المعركة على الموصل، دروس للجيش الإسرائيلي

Spread the love

بقلم: رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

•لقد بدأت المعركة على الموصل للتـوّ، لكن يمكن منذ الآن ملاحظة التشابه الكبير وحتى التطابق بين أساليب قتال تنظيم داعش وأساليب القتال التي ينوي حزب الله و”حماس” استخدامها في حربهما المقبلة ضد إسرائيل. وتستند المقارنة بين الطريقة التي يقاتل بها داعش حالياً القوات التي تهاجمه وأساليب القتال المستقبلية لحزب الله و”حماس”، إلى تصريحات قادتهما، وما ينشره علناً هؤلاء القادة وإلى عمليات إعداد يقومون بها حالياً على الأرض.

•يمكن تسمية قتال داعش في الموصل “حرب عصابات دفاعية” أو “حرب عصابات في المدن” ويجري الجزء الأساسي من القتال في أماكن مبنية حيث يتفوق المدافع لأنه يعرف المنطقة جيداً وأعدها للقتال حتى لو كان عدد مقاتليه قليلاً جداً. ومن المهم في هذا السياق معرفة أنه في مواجهة نحو 8000 مقاتل من داعش في الموصل والقرى المجاورة، تتقدم قوة مهاجمة مؤلفة من وحدات النخبة في الجيش العراقي، ومن ميليشيات البشمركة الكردية التي جرى تسليحها وتدريبها من قبل الأميركيين، وميليشيات شيعية وسنية مختلطة تقاتل إلى جانب الحكومة العراقية.

•في الإجمال هناك قرابة 35 ألف مقاتل، بيد أن نسبة واحد إلى أربعة لصالح المهاجمين لا تضمن بالضرورة النصر، لكنها تمنحهم تفوقاً كبيراً. وفي ما يتعلق بإسرائيل ستكون هذه هي أيضاً النسبة العددية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في الحرب المستقبلية في لبنان وسورية، وكذلك في جولة القتال الجديدة ضد “حماس” في غزة.
•يتوزع نشاط داعش بين “قتال للعرقلة” يدور في الأماكن المفتوحة في منطقة الريف المحيط بالموصل، والإعداد للمعركة بحد ذاتها داخل المدينة. ويستخدم داعش في هذين النوعين من القتال المدنيين كدروع بشرية، خاصة بسبب قدرته على الاختباء بين السكان المدنيين ثم الانطلاق من بينهم فجأة والعودة إلى الاختباء بينهم. ويساعد هذا الأسلوب في التحرك داعش على التملص من القصف الجوي للائتلاف بقيادة الولايات المتحدة. وهذا ما فعله ويفعله تنظيما “حماس” وحزب الله، فهما أيضاً “يختفيان” ويتبخران داخل السكان المدنيين وداخل الأنفاق مباشرة بعد الهجوم، فراراً من القصف الجوي والمدفعي الذي استخدمه ويستخدمه الجيش الإسرائيلي. وداعش مثل حزب الله و”حماس”، يحاول الظهور لوقت قصير يكبد خلاله القوة المهاجمة خسائر ثم يختفي كي يظهر من جديد في مكان آخر.

•تجري “حرب العرقلة” في مسارين. المسار الأول هجوم مفاجئ يشنه مقاتلو داعش الذين يعملون كمجموعات نائمة من المقاتلين جرى إخفاؤها وسط السكان، وهم يهاجمون خارج ساحة المعركة في الموصل، والهدف هو إجبار القوات الأميركية والكردية على التوجه إلى هناك وتخفيف عدد القوات التي تهاجم المدينة.

•وقد حدث هجوم من هذا النوع في نهاية الأسبوع في مدينة كركوك المهمة بالنسبة للحكومة العراقية وللجيش العراقي بسبب وجود آبار النفط حولها، ومهمة بالنسبة للأكراد الذين يطالبون بفرض سيادتهم على هذه المدينة. تقع المدينة على بعد 150 كيلومتراً عن الموصل، لكن الهجوم عليها يخدم جيداً الدفاع عن الموصل لذا جرى التخطيط للهجوم على كركوك بدقة. فقد أرسل داعش إلى هناك سيارات مفخخة وقناصة وخلايا صغيرة أطلقت النار على قوات الأمن العراقية وعلى الأكراد، وبعد ذلك دخلت المباني وصعدت الأسطح ومن هناك واصلت القنص.

•بالإضافة إلى ذلك، أحرق عناصر داعش بضعة آبار للنفط من أجل هدف مزدوج: تغطية سماء المنطقة بسحاب كثيف من الدخان من أجل عرقلة نشاط الطائرات الأميركية من دون طيار التي تجمع المعلومات الاستخباراتية وتهاجم قادة وناشطي داعش بواسطة الصواريخ. كما أن تغطية المنطقة بسحاب كثيف من الدخان الأسود يمنع الأميركيين من تنفيذ الجزء الأكبر من المعركة الجوية، ولا يتيح لهم الهجوم جواً على أهداف تابعة لداعش قد يتصادف وجودها على الأرض.

•المكون الثاني في قتال العرقلة هو زرع عبوات ناسفة مرتجلة وألغام على محاور الطرق الأساسية وتفجير سيارات مفخخة في أرتال الآليات المدرعة التي تتقدم نحو الموصل. كما يستغل داعش الفرصة من أجل ضرب إيران التي هي في نظره عدوه الرقم واحد في الشرق الأوسط.
ما هي الدروس التي يمكن أن يتعلمها الجيش الإسرائيلي؟

•في ما يتعلق بنا، يمكن توقع أن يحاول حزب الله و”حماس” في الحرب المقبلة عرقلة أو تشويش عملية هجومية برية للجيش الإسرائيلي بواسطة هجوم مفاجئ على المستوطنات الإسرائيلية. وقد يحاولان أيضاً أخذ رهائن من أجل وقف تقدم الهجوم الإسرائيلي، مثلما فعل داعش في بلدة برطله التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الموصل، وفي قرى أخرى في تلك المنطقة.

•لقد قال الأمين العام لحزب الله عدة مرات في الخطابات التي ألقاها في الفترة الأخيرة إن حزب الله ينوي التسلل إلى الجليل والسيطرة على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من السياج الحدودي والواقعة على بعد بضعة كيلومترات من حدود لبنان، من أجل عرقلة القوات المدرعة للجيش الإسرائيلي التي ستكون في طريقها للدخول إلى الأراضي اللبنانية.

•ومن المعقول افتراض أن الحزب سيحاول وضع عبوات ناسفة على محاور تحرك القوات المدرعة للجيش الإسرائيلي التي ستدخل من أجل السيطرة على مناطق إطلاق الصواريخ والقذائف وتتطلع إلى التقدم بسرعة. وسيسعى الحزب إلى عرقلة هذه القوات بهذه العبوات والألغام وبصورة خاصة بواسطة محاولات القوة الخاصة للحزب (قوات الرضوان) السيطرة على مستوطنات مدنية وخطف رهائن.

•ليس لدى الحزب آبار نفط لإحراقها كي يغطي السماء بدخان أسود ويحيّد الطائرات الإسرائيلية من دون طيار ويمنع الرقابة الجوية. لذا يمكن افتراض أنه يخطط لأن يفعل ما جرى فعله في كوسوفو: إشعال مواد أخرى تولد دخاناً كثيفاً وتعطي النتيجة عينها من أجل تحييد تفوق إسرائيل في الجو وفي جمع المعلومات الاستخباراتية.

•ستستخدم “حماس” أساليب مختلفة لكن من المهم التشديد على أن حفرها لأنفاق هجومية داخل ‏أراضي إسرائيل يهدف بين أمور أخرى إلى السماح لقوتها الخاصة بالسيطرة على مستوطنة وخطف رهائن، ‏وبصورة خاصة مهاجمة مؤخرة القوات الخلفية للقوات الإسرائيلية المتحركة إلى داخل القطاع.‏

ثمة مكون آخر في قتال داعش مهم بالنسبة إلينا هو أنفاق القتال. إن هدف هذه الأنفاق ليس ‏التسلل إلى المنطقة التي يسيطر عليها العدو، بل استخدامها كمخبأ من الهجمات الجوية بصورة ‏تتيح لداعش القتال ونقل مقاتليه وعتاده بسرعة من مكان إلى آخر. وهذا تحديداً هدف الأنفاق ‏القتالية التي حفرتها “حماس” داخل غزة والمخابئ تحت الأرض التي حفرها حزب الله داخل ‏البلدات والقرى في جنوب لبنان. ويجري في هذه الأنفاق تخزين الطعام والمياه والذخيرة ‏للسماح بقتال طويل تحت المناطق المبنية ومن أجل أن يستريح المقاتلون بين مواجهة وأخرى.‏

•في هذه المسألة لا يختلف التكتيك الذي أعده داعش مسبقاً في الموصل وجوارها قيد أنملة عن التكتيك ‏الذي تعده “حماس”، وكما يبدو حزب الله أيضاً، فالتحصينات تحت الأرض معدة بصورة خاصة للصمود ‏وليس للهجوم. ويشار إلى أن داعش أعد أيضاً أنفاقاً هجومية في الموصل ووضع ‏داخلها عبوات ناسفة ضخمة قد يستخدمها لكبح تقدم القوات في الشوارع الرئيسية في ‏الموصل. وتستخدم “حماس” هذا الأسلوب أيضاً .

•لذا فإن معالجة الأنفاق تتطلب مجهوداً كبيراً من القوات التي تهاجم الموصل وكذلك من قوات ‏الجيش الإسرائيلي لو اضطر إلى القتال في غزة أو في جنوب لبنان. وستكون هناك ضرورة ‏في آن معاً لتحييد أنفاق هجومية تسللت إلى أراضي إسرائيل وتشكل مشكلة ملحة، وفي ‏الوقت عينه يجب أن تكون القوات الإسرائيلية قادرة على التعامل بفعالية مع أنفاق القتال تحت الأرض داخل أراضي غزة وداخل أراضي جنوب لبنان ووضع قسم منها خارج الاستخدام، وهي أنفاق حُفرت ‏مثلما حُفرت أنفاق الموصل من أجل إتاحة الفرصة “لحرب عصابات داخل المدن” لوقت طويل ‏وبواسطة قوات صغيرة نسبياً.‏

•يشبه القتال المخطط له داخل الموصل كثيراً ما يخطط له حزب الله و”حماس”: استخدام شبكة ‏الأنفاق من أجل الظهور في أماكن فجأة، والصعود إلى الأسطح والقنص بقوة، مع وجود فارق ‏في مجال واحد بين الحزب و”حماس” [وبين داعش] وهو أنه في القتال داخل المدن، لن يترك الحزب ‏ و”حماس” على الأرجح وراءهما عبوات ناسفة كثيرة كي تنفجر في الجيش الإسرائيلي خوفاً على سلامة ‏السكان الذين يعيشون في المنطقة.‏

•وثمة فارق آخر هو أن لدى الحزب و”حماس” كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات ‏‏(وصورايخ مضادة للطائرات) تستطيع عرقلة تقدم قوة مدرعة، بينما لدى داعش وسائل ضئيلة ‏قادرة على ضرب آلية مدرعة على بعد بضعة كيلومترات. يحمل مقاتلو داعش قذائف آر. بي. ‏جي. تستطيع إصابة دبابة على بعد بضعة مئات من الأمتار، ومن الصعب جداً استخدامها في أرض ‏مفتوحة. وفي مناطق المدن، فإن صواريخ الآر. بي. جي التي لدى الحزب والحركة تمنحهما ‏تفوقاً كبيراً.‏

•إن التشابه بين أساليب القتال التي يستخدمها داعش وتلك التي يخطط حزب الله وإلى حد ما ‏‏”حماس” لاستخدامها ضد إسرائيل، يتطلب متابعة دقيقة من الجيش للطريقة التي ستقاتل فيها ‏القوات العراقية والكردية والقوات الجوية الأميركية في هجومها على الموصل. ولو تعلم ‏الجيش الإسرائيلي الدروس المستخلصة من الموصل وتفحّصها بعمق من أجل ملاءمتها مع ‏ظروفنا، فإن هذا يمكن أن يساعده على خوض مواجهة أفضل في المعارك المقبلة في لبنان ‏وغزة.‏

•وعلى الرغم من ذلك يجب أن نتذكر أن استراتيجية داعش تختلف عن استراتيجية حزب الله ‏و”حماس”، اللذين يعتمدان على استنزاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال الصواريخ ‏ووسائل أخرى، في حين يخوض داعش حرباً انتحارية دفاعاً عن فكرة ومن أجل نصر ‏في الوعي يتيح له إدارة حربه الإرهابية في إطار الجهاد العالمي.

المصدر: موقع “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole