إسرائيل .. عدوان لدود للطفولة الفلسطينية

Spread the love

بقلم: د.فياض الفياض — في اربعينيات القرن الماضي كنا اطفالا صغارا نلعب على بيادر القرية .كان كل شي يستهويني ويشد انتباهي .كنت واترابي من الاطفال الصغار نراقب كل ظاهرة طبيعية تمر بنا و على مر الفصول خصوصا تلك الظواهر التي كانت تزود مخيلة الطفل بمعان عديدة خلال العام الواحد في ميعادين وفصلين شبه ثابتين تقريبا.انها تلك الرسةم الاهليجية والدائرية او النصف الدائرية او السهمية التي كانت ترسمها الطيور المهاجرة في رحلتي الربيع والخريف ما بين الشمال والجنوب .وام نكن نفكر كثيرا في تعليل هذه الظاهرة المتكررة سنويا كما لم يكن هناك من يعيننا في تفسيرها لنا .كنا نستمتع بها كما نستمتع بموسم الرنجس (النرجس)وقرن الغزال فنخصص يومي الخميس والجمعة من كل اسبوع لقطافها .كما منا نستمتع بموسم حصاد القمح والذرة ودوار السمسم وموسم الزيتون الذي كان له رونق خاص في طفولتنا واذهاننا وما يتخلله من ممارسات تراثية رائعة ,ولعل اهم ما فيها ان معصرة العائلة قد الحق بها مولد كهربائي صغير (دينامو) يستطيع اضاءة بيوت الحارة وساحتها الرئيسة اثناء هذا الموسم المبارك وكنا نود الا ننام ما دامت الكهرباء مضيئة .فيا لها من متعة رائعة اراحتنا من عناء اضاءة قناديل الكاز والسرج ردحا من الزمن .اثناء تلك الفترة كانت تبدا اسراب الطيور المهاجرة بالمرور في اجواء القرية.كنا نتوقف عن اللعب وقتا ما لنستمتع بهذا المنظر البديع ونحن نحدق الى السماء عندئذ يرتفع غناونا بصوت واحد مرددين:
ابو الساعد دور…دور
امك راحت عالقبور..
وابوك راح عالجبل
دق راسه بالحجر
ابو الساعد دق الرعد
طير وعلي يا ابو الساعد
طير وعلي يا ابو الساعد
هكذا كان يستمر انشادنا الى ان تختفي تلك الاسراب وراء الافق.
كانت البيادر تحيط بالقرية من كل الجهات احاطة السوار بالمعصم .كانت في موسم الحصاد تمتلى كلها بالغلال وباكوام قش القمح والشعير والذرة البيضاء.التي كانت تصنع منها اقراض الكراديش وهي نوع من الخبز يصنع من دقيق الذرة البيضاء .كنا نستمتع ونستبشر بهذا الخير العميم الذي كانت تغدقه علينا ارض فلسطين المعطاء.
كانت هذه الغلال يتم درسها على البيادر بواسطة لوح الدراس او النورج اللذين تجرهما الخيول .اما نحن فنستمتع به قبل ان يطحن القش واستخراج البر منه.
نلعب لعبة الطمة ونختفي داخل اكوام القش غير هيابين من الحشرات والزواحف . الى جانب الطمة (الطمامية) كانت تستهوينا لعبة (السبع رظفات)ولعبة الكورة والعاب البنانير المختلفة حتى صرت اتقن الطقش والصيب جيدا فاربح كثيرا واريح الوالدة من طلب المصروف .. كما لا استطيع نسيان لعبة (شربت حليب ودارت) ولعبة (اولك يا اسكتدراني ) التي كنا نلعبها بالقفز فوق ظهور بعضنا البعض حيث كان منا ان يحني ظهره بالتوالي واحدا بعد الاخر طوال فترة تداول الانحناء والقفز على شكل لعبة جمباز مبسطة ونحن نردد :
اولك با اسكندراني
يا ابو عيون الغزلاني
قتلني …ما قتلته
ما قتلني الا ابن عمي
في تلك الفترة ايضا كانت تعبر قريتنا جماعات من النور الرحل متجهين الى الاغوار شتاء والى الجبال صيفا .كان منظر سرب الحمير محملة بعفشهم واطفالهم ونسائهم وكلابهم الشرسة في موخرة الموكب .كانوا يتلفظون بكلام لانفهمه مستفزين شقاوتنا فنقف على اسطح المنازل والبيادر نمطرهم بوابل اغانينا الساخرة :
يا نور يا زلط
خيلكم بتنط
ميتكم بيبركتكم
الله يقطع زرعتكم
ماهم فكانوا يمطروننا بوابل شتائمهم وبذاءتهم المعهودة .كلما اشتدوا بالشتائم اشتد وعلا غناونا حدة وضحكاتنا تملا الافق الى ان يتدخل رجل من اهل القرية فيصيح بنا فنسكت …ويسكتون ,ثم ينهال على النور بالتانيب والتقريع .في شهري تشرين الاول والثاني من كل عام نستقبل باكورة موسم المطر الذي غالبا ما يكون على شكل رذاذ او زخات قصيرة ,كنا نستقبلها بما تستحق من الحبور والترحاب ,فنخرج تحت المطر المنهمر حفاة وشبه عراة ونحن نفرك رووسنا بايدينا …. مرددين:
امطري وزيدي على قريعة سيدي
سيدي بالمغارة
ذبح قط وفارة
اجا الكلب شمه
راح يعيط لامه
قالت له :
مالك … مالك
عله تيجي عطحالك
ضربته بالشخطورة
طلعت عينه معوورة
..
امطري وزيدي
بيتنا حديدي
عمنا عبد الله
رزقنا على الله
ثم نبدا بالدوران حول انفسنا ونحن نواصل فرك رووسنا بايدينا ونصيح :
تحممي يا شوشتي … تحممي يا شوشتي …
قد يحلو اللعب ويحمى الوطيس …فندس رووسنا تحت مزاريب المطر الساقط من الاسطح او نقف كلنا تحته والكبار ينظرون الينا ويقولون مسرورين : دم الاطفال حامي مثل دم الزغاليل…
كلما اتذكر تلك الطفولة الرائعة الغنية بالمتع التي لاتحصى ,ارثي لحال اطفال اليوم الذين لايجدون مكانا للعب الا في الشوارع الضيقة او امام الكمبيوتر والتلفاز …الخ اذ انهم لا يعرفون تلك الالعاب سالفة الذكر حتى ولو بالاسم .
في سنة 1948 احتلت اسرائيل القرى والمدن الساحلية الفلسطينية كلها , كما احتلت هيرة الاراضي الزراعية القريبة من قرانا ,حتى غدت بيوت بعض القرى بلا ارض او مصدر رزق مثل قرى شويكة وزيتا وبرطعة وغيرها مم اضطر السكان للبحث عن لقمة العيش في الجزيرة العربية .هكذا نشا جيل جديد في الغربة يسمع بفلسطين ولكنه لم يرها عيانا , وضاع التراث في دروب الغربة .هدذا غدت البيادر التابعة للقرى والمساحات الفارغة لالزوم لها ,كما تكاثر الناس وكبرت الاسرة فكانت البيادر هي اولى الضحايا حيث بنيت عليها البيوت الجديدة,
اصبحت القرية اكواما من الحجارة كما هي حال المدن ,كما تقوقعت الطفولة في المنازل والازقة الضيقة لقتل الوقت , كما اختفت اهازيج الطفولة الموسمية الرنانة .ظلت السنون والعقود تتوالى ورحلات الطيور المهاجرة في الخريف والربيع تمر و لكن بغير بهجة وقد لا يلتفت اليها احد .الى ان اعلن اخيرا ان هذه الطيور مناقيرها تحمل لنا الويلات والامراض الفتاكة ,بعدما تحول العالم كله الى قرية صغيرة تزخر بالاوبئة المختلفة .سمعنا في فترة الثمانينات من القرن الماضي ان فيروس الايدز انما هو من صنع الانسان حيث انتجته وطفرته مختبرات وكالة المخابرات المركزية الامريكية ضمن استعداداتها للحرب الجرثومية اثناء فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي . ترى من اوجد فيروس هذا المرض اللعين (انفلونزا الطيور)…؟؟
هل هي الطبيعة نفسها ام الانسان الجاهل عدو نفسه – الله اعلم ولله في خلقه شوون ….؟؟ اما بالنسبة لنا كفلسطينيين فقد تحالف الانسان الغازي المحتل مع فيروس انفلونزا الطيور للاجهاز على براءة طفولتنا المعذبة .حتى اننا اصبحنا ننظر الى اسراب الطيور المهاجرة بعين الريبة والخوف , لدرجة ان ابني الاصغر قد اخذ يلح علي بضرورة ابادة ازواج الحمام التي نقتنيها في القن المغلق كليا التابع للمنزل ,بعدما سمع وقرا في الصحف ان سربا من الحمام يربيه مواطن تركي على سطح منزله قد اصابته هذه الجرثومة اللعينة ,هكذا اذن تتحول المتعة الى وبال و شر مستطير , ويتحالف الانسان مع غوائل الطبيعة لاغتيال طفولة شعب ما او شعوب كثيرة…؟؟؟؟ انه بلاء من السماء والطبيعة و الانسان معا,فهل بعد ذلك من يلاء …..؟؟؟؟
قتل امرى
في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب امن قضية فيها نظر ….؟؟؟

Optimized by Optimole