بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —
•طوال الشهرين الأخيرين تبلورت على حدود غزة قواعد لعبة واضحة، لم تخرقها تقريباً إسرائيل و”حماس”. فكل يوم جمعة، وأحياناً في منتصف الأسبوع أيضاً، كانت “حماس” ترسل الجمهور للتظاهر على طول السياج على حدود إسرائيل. وعلى الرغم من سقوط أكثر من 100 قتيل وآلاف الجرحى الفلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي، فضّلت “حماس” المحافظة على المواجهة في منطقة السياج.
•لقد امتنعت الحركة ليس فقط من إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بل منعت أيضاً الفصائل الفلسطينية الأُخرى من تنفيذ هجمات انتقامية. وتصرفت الحركة بهذه الطريقة انطلاقاً من اعتبار واضح: عدم المسّ بتسويق سردية نضال شعبي فلسطيني في مواجهة القناصة الإسرائيليين، مع أنه تحت غطاء التظاهرات وُضعت عبوات ناسفة وقاد عناصر الذراع العسكرية في “حماس” تحت غطاء التظاهرات محاولات اختراق جماهيري للسياج.
•بنظرة إلى الوراء، يبدو أن “حماس” بدأت بتغيير توجهها بعد أحداث يوم النكبة في منتصف أيار/مايو، حين قُتل 60 فلسطينياً. هذا العدد الكبير من القتلى أثار اهتماماً دولياً كبيراً، لكن الحركة لم تخرق السياج الحدودي الإسرائيلي، ولم تخرق أيضاً الحصار على غزة (باستثناء تسهيلات موقتة سمحت بها مصر من خلال فتح معبر رفح).
•في الأسابيع الأخيرة سُجل عدد أكبر من الحوادث على طول السياج. إرسال خلايا إلى الجدار، تخريب عتاد للجيش الإسرائيلي ومواقع على طول الجدار أقامتها وزارة الدفاع ضد الأنفاق، زرع عبوات وغير ذلك. جزء من هذه الأحداث له علاقة، على ما يبدو، بناشطين تابعين لـ “حماس”، الأحداث الأُخرى لها علاقة بتنظيمات أُخرى. ويدّعي الجيش الإسرائيلي أن جميع هذه الأحداث جرت بموافقة الحركة وأحياناً بمبادرة منها.
•أدى ازدياد الأحداث على طول السياج إلى ارتفاع حدة الرد الإسرائيلي: في الأول من أمس (الأحد) وفي أعقاب زرع عبوة ناسفة بالقرب من السياج، أطلقت دبابة إسرائيلية النيران وقتلت ثلاثة ناشطين من حركة الجهاد الإسلامي كانوا في موقع مراقبة قريب. يوم أمس وفي حادثة أُخرى قُتل ناشط من “حماس” بنيران الجيش الإسرائيلي.
•قرابة الساعة السابعة صباحاً أطلقت حركة الجهاد الإسلامي عشرات من قذائف الهاون على طول المنطقة، اعترضت معظمها بطاريات القبة الحديدية. وهذا دليل إضافي على تحسن مدى رد المنظومة، التي لم تُطوَّر في الأساس قط لمواجهة تهديدات من مسافة بضعة كيلومترات، بل صواريخ مثل القسّام والكاتيوشا والغراد فقط.
•لم يوقع القصف الصباحي إصابات، لكن قذيفة واحدة سقطت في روضة أطفال. ليس صعباً التنبؤ بما كان سيحدث وكيف كانت سترد إسرائيل لو أن القذيفة سقطت هناك بعد أكثر من نصف ساعة، في موعد إيصال الأهل أولادهم إلى الروضة.
•طوال السنوات الأربع الأخيرة التي سُجلت فيها فترات تصعيد، ادّعت الاستخبارات الإسرائيلية أن “حماس” لا تسيطر سيطرة كاملة على ما يحدث في القطاع، وأنه في الحالات التي تُطلق فيها صواريخ تواجه الحركة صعوبة في فرض إرادتها على الفصائل الفلسطينية الصغيرة. حالياً تغيرت الأوضاع. لقد أثبتت “حماس” سيطرتها بيد من حديد في الشهرين الماضيين، ووجهت كما تشاء التظاهرات التي بدأت كمبادرة مستقلة من ناشطين في القطاع.
•يجري التحكم في ألسنة اللهب وفق إملاءات تأتي من الأعلى، وبعد يوم من المواجهات المترافقة مع سقوط عشرات القتلى، تأتي أيام لا تقع فيها تقريباً حوادث عنف. وبما أن الجيش توقّع سلفاً رد حركة الجهاد الإسلامي وحذّر منه أول أمس، من المعقول أيضاً أن “حماس” فهمت ذلك، وسمحت زعامتها، على الأقل من خلال غض البصر، بإطلاق الصواريخ.
•في ضوء تبادل الضربات في الأيام الأخيرة، تزعزعت قواعد اللعبة التي فرضتها “حماس” طوال شهري التظاهرات، وسيكون من الصعب على الحركة تقديم النضال الفلسطيني على أنه شعبي فقط. منذ اللحظة التي دخلت فيها حركة الجهاد الإسلامي إلى الصورة، لم يكن مستغرباً إطلاق القذائف والصواريخ، فالحركة تمولها إيران التي لديها مصلحة خاصة في إبقاء التصعيد في الجنوب، بعد أن اضطرت إلى كبح خطواتها ضد إسرائيل في المواجهة في سورية.
•ستؤثر المناوشات العسكرية أيضاً فيما سيحدث في التظاهرات التي من المتوقع أن تنطلق في أواخر الأسبوع. لقد سبق أن أعلنت “حماس” أنها تنوي تركيز جهدها على السياج في 5 حزيران/يونيو، في ذكرى حرب الأيام الستة. “أسطول العودة” الذي نظمته “حماس” اليوم، كتعبير عن مقاومتها الحصار البحري المفروض على غزة، انتهى من دون ضجة كبيرة.
•لقد ألقى تبادل الضربات اليوم بظله على مساعي التوصل إلى اتفاق مستمر لوقف إطلاق النار (هدنة)، في مقابل تقديم تسهيلات مدنية واقتصادية للقطاع. حالياً سيركز الوسطاء، وفي طليعتهم مصر، جهودهم على محاولة وقف الهجمات المتبادلة قبل انزلاق الطرفين إلى حرب. صور اليوم من مستوطنات غلاف غزة هي صور قاسية ومختلفة كثيراً عمّا كانت عليه في السنوات الأخيرة، لكن يبدو أنه لم ينشأ هنا بعد مسار نهايته الأكيدة هي الحرب.
•السبب الأساسي لذلك هو أن الزعامة الإسرائيلية لا ترى هدفاً ممكن التحقيق في حرب على غزة مع الأخذ في الاعتبار الثمن الذي ستضطر إلى دفعه. وباستثناء عضو الكنيست بتسليل سموتريتش (البيت اليهودي) ليس هناك من يتحمس فعلاً لاحتلال غزة من جديد وإحياء المستوطنات في غوش كطيف. رئيس الحكومة ما تزال الأزمة في الشمال تقلقه، بينما الجيش يفضل استكمال بناء الجدار ضد الأنفاق، المستمر حالياً، قبل الدخول في مواجهة عسكرية.
•لا تعترف الحكومة بذلك بصوت عال، لكن “حماس” في معظم فترات التوترات هي عدو مريح جداً بالنسبة إليها. ويبدو البديل الأساسي منها، نشوء فوضى تضع مليوني نسمة من سكان القطاع مجدداً على عاتق إسرائيل، أكثر خطورة. أمّا بخصوص الأفكار المتعلقة بحكم فلسطيني جديد في القطاع، فإنها لا تزال حبراً على ورق فقط.
•رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ربما يقدر، لكنه لا يريد. خصمه محمد دحلان، ربما يريد ذلك لكنه حالياً غير قادر. الأمور يمكن أن تخرج تماماً من تحت السيطرة ويجري التدهور إلى حرب غير مرغوبة وغير مخطَّط لها، تماماً كما حدث في سنة 2014. لكن حتى بعد أحداث اليوم، يبدو أن لدى الطرفين مخرجاً محتملاً قبل السير على مسار الصدام.
المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية
