“داعش” ومعاركه المصيرية: نقاط القوة ونقاط الضعف

Spread the love

بقلم: توفيق شومان* — بعد أيام على بدء العملية العسكرية العراقية حول مدينة الموصل، باتت الأسئلة المطروحة متمحورة حول المدى الزمني لهذه العملية العسكرية، وبالتالي معرفة الساعة المفترضة لدخول الجيش العراقي وحلفائه إلى مدينة الموصل .

وبصرف النظر عما يقوله الأميركيون عن احتمال تحول معركة الموصل إلى حروب كر وفر، مما يعني امتداد العمر الزمني للعملية العسكرية لأسابيع أو لأشهر، فإن التوقف عند توقيت وزير الخارجية العراقية ابراهيم الجعفري لنقطة نهاية المعركة وتحديده آواخر العام الجاري لإسدال الستار على آخر قلاع “داعش” في العراق يترك انطباعاً بان المعركة ضد “داعش” لن تكون خاطفة، كما ترى وزارة الدفاع الفرنسية .

حيال ذلك، قد يكون من المهم، في هذه الآونة بالذات، الحديث عن نقاط قوة “داعش” ونقاط ضعفه، وهنا يمكن القول :

أ: نقاط القوة :

ـ قدرة “داعش” على الإستثمار المتطرف في فشل العملية السياسية في العراق بعد العام2003.

ـ غياب الحل السياسي للأزمة السورية المشتعلة منذ العام 2011.

ـ استغلال ” داعش” لمناخ التمذهب السياسي والإيدولوجي في الشرق الأوسط .

ـ التوظيف الميداني ل “داعش” من قبل قوى إقليمية ترى في التنظيم ورقة ضغط ميدانية ضد خصومها السوريين والعراقيين و حلفائهم الإقليميين والدوليين.

ـ استحواذه على ولاءات عشائرية ليست قليلة الشأن.

ـ تحوله إلى عامل جذب هوياتي لفئات شابة ، تبحث عن ولاءات كبرى على أنقاض الولاءات الوطنية والقومية الجامعة التي عصف الإنهيار بها.

ـ الإنتصارات العسكرية الجامحة التي حققها في النصف الثاني من العام 2014،جعلته موضع استقطاب لأنصار ما يُعرف ب ” السلفية الجهادية”.

ـ تموضعه في مناطق طرفية ،كانت بالأصل علاقتها ملتبسة مع المركز سواء في بغداد أو دمشق ،قبل ظهور “داعش”.

ـ توفيره في المراحل الأولى من سيطرته على مناطق سورية وعراقية ، حدا أدنى من الأمن المفقود الذي عرفته هذه المناطق قبل أن يجتاحها التنظيم ، نتيجة تعدد المرجعيات الأمنية ، كما هي الحال في المثال السوري ، أو جراء ضعف السلطة الأمنية للدولة ، كما هي الحال في المثال العراقي ، حيث كان الحضور الأمني لسلطة بغداد ، شبه منعدم في مدن الموصل والفلوجة وتكريت ، قبيل وقوعها في قبضة “داعش” .

ـ اعتماد “داعش” على قيادات عسكرية متمرسة وذات كفاءة عالية ، لها ماض طويل في الجيش العراقي السابق ، من مثل : وليد جاسم العلواني (أبو أحمد العلواني) ،و عدنان إسماعيل نجم(أبو أسامة البيلاوي)، و سمير عبد محمد الخليفاوي(حجي بكر) و نعمة عبد نايف الجبوري(أبو فاطمة الجحيشي)، وأبو أيمن العراقي.

ـ تهيأ لتنظيم “داعش” مصادر مالية ،ما لم يتهيأ لغيره من تنظيمات نظيرة ،فسيطرته على معظم حقول النفط السورية ، وحقول مماثلة في العراق ، ومصادرته للمصارف ، تحديدا في مدينة الموصل ، فضلا عن تبرعات تصله من قنوات متفاوتة ،بالإضافة إلى رسوم وضرائب يفرضها في مناطق نفوذه ،جعل موازنته السنوية تصل في آوائل العام 2015 ،إلى ملياري دولار ، بفائض يبلغ 250 مليون دولار أميركي.

ـ قدرته على تجنيد عدد كبير من الإنتحاريين ، وهذا ما أكد فرادته ، إذ يملك ميزة استخدام العديد من الإنتحاريين في هجوم واحد، وغالبا ما يلجأ إلى ذلك ، بصرف النظر عن النتائج المتحققة.

ب: نقاط الضعف:

ـ ليس لتنظيم “داعش” مرجعية دينية يستند إليها في سلوكياته وسياساته ،ولم يستطع استيعاب المنظرين الكبار لشقيقه اللدود تنظيم ” القاعدة “، مما أفقده إلى حد كبير المسوغ الشرعي ، وأفقده التنظير الفقهي لصالح البعد العسكري.

ـ في بدايات جموحه العسكري ،تبين أن “داعش” يقوم على مجموعة من المركبات التحالفية ، على رأسها البعثيون وجيش النقشبندية والمقاتلون الأجانب ورؤوس عشائرية ، وبقدر ما تبدو هذه التحالفات مدرجة في سياق قوة “داعش” ،فهي في جانب آخر ، تمثل نقطة ضعف له ، إذا ما ذهب القائمون على محاربته إلى تفكيك هذه التحالفات أو بعضها.

ـ التوسع الميداني السريع بعد منتصف العام 2014 ، دفعه إلى نشر مقاتليه على مساحة جغرافية واسعة ، في ظل محدودية المنضوين في صفوفه.

ـ الحصار الجغرافي المطبق عليه ، ففي حال قررت تركيا على سبيل المثال إغلاق حدودها السورية معها ، وشاركت بفعالية ضده، لا يبقى للتنظيم منافذ جغرافية سوى حيز ضيق على الحدود الأردنية .

ـ وجود ما يُعرف ب ” بالضد النوعي ” في مواجهة “داعش” ، وهي التنظيمات التي تحمل الإيديولوجيا ذاتها ( النصرة ـ أحرار الشام ـ جيش الإسلام )التي يحملها “داعش”، مما يفقده بريق استثنائيته ، ويعطي نظراءه شرعية القتال ضده.

ـ تعتمد استراتيجة “داعش” على إقامة دولة ( الخلافة) أكثر من اعتمادها على محاربة الأنظمة القائمة أو إسقاطها ، وهنا تأتي أهمية كسر هذه الإستراتيجية ـ الرمزية ، مما يعني كسر رمزية إقامة دولة “داعش” ، وربما نقطة البداية في ذلك ، تمر عبر إسقاط شعار ” باقية وتتمدد” ، من خلال استعادة المدن الرمزية الواقعة تحت قبضته ، وخصوصا ، الرقة أوالموصل

ـ في السياق المذكور آنفا، لم يستطع “داعش” إنتاج قيادات رمزية على غرار ” القاعدة ” ، فإلى جانب أسامة بن لادن ، أنتج ” القاعدة” أيمن الظواهري وغيره ، مما أسعفه في الإستمرار بعد مقتل بن لادن ، ومن غير المعروف تماما ، مآل “داعش” في حال مقتل خليفته البغدداي.

ـ غلبة الطابع العراقي على تنظيم “داعش” ،يخفض من تأثيره في مجال ” الجهاد العالمي ” مقارنة ب ” القاعدة” ، على الرغم من بيعة “فروع جهادية” إقليمية ودولية ل “داعش” ، وهذه النقطة تبقى في حيز التساؤل والجدل ،فإذا تم إلحاق الهزيمة العسكرية ب “داعش” في العراق ، يصبح مصيره تحت سؤال الإختبار ،في حين نجح ” القاعدة” بالمحافظة على رمزيته في مجال ” الجهاد العالمي” ،إثر سقوط مركز إمارته الحليفة في أفغانستان بعد العام 2001.

ـ تقلص الموارد المالية ، من شأنه إدخال التنظيم في حلقة الإضعاف ، وأكثرما ينطبق ذلك ، على حقول النفط السورية التي تشكل الرافد الأبرز لتمويل “داعش” ، بعدما فقدت الدولة السورية ما يتجاوز التسعين في المائة من آبارها النفطية بعد العام 2014،ووفقا لما ورد في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في الخامس والعشرين من نيسان / أبريل2016، أن الإيرادات النفطية الشهرية التي يحصل عليها “داعش” تتجاوز الأربعين مليون دولار أميركي.

ـ إيغال ” داعش” في نمط الحكم المتطرف والعنيف في مناطق سيطرته ، لا توسع بيئته الحاضنة ، بل إنها تقلص البيئة المتعاطفة معه ، مع ضروة ملاحظة الفرق هنا بين البيئة الحاضنة والبيئة المتعاطفة ، فالأولى تبقى أقل مساحة وأضيق مجالا.

أخيرا ، يمكن القول إن إحدى أهم نقاط ضعف “داعش” على المستوى ، الميداني، متمثلة بالغطاء الجوي الكثيف لأعدائه ، مما يجعل مسلحيه وتحصيناته ، عرضة لكتل نارية نوعية ،لا يملك “داعش ” أي وسيلة للتعامل معها .

*باحث وإعلامي لبناني.

Optimized by Optimole