العنوسة والزواج الثاني

Spread the love

بقلم: ميادة سفر — “الزواج هو المصير التقليدي الذي يخصه المجتمع للمرأة وأغلب النساء هن حتى هذا اليوم إما متزوجات أو يعددن أنفسهن للزواج أو يتألمن لعدم تزوجهن”. هكذا تقول سيمون دو بوفوار في كتابها “الجنس الآخر”.
بانتظار الزوج المناسب، وفق بعض المفاهيم التقليدية والعادات المتداولة في بعض المجتمعات، يمضي العمر ويضيع وفقاً للبعض وتتحول الفتيات الى عوانس إن هن تجاوزن سناً معيناً فرضته العادات والتقاليد والأفكار البالية.
لطالما كانت العنوسة ظاهرة موجودة في جميعالمجتمعات عربية كانت أم أجنبية، لكن النظرة تغيرت بمرور الزمن والتطور الذي حصل ودخول المرأة مجال التعليم العالي الذي يفرض عليها أن تمضي سنوات طويلة في التحصيل العلمي ومن ثم دخولها ميدان العمل.
وفي زمن الحروب ربما تكون المرأة الأكثر تضرراً وتحملاً لكثير من المعاناة، فهي التي تفقد الإبن والزوج والأخ في الحروب. وعلى الأغلب يزداد عدد النساء ويقل عدد الذكور الذي يقضون في الحرب قتلى أو مفقودين. ولطالما شكّلت مشكلة العنوسة هاجساً للكثير من النسوة في مجتمعات تراقب هذا الكائن الرقيق وتحاسبه على كل تصرف يقوم به.
إن تزوجت المرأة لن تشيح عنها نظرات المجتمع التي تطالبها بالكثير، وإن لم تتزوج ودخلت في مرحلة العنوسة التي يحددها كل مجتمع فيا لها من كارثة ستحل عليها.
في سوريا وبعد سنوات طويلة من الحرب والمعاناة تقف المرأة الى جانب الرجل يداً بيد في كل مناحي الحياة، في الجبهات كانت النساء السوريات موجودات حملن البندقية وقاتلن. لم يخطر ببال أي منهن نظرات مجتمع متخلف أو أن يسبقهن قطار زواج قد لا يحفظ كرامتهن.
ولكن ومن منقلب آخر عانت الكثيرات من الفتيات من انتظار الزوج المناسب في مجتمع لا يرحمهن. عانين في ظل التفاوت الكبير بين أعداد الفتيات وأعداد الشباب، كثير من الشباب السوري إما على جبهات القتال أو هاجر هرباً من مصير ما.
وحدهن الفتيات المستضعفات في بعض العائلات والمجتمعات بقين يعانين مر الانتظار. هنا كان لابدّ من اللجوء الى حل لم يكن ليرضي الكثيرات، ألا وهو الزواج من رجل متزوج. فكان أحد الحلول البديلة المقترحة للتقليل من نسبة العنوسة بين الفتيات. حتى أن المحاكم الشرعية لم تعد تتشدد في السماح بالزواج الثاني بل أصبحت تفسح المجال له طالما لا يتسبب بآثار ومشاكل على الزواج الأول.
كثيرة هي الأمور التي أثّرت على مؤسسة الزواج في ظل الحرب في سوريا. ربما كان أغلبها أسباب اقتصادية نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة، فضلاً عن تواجد كثير من الشباب كما أسلفنا على جبهات القتال وهجرة آخرين.
حاول البعض التغلّب على هذا الواقع أحيانا باللجوء إلى حلول مشروعة ومباحة اجتماعياً وربما أخرى مستهجنة في بعض المجتمعات، ومنها المساكنة التي ربما انتشرت وبشكل شبه علني بين الشباب، إذ لجأ إليها الشباب السوري تحايلاً على الأوضاع الاقتصادية حيناً وربما الاجتماعية حيناً آخر، رغم رفضها من قبل الكثيرين. ولكن يبدو أن هذه الظاهرة باتت موجودة أو ربما تأخذ مكانها في المستقبل على غرار فكرة الزواج الثاني أو حتى الزواج السرّي في مجتمع لا بدّ له أن ينحو باتجاه بعض من التغيير في مفاهيمه وعاداته.
وبالعودة إلى فكرة العنوسة التي قد تتراجع مع تطور المجتمعات ومع تغيّر التفكير، وهو تغيير لابدّ منه، ينبغي النظر الى المرأة كشريك في المجتمع لا ينتقص منها سواء تزوجت أم لم تتزوج، أنجبت أم لم تنجب.
يقول مارتن لوثر كينغ: “الحرب هي إزميل سيء لنحت الغد”.

Optimized by Optimole