التأثيرات الفنية المتبادلة بين الدولة العثمانية والدولتين التيمورية والصفوية

Spread the love

بقلم: محمد عويس — كانت الزخارف الفنية معياراً للتيارات الفنية المختلفة في الدولة العثمانية، وتعكس هذه الزخارف المراحل المختلفة لتشكيل الطرز في الدولة العثمانية من خلال علاقاتها المتنوعة مع جيرانها، وبالأخص الإيرانيين (التيموريين والصفويين) والصينيين، واتضح ذلك من خلال نقل تيمورلنك، عدداً من الفنانين العثمانيين إلى سمرقند ومراكز الإبداع الفني التيمورية الأخرى في إيران وآسيا الوسطى، وأنتجوا أشكالاً زخرفية، بدا فيها التأثير الصيني المطعم بالذوق الإيراني، وبعودة هؤلاء إلى ديارهم دخلت هذه الأشكال مجال الفن العثماني وتطورت بفضلهم وبفضل كبار الفنانين الإيرانيين، وجاءت الموجة الثانية من المساهمة الفنية الإيرانية بعد انتصار العثمانيين في معركة جالديران عام 919 هـ/ 1514م، واستيلائهم على مدينة تبريز ومدرستها الشهيرة في الرسم والمتميزة بالتجديد والتي تعد وريثة الطراز التيموري.
وقد أشارت الباحثة شيماء محمد عبدالرافع في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه (التأثيرات الفنية المتبادلة بين الدولة العثمانية والدولتين التيمورية والصفوية 771/1148هـ - 1370/1736م) إلى أنه وبانتقال الفنانين والرسامين الصفويين إلى اسطنبول، نشأت أساليب جديدة في التعبير الفني، مثل طراز ساز، والذي تطور على يد الفنانين العثمانيين، وأصبح مقترناً بالفن العثماني، كغيره من الزخارف، مثل الزخارف المجردة التي تشبه قشور السمك، وزخارف القواقع البحرية المستمدة من الفن الصيني، والزخرفة التي تحمل شكل المشكاة التي تتدلى من المحراب، والتي انتقلت من الفن الإيراني، وزخرفة الرومي والهاتاي.
وأضافت أن الفن العثماني استحدث استخدام الزخارف النباتية الواقعية، والتي اعتمد عليها الفنان بصورة أساسية في شتى التحف التطبيقية، وتتألف هذه الزخارف عادة من رسوم الأفرع والأوراق النباتية والبراعم والأزهار، مثل زهرة شقائق النعمان (زهرة الاله)، والقرنفل والورد وسلطان الغابة (زهرة العسل)، وكف السبع وزهرة عمامة السلطان والرمان، إلى جانب رسوم الأشجار، بخاصة شجرة السرو، وكان الفنان يمزج بين هذه العناصر النباتية بمهارة فائقة، وعلى رغم الروح الزخرفية التي سادت معظم التصميمات والتكوينات إلا أننا نجده في كثير من الأحيان يرسم هذه العناصر النباتية وكأن الحياة تدب فيها، فمثلاً نجد الفنان يعمد إلى ثني أطراف سيقان بعض هذه الأزهار، لتظهر وكأنها في باقة ضغطت بقوة إلى داخل قاع الإناء، فانكسرت هذه السيقان لطولها.
وتوزعت مادة الدراسة على خمسة فصول: تناول الفصل الأول أهم عوامل انتقال التأثيرات الفنية، أما الفصل الثاني فقد تناول التأثيرات الفنية بين الدولتين التيمورية والصفوية وبين الدولة العثمانية على الخزف، والذي ينقسم بدوره إلى بلاطات خزفية تخص العمائر، وأوان خزفية. وصناعة الخزف هي دون شك أبرز عناصر الفن العثماني منذ الربع الأخير للقرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي، حيث ظهرت في هذا الفن المهارة والتقنية، والتجديد الذي كان نتيجة امتزاج التيارات الفنية داخل الدولة مع تلك الآتية إليها من الخارج، أي من إيران والصين، فقد كان الطراز الأول على الزخارف الخزفية في السنوات ما بين 879هـ- 884هـ/ 1475- 1480م، منمنماً جداً، ثم بعد ذلك وتحت تأثير «شاه قولي» وهو فنان إيراني الأصل وكان يشغل وظيفة رئيس نقش خانة السلطانية آنذاك، ظهر الطراز المعروف بساز الذي يتضمن أوراقاً طويلة مقوسة ذات أطراف مشرشرة، ثم خلفه في رئاسة النقش خانة «كارا ميمي» الذي نشأ على عهده أسلوب جديد في رسوم الأزهار التي تميل إلى تقليد الطبيعة، والذي أطلق عليه اسم الأزهار الأربع لأنه يضم أنواعاً من أزهار القرنفل والخزامي والورد والزنبق، والتي رسمت حرة تخرج من أرضية الطبق، ودون أن تحصر داخل جامات أو دوائر. ثم ما لبث أن انتقل هذا الطراز إلى النسيج والسجاد، وأصبح من أهم مميزات الفن العثماني، الذي انتقل بدوره إلى الفن الإيراني في العصر الصفوي بجانب الأشكال المجردة التي تنسب إلى الفن العثماني من الرومي والهاتاي.
واستعرض الفصل الثالث التأثيرات الفنية المتبادلة بين الدولتين التيمورية والصفوية وبين الدولة العثمانية في المعادن، حيث يظهر التأثير التيموري بوضوح في أشكال بعض التحف المعدنية العثمانية، بخاصة الأباريق التي اتخذت البدن الكروي واليد التي تحمل رأس التنين، وهو طراز كان سائداً في الفن التيموري، وقد عرف أكثر من مئة إبريق من الشكل والمقاس نفسَيهما تمت زخرفتها بهذا الأسلوب، ويحمل العديد منها توقيعات باسم صناعها من هراة، ومن تواريخها نستطيع أن نعرف أنها أنتجت في الفترة التي تمتد من النصف الثاني من القرن التاسع وحتى العاشر الهجري (15، 16م).
كذلك تظهر التأثيرات الإيرانية في أشكال الزخارف المختلفة مثل الزخارف النباتية، فتظهر زخارف الأفرع الملتفة وأنصاف المراوح النخيلية، والزخارف الحيوانية المتمثلة في الحيوانات الحقيقية والخرافية التي كانت سائدة في الفن التيموري مثل التنين والعنقاء والثعابين الملتفة الذيل، ويبدو التأثير العثماني في اتخاذ الزخارف النباتية القريبة من الطبيعة من أزهار كف السبع والقرنفل وزهور الهاتاي المحورة، وهي من طراز الفن العثماني.
وناقش الفصل الرابع التأثيرات الفنية المتبادلة في النسيج، فتبدو طريقة رسم العناصر الزخرفية داخل مناطق لوزية الشكل أو جامات من تأثيرات الفن التيموري في الفن العثماني، وكذلك تبدو التأثيرات من خلال رسم العناصر النباتية والتي تتخذ الطابع التيموري والتي جاء بعضها مقتبساً من الفن الصيني، وتبدو التأثيرات الفنية العثمانية في الرسوم النباتية التي تقترب من الطبيعة ومعظمها زهور وأشجار اشتهر بها الفن العثماني، وانتقلت إلى الفن الإيراني في العصر الصفوي، وظهرت على المنسوجات إلى جانب العناصر الزخرفية الرئيسية التي تزخرف هذه القطع من مناظر صيد أو مشاهد الغابات التي تتضمن مناظر أدمية وغيرها.
وعرض الفصل الخامس التأثيرات المتبادلة في السجاد، وإن كان ما وصل إلينا من سجاد تيموري يعد نماذج قليلة، إلا أنه وردت صوره وأشكال على العديد من صور المخطوطات التيمورية التي وضحت لنا طرزه وأشكال الزخارف عليه، ويعد نمط السجاد ذات الصرة أهم التأثيرات الإيرانية في السجاد العثماني، كذلك انتقلت نمط الزخارف النباتية الطبيعية والزخارف المحورة من الهاتاي العثماني إلى السجاد الصفوي، وظهرت نماذج كثيرة منه على هذا السجاد. وزودت الدراسة بألبوم مستقل للوحات، يضم ما يزيد على ستمئة لوحة، كما اشتملت إتماماً للتوضيح على عدد من الأشكال، وثبت لأهم المصادر والمراجع العربية والأجنبية.

المصدر: صحيفة الحياة

Optimized by Optimole