الدول العربية وقطر: حان وقت الحساب

Spread the love

بقلم: أيال زيسر – باحث إسرائيلي في معهد دايان لدرسات الشرق الأوسط وأفريقيا —

•قرار مصر والسعودية والبحرين واتحاد الإمارات، الذي انضمت إليه أيضاً اليمن وليبيا، بقطع العلاقات مع قطر وفرض عقوبات عليها، شكل ضربة قاسية للإمارة الصغيرة على ساحل الخليج الفارسي [العربي]، التي كانت تظن نفسها حتى الأمس إمبراطورية كلية القدرة، تستطيع أن تحرك بإصبعها الشرق الأوسط كله.

•مال وإعلام، فمال النفط وقناة الجزيرة التلفزيونية هما اللذان منحا قطر قوة وهمية سمحت لها بأن تتحول إلى “ولد طائش” أو “الولد المزعج” في العالم العربي. إن طموح قطر للعب دور مركزي في المنطقة، ومحاولتها بصورة خاصة إغضاب السعودية، “الأخت الكبرى”، التي يتشارك القطريون معها في نظرتها الدينية الوهابية، دفعا بقطر إلى التفكير والتصرف دائماً بصورة مختلفة تماماً عما تفكر به وتفعله الدول العربية.

•في البداية كان في هذا جاذبية معينة. فقد كانت الجزيرة قناة تلفزيونية عنيدة لم تتردد في معالجة ظواهر كانت بمثابة محرمات في العالم العربي. ودرجت المحطة أيضاً على انتقاد الديكتاتوريات العربية، لكن ليس قطر ولا الديكتاتوريات التي كانت قطر معجبة بها، مثل نظام بشار الأسد في سورية (حتى نشوب الثورة). ويُذكر في هذا السياق استعداد قطر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

•لكن على ما يبدو نسيت قطر حدودها وقيودها. وكان التكتيك القطري في السنوات الأخيرة هو تكتيك صمود مع محاولة الحفاظ على أهمية وعلى قدرة تأثير، هو الذي أدى إلى انتهاج سياسة “هذا وذاك”. فمن جهة استضافت قطر قيادة القوات الأميركية في الخليج على أراضيها، لكن من جهة أخرى حافظت على علاقات ثابتة مع إيران. ومن جهة تبنت موقفاً نقدياً إزاء أنظمة توتاليتارية في العالم العربي، لكن من جهة أخرى قبلت وجود “ديكتاتورية مستنيرة” في قطر نفسها، حيث يجري فيها الدوس على حقوق العمال الأجانب الذين يشكلون أغلبية سكان الإمارة، ولا يتمتعون بأيّ حق من الحقوق الأساسية للمواطن.

•وباسم الانفتاح وحرية المعرفة والتعبير، تحولت قناة الجزيرة بالنسبة إلى القوى المتطرفة في العالم الإسلامي، إلى بوق وأداة للتعبير. وحركة الإخوان المسلمين كانت لا تزال أكثر الحركات اعتدالاً من بين تلك القوى. ووقفت القناة مع حزب الله، وبالطبع مع “حماس”، كي لا نتحدث عن حركات راديكالية أخرى في العالم العربي. وعندما ضرب الإرهاب إسرائيل وقفت الجزيرة إلى جانب “حماس” وحزب الله. وعندما ضرب الإرهاب في أوروبا، كان هناك دائماً في الجزيرة من تفهّم ماذا كان يعتمل في قلوب منفذي الهجمات. لكن صبر القاهرة نفد عندما ضرب الإرهاب مصر فيما تهاجم قناة الجزيرة نظام السيسي المصري وتقدمه كمسؤول عن موجة الإرهاب التي تجتاح هذه الدولة.

•لكن ما يجري ليس فقط تغطية إعلامية داعمة، بل تقديم مساعدة مالية حقيقية للتنظيمات الراديكالية في العالم العربي. وتستضيف عاصمة قطر قيادة “حماس”، الحركة التي صنفها دونالد ترامب قبل أيام معدودة في زيارته الأخيرة للمنطقة بأنها تنظيم إرهابي. ولدى المصريين والسعوديين شكوك في أن قطر تمول تنظيمات راديكالية تنشط في أراضيهما.

•في قطر حاكم جديد يبحث عن طريقه. والآن تصوّب الدول العربية مسدساً إلى رأسه وتطلب منه العودة إلى حضن العائلة، والتوقف عن لعب دور الابن الشرير، أو عنزة العالم العربي السوداء. والسؤال هو: إلى أيّ مدى ستذهب هذه الدول؟ وهل لدى قطر القدرة على الصمود في مواجهة الضغط الذي يُمارس عليها؟

•في الماضي أيضاً عرفت علاقات قطر مع جيرانها في الخليج، السعودية ومصر خصوصاً، ارتفاعاً وهبوطاً، لكن في نهاية الأمر تابعت قطر طريقها. هذه المرة يبدو أن صبر العرب قد نفد وهم ليسوا مستعدين للقبول بعدم وقوف قطر صفاً واحداً معهم. يمكن افتراض أنه كما جرى في الماضي فسيجري التوصل هذه المرة كذلك إلى صيغة مصالحة، ربما بوساطة أميركية، فتبعد قطر لفترة معينة جزءاً من زعماء “حماس” عن أراضيها، وتخفف قناة الجزيرة من انتقادها لحكام السعودية ومصر، وتمر الأزمة. لكن المشكلة التي تمثلها قطر بالنسبة إلى إخوانها العرب ستبقى على حالها.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هَيوم” الإسرائيلية، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole