التعداد الحقيقي للمستوطنين

المستوطنون يمارسون أعمال العربدة في ذكرى النكبة
Spread the love

بقلم: يوتام بيرغر – مراسل صحيفة هآرتس الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة —

•في السنوات الأخيرة تحولت الكلمتان “رؤيا المليون” إلى عبارة شائعة ليس على لسان قادة المستوطنين فقط. ويوجد بين السياسيين الذين يتجولون في أروقة الكنيست أيضاً من يتحدث عن وهم إسكان مليون إسرائيلي في الضفة الغربية كخطة واقعية، حتى في المستقبل القريب. وهم يعتقدون أنه عندما يحدث ذلك، فلن يكون في الإمكان بعد ذلك رسم خريطة فيها دولتان، دولة إسرائيلية إلى جانب دولة فلسطينية، وسيتحول إخلاء واسع النطاق [لمستوطنات] إلى حلم بعيد المنال، حتى لو أصبح اليسار في الحكم.
•وعملياً، يظهر الواقع أنه اليوم أيضاً من الصعب رسم مثل هذه الخريطة، لأن السنوات الخمسين الأخيرة أحدثت تغييرات بعيدة المدى في حجم المستوطنات في الأراضي المحتلة. ويظهر الفحص الذي قامت به “هآرتس” بالاستناد إلى أرقام المكتب المركزي للإحصاءات أنه في سنة 2015 بلغ عدد سكان المستوطنات أكثر من 380 ألف مستوطن. لكن هذه الأرقام هي أرقام جزئية لأنها لا تشمل الذين يسكنون في الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، ويقدر عددهم بنحو 210 آلاف شخص وفقاً لـ”معهد القدس لدراسات إسرائيل”. أما بشأن كل ما يتعلق بإخلاء مستقبلي محتمل للمستوطنين الذين يعيشون “خارج الكتل” [الاستيطانية] (كما جاء في مبادرة جنيف [الوثيقة التي وضعها ياسر عبد ربه ويوسي بيلين سنة 2003] من دون مستوطنة أريئيل)، فإن الصورة هنا أيضاً معقدة لأن ما يجري الحديث عنه هو نحو 44% من مستوطني الضفة الغربية.
•كي نفهم تطور الواقع في المناطق [المحتلة] يجب العودة إلى الأيام التي تلت حرب الأيام الستة، والتي بشرت بقيام مشروع جديد – مشروع المستوطنات. ولدى النظر إلى خريطة تعود إلى 1968 تظهر خمس نقاط جديدة، لا يقطن فيها سكان كثيرون، خارج الخط الأخضر. وكان حزب العمل هو الذي وقف وراءها عندما قرر استيطان أراضي الضفة، وهناك من قال إن هذا الاستيطان هو لأسباب أمنية. وعلى أي حال يعتقد بنحاس فيلرشتاين، وهو رئيس سابق للمجلس الإقليمي ومن زعماء مجلس يهودا والسامرة وغوش إيمونيم [حركة دينية استيطانية]، أن المستوطنين يدينون بالكثير لليسار. ويذكّر بأن مستوطنة “أريئيل مرت بجميع الإجراءات على يد حزب العمل الذي كان مسؤولاً عن تخطيط المستوطنات قبل انقلاب 1977”. ويتابع: “قصة العبور إلى السامرة [منطقة نابلس]، وتكثيف السكن في القدس، وغفعات زئيفي، ومعاليه أدوميم، وبيت حورون – جميعها من إنجاز حزب العمل”.
•قد يكون حزب العمل هو الذي بدأ بالبناء في المناطق، لكن الزيادة الدراماتيكية في عدد المستوطنين بدأت فقط بعد سيطرة الليكود برئاسة مناحيم بيغن على السلطة. بعد انتخابات 1977 مباشرة، كانت هناك 38 مستوطنة يعيش فيها 1900 مستوطن. وبعد مرور عشرة أعوام، خلال الثمانينات، قفز عدد المستوطنين إلى قرابة الـ50 ألفاً، يعيشون في أكثر من 100 مستوطنة مختلفة.
•ليس عدد المستوطنات فقط هو الذي كبر بصورة ملحوظة في ظل حكم اليمين، بل طرأت أيضاً تغييرات على طابع هذه المستوطنات وحجمها. “قبل وصول الليكود إلى الحكم كان هناك مستوطنة مدينية واحدة هي – كريات أربع”، هذا ما قاله لـ”هآرتس” البروفسور هيلل كوهن، رئيس “مركز تشيرك لدراسة الصهيونية” في الجامعة العبرية. ويتابع كوهن أنه في السنوات التي تلت بدأت تنشأ مدن في أنحاء الضفة: “لقد كانت هذه سياسة حكومية – زيادة عدد اليهود في المناطق. وهم وضعوا خططاً خمسية وخططاً عشرية، وتحدثوا عن كيفية الوصول إلى 100 ألف وإلى 200 ألف وكيف نصل إلى نصف مليون”.
•يشدد كوهن على الدور المهم الذي قام به أريئيل شارون في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية: “من ناحيته، فإن المنطق الذي يكمن وراء انتشار المستوطنات في المناطق هو الحؤول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية”.
•في السنوات التي امتدت من حين وصول بيغن إلى الحكم وحتى 1984، دفعت الحكومة قدماً بمشروع الاستيطان بكل قواها. هذا ما كتبته البروفسوة مريام بيلجي من جامعة أريئيل في مقال لها بعنوان “إيديولوجيا وتصميم حيّز الوجود في يهودا والسامرة [الصفة الغربية]” نشرته سنة 2008. ووفقاً لكلامها فإن “التباطؤ” حدث مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أواسط الثمانينيات، وعندما تشكلت حكومة رابين في 1992 تقرر كبح البناء ووقف إقامة مستوطنات جديدة. لكن في تلك الفترة لم يكن عدد المستوطنات قليلاً، واستمر تدفق الإسرائيليين إليها. وفي سنة 1997 بعد مرور سنة على الولاية الأولى لبنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة، بلغ عدد المستوطنين في الضفة نحو 150 ألفاً.
•مرت 20 عاماً على ذلك، وإذا كان عدد المستوطنين كبيراً في ذلك الحين، فإنه يقترب اليوم من 400 ألف، ولايشمل ذلك سكان الأحياء المقدسية الواقعة خارج الخط الأخضر، كما لا تشمل هذه الأرقام سكان البؤر الاستيطانية غير القانونية. ووفقاً لأرقام منظمة “السلام الآن” يوجد في أنحاء الضفة الغربية 97 بؤرة استيطانية غير قانونية. وتشير حاغيت عوفرون، رئيس طاقم متابعة المستوطنات في المنظمة إلى أن هناك بضعة آلاف من السكان يقطنون هذه البؤر. وعلى الرغم من ذلك، ونظراً إلى أن أغلبية هذه البؤر متاخمة لمستوطنات، فمن المحتمل أن إحصاء سكان هذه البؤر يتم ضمن سكان المستوطنة الأم.
طابع مختلف
•مستوطنون، سكان البؤر الاستيطانية، أو “شبان التلال”، صورة هؤلاء في أذهان الجمهور هي غالباً واحدة: هم أبناء المعسكر الديني – القومي. لكن فعلياً فإن الذين يسكنون خارج الخط الأخضر هم أكثر تنوعاً. وتظهر الأرقام أن 100 ألف فقط من مستوطني الضفة في 2015 سكنوا في مستوطنات دينية قومية واضحة، بينما سكن 164 ألفاً سكنوا في مستوطنات علمانية أو مختلطة.
•لكن التزايد الكبير في عدد المستوطنين يعود بدرجة كبيرة إلى الطائفة الحريدية، التي في أغلبيتها لا تتخطى الخط الخضر لأسباب أيديولوجية بالضرورة. يقول البروفسور كوهن: “إنه مزيج من ضرورة يفرضها الواقع وقرار من جانب زعماء الطائفة. فقد أدت أزمة السكن في بني براك وفي القدس أيضاً، إلى إقامة الأحياء الحسيدية [فرقة من الفرق الدينية المتشددة].”
•يضيف فيلرشتاين: “بدأ الحريديم في عمانؤيل الصغيرة، لكن عمانؤيل لم تحل لهم أزمة السكن. والاعتبار الذي يلعب دوره بالنسبة للسكان الحريديم هو قرب المستوطنة من المدينة التي يأتون منها”. وبهذه الطريقة، مع مرور السنين، أقيمت مستوطنات حريدية ضخمة مثل بيتار (للذين أصلهم من القدس)، ومستوطنة موديعين عيليت (للذين أصلهم من بني براك)، وفي الإجمال كان يسكن في سنة 2015، 118 ألف مستوطن في مستوطنات حريدية واضحة في الضفة.
•على وجه العموم، فإن الاستيطان المديني ليس أمراً خاصاً بالحريديم فقط. وفي2015، كان يسكن نحو 65% من المستوطنين في مستوطنات ذات طابع مديني، والجزء الأكبر من الزيادة في هذا النوع من السكن حدث في التسيعينيات وفي سنة 2000. وبالإضافة إلى السياسة الحكومية في تكثيف السكن في المدن، ساهم في ذلك أيضاً الهجرة، وبخاصة من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. يقول كوهن: “في أريئيل وفي معاليه أدوميم، جرى استيعاب مهاجرين، وكذلك يوجد في كريات أربع حضور روسي. وهناك أيضاً الذين جاؤوا إلى المناطق [المحتلة]في فترة متأخرة أكثر وليس كجزء من استيعاب الهجرة، وهؤلاء أشخاص ينتمون إلى الطبقة الوسطى”.
•في هذا السياق، برزت مع السنوات ادعاءات ليست قليلة تقول إن كثيراً من المستوطنين في الضفة لم يأتوا إلى هناك لأسباب أيديولوجية، بل فقط للحصول على مساكن أفضل بسعر أرخص. وتعتقد البروفسورة عديت زرتال، مؤرخة وباحثة اجتماعية، أن هذا الوصف ينطبق بصورة خاصة على السنوات 1987- 1997. “لقد كانت هذه فترة استيطان اقتصادي وبصورة أقل كان الاستيطان أيديولوجياً”. وتقول: “وهذا يفسر أيضاً الزيادة في المدن- فالمدن يقصدها من يبحث عن شقق”. وبحسب كلامها، فإن المدن الاستيطانية التي قامت جرى بناؤها على أراض قريبة من المراكز المدينية الموجودة داخل الخط الأخضر. وتتابع: “على سبيل المثال معاليه أدوميم – هي استمرار للقدس. إن الشخص الذي يملك شقة مساحتها 50 أو 60 متراً مربعاً في القدس، يستطيع الحصول على شقة مساحتها ثلاثة أضعافها والحصول على إعادة ماليه. في رأيي هذا هو العامل المركزي الذي يفسر مثل هذه الزيادة الكبيرة”.
•في رأي بيلجي، إن هذا التفسير تبسيطي جداً. تقول: “أعرف أن هناك ميلاً إلى القول إن كثيرين كانوا يرغبون في مسكن أفضل. يوجد من هذا ومن ذاك. هناك حتماً الذين سكنوا في منزل صغير وانتقلوا إلى منازل أكبر بكثير، لكن هناك نسبة كبيرة جداً جرى العكس معهم”. وهي ترى أن البناء في المناطق تغير عما كان عليه في الماضي. وتشرح “اليوم هناك ميل إلى بناء منازل أصغر، وهناك طلب على هذا النوع من المساكن”.
•ثمة مسألة أخرى مطروحة هي المتعلقة بطابع المستوطنات والذين يسكنون فيها. تقول زرتال: “إن النواة المتشددة والقديمة للأيديولوجيين (وسط المستوطنين حالياً، ي.ب) صغيرة للغاية، وهي في اعتقادي لا تتجاوز الـ5%. وفي مقابل هؤلاء، نشأت نواة أيديولوجية من نوع مختلف – الأبناء والأحفاد، والأصح الأحفاد المتحدرين من النواة المتشددة القديمة. وهم اليوم رأس الحربة، وعددهم كبير جداً، وضررهم أكبر بكثير من حجمهم وسط السكان”. ووفقاً لكلامها “القدماء لم يستخدموا قط اللغة التي يستخدمها شبان التلال – وهم يعنون كل كلمة يقولونها. لقد عرف القدماء كيف يلعبون اللعبة السياسية والتلاعب بالمؤسسة السياسية، بينما لا يوجد حوار بين شبان التلال وهذه المؤسسة، وليس هناك منطق سياسي في كلامهم. هم يعيشون داخل فقاعتهم الخلاصية”.
ما وراء الجدار
•إن أحد التغيرات المهمة في الضفة الغربية خلال الـ15 سنة الأخيرة هي إقامة جدار الفصل. وفقاً لكلام بيليج، كان هناك قبل بناء الجدار تخوف بين المستوطنين من أنه قد يبعد سكاناً جدداً عن المنطقة، ولكن يبدو أن هذا لم يرد. وتتابع: “لقد أدى الجدار إلى انخفاض الأسعار خلال زمن معين لكنها ارتفعت بعد ذلك. وفي نظرة بعيدة الأمد لا أرى أن شيئاً مهماً سيحدث.” وتوافق عوفرون على هذا الكلام فتقول: “شعوري أنه حدث ارتفاع في عدد السكان ما وراء الجدار أيضاً بعد بنائه، لكن هذا لا علاقة له بالجدار”. وفي رأيها أن السبب هو “الهدوء الذي أتاح لأشخاص البدء بالعودة إلى هذه الأماكن”، وكذلك سياسة نتنياهو السماح بالبدء في البناء ما وراء الخط الأخضر.
•وإذا كان الجدار لم يغيّر من الطلب على السكن ما وراء الخط الأخضر، فإنه ربما أثر إلى حد ما على التقسيم، إذا كان ذلك ما يزال ممكناً – فهو يحيط من الناحية الإسرائيلية ما يسمى بـ”الكتل”. والمقصود بذلك مستوطنات لن يكون هناك حاجة إلى إخلائها وفقاً لمبادرة جنيف، وتلك المستوطنات بلغ عدد سكانها في 2015 نحو 214 ألف مستوطن. وعلى سبيل المقارنة، يسكن في 106 مستوطنات يجب إخلاؤها وفقاً للخطة التي يجري الحديث عنها، نحو 170 ألف شخص.

•إن إحدى المستوطنات التي لا تدخل بتاتاً في مبادرة جنيف هي مستوطنة موديعين التي تقع كلها ضمن حدود الخط الأخضر، لكنها تحولت مع مرور السنوات إلى نوع من “مركز كتلة” جديدة من مستوطنات في الضفة مثل نيلي وحشمونئيم.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole