ايران والسعودية، فهو تعبير عملي عن صراع على دور القوى العظمى في الشرق الاوسط. فقد كان الاتحاد السوفياتي مشاركا في دائرة الدول العربية الاولى المحيطة بدولة اسرائيل حتى حرب يوم الغفران. وعملت الولايات المتحدة في الدائرة الاولى حول دولة اسرائيل لفترة زمنية قصيرة في لبنان في العام 1958 وكذا في 1983. اما اليوم فالقوتان العظميان تعملان في المنطقة في اطار الحملة المستمرة لالحاق الهزيمة بداعش – وهو الحدث ذو معنى كبير بالنسبة لدولة اسرائيل والجيش الاسرائيلي.

اما الاقنيم الثاني المؤثر على قدرات الجيش الاسرائيلي وتفعيل قوته للمدى القصير، فهو المحيط العملي الذي في اطاره يعمل. وقد تعلمنا نحن من تجربة العقد الاخير كيف يمكن لاحداث تكتيكية ان تتطور الى معارك بل وحتى الى حرب. عندما ننظر الى المجريات في سوريا، الى العبوات التي يزرعها حزب الله في هوامش جبل دوف، الى العبوات التي تستخدم ضد الجيش الاسرائيلي في هوامش قطاع غزة والى موجة الارهاب في الاشهر الاخيرة، يتأكد الفهم بشأن المسافة القصيرة بين التكتيك والاستراتيجية، وكيف أن احداثا تكتيكية من شأنها أن تتطور الى احداث ذات معنى استراتيجي لدولة اسرائيل. بعد عقد من الهدوء من ارهاب الانتحاريين، الذي جبا حتى العام 2005 حياة 1.178 مواطنا وجنديا وتسبب باصابة اكثر من 15 الف نسمة، فاننا نقف في الاشهر الاخيرة امام موجة تصعيد متجددة.

مهامة الجيش الاسرائيلي للمدى الابعد هي بناء قوته وملاءمتها مع تحديات المستقبل وذلك انطلاقا من الفهم بان الجيش الاسرائيلي كفيل بان يقف امام اختبار في جداول زمنية قصيرة جدا وان التحديات التي سيقف امامها بعد عقد ستكون معقدة اكثر من التحديات المعقدة على أي حال التي يتصدى لها اليوم. واضافة الى ذلك، حيال المخاطر التي لا بأس بها توجد ايضا فرص.

الاقنيم الثالث، هو المحيط الاجتماعي الداخلي في دولة اسرائيل والرغبة في تغيير سلم الاولويات الوطنية. فالظاهرة التي بدأت في صيف 2011 مع شعار “الشعب يريد العدالة الاجتماعية” عبرت عن تطلع لتوجيه المقدرات الى اماكن اخرى غير الامن. وقد عبر ويعبر هذا التطلع عن نفسه في الحديث الاعلامي عن كلفة الامن والذي يدور يوميا في الصفحات الاقتصادية لكل الصحف في اسرائيل وكان في غير قليل من الحالات عنيفا جدا، وفي تشكيل لجنة فحصت كيف يمكن تغيير سلم الاولويات وتقليص كلفة الامن في الدولة.

وكان احد الاثار لهذه الظاهرة هو حقيقة أن الجيش الاسرائيلي يعمل دون خطة متعددة السنين. من الصعب خلق كمال امني – عسكري دون خطة عمل مرتبة ومعللة، تسمح بتخطيط التعاظم، العيش، الجاهزية، القوة البشرية وغيرها من عناصر النشاط في الجيش الاسرائيلي. وتميزت السنوات الاربعة الاخيرة بميزانية امن كانت فيها ثغرة خمسة – ثمانية مليار شيكل بين اساس الميزانية وبين الميزانية العملية في نهاية السنة. وقد مس هذا الواقع بقدرة الجيش الاسرائيلي على خلق كمال أمني، الالتزام بالميزانية المخططة وتحقيق ثقة الجمهور. ولسرورنا، اعفينا هذه السنة من هذا الوضع، في صالح دولة اسرائيل وأمنها.

التغييرات الاستراتيجية

لقد كان التهديد المركزي الذي يشكل المهامة الرئيسة للجيش الاسرائيلي بدء من نهاية العام 2005 هو ايران. لا شك ان الاتفاق النووي بين ايران والغرب هو انعطافة استراتيجية. فهو يشكل تغييرا هاما في المسار الذي سارت فيه ايران وتسببت بالتغيير للشكل الذي ينظر فيه الجيش الاسرائيلي للتهديد الايراني. يوجد في الاتفاق النووي مخاطر عديدة، ولكن توجد فيه فرص ايضا.

بشكل طبيعي، فان دور الجيش الاسرائيلي ورئيسه هو النظر الى طيف المخاطر والقدرات، ومن عبره محاكمة الوضع. ومع ذلك، فان عليهما أن يقوما بالامر ليس انطلاقا من فرضية السيناريو الاخطير إذ ان اتخاذ القرارات حسب مثل هذا السيناريو خطير بقدر لا يقل عن الغرق في السيناريوهات المتفائلة للغاية. فالجيش الاسرائيلي يتعلم ويجري التقويم في ضوء الانعطافة الاستراتيجية النابعة من الاتفاق النووي مع ايران، معناه وآثاره على بناء القوة واستخدامها.

علينا أن نعنى بهذه المسألة في مديين زمنيين: الاول هو المدى الزمني للسنوات الخمسة القريبة القادمة، والتي الفرضية هي انه في اطارها ستبذل ايران جهودا جمة لتحقيق دورها في الاتفاق كي تتمتع بالفضائل الكامنة فيه. اما المدى الثاني فهو الـ 15 سنة القادمة، والتي في اطارها ينبغي وضع ايران في سلم اولويات عال كهدف للمتابعة، وذلك للفحص هل توجد قنوات سرية تواصل فيها العمل لتحقيق رؤياها في نيل السلاح النووي. ان الفهم والافتراض السائدين في الجيش الاسرائيلي، وكذا في اماكن اخرى هما انه توجد بالفعل انعطافة وتغيير هام في ايران، وذلك رغم أنها لم تهجر تطلعها لتحقيق قدرة نووية كجزء من نظرتها الى نفسها كقوة عظمى اقليمية.

وبالتوازي، من المتوقع استمرار للعملية الجارية في السنوات الاخيرة في الدائرة الاولى التي تحيط بدولة اسرائيل – تعاظم المخاطر النابعة من مساعي ايران لتحقيق نفوذ وهيمنة في المجال. فايران تخوض عمليا حربا ضد اسرائيل بواسطة فروع لها، وعلى رأسها حزب الله – التنظيم الذي يشكل اليوم التهديد الاشد خطورة على دولة اسرائيل. حزب الله هو تنظيم ارهابي، مزود، ممول، مدرب بل وحتى مقود من الايرانيين منذ العام 2006. والتدخل الايراني واضح ايضا في سوريا، حيث يجد تعبيره ليس فقط في الدعم الاقتصادي والسياسي، بل وايضا في الدعم العسكري العملي – القادة الايرانيون يديرون معارك يشارك فيها جنود ايرانيون وميليشيات شيعية. وتدفع ايران ثمنا بالدم على تدخلها هذا: اكثر من مئة ايراني قتلوا حتى الان في المعارك في سوريا، ومئات آخرون من الايرانيين اصيبوا.

وإضافة الى دعمها لسوريا وحزب الله، تبذل ايران جهودا كبيرة في قطاع غزة، وكذا في محاولة للتأثير على عرب اسرائيل. والفرضية هي أنه في غضون سنة – سنتين ستوجه ايران ميزانيات كبيرة ضد اسرائيل مباشرة. لدى ايران مع قدرات هامة جدا، وصناعتها العسكرية متقدمة ومتطورة. ونقل الايرانيون الى حزب الله حتى الان بين 800 مليون الى مليار دولار في السنة، والى حماس عشرات ملايين الدولارات في السنة، والتقدير هو أنه كلما تحسن الوضع الاقتصادي في ايران في اعقاب رفع العقوبات عنها، ستوجه مقدرات اكبر واكثر نحو الشرق الاوسط. كما تعمل ايران على نقل الوسائل القتالية الى حزب الله وحماس، كما ثبت قبل نحو سنة عندما أمسك الجيش الاسرائيلي سفينة السلاح كلوز سي في طريقها الى قطاع غزة.

اجتازت سوريا تغييرا كبيرا جدا في السنوات الاخيرة. قبل نحو خمس سنوات أنهيت منصبي كقائد للمنطقة الشمالية، الفترة التي رأيت فيها امام ناظري كل الوقت جيوش، فرق، الوية وكتائب على الخط – صورة عدو دائمة ذات منطق وعنوان سياسي واضح. اما عند التجول في هضبة الجولان اليوم والتقدم في منطقة مثلث الحدود الاسرائيلي – الاردني – السوري في الجنوب نحو جبل الشيخ في الشمال، في الكيلومترات الاولى يمكن أن نرى من اليمين استحكامات لداعش، الذي يسمى هناك “شهداء اليرموك”. وفي سياق الطريق تبرز استعدادات الجهاد العالمي. وفي الشمال أكثر، في منطقة القنيطرة، يمكن رؤية ميليشيات شيعية، وفي شمال هضبة الجولان نرى الجيش السوري وقوات حزب الله. لقد غدا الواقع على طول الحدود الاسرائيلية السورية بالتالي معقدا جدا ومتغير على نحو دائم.

في السنتين الاخيرتين سيطر على سوريا تنظيم لم يكن حتى ذلك الحين على الاطلاق على جدول اعمال الجيش الاسرائيلي، تنظيم نشأ واحتل اجزاء واسعة جدا من الدولة السورية – داعش. يتبين ان هذا تنظيم شبه عسكري، انضم اليه الاف العرب المسلمين من المجال الشرق اوسطي، ولكن ايضا الاف عديدة من الدول الغربية، منهم 600 من بلجيكيا، قرابة 1000 من فرنسا وكذا مؤيدون وعاطفون من انجلترا، من استراليا وحتى من اسرائيل. ويجتاز هؤلاء ثلاثة – اربعة سابيع من التدريب الاساس، في اعقابها يخرجون للقتال ضد جيوش نظامية بل ويحققون انجازات ذات مغزى. رغم التحالفات الهامة العاملة ضد هذه الظاهرة، فان من حقق انجازات فاعلة للغاية في العمل في السنوات 2014 – 2015 هو بالذات داعش، رغم حقيقة أنه لا يشكل قوة عسكرية بالمعنى الدارج ولا يعنى، مثل قوات عسكرية عادية، بتفعيل قوات جوية، برية وبحرية وبتنفيذ هجمات مرتبة. وبسبب هذه المزايا يمكن أن نرى في داعش ظاهرة أكثر منها تنظيم.

في الاشهر الاخيرة يمكن ان نرى تغييرا هاما في سوريا. فنجاح المحافل العاملة ضد نظام بشار الاسد توقف، بل وتراجع في بعض من الاماكن. ومع ذلك يبدو أن الصراع على سوريا، الذي هو ايضا صراع شيعي – سني، سيستمر سنوات طويلة. ورغم تدخل القوتين العظميين، واللتين هما المفتاح للنجاحات العملياتية والوصول الى تسوية ما في الازمة السورية، ثمة صعوبة جمة للوصول الى انجازات عسكرية حقيقية في المعارك. ومن تجربة اسرائيل في المعركة في قطاع غزة وفي يهودا والسامرة يمكن التعرف على انه مطلوب زمن طويل للوصول الى وضع يكون ممكنا فيه القول ان الحرب حسمت، ولا سيما حين يدور الحديث عن حرب ضد الارهاب. لقد بدأت اسرائيل تصديها لارهاب الانتحاريين في العام 2000 وفقط مع حلول 2004 سمحت لنفسها بان تقول انها حسمته وهزمته. لهذا الغرض مطلوب سيطرة على الارض، سيطرة على السكان، استخبارات فائقة والكثير جدا من القوات على الارض. يبدو ان الاحداث والقتال في سوريا ستستمر لفترة طويلة اخرى، وبتقديرنا من الصعب جدا ان نرى هناك تسوية دائمة للوضع يمكن ان تدوم. وحتى لو كانت ضربة شديدة لداعش والجهاد العالمي في سوريا، يمكن الافتراض بان الصراع ضد الجماعات السلفية في المكان سيستمر سنوات طويلة اخرى. وكقاعدة، من الصعب جدا ان نجد جهة تكون قادرة على أن تسيطر بشكل ناجع في ارض سوريا وعلى سكانها.

تطرح النجاحات في الحرب ضد داعش امكانية أن يوجه نشطاؤه في نهاية المطاف سلاحهم أيضا ضد اسرائيل والاردن. وذلك، سواء بسبب المنطق الاستراتيجي الذي يوجه عملهم، وبموجبه ثمة مجال للربط بين الدولتين، ام بسبب حقيقة أن قوات داعش والجهاد العالمي تنتشر في منطقة الحدود بين اسرائيل والاردن. تعيش هذه القوات حياتها اليومية، وحتى اليوم لم تهاجم دولة اسرائيل من هناك.

اذا كان ثمة مكان في الدائرة الاولى حول دولة اسرائيل حيث يوجد احتمال لهزيمة داعش في فترة زمنية قصيرة نسبيا، فهذا المكان هو صحراء سيناء. ففي شبه جزيرة سيناء يعمل تنظيم متفرع عن داعش يسمى “ولاية سيناء” ويعد بين 600 و 1.000 مقاتل. ويسيطر الجيش المصري على الارض وعلى السكان في تلك المنطقة، ويسمح له هذا الوضع باحتمالية عالية، للوصول الى انجازات ضد التنظيم المحلي في غضون فترة زمنية قصيرة.

ظاهرة مقلقة جدا وتشكل مصدرا للارض هي العطف في الساحة الفلسطينية لاعمال داعش. ففي قطاع غزة توجد جماعات سلفية، نفذت كل اعمال اطلاق الصواريخ من القطاع نحو اسرائيل في السنة الماضية، بل وحاولت زرع عبوات ضد قوات الجيش الاسرائيلي في المنطقة. وتتحدى هذه الجماعات حماس والجهاد الاسلامي اللذين لم يطلقا حتى ولا صاروخ واح نحو اسرائيل منذ حملة الجرف الصامد، وتريد استخدام النار ضد اسرائيل لتسخين الاجواء. وفي يهودا والسامرة ايضا يتطور عطف على افكار داعش. واشارت استطلاعات نشرت مؤخرا الى أن داعش يحظى في يهودا والسامرة وقطاع غزة بتأييد 13 – 16 في المئة من عموم المستطلعين – وهو معطى يشكل مصدرا للقلق.

التهديدات على اسرائيل

التهديد المركزي بالنسبة للجيش الاسرائيلي في هذا الزمن هو تنظيم حزب الله. هذا تنظيم ارهابي بنى على مدى عشرات السنين فكرة استراتيجية بسيطة تتحدى التفوق الاستخباري، الجوي والبري للجيش الاسرائيلي: انتشار في 240 قرية، مدينة وبلدة شيعية في ارجاء جنوب لبنان، واقامة منظومات دفاع، منظمات نار صاروخية ومضادات للدبابات ومنظومات قيادة وتحكم في كل بلدة كهذه كاعداد ليوم الامر. والجهد الاساس لحزب الله في هذا الوقت هو للوصول الى دقة في قدرته الصاروخية، التي تطور نطاقها في العقد الاخير من 10 الاف صاروخ الى قرابة 100 الف صاروخ. ومع ذلك فان الهدف المركزي للتنظيم ورئيسه، حسن نصرالله، هو الوصول الى هيمنة شيعية في لبنان.

هذا الانتشار لحزب الله، ولا سيما حقيقة ان قوات التنظيم منتشرة في داخل محيط مدني، يشكل تحديا هاما جدا للجيش الاسرائيلي، كونه يقيد حريته في العمل. الى جانب ذلك، فان هذا الانتشار يشكل عامل كبح وسبب أساس لان يكون العقد الاخير هو عقد من الهدوء على الحدود الاسرائيلية – اللبنانية، مما يعني ان حزب الله يفهم جيدا معنى التصعيد في جنوب لبنان بالنسبة لسكان المنطقة.

لقد تغير الواقع في منطقة الحدود مع لبنان من حيث قدرات اسرائيل ايضا. فمنذ 2006 تحسنت سواء القدرة العملياتية للجيش الاسرائيلي أم، وعلى نحو خاص، قدراته الاستخبارية. فرغم التبجحات التي يطلقها مرة كل اسبوع في تهديدات قادة حزب الله، فانهم يفهمون جيدا بان التنظيم مخترق من اسرائيل من ناحية استخبارية وعلى علم بقدرة وقوة اسرائيل. فالجيش الاسرائيلي يعتبره حزب الله بانه جيش قوي جدا وغير متوقع، وهذه الحقيقة تشكل تفسيرا اضافيا للهدوء الذي يسود في المنطقة في العقد الاخير. ومع ذلك، فان القدرة التي يشكلها حزب الله أمام الجيش الاسرائيلي تشغل البال، إذ أنها لا تتضمن فقط نارا صاروخية بل وايضا قدرة على استخدام القوات البرية. فالتنظيم يشارك في السنتين الاخيرتين في القتال في سوريا، مما يكسبه تجربة في حالات اوسع من تلك التي بادر وشارك فيها في الماضي. ومع ان حزب الله تكبد نحو 1.300 قتل وقرابة 5 الاف جريح في هذه المعارك الا انه زاد بالتوازي حجم قواته النظامية الى نحو 20 الف مقاتل، ونحو 25 الف مقاتل آخر في إطار قوة الاحتياط. هذا حجم من القوات وخسائر تثير غير قليل من الاسئلة في لبنان نفسها بالنسبة لمكانة ودور حزب الله في الدولة.

اما الساحة الفلسطينية فهي الساحة الاكثر اقلاقا على المدى القصير. فبعد عقد من الهدوء النسبي في يهودا والسامرة، واقع غير هاديء في جنوب دولة اسرائيل وثلاث جولات قتالية في قطاع غزة، بدأت في تشرين الاول 2015 موجة تصعيد جديدة ذات مزايا تختلف عن الماضي. فشباب وشابات دون انتماء تنظيمي يخرجون بلا اخطار مسبق لتنفيذ عمليات طعن بالسكاكين، تجبي احيانا ثمنا دمويا ظاهرا. وهذه هي عمليات الهام يغذيها ما يراه اولئك الشبان ويسمعونه في محيطهم القريب، بما في ذلك بالوسائط الاعلامية الجديدة، حيث يتلقون افكار داعش وباقي الجهات الاسلامية المتطرفة.

يتمثل الميل الاول بمعالجة المجريات الجديدة من خلال ادخالها الى الاقانيم المعروفة من الماضي. ولكن ينبغي أن نعرف بان هذا وضع جديد، من أجل مواجهته ينبغي فهم التيارات العميقة العاملة في المجتمع الفلسطيني. فالجيوش واجهزة الاستخبارات تركز بشكل عام على قطبين. قطب يضم اصحاب القرار ومنظومات القيادة لدى الخصم، والقطب الثاني – قدراته. اما التيارات العميقة العاملة لدى الطرف الاخر فهي موضع صعب على الفهم وهي بالذات الاكثر إثارة للقلق.

حملة “الجرف الصامد” التي استغرقت 51 يوما، الحقت اضرارا بالطرفين، وبالاساس بالطرف الفلسطيني. ومنذ تلك الحملة تسود فترة هدوء نسبية في جنوب دولة اسرائيل. صحيح أن حماس تبذل جهدا واسعا لاعادة بناء قدراتها، بما في ذلك قدرتها الصاروخية، وكذا لحفر الانفاق الهجومية نحو دولة اسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، كان العام 2015 هو العام الاكثر هدوء منذ سنين: فلم يخدش أي جندي ولم يصب أي مواطن. الصواريخ الـ 24 التي اطلقت من قطاع غزة الى داخل اراضي اسرائيل سقطت في اراض مفتوحة ولم تتسبب باصابات في الارواح. ومع ذلك، في هذه المنطقة ايضا توجد امكانية كامنة لانفجار كبير، ينبع من الجهد الاستخباري – العملياتي – الهندسي الكبير جدا لحماس ومن المساعدة الايرانية بعشرات ملايين الدولارات للتنظيم من ايران، والتي جزء فقط منها يستثمر في اعادة البناء والجزء الاخر يوجه لبناء القدرات ضد دولة اسرائيل.

في المدى الزمني القصير، من شأن اثنين من التهديدات على اسرائيل ان يتعاظما واثنان ينقصان. التهديد الاول المتوقع ان يتعاظم هو التهديد الدون تقليدي والدون دولي من جانب حزب الله، حماس، الجهاد العالمي وداعش. فهذه التنظيمات ستواصل محاولاتها تطوير سلاح صاروخي وتدقيقه، حفر الانفاق الهجومية وتحسينها؟ واطلاق خلايا الارهاب وحرب العصابات. وستعود لجمع أفكار الاخرين لتنفيذ عمليات مدوية وفرض الرعب والخوف، وبهذه الطريقة الوصول الى انجازات سياسية.

التهديد الثاني الذي سيكون في مسيرة تعاظم في المدى الزمني القصير هو التهديد الالكتروني (السايبر). فالخطر الذي في هذا التهديد ينبع من فهم مستخدميه بانه يمك تحقيقه من بعيد والوصول فيه الى انجازات كبيرة. التحديات في هذا المجال كثيرة، والجيش الاسرائيلي يعمل لتعزيز الرد عليها.

اما التهديدان اللذان بتقديرنا سيقلان في المدى الزمني القريب فهما التهديد التقليدي والتهديد غير التقليدي. التهديد التقليدي من جانب اسلحة الجو، اسلحة البحر، الفرق والالوية للدول المعادية يوجد في انخفاض، رغم أن الجيش الاسرائيلي مستعد للوقوف في المستقبل ايضا في وجه مثل هذا التهديد. والتهديد غير التقليدي هو الاخر يوجد في عملية تراجع في مدى الثلاث حتى الخمس سنوات القادمة، وذلك لسببين:

$1· الاتفاق النووي بين ايران والغرب يرجع الى الوراء القدرة النووية الكامنة لايران، من خلال تفكيك قدراتها القائمة ويعمق الرقابة على مشروعها النووي. واضافة الى ذلك يبدو انه سيكون لايران مصلحة قوية في الحفاظ على هذا الاتفاق في سنواته الاولى كي تتمتع بالامتيازات التي ينطوي عليها.

$1· إخراج السلاح الكيميائي من سوريا ادى الى ألا يكون التهديد الكيميائي على دولة اسرائيل موجودا عمليا بعد اليوم. اضافة الى ذلك، تثور امكانية مقلقة اخرى، وهي استخدام محتمل للارهاب غير التقليدي كجزء من الصراع بين الخصوم المختلفين، واولا وقبل كل شيء في سوريا.

استخدام القوة في وجه التهديدات

نشر الجيش الاسرائيلي مؤخرا استراتيجيته للجمهور الاسرائيلي. وقد فعل ذلك انطلاقا من الرغبة في شرح ما هو الشكل الذي يعتزم من خلالها تحقيق غايته في الدفاع عن دولة اسرائيل، ضمان وجودها والانتصار على اعدائها اذا ما اندلعت حرب. وثيقة استراتيجية الجيش الاسرائيلي التي نشرت للجمهور وضعت في اعقاب عمل بذل في السنوات السابقة، وبشكل اكثر كثافة في السنة الاخيرة. في الجيش الاسرائيلي توجد وثيقة اخرى بتصنيف “سري للغاية”، لذات الاستراتيجية.

عند استعراض قدرات وطاقات الجيش الاسرائيلي بالنسبة لقدرات الجيوش الاخرى في الشرق الاوسط او في العالم، يمكن الاشارة برضى الى أن جيش الدفاع الاسرائيلي هو ذو قدرات عالية جدا: فلديه تفوق جوي، استخباري وبحري، وكذا تفوق في البعد الالكتروني – السايبر. اضافة الى ذلك، توجد تعقيدات كبيرة في قدراته في البعد البري.

إن التفوق العالي الذي للجيش الاسرائيلي حيال جيوش العدو يقتطع حيال منظمات دون دول توجد في مجالات مبنية برعاية السكان المدنيين وتطور قدرات تحت أرضية. يخلق هذا الوضع التعقيدات ليس فقط للجيش الاسرائيلي بل وايضا لجيوش اخرى تتصدى للارهاب. حزب الله، حماس وداعش يتحدون المفاهيم الاساس للجيش الاسرائيلي والتي خدمت دولة اسرائيل بشكل جيد على مدى السنين – الردع، الاخطار، القوة والامن.

السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يتم خلق الردع حيال منظمات ارهابية ليس لها أي التزامات للدولة او التزامات اخلاقية؟ فاذا كان يتعين على الجيش الاسرائيلي في الماضي ان يوفر قدرة اخطار حيال الجيوش، فالمتطلبات اليوم هي للاستخبارات في مستوى عال عن منظمات دون دول. فالجيش الاسرائيلي يحظى بالتزود بمنظومات من السلاح على مستوى عال جدا، تسمح له بالتصدي لجملة التهديدات، ولكن الدفاع عن النفس حيال تهديدات الارهاب في المجالات البرية، البحرية الجوية والسايبرية اصبح معقدا أكثر مما في الماضي. فالواجب في حروب الماضي كان تحقيق الانتصار حيال جيوش نظامية؛ اما اليوم فالحديث يدور عن هزيمة تنظيمات توجد داخل سكان مدنيين، في ظل الانشغال بالبعد الزمني وبالمعاني العسكرية لقتال من هذا النوع في دول ديمقراطية تحترم القانون مثل دولة اسرائيل. كل هذه جعلت القتال اليوم اكثر تعقيدا بكثير. وتحدي الجيش الاسرائيلي هو ملاءمة الرد الاستخباري – العملياتي مع الارض والتهديدات المتغيرة وتوفير الاحساس بالامن بلا معاذير.

اذا أخذنا مثالا المجال الفلسطيني، يبرز على الفور التغيير الذي طرأ عليه مقارنة بالوضع الذي كان سائدا عند الصراع ضد ارهاب الانتحاريين قبل عقد من الزمان. ما ساعد الجيش الاسرائيلي على مواجهة الارهاب الفلسطيني في الماضي كان فكر الاحباط الذي اعتمد على التفوق الاستخباري وعلى قدرة احباط العمليات قبل وقوعها. وقد استند هذا الفكر الى استخبارات ممتازة من جهاز المخابرات “الشاباك” والاستخبارات “أمان” وغيرهما من الاجهزة. اما ظاهرة السكاكين في ايامنا هذه فتقفز عن العنصر الاكثر نجاعة في مكافحة الارهاب – الا وهو الاخطار. فاليوم تقع العملية دون أي اخطار، حين يمتشق المخرب سكينا ويركض نحو هدفه، سواء كان هذا جنديا ام مدنيا. عمليا، في كل احداث عمليات السكاكين منذ بدأت، لم نعرف كيف نوفر الاخطار. فحدث الطعن يقع بشكل عام في غضون ثوان – من اللحظة التي يمتشق فيها المخرب السكين وحتى يصبح الحدث عملية – واحباطها يعتمد في الغالب على القدرة التنفيذية للجنود في الميدان. ثمانون في المئة من عمليات السكاكين وقعت ضد جنود وقفوا بين المخرب وبين المدنيين. وفي الاماكن التي تأخرت فيها قوات الامن في الوصول بثوان قليلة، او لم تكن قرب المواطن المطعون، كان الثمن الذي دفع في بعض الحالات ثمنا دمويا.

في يهودا والسامرة توجد 161 مستوطنة اسرائيلية وفيها نحو 1.400 نسمة، ينتشرون بين نحو مليوني فلسطيني. ويدور الحديث عن فئتين سكانيتين متداخلتين الواحدة بالاخرى، الامر الذي يخلق تحديا عملياتيا كبيرا. واجب الجيش الاسرائيلي هو خلق الامن والسماح بالامن وباحساس الامن لدى سكان يهودا والسامرة. وبالتوازي، يتخذ الجيش الاسرائيلي سياسة مدنية موسعة تجاه السكان الفلسطينيين، في ظل فصل واضح بين المشاركين في الارهاب وبين باقي السكان. وفي هذا الاطار يسمح كل يوم بخروج 120 الف فلسطيني للعمل في مدن اسرائيل وفي المناطق الصناعية في يهودا والسامرة، والذين يعيلون بهذه الطريقة نحو 600 الف حتى 700 الف من ابناء عائلاتهم. ويشكل هذا عامل لجم وهو مصلحة مشتركة لدولة اسرائيل والسلطة الفلسطينية، مثل التنسيق الامني المتبادل بينهما.

ظاهرة الارهاب في يهودا والسامرة تستمر منذ سنوات طويلة، ولا حاجة لان يكون المرء استراتيجيا عظيما أو رجل استخبارات كي يفهم بانها ستستمر لسنوات طويلة اخرى. وفي نظرة 15 – 16 سنة الى الوراء يمكن أن نرى بانه لم تمر سنة دون قتلى وجرحى كنتيجة للعمليات: في السنة الاسوأ كان 453 قتيلا و 3.000 جريح، وفي السنة الاقل سوء كان 6 قتلى و 253 جريح. وتحدي الجيش الاسرائيلي هو بالتالي تخفيض مستوى الارهاب والانتصار عليه في كل مكان ممكن، تثبيت مسؤوليته في توفير الامن والاحساس بالامن، والسماح بحرية عمل بالقيادة السياسية لاتخاذ القرارات انطلاقا من موقع قوة وليس تحت ضغط الاحداث.

وبالنسبة للجبهات الاخرى التي يقف أمامها الجيش الاسرائيلي يمكن ان نقول الامور التالية: إذا كان متبعا في الماضي اقتباس القول المنسوب لكلاوزفتس، في أن الجيش يوجد في واحد من وضعين – الاستعداد للحرب أو الحرب – ففي الواقع الجديد يدور الحديث عن وضع مختلف. فالمعارك في ايامنا تقوم أولا وقبل كل شيء على قدرة استخبارية عالية جدا وعلى قدرات سرية وعلنية. وهدفها هو المس بالخصوم واضعافهم، ومنعهم من التعاظم ونيل قدرات متطورة، وعمل كل هذا بشكل لا يؤدي الى تصعيد واسع.

وبالتوازي مع استخدام الجيش الاسرائيلي للقوة على مدى كل السنة، الامر الذي يجري بعيدا عن العين وبالاساس بوسائل سرية، يجري جهد كبير لتحسين جاهزيته. فقد استخلص الجيش الاسرائيلي الدروس من العقد الاخير، حيث تركزت جهوده الاساسية على مكافحة الارهاب ولم يتم الحرص على وجود منظومة تأهيل منهاجية ومكثفة. والثمن الذي دفع على ذلك كان باهظا جدا. ويفهم الجيش الاسرائيلي اليوم بانه يتعين عليه ان يكون جاهزا لانفجار واشتعال المعارك في جداول زمنية قصيرة وان عليه أن يفضل هذه الجاهزية ضمن باقي مهامه. وعمليا، يوجد موضوع الجاهزية اليوم في رأس سلم أولويات الجيش الاسرائيلي.

من اجل تحقيق مسؤولية الجيش الاسرائيلي لا يمكن الاستناد بعد اليوم على خطة “الزمن الغالي” التي كانت متبعة في الماضي، وأساسها ان الجيش يبدأ بتحسين أهليته، ينظم ويعد نفسه لحملة عسكرية عندما يقف أمام وضع تصعيد. اما اليوم فالفهم هو أن على الجيش الاسرائيلي أن يكون جاهزا مسبقا وبجدول زمني قصير جدا لمواجهة انفجارات العنف، كي يتمكن من تحقيق غايته ودوره. وكان احد الدروس الذي تعلمناه هو انه لا يمكن الاعتماد على المفهوم المتملص الذي يسمى “ردع”. صحيح أن ردع يصمد في جنوب لبنان ولكن فعاليته كفيلة بان تتغير بشكل فوري. وبالتالي، فان اختبار الجيش الاسرائيلي يجب أن يكون، وهو، اختبار القدرة.

الخطة الخماسية “جدعون”

إلى جانب تطبيق سياسة استخدام القوة، اتخذ الجيش الاسرائيلي في السنة الاخيرة خطوة هامة للغاية في اعداد خطة جديدة متعددة السنوات. فالخط الاخيرة التي انطلقت على الدرب في الجيش الاسرائيلي كانت في العام 2007. كانت هذه خطة عززت قدرات الجيش الاسرائيلي، غير أنه منذئذ لم تقر أي خطة جديدة. اما الخطة الجديدة متعددة السنين – “جدعون” – فقد انطلقت على الدرب في بداية 2016، حيث كانت الفكرة التي تقبع في اساسها هي تقليص حجم الجيش الاسرائيلي وتركيز اهتمامه على المهام الجوهرية، تعزيز عناصر الرمح، تحسين الجاهزية، الاهلية، التدريب والمخزون، واعطاء أولوية لهذه المجالات على كل باقي المهام. الى جانب هذا، يتوجب مواصلة مكافحة الارهاب، في ظل إدارة عاقلة للمخاطر. ومع ذلك، سيكون من الخطأ توجه كل المقدرات والقدرات لدى الجيش الاسرائيلي لمكافحة الارهاب، لانه عندما سيتطلب الامر نمطا اوسع من الاعمال والعمليات، بواسطة الكتائب والفرق، الجيوش والقيادا اللوائية، حتى هيئة الاركان فانه سيجد نفسه في المكان الذي كان فيه في الماضي ومن غير المرغوب أن يكون فيه مرة أخرى.

وكما أسلفنا فان خطة “جدعون” تسعى لان تكيف الجيش الاسرائيلي مع حجمه الصحيح، بما في ذلك تقليص حجم الجيش النظامي، جيش الخدمة الدائمة وجيش الاحتياط. والتطلع هو لتطوير وحدات قوية، مدربة جيدا وقابلة للعيش وكل هذا في ظل تقليص حجوم الجيش الاسرائيلي، الذي لا يزال جيشا كبيرا جدا بالنسبة للجيوش الاخرى في المجال. ان القرارات الكبيرة التي اتخذها الجيش الاسرائيلي هي إنشاء ذراع السايبر لاعطاء جواب على التطورات في هذا المجال؛ دمج الذراع البري مع عناصر في شعبة اللوجستيكا (النقليات)؛ تنظيم منظومة الوحدات الخاصة في لواء واحد، بما في ذلك تثبيت قيادة العمق؛ تحويل فرقة 98 الى فرقة عمق نظامية؛ بلورة قدرات مرافقة، يقبع في اساسها التشبيك والتداخل. كل هذا من أجل خلق نجاعات اعلى.

لدولة اسرائيل توجد صناعة وقدرة علمية جديرة بالاشارة، الامر الذي يتسبب للجيش الاسرائيلي بتردد دائم حول مسألة الى اين عليه ان يوجه وجهة تعاظمه. فالجيش الاسرائيلي يوجد في عملية شراء واسعة، بعد أن قرر بان تثبيت قدراته يستوجبه بان يشدد على مضاعفات القوة المميزة بدلا من مواصلة تطوير قدرات جديدة. واضافة الى كل هذا يستمر مشروع انتقال الجيش الاسرائيلي الى النقب، والذي في اطاره ستنتقل الى هناك في العقد القادم عناصر ذات اهمية من القدرات العسكرية. هذه خطوة كثيرة المقدرات، تتضمن اخلاء الجيش من مركز البلاد. كما يتم التشديد على تعزيز مكانة الجيش الاسرائيلي كجيش رسمي – جيش الشعب – وتتخذ خطوة شديدة الاهمية اجتماعية، اقتصادية وفي علاقات الجيش مع المجتمع.

تحديات المستقبل

التحدي الاول الذي يقف امامه الجيش الاسرائيلي هو الحفاظ على الردع الاقليمي، المساهمة في هزيمة داعش وتوسيع نافذة الهدوء الامني قدر الامكان. وذلك في ظل الحفاظ على اتفاق السلام والعلاقات الخاصة مع مصر والاردن ومواجهة قابلية الساحة الفلسطينية للانفجار. ويعد هذا تحديا غير بسيط في ظل الهزة التي تمر بها المنطقة.

التحدي الثاني هو تعزيز القدرة متعددة الابعاد للجيش الاسرائيلي للدفاع والمناورة في الجو، في البر وفي البحر. ولهذا الغرض فقد خصصت للجيش الاسرائيلي مقدرات كبيرة تسمح له بان يدافع عن دولة اسرائيل سواء في الايام العادية ام في حالة الحرب. وما يدور الحديث عنه ضمن امور اخرى هو قدرة الدفاع الفاعلة من 4 – 5 شرائح، توفر لاسرائيل الجواب الاكثر تقدما في العالم. كما يتضمن هذا التحدي تعزيز الدفاع في البعد البحري من خلال شراء سفن دفاعية، وكذا تعزيز البعد السايبري. وبالاجمال يدور الحديث عن تعزيز القدرة الاستخبارية، الجوية، البحرية والسايبرية في مقابل القدرة البرية والتحديات التي يشكلها امامنا اعداؤنا في لبنان وفي قطاع غزة. اضافة الى ذلك يتضمن التحدي الحاجة الى خلق تداخلات في كل المنظومات العسكرية وتعميق التداخلات مع الموساد، الشاباك واجهزة الامن الاخرى – تداخلات تشكل مضاعفات قوة للجيش الاسرائيلي ولدولة اسرائيل.

تحدٍ كبير هو الحفاظ على الواقع في قطاع غزة واحباط محاولات خرق سيادة دولة اسرائيل في البعد التحت ارضي. في رأس سلم الاولويات في هذا المجال يقف بناء جواب دفاعي، احباطي وهجومي لتحدي الانفاق.

تحدٍ آخر هو تعزيز الامن واحساس الامن في يهودا والسامرة حيال موجة التصعيد الحالية. وهذا من جهة هو مكافحة الارهاب بشكل ناجع ومهني وشديد اليقظة العملياتية والاستخبارية، مما يعطي جوابا لتحدي ارهاب الافراد وخلايا اطلاق النار، ومن جهة اخرى اعطاء أمل وقدرات للسكان الفلسطينيين لان يعيشوا حياتهم ويعيلوا عائلاتهم. سيكون من الخطأ الجسيم فرض اغلاقات واطواق على البلدات الفلسطينية، إذ ان مثل هذا العقاب سيعمل، في نهاية المطاف، ضد المصلحة الاسرائيلية ايضا.

يجب مواصلة الحفاظ على الردع في الساحة الشمالية سواء حيال الجهاد العالمي وداعش، أم حيال القوات الايرانية التي تستخدم من هناك ميليشيات شيعية أم حيال حزب الله. والى جانب الحفاظ على الردع، يجب الحفاظ على صورة الحق والقدرة لدى الجيش الاسرائيلي كعدو غير متوقع يعرف كيف يرد بشكل حاد.

يفهم الجيش الاسرائيلي الوضع كما هو، يتخذ قرارات شجاعة بل ويأخذ على عاتقه مخاطرات كي يكيف نفسه مع المواجهات للتحديات الكثيرة التي يقف أمامها. كل هذا في ظل النية والجهد لتحويل الرؤيا الى واقع وليصبح جيشا مقاتلا ونوعيا يوجد في مستوى أهلية عالية، يعرف كيف ينتصر على اعدائه، وبالتوازي يطور قدراته المستقبلية. يعمل الجيش الاسرائيلي كي يكون جيش شعب رسمي يقوم على اساس اناس نوعيين، ملتزمين وذوي احساس وطني، جيش متواضل يخرج من الشعب ويعود الى الشعب، جيش يعتمد على ثقافة تنظيمية ناجعة ويحظى بثقة الجمهور. ليس شيئا مسلما به أن يحظى الجيش الاسرائيلي بالثقة الاعلى في الاستطلاعات التي تجرى كل سنة. فهذا يعد ذخرا يجب تطويره والحفاظ عليه.

نحن نوجد في فترة مخاطر وفرص. علينا أن نحافظ على ذخائر دولة اسرائيل في المجال كدولة ديمقراطية، كجزيرة استقرار وقوة عسكرية، علمية وقيمية، وذلك بالتوازي مع الاستعداد للمخاطر التي يجب الاستعداد لها وادارة المخاطر الموجودة منذ الان. فدون إدارة واعية للمخاطر سيكون من الصعب جدا على الجيش الاسرائيلي ان يجري قفزات الى الامام ويستعد جيدا للوقوف في وجه التحديات.

الجيش الاسرائيلي يسير في هذا الاتجاه، والدليل على ذلك يمكن ان نراه منذ اليوم سواء في استراتيجية الجيش الاسرائيلي أم في الخطة الخماسية “جدعون”.

Optimized by Optimole